"التكييش".. وسطاء يقاسمون المواطنين أموالهم
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
غزة - محمد الهمص - صفا
منذ بداية الحرب على قطاع غزة، استهدف الاحتلال الإسرائيلي معظم البنوك، ولم يتبق إلا أفرع محدودة خاصة في المنطقة الوسطى وجنوب القطاع، مما تسبب في أزمة مالية كبيرة لدى المواطنين عند صرف رواتبهم أو وصول حوالات خارجية من أعمالهم الحرة أو مساعدات من الأهل والأقارب في الخارج.
بدأت أزمة السيولة المالية تتكشف بعد شهور قليلة على الحرب، مما دفع عدد من أصحاب مكاتب الصرافة ومن اتخذ من "التكييش" مهنة جديدة له لاستغلال الأمر ورفع سعر العمولة حال موافقة "الزبون" على السحب من خلالهم.
وتتم عملية "التكييش" بتحويل المواطنين مبالغ مالية إلكترونيا لحسابات الوسطاء، مقابل حصولهم عليه نقدا، بعد خصم منه نسبة وصلت في بعض الأحيان إلى 25% مستغلين عدم تمكن العملاء من سحب أموالهم بسبب إغلاق البنوك ونقص السيولة في القطاع.
عبر هذا التقرير نسلط الضوء على معاناة المواطنين في الحصول على أموالهم وقت الحرب، والدور الرقابي للحد من استغلالهم وقت صرف رواتبهم وحوالاتهم المالية.
نسبة كبيرة
لم تتمكن مروة ياسين العاملة في جامعة خاصة في قطاع غزة من صرف راتبها للشهر العاشر على التوالي من بنك فلسطين لانعدام السيولة عدا عن محاولتها المتكررة من سحب راتبها عن طريق الصراف الآلي الوحيد في مدينة دير البلح لكنها لم تفلح.
تقول مروة وهي نازحة في مدينة خانيونس لمعد التقرير، إنه في إحدى المرات حين وصلتها رسالة عبر هاتفها من بنك فلسطين بتحويل راتبها، خرجت من الساعة السادسة صباحا من خانيونس إلى دير البلح حيث أحد أفرع بنك فلسطين.
تفاجأت بطابور طويل غير منظم تحكمه مجموعة ممن وصفتها بالعصابات التي تجبر الموظف على دفع مبلغ من المال فور صرف راتبه، موضحة أن المبلغ مقابل ما يدعون أنه تنظيم الأعداد الكبيرة للوصول إلى جهاز الصرافة، لكن تعتبر ما يجري"بلطجة".
بعد معاناة وساعات طويلة وصلت مروة إلى ماكينة الصرافة لتصرف ألفي شيكل، أخذ منها أحد (الأفراد المنظمين) مائتي شيكل عنوة ودون وجه حق، حتى أنها لم تتشكى عليه، بسبب غياب الجهات الحكومية قسرا نتيجة الحرب.
وتعلق مروة:" منح من يدعون تنظيم الطابور مائتي شيئا كثيرا، لكن في النهاية حصلت على راتبي لإعالة أفراد أسرتي المقيمين في الخيام".
وهنا موقف آخر يسرده وائل حسين – 35 عاما- من سكان مخيم النصيرات، حالته تشبه آلاف المواطنين، فقد حصل على حوالة مالية بقيمة ألفين وخمسمائة دولار من شقيقه في الخارج، وحاول كثيرا البحث عن محل صرافة مقابل عمولة قليلة مقابل السحب لكنه لم يجد إلا واحدا بنسبة 15%.
يقول:" المبلغ الذي حصل عليه الصراف يمكن أن يطعم عائلتي مدة يومين، واضطررنا أن نخبر ذوينا حال أرادوا إرسال حوالات مالية أن يرسلوا قيمة نسبة التكييش أيضا".
ويضيف حسين: لا نستطيع أن نتخذ خطوة للامتناع عن صرف الحوالات، لأننا بحاجة إلى المال فكل شيء سعره مضاعف عشر مرات عما قبل الحرب.
استغلال
في محافظة غزة وشمالها حيث تشتد وطأة الحرب وتزداد فيها المجاعة وانعدام مقومات الحياة، يقول الستيني أبو خالد صيام من حي التفاح،" أرسل لى ابني مبلغ 5 آلاف دولار، لم أستطع سحب الحوالة إلا بعد شهر ونصف (..) ترددت على مكاتب الصرافة والمعارف لكن لم يستجب أحد، فجميعهم أرادوا الحصول على ألف دولار مقابل تكييش المبلغ".
وأكمل قوله:" في وقت الحرب بالكاد تكفي المائة دولار لتوفير بعض الطعام بدء من شراء الحطب حتى تجهيزه".
وأشار إلى أن أحد أصحاب مكاتب الصرافة وافق أخيرا مقابل الحصول على 500 دولار بعد أيام من التفاوض.
بعد محاولات عدة ورفض الكثير من أصحاب مكاتب الصرافة الحديث عن النسبة الكبيرة التي يحصلون عليها مقابل صرف الأموال للمواطنين، تحدث أحدهم على مضض واكتفى بتعريف نفسه بكنيته "أبو عبد الرحمن"
بداية الحديث قال:" إن بنوك السلطة الفلسطينية شريكة في الأزمة من خلال إخفاء عملة الشيكل ووضع الدينار الأردني بديلا له في الصرافات المحدودة التي لا تزال تعمل".
وكشف عن أن بعض التجار يحصلون على السيولة بالتواطؤ مع مدراء البنوك ويساومون الصرافين عليها، كما أن تجار المواد الغذائية أو الخضراوات أو من يدفع ثمن بضاعته عبر التطبيق البنكي للموردين من الضفة الغربية يطلب عمولات عالية لقاء منحهم الصرافين المبالغ النقدية التي حصلوا عليها من السوق بعد بيع بضائعهم، مقابل التحويل إلكترونيا.
وتجدر الإشارة إلى أن سلطة النقد الفلسطينية قالت في بيانٍ لها صدر في شهر مارس من العام الجاري، إن قطاع غزة يواجه أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي الغزيين في الأسواق، وتتفاقم الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي في مناطق عدة من قطاع غزة عن الخدمة.
وأشارت سلطة النقد إلى أن عددا من فروع البنوك ومقراتها تعرضت للتدمير، بسبب القصف الإسرائيلي وانقطاع التيار الكهربائي وتدهور الوضع الأمني.
وأكدت تقارير صحفية أن الاحتلال تعمد استهداف جميع أماكن تسليم الأموال، عدا عن قصف جميع أماكن الصرافات الآلية لبعض البنوك في غزة، خلال الحرب الطاحنة على غزة ، دمّر الاحتلال أو عطّل كل الفروع في شمال القطاع ووسطه، ولم يتبقّ أي فرع يعمل في القطاع، من أصل 56 فرعاً في كل القطاع.
ومن أصل 91 صرافاً آليّاً كانت تعمل في القطاع قبل الحرب، لم يتبقّ سوى صراف واحد في النصيرات.
في هذا السياق يعلق المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر على سلوك سلطة النقد قائلا:" سلطة النقد وبعض البنوك، مشاركين في أزمة السيولة"، مشيراً إلى أن سلطة النقد لم تتخذ أياً من التدابير التي تحدّ من الأزمة، كتوفير سيولة من البنوك وفتح فروع أكبر لصرف الأموال وضمان عدم تكدس المواطنين وعملاء البنوك أمام الصرافات، كما لم تنجح بإدخال أي مبالغ لأسواق قطاع غزة .
ومع أنّ البنوك في فلسطين تخضع لإشراف سلطة النقد الفلسطينية التابعة للسلطة، فإنها تبقى تحت هيمنة شبه مطلقة لبنك إسرائيل المركزي.
ويعتقد أبو قمر أن تجاوز الأزمة يكمن في العمل على إدخال الأموال للبنوك عبر الوسطاء الدوليين، واستبدال الأوراق النقدية التالفة.
ورأى بضرورة وجود دور رقابي من قبل لجنة الطوارئ الحكومية ولو بالحد الأدنى على مكاتب الصرافة، وإيجاد تكاتف وطني ليساند المواطنين بعضهم بعيدا عن الاستغلال.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: التكييش حرب غزة مکاتب الصرافة سلطة النقد قطاع غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
المقاومة ترفع تكلفة عربات جدعون والاحتلال يمهّد للانسحاب
غزة- ارتفعت الخسائر التي تكبدها الجيش الإسرائيلي مؤخرا خلال المعارك المحتدمة مع المقاومة الفلسطينية داخل قطاع غزة، ليسجل أكبر عدد قتلى في صفوفه منذ عدة أشهر.
وقُتل 20 جنديا خلال الأسبوع الأخير فقط، حسبما كشفت عنه القناة الـ12 العبرية، مما زاد من حدة الانتقادات الموجهة للحكومة الإسرائيلية، واتهامها بمواصلة الحرب من دون وجود خطة واضحة للتعامل مع القطاع.
وبعد مرور 45 يوما على انطلاق عملية "عربات جدعون"، قال جيش الاحتلال للمستوى السياسي إنه يقترب من استنفاد مرحلة العمليات في القطاع، وإن استمرار القتال يعرّض حياة الجنود الأسرى للخطر، فهل يشكل ذلك ضغطا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، لدفعه للتوصل إلى وقف إطلاق النار؟
انتقادات إسرائيلية
ترى أوساط سياسية وأمنية إسرائيلية أن العمليات العسكرية في غزة استنفدت أهدافها، وذلك بعد مرور أكثر من 21 شهرا على الحرب، وهو ما دفع عضو الكنيست عن حزب الليكود عميت هاليفي للقول إن "عربات جدعون" لم تحقق شيئا من أهدافها، وإن الخطط العسكرية التي وضعها رئيس الأركان إيال زامير لا تعكس فهما لكيفية القتال ضد "حرب العصابات"، لأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تزال تسيطر سيطرة كاملة على معظم الأراضي والموارد والسكان.
وسألت مراسلة القناة الـ12 العبرية دانييلا فايس وزير الحرب يسرائيل كاتس: "ما الهدف من الحرب على غزة؟ متى ستقولون: إلى هنا وكفى؟ ما الذي نفعله اليوم بشكل مختلف عما قمنا به في الماضي؟".
وأجاب كاتس: "إن هذه الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل، ولن تكون بلا نهاية، وسيتم الانتهاء منها إذا تحققت الظروف المواتية، ومنها استعادة الأسرى والاتفاق على اليوم التالي".
من جانبه، دعا زعيم حزب معسكر الدولة بيني غانتس إلى ضرورة التوصل لاتفاق يضمن إعادة جميع المحتجزين مرة واحدة من غزة مهما كلّف ذلك، حتى لو كان وقفا طويلا لإطلاق النار.
إعلانويعتقد الكاتب في صحيفة معاريف، آفي أشكنازي، أن كل المهام العسكرية انتهت فعليا في غزة، والرغبة في الاستمرار بالقتال، وإطالة العملية أمر غير ضروري، ويعرّض الجنود للخطر.
وعزز تلك الانتقادات ما بثته فصائل المقاومة الفلسطينية مؤخرا من مقاطع فيديو مصورة لوقوع جيش الاحتلال في كمائن محكمة، ومن أبرزها مقتل 7 جنود من سلاح الهندسة داخل ناقلة جند في خان يونس الأسبوع الماضي، حيث فشلت الجهود لإنقاذهم بعد اشتعال الناقلة بفعل عبوة ناسفة.
تقدم بطيء
ويبدو أن الجيش الإسرائيلي يتجه نحو إنهاء عملياته في قطاع غزة، بعدما أبلغ المستوى السياسي أنه يسيطر على 60% من غزة، وسيسيطر خلال أسبوعين إلى 3 أسابيع على 80%، لكنه حذر من أن ما بعد ذلك سيشكل خطرا على سلامة الأسرى، وطلب من المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" اتخاذ قرار بمستقبل الحرب على غزة.
في هذا الإطار، قال الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة إنه أمام التقدم البطيء والحذِر لجيش الاحتلال، تبدو عربات "نمر" و"إيتان" و"بوما"، التي شكلت عماد عمليات "عربات جدعون" في غزة، وكأنها تتحول إلى فريسة متنقلة في مرمى المقاومة، لا سيما بعد تكثيف عمليات الاستهداف بالقذائف الموجهة والعبوات شديدة الانفجار في مناطق الزنة والسطر الغربي بخان يونس، وشرق مدينة غزة، وجباليا في شمالي القطاع.
وأكد عفيفة -للجزيرة نت- أن المقاومة الفلسطينية سجلت تقدما ملحوظا في تكتيك "اصطياد العربات" وإيقاع الجنود في كمائن نارية، وهو ما دفع الاحتلال إلى استدعاء سلاح الجو لتغطية انسحابات مدرعاته من بعض المحاور.
وأجبرت الأثمان البشرية والمادية المتزايدة -وفقا له- قادة الجيش للحديث على استحياء عن اقتراب نهاية العمليات البرية في القطاع، في محاولة لتهيئة الرأي العام الإسرائيلي لتراجع ميداني لا يمكن تبريره عسكريا.
وحسب عفيفة، فإن حديث جيش الاحتلال عن قرب انتهاء المهمة في القطاع يبدو أقرب إلى خشية من غرق عربات جدعون في وحل غزة، أو إنه تمهيد للانسحاب تحت غطاء تحقيق أهداف تكتيكية، خصوصا مع تصاعد الأصوات داخل المؤسسة الأمنية بضرورة إنهاء الحرب.
ولا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي أن يشكّل هذا المسار العسكري ضغطا إضافيا يُسرّع في الوصول إلى وقف إطلاق نار، حتى لو جزئيا، خصوصا مع تحرك الوسطاء وتجدد الحراك الأميركي خلال الأسابيع الأخيرة.
كابوس مُكلف
يُذكر أن الجيش الإسرائيلي أعلن، يوم 16 مايو/أيار الماضي، توسيع عمليته العسكرية في غزة، وبدء شن ضربات واسعة ضمن ما سماها "حملة عربات جدعون". وقال حينها إن عمليته تمر بـ3 مراحل:
الأولى: توسيع الحرب. الثانية: عملية جوية وبرية بهدف نقل معظم السكان إلى رفح جنوبي قطاع غزة. الثالثة: دخول قوات عسكرية برا لاحتلال أجزاء واسعة من غزة بشكل تدريجي، والإعداد لوجود عسكري طويل الأمد في القطاع بهدف القضاء على حركة حماس، والعمل على هدم أنفاقها بشكل كامل.يقرأ الباحث في الشأن العسكري والأمني رامي أبو زبيدة حديث الجيش الإسرائيلي عن أن مهمته في غزة أوشكت على الانتهاء، بأنه يفتح المجال أمام الوصول إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار.
إعلانواستدرك -في حديثه للجزيرة نت- قائلا: "لكن الجيش لا يمارس ضغطا حقيقيا على رئيس الحكومة لوقف الحرب، ويحيل رؤيته للمستوى السياسي لاتخاذ القرار النهائي، خاصة أن نتنياهو لديه القدرة على تطويع المؤسسة العسكرية لصالح توجهاته السياسية".
ويلمس الباحث في الشأن العسكري قناعة متزايدة لدى الجيش الإسرائيلي وقيادته الميدانية بعدم وجود حل عسكري شامل في قطاع غزة، لا سيما أنه استنفد الأهداف العملياتية الأساسية، ويتعرض لضربات قاسية، وحملة استنزاف في صفوفه. ويشير إلى أن الجيش يرفض التورط باحتلال شامل للقطاع ويعتبر ذلك كابوسا مكلفا وخطيرا، وهو ما تؤكده المعلومات الميدانية.
يُشار إلى أن جيش الاحتلال اعترف رسميا بمقتل 880 في صفوفه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، من بينهم 438 جنديا منذ بدء عملياته البرية، و30 جنديا منذ استئناف الحرب على قطاع غزة في 19 مارس/آذار الماضي.