صحيفة الاتحاد:
2025-05-15@15:55:33 GMT

علي يوسف السعد يكتب: فاس.. مرة أخرى

تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT

عندما يتعلق الأمر بمدينة فاس المغربية، فإن الكلمات تقف عاجزةً أمام جمالها وتاريخها العريق، لكن دعونا نحاول سوياً رسم صورة بألوان الكلمات عن زيارتي الممتعة والمليئة بالمغامرات لهذه المدينة الساحرة التي دائماً ما تكون ضمن جدول رحلاتي إلى المغرب.
لحظة وصولي إلى مدينة فاس، أشعر كأنني قد خطوت ببوابة الزمن إلى عالم آخر، حيث الأزقة الضيقة والأسواق المزدحمة والعمارة الإسلامية الفخمة التي تتحدث عن تاريخ طويل وعريق.

. في المدينة القديمة، أو ما يُعرف بفاس البالي، والتي بمثابة الوجهة الأولى بين جدول رحلاتي للمغرب، أتجول بأزقتها الضيقة، حيث كانت كل زاوية تخفي في طياتها قصة تنتظر من يكتشفها، من الحرفيين الماهرين الذين يعملون على النحاس والجلود، إلى الأسواق التي تفوح منها رائحة التوابل والأعشاب، ضمن أجواء عجيبة وترحيب مهيب من الجميع.
سأعطيك بعضاً من أسرار فاس الغامضة، مدينة الألف قصة وقصة، حيث تخبئ في أزقتها وأسواقها وبيوتها التاريخية كنوزاً من المعلومات الغريبة والرائعة التي تجعل الزيارة لها ليست مجرد رحلة، بل رحلة استكشافية مثيرة.
 أولاً، هل تعلم أن جامعة القرويين في فاس، التي تأسست في عام 859 م، تعتبر من أقدم الجامعات المستمرة في العالم حتى يومنا هذا؟ وما يجعلها أكثر إثارة للاهتمام هو أن مؤسستها كانت امرأة، فاطمة الفهرية، مما يبرز دور المرأة القوي في المجتمع المغربي القديم.
 ثانياً، في قلب المدينة القديمة، توجد منطقة الدباغة التي تشتهر بأسلوبها التقليدي الذي لم يتغير كثيراً عبر القرون، الغريب في الأمر هو استخدام الدباغين لمواد طبيعية مثل البول والجير في عملية دباغة الجلود، وهو أمر قد يبدو غريباً للزائر العادي، لكنه يضفي على المنتج النهائي جودة ومتانة لا مثيل لهما، لكن خذ حذرك، فالرائحة نفاذة وقوية.
ثالثاً، في إحدى زوايا فاس، توجد مكتبة القرويين التي يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن التاسع، وهي واحدة من أقدم المكتبات في العالم، أتدري ما الجزء الأكثر غرابة؟ أن بعض المخطوطات في هذه المكتبة قديمة لدرجة أنها تحتاج إلى مفاتيح خاصة لفتحها، وهي مخطوطات تعود لأكثر من ألف عام!
رابعاً، فاس معروفة برياضها الساحرة، ولكن ما قد يجهله الكثيرون هو أن بعض هذه الرياض كانت قصوراً للنبلاء والأثرياء في الماضي، وتم تحويلها إلى فنادق فاخرة وبيوت للضيافة، محافظة على جمالها المعماري وزخرفتها الداخلية الفاخرة.
وأخيراً، هل تعلم أن فاس تضم أحد أقدم الأسواق في العالم، حيث يعود تاريخه إلى أكثر من ألف ومائتي عام؟ هذا السوق الذي يعج بالحياة يقدم مزيجاً فريداً من الحرف اليدوية، والأطعمة المغربية الشهية، وأكثر من ذلك بكثير، مما يجعله متحفاً حيّاً يروي قصة تاريخ المدينة وثقافتها، ففي كل زاوية من زواياه، يمكنك العثور على بائعين يعرضون بضائعهم من النسيج اليدوي، الفخار، الجلود، والمجوهرات التقليدية التي تعكس الحرفية المغربية العريقة. 
ويمكن للزوار أيضاً تذوق مجموعة واسعة من الأطباق المحلية كالطاجن والكسكس التي تستمد نكهاتها من التأثيرات الثقافية المتنوعة التي مرت بها المدينة، هذا السوق لا يقدم فقط تجربة تسوق غنية، بل يوفر نافذة على الحياة التقليدية في فاس.. فهل عرفت سبب حبي وعشقي لفاس؟ هذه المدينة الحبيبة المرحبة بزوارها، والتي تفتح ذراعيها لي في كل زيارة.

أخبار ذات صلة علي يوسف السعد يكتب: كرابي.. واحة تايلاندية خلابة علي يوسف السعد يكتب: عاد بي الزمان.. إلى القيروان

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: علي يوسف السعد

إقرأ أيضاً:

ترامب والإعلام .. من يكتب الكلمة

لم يخفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عداءه الصريح لبعض وسائل الإعلام الأمريكية، خصوصًا تلك المعارضة لسياسته، بل اتهمها بأنها كاذبة ومضللة و«فاقدة للمصداقية»، ولا تمثل سلطة رابعة كما كانت عليه فـي السابق. تلك الأوصاف خص بها ترامب وسائل الإعلام التقليدية التي لم تتفق مع رؤيته، والتي يرى أنها تخلّت عن حيادها المهني وتحولت إلى أذرع سياسية تعمل ضده مثلما رأينا مواقفه العدائية عندما رفض إجراء مقابلة مع شبكة ABC بحجة أنهم يكذبون باستمرار وأيضا هجومه الحاد على صحيفة wall street journal والتي قال عنها بأنها خسرت كل مصداقيتها ولم تسلم شبكة CNN الإخبارية من لسان ترامب فقد وصفها بأنها «عدو للشعب».

لكن فـي المقابل، كان لترامب رأي مغاير تمامًا فـي الإعلام الجديد، وتحديدًا فـي منصات التواصل الاجتماعي، فقد امتدح مرارًا تأثير هذه المنصات، ورأى فـيها أداة للتحرر من قبضة الإعلام التقليدي، ومنصة مباشرة للوصول إلى الناس دون وسيط؛ فبالنسبة له «تويتر» (قبل أن يتحول إلى X) لم يكن مجرد تطبيق، بل منبر سياسي يبني من خلاله خطابه، ويحشد أنصاره، ويوجه رسائله. حتى عندما تعرّض للحظر، لم يندم على استخدامه، بل أطلق لاحقًا منصته الخاصة «Truth Social» فـي محاولة لبناء إمبراطورية إعلامية موازية تخرج عن سلطة التحرير والتدقيق. ثم جاء الاستحواذ على «تويتر» من قِبل الملياردير إيلون ماسك -أحد الأصوات المحافظة المقربة من فكر ترامب- ليُعيد المنصة إلى الساحة كمنبر حر يتماهى مع خطابه، بل ويعيد له حضورًا غير مباشر فـيها.

وفـي مشهد آخر، لم يُخفِ ترامب إعجابه بتطبيق «تيك توك»، رغم أنه كان قد لوّح سابقًا بحظره، لكنه أدرك لاحقًا أنه أداة فعالة للتأثير على وعي الشباب وتشكيل المزاج الشعبي بعيدًا عن قوالب الإعلام التقليدي.

هذا التباين فـي مواقف ترامب يمكن أن يثير سؤالًا عميقًا هل لا يزال الإعلام التقليدي يتمسك بقيم مهنية عالية فـي الرقابة والمحاسبة ونقل الأحداث بكثير من الحياد والموضوعية، فـي وقت يتساهل فـي تلك القيود والمعايير كثير من منصات الإعلام الحديث التي تحمل شعار «سلطة بلا قيود» وتغري الجمهور بخطاب سريع الانتشار، لا يتطلب أدلة، ولا يخضع للتحرير أو التحقق. أم أن ذلك على الجانب الآخر لا يتعدى سوى محاولة لرفع معدلات المشاهدة والاستماع والقراءة وهذا هو ديدن الإعلام ككل والأمريكي بصفة خاصة الذي يجد فـي كثير من الفضائح مادة مغرية ودسمة له.

سؤال قد يصعب الإجابة عليه بدقة، فالمشهد الإعلامي لم يعد كما كان، فقد تداخل التقليدي بالحديث، وذابت الحدود بين الصحفـي والمغرد، وبين المذيع وصانع المحتوى، وبين الخبر والرأي. ولم نعد نعرف، على وجه اليقين، أي الأجندات تخدمها هذه المنصات، وأين تقف الحقيقة وسط هذا الضجيج المتسارع. فالإعلام اليوم، بمختلف أشكاله، بات ساحة صراع معقّدة، تتقاطع فـيها المصالح السياسية والاقتصادية والتجارية، وتُدار أحيانًا بذكاء يفوق قدرة الجمهور على التمييز. وهنا تكمن خطورته: ليس فـي ما يقوله، بل فـي ما يخفـيه أو يمرره بسلاسة تحت عباءة الترفـيه أو التحليل.

فـي زمن التحولات الإعلامية المتسارعة، لم يعد السؤال عن تأثير الكلمة، بل عمن يكتبها، ولمَن تُوجَّه، وكيف تُصاغ. فقد بات الكل يتسابق على وسائل الإعلام، كلٌ بطريقته الخاصة: دول تؤسس منصاتها الرسمية، ومنظمات تصنع رؤيتها الخاصة، ومؤسسات تروّج لأجنداتها، وأفراد يسعون لأن يكونوا منصات متنقلة تعبّر عن قناعاتهم، أو توجّه الرأي العام وفقًا لمصالحهم. لقد أصبح امتلاك منبر إعلامي -مهما كان حجمه- أداة لا غنى عنها، وسلاحًا فـي معركة الصوت الأعلى، والتأثير الأوسع.

ترامب، نموذجًا، لم يخرج عن هذا الإطار، بل صار أحد أبرز رموزه؛ فها هو يهاجم الإعلام التقليدي بضراوة، ويحتفـي بمنابر جديدة تتيح له تمرير رسائله، والتضييق فـي الوقت نفسه على الأصوات المناوئة له. وهنا، يبرز سؤال جوهري: من يكتب الكلمة اليوم؟ هل هو من يملك المال والجاه والنفوذ، ويستطيع التحكم بخوارزميات النشر والبث؟ أم هو ذلك المؤمن بحرية التعبير، الذي يدافع عن الرأي والرأي الآخر، حتى وإن كان صوته خافتًا وسط هذا الضجيج؟

ربما لم يعد الجواب واضحًا كما كان، فالمعادلة تغيرت، والمعايير اختلطت، لكن الثابت الوحيد أن الكلمة، رغم كل شيء، لا تزال تمتلك قدرة خارقة على الإقناع والتأثير... إذا ما كُتبت بصدق.

مقالات مشابهة

  • يوسف عرفات يعود للساحة الفنية باغنية ” على طاريك “
  • أسرتا إسماعيل وكتوعة تستقبلان المعزين في يوسف
  • لاعب مفاجأة.. محمد يوسف يضع بديلا لـ حمدي فتحي في الأهلي
  • رحل الساحر ولكن.. للثروة حسابات أخرى
  • بالسعودية.. تفاصيل مسرحية «الحكاية سعيدة» لـ يوسف المنصور
  • المصري يحسم موقف فخر الدين بن يوسف بنهاية الموسم.. وغموض حول مصير دغموم
  • ترامب والإعلام .. من يكتب الكلمة
  • رفح.. المدينة التي تحولت إلى أثرٍ بعد عين
  • التكنولوجيا من زاوية أخرى - باقات إنسانية
  • يوسف خميس: أجانب النصر يتعلمون كرة القدم من جديد.. فيديو