السودان: تفاؤل حذر بشأن محادثات جنيف
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
أزمة الحرب في السودان دخلت مرحلة حرجة، ما دفع كثيرين للتعلق بأي بارقة أمل في إيقافها، وهو ما يدفع إلى النظر لمحادثات جنيف المنتظر بتفاؤل حذر.
التغيير: فتح الرحمن حمودة
يتفاءل السودانيون هذه الأيام بالمفاوضات المنتظرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في «جنيف» خلال شهر اغسطس، والتي فتحت نافذة أمل جديدة لإحداث اختراق في قضية وقف الحرب المندلعة منذ منتصف أبريل 2023م.
ودعت الخارجية الأمريكية طرفي الصراع إلى التفاوض في جنيف لإنهاء القتال ووضع حد للكارثة الإنسانية، وتأتي المحادثات بمشاركة أمريكية ورعاية سعودية سويسرية، مع مشاركة الاتحادين الأفريقي والأوروبي، بجانب الإمارات ومصر كمراقبين.
وتأتي الدعوة للتفاوض في وقت يعاني فيه الملايين من ويلات الصراع الذي أدى لانعدام الاستقرار وتوالي المآسي الإنسانية، مما يجعلها طوقاً جديداً يتشبث به المكتوون بنيران الحرب.
«التغيير» استطلعت عدداً من المواطنين بشأن المحادثات المرتقبة، فأعرب أغلبهم عن تفاؤل كبير بإيقاف الحرب وتحقيق الاستقرار، فيما تخوف البعض من تعثر المفاوضات، وعبر آخرون عن أملهم في أن تكون الحلول عملية تنهي المعاناة.
تفاؤل حذروأبدى المواطن أحمد جوكس تفاؤله بأن تؤدي مفاوضات «جنيف» لتخفيف معاناة المواطنين الإنسانية في مناطق النزاع.
وقال لـ«التغيير» إن تفاؤله ينبع من مؤشرات عديدة منها هدوء المواجهات العسكرية في الكثير من مناطق الاقتتال مما يمكن أن يؤدي لتحقيق السلام والاستقرار بشكل كبير.
فيما أعربت الشابة هيام الرضي في حديثها لـ«التغيير» عن تفاؤلها بالمفاوضات المرتقبة رغم مخاوفها من عدم قبول الجيش للدعوة بسبب الضغوطات المفروضة عليه من الجهات التي تدعو لاستمرار الحرب، وأكدت أن هذه الضغوطات تثير قلقها بشأن نجاح التفاوض.
ورأت المواطنة إيمان جبريل أن «جنيف» تمثل فرصة كبيرة للوصول إلى سلام حقيقي إذا تعاملت معها الأطراف المتقاتلة بإرادة صادقة لإنهاء معاناة الناس.
وقالت لـ«التغيير» إن جنيف قد تكون آخر فرصة للوصول إلى سلام شامل وإيقاف الحرب وبدء التأسيس لاستقرار سياسي في الفترة القادمة، خصوصاً إذا انطلقت الأطراف من النقاط التي توقفت عندها في مباحثات جدة والمنامة.
من جهته، قال المواطن عبد الله بشير الذي يدعم أي منبر يؤدي إلى سلام لـ«التغيير»، إنه لا يعتقد أن جنيف تساهم في تحقيق الأمن والسلام بالشكل المطروح حاليا.
وأشار إلى تعنت الجيش الذي قال إنه تسيطر عليه الحركة الإسلامية الرافضة لأي طاولة مفاوضات لأن مصالحهم محققة في ظل استمرار الحرب من أجل استرجاع سلطتهم.
دعم إسفيريوفي ظل تزايد الدعوات للمفاوضات المرتقبة ورغم علو أصوات رافضة وداعية لاستمرار الحرب، تداول ناشطون وحسابات داعية للسلام على مواقع التواصل الاجتماعي تغريدات ومنشورات تحت هاشتاغ «يا جيش أمشي التفاوض» للضغط على المؤسسة العسكرية للمشاركة في المفاوضات، عقب موافقة قوات الدعم السريع.
في هذا السياق، غردت أميمة الجيد على حسابها بمنصة «X» قائلة: «إن السلام يصنعه الشجعان والانتصارات الحقيقية والدائمة هي انتصارات السلام وليست انتصارات الحروب ويا جيش أمشي التفاوض» .
أما منصة «أنقذوا السودان» نشرت تغريدة تقول: «لا مزيد من معاناة الشعب السوداني وتشريدهم وتهجيرهم قسريا ولا مزيد من سقوط واستباحة المدن والقرى وترويع وقتل واغتصاب ونهب المدنيين نعم لإسكات أصوات البنادق والمدافع للأبد».
بدوره، كتب محمد خليل على حسابه بـ «فيسبوك»: «من أول وهلة أي مواطن سوداني بسيط يسمع خبر الجيش وافق يمشي التفاوض تلقي الفرحة باينة عليه دا الموقف الحقيقي البعبر عن الشعب ورغبته في اللحظة دي ودا موقف المنتفعين من الحرب ما عايزينه يظهر للأسف».
من جانبه كتب عماد خليفة: «لا للحرب لازم تقيف تسيطر على الميديا وأكثر من “90%” من الشعب السوداني يقولون لا للحرب نحن الشعب تعبنا منها عايزين السلام يا جيش أمشي التفاوض».
فرصة أخيرةمحادثات جنيف ليست الأولى، فقد سبقتها عدة منابر في جدة والمنامة والقاهرة، إضافة لمبادرات الاتحاد الأفريقي وإيغاد، ورغم أن جميعها لم تحقق سلاماً دائماً، لكن السودانيين يتطلعون بتفاؤل إلى المنبر المرتقب.
ورأى الناشط السياسي موسى إدريس أن الطريقة المتبعة في «جنيف» لا تسهم في تحقيق السلام لأنها تعتمد على منهجية غير واضحة فيما يتعلق بالأطراف العسكرية والسياسية المتصارعة.
وقال لـ«التغيير» إن الواقع في السودان لا يشهد انفصالاً كبيراً بين العسكري والسياسي حيث أن للعسكريين مصالح سياسية مرتبطة باقتصاد الحرب وتاريخ التمليش الطويل.
وأضاف أن السلام والاستقرار ينبغي أن يكون مجتمعياً أكثر منه سياسياً لآن الأطراف الحالية نخبوية ولا ترتبط بشكل وثيق بالمجتمعات، وتابع: بالتالي لن تحقق السلام بسبب التخوفات والمصالح الداخلية للأطراف المتصارعة.
وأشار إدريس إلى أن الدعوة للمفاوضات وجهت للجيش فقط مع رفض البعض لجلوس الجيش والدعم السريع معاً بشكل منفرد، واعتبر أن جلوس الطرفين بمعزل عن الأطراف الأخرى التي تخاف على مصالحها لن يؤدي إلى حل.
بينما أكد الناشط السياسي أحمد توم، تأييده لجهود وقف الحرب، وأشار إلى أن المفاوضات تمثل تتويجاً لمشاورات ونقاشات غير مرئية جرت في الفترة الماضية.
وقال لــ«التغيير» إن منبر جنيف يعد بداية لوقف إطلاق النار وايصال المساعدات، ويؤسس لمناقشات أوسع يمكن أن تقود إلى مشاركة الجهات المدنية وذلك بالنظر إلى حجم الجهة التي قدمت الدعوة وتغيير المنبر والأطراف المشاركة وتأثيراتها على المشهد السوداني و وقف الحرب.
لكن توم عبر عن عدم تفاؤله بمستقبل المفاوضات، ونوه إلى لدى الجيش أكثر من مركز قرار مما يؤثر سلباً على تفاعل الأطراف واستمرار العملية بمعدل متساوٍ، وأوضح أن أحد السيناريوهات المتوقعة هو أن يتعثر التفاوض كما حدث في تجارب سابقة مما يمنع الوصول إلى نتيجة ملموسة.
وومع ذلك، اعتبر أن هناك احتمالاً لتقدم المفاوضات إذ تعتبر فرصة اخيرة للطرفين، وقال إنه حال عدم نجاحها في التوصل إلى اتفاق قد يتم اتخاذ قرار بتدخل قوات حفظ السلام كوسيلة ضغط مما يدفع الأطراف إلى التقدم في مسار التفاوض والوصول إلى نتائج مقبولة على الأقل بالنسبة للمجتمع الدولي والجهات الضاغطة حالياً التي تدعو إلى جلوس الطرفين للتفاوض بهدف تحقيق وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية.
الوسومالاتحاد الأفريقي الاتحاد الأوروبي الجيش الدعم السريع السودان المنامة محادثات جنيف منبر جدةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاتحاد الأفريقي الاتحاد الأوروبي الجيش الدعم السريع السودان المنامة محادثات جنيف منبر جدة لـ التغییر
إقرأ أيضاً:
عادل الباز يكتب: لماذا نتفاوض مع الإمارات؟ وعلى ماذا يدور هذا التفاوض؟ (1/2)
1 خلفية التفاوض : من المليشيا إلى الدولة الراعية
أصبح الحديث علنيًا في أروقة السياسة العامة والخاصة يدور حول التفاوض مع الإمارات، وليس مع المليشيا. فقد انقضى أمر هذه الأخيرة، ويُنتظر إعلان انهيارها التام في أي لحظة مع تقدم طلائع الجيش إلى دارفور.
الحقيقة أن محاولات التفاوض مع الإمارات لم تتوقف، أو لنقل إن مساعي الإمارات للتواصل مع السودان لإيجاد مخرج من مأزقها لم تنقطع. في هذا السياق، شهدنا اتصالين معلنين: الأول في 19 يوليو 2024، حين تواصل محمد بن زايد مع الرئيس البرهان بوساطة إثيوبية عقب زيارة رئيس إثيوبيا إلى بورتسودان. أما المناسبة الثانية فكانت في 20 يناير 2024، حين شاركت الإمارات في مفاوضات سودانية-سودانية فيما عُرف باتفاق المنامة.
هناك العديد من التقارير التي تشير إلى لقاءات غير معلنة، وآخرها تقرير من “Africa Intelligence” الذي أشار إلى رفض الجيش السوداني المشاركة في اجتماع سري مع الإمارات في 12 مايو 2025 بسبب مطالب مبالغ فيها من أبوظبي. ولم يحدد التقرير تلك المطالب، وراجت أنباء أن الإمارات طالبت بضرب الإسلاميين ومنحها استثمارات محددة كشرط لوقف الحرب، غير أن هذه التقارير لم تُؤكد من مصادر رسمية أو مصادر موثوقة. لكن يظل السؤال قائمًا: لماذا التفاوض مع الإمارات؟ وما هي محددات هذا التفاوض؟ وعلى ماذا يدور تحديدًا؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال.
2
عندما يتمدد تمرد داخلي إلى هذا الحد، ويبلغ هذا المستوى من التسليح والمساعدات اللوجستية، ويصمد لسنوات رغم ضراوة المعارك، يصبح السؤال المركزي: من أين له كل هذا الدعم؟
الدعم الكبير والمؤكد الذي تلقته قوات الدعم السريع من الإمارات أصبح حقيقة مثبتة في تقارير الأمم المتحدة، والتحقيقات الدولية، وشهادات شهود الحرب، وحتى في أروقة الكونغرس الأمريكي. لم يعد الأمر محل جدل. التفاوض مع الإمارات إذًا ليس تراجعًا عن مواجهة العدو الداخلي، بل هو اعتراف سياسي بأن المليشيا لم تكن سوى أداة عسكرية لمشروع خارجي، وأن مفتاح الحل لم يعد في الميدان، بل في أبوظبي.
3
لماذا التفاوض مع “دولة العدوان”؟
لأن معادلة الحرب تغيّرت، فمن يملك قرار استمرار أو إنهاء الحرب لم يعد قادة المليشيا، بل غرف التحكم الخارجية. المليشيا فقدت السيطرة على الأرض والشعب وحتى حواضنها، وانتقل القرار العسكري والسياسي والمالي إلى أبوظبي، التي تواصل تقديم الدعم تحت واجهات متعددة: مساعدات إنسانية، مبادرات سياسية، وتأثير مباشر في مراكز القرار في الغرب عبر استثماراتها ونفوذها المالي.
إذن، التفاوض هنا مع من يمول الحرب ويخطط لها ويغذي استمرارها.
4
التفاوض: أداة مكملة للحسم العسكري
التفاوض ليس بديلًا عن الحسم العسكري، بل أداة مكمّلة له. فكما أن النصر في الميدان يتحقق بالإنهاك والتطويق والتقدم، فإن النصر السياسي يُصان ويُستثمر بالتفاوض من موقع القوة.
إذا كانت الإمارات قد استثمرت في الحرب لتحقيق مكاسب استراتيجية أو اقتصادية أو جيوسياسية، فالتفاوض وسيلة لإقناعها بأن كلفة هذه المقامرة باتت تفوق عائدها، وأن مشروعها خاسر على كل المستويات، وأن السودان لن يُدار من الخارج ولا بالمليشيات.
التفاوض هنا هو رسالة واضحة: نحن ندرك من أنتم، ونعرف ما تريدون، وندير الصراع على كل مستوياته العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. التفاوض يُكمل الحسم العسكري.
5
إذا كانت هذه مسببات التفاوض مع الإمارات، فإن شرطًا واحدًا يظل هو الحاسم في أي حديث عن التفاوض، ألا وهو وقف العدوان ابتداءً؛
بمعنى أن تتوقف أبوظبي عن تمويل المليشيا بالسلاح وكافة أشكال دعمها، ثم بعدها يمكن أن نذهب إلى موائد التفاوض.
أما أن يكون السلاح متدفقًا، والإمارات مستمرة في تسعير الحرب بواسطة المليشيا أو وكلائها في المنطقة، حفتر وغيره، فإن ذلك مجرد عبث سياسي ومضيعة للوقت.
6
محددات التفاوض
المشكلة ليست في التفاوض بحد ذاته، بل في محدداته وشروطه. فلا ينبغي أن يُدار التفاوض من موقع المساواة بين طرفين متكافئين، بل من موقع دولة تخاطب دولة أخرى تجاوزت الأعراف الدبلوماسية والسيادة، واتخذت العدوان وسيلة لتحقيق أهدافها.
لذا، يجب أن يُدار التفاوض عبر قنوات دبلوماسية سيادية وشفافة، من موقع قوة، وليس من موقع مساواة مع دولة تجاوزت السيادة.
ثانيًا : التفاوض من موقع القوة.
السودان ليس دولة تابعة ولا خانعة، وهو اليوم في لحظة مفصلية تمنحه أوراقًا تفاوضية نادرة:
فلا استقرار في البحر الأحمر دون السودان، ولا نمو حقيقي في شرق أفريقيا دون ممراته، ولا مستقبل للمشاريع الإقليمية مهما تكاثرت الموانئ دون إرادته المستقلة.
كل هذا يجب أن يكون على الطاولة، لا من باب التهديد، بل من باب إثبات الحضور والندية.
ثالثًا : التفاوض مع الإمارات لا يجب أن يتحول إلى رهن سيادة السودان أو فرض خارطة سياسية على مقاس طرف خارجي.
ما قد يُطلب اليوم كتنازل سياسي، قد يصبح غدًا سببًا في انفجار جديد إذا شعر السودانيون أنهم استُبعدوا لإرضاء جهة أجنبية، أو أن مواردهم نُهبت باسم الاستثمار.
المطلوب اليوم ليس فقط الانتصار في الميدان، بل الانتصار في معركة الحفاظ على القرار الوطني.
طلبات أبوظبي قد تُعرض، لكن قبولها أو رفضها يجب أن يتم من داخل مؤسسات دولة ذات سيادة، وينبغي أن يكون التفاوض شفافًا ومعلنًا. على ماذا نتفاوض مع الإمارات ؟ نواصل في الحلقة القادمة.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب