مجتمعات وسائل التواصل الاجتماعي
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
شهد العالم منذ أكثر من عقد تحولات تقنية هائلة، انعكس أثرها على كافة مناحي الحياة؛ إذ أصبحنا نعيش عصر الأقمار الاصطناعية المتطوِّرة، وشبكات الإنترنت التي أحدثت ثورة معلوماتية حديثة قادت نحو المزيد من التوسعات التقنية ليس آخرها الذكاء الاصطناعي التوليدي وما يشكِّله من انفتاح واستحواذ على العالم التقني ومجتمع البيانات الضخمة.
ولعل من أهم تلك التحولات التي أحدثت تغييرات على مستوى المجتمعات هي وسائل التواصل الاجتماعي، التي يُنظر إليها اليوم باعتبارها نافذة مهمة من نوافذ التواصل مع العالم الخارجي، وقوة إعلامية أصبحت لها مكانة بين وسائل الإعلام المختلفة، ولأنها وسائط مفتوحة فإنها تقدِّم فرصا للتسويق والترويج والتواصل الإعلامي، الأمر الذي دفع العديد من الأشخاص إلى ولوج هذا العالم وإبراز مواهبهم وقدراتهم سواء أكانت مواهب حقيقية أو ترويجا يسعى إلى إبراز قضايا مجتمعية عامة أو متخصصة.
إن عوالم وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت الكثير من التغييرات على المستوى الاجتماعي سواء في مفاهيم التواصل نفسها، أو تحولات في العلاقات والصداقات والنقاشات الثنائية أو الجماعية باعتبارها نوافذ محادثات تفاعلية عبرت حدود العالم، وسواء أكانت تلك المحادثات إيجابية أو سلبية فإنها قدَّمت إطارا مفاهيميا مختلفا للحوارات وبناء التعارف على المستوى الاجتماعي، فالأمر هنا لا يتعلَّق بالمحادثة باعتبارها افتراضية بقدر ما يرتبط بآثارها على المجتمع على المستوى الأخلاقي والقيمي.
ولأن هذه الوسائل التقنية كما يعرِّفها صانعوها (مجتمعات على شبكة الإنترنت)، فإنها تقوم على عالم افتراضي، غير أنها وفق مراحل تطورها قدَّمت نماذج قادرة على التأثير المباشر على المجتمعات الواقعية من خلال ما تثيره من قضايا أو ما تقدمه من محتويات إلكترونية توظَّف من أجل التعليم، أو تقمُّص لهُويات وانتماءات اجتماعية أو سياسية أو دينية أو اقتصادية أو غير ذلك،إضافة إلى تلك الأيديولوجيات الثقافية والفكرية وما تبثه من إعلام إخباري أو تداولات لمعلومات أو ممارسات مغلوطة.
فعلى الرغم من الإيجابيات العديدة التي قدمتها وسائل التواصل الاجتماعي خاصة في مجالات التعليم والتسويق والإعلان، وإبراز المواهب وممارسة الهُويات، إضافة إلى أهميتها الكبرى في مجالات التواصل الاجتماعي والمهني المفتوح مع الآخر، إلاَّ أنها في مقابل ذلك مثَّلت العديد من التحديات من خلال الكم الهائل من البيانات والمعلومات المغلوطة التي تبثها بقصد أو بغير قصد نتيجة انفتاح تلك المواقع وإمكانية البث المباشر ومخاطبة المجتمع دون التفكير بتبعات ما يُبث أو ما يُنشر.
إن انفتاح تلك المواقع وسهولة استخدامها دفعت المجتمعات إلى استحداث العديد من التشريعات والسياسات التي تحد من إشكالات استخدامها وتحدياتها، وتعرضها إلى انتهاكات عدة في التعدي على الحريات الشخصية والتنمر أو ما يمس بأمن الدول وحماية خصوصياتها وهُوياتها الوطنية، والحد من الآثار المترتبة على القطاعات التنموية جرَّاء بث البيانات المغلوطة والمعلومات المظللة، التي قد تؤدي إلى إثارة الرأي العام أو التأثير المباشر على قطاع بعينه مما ينعكس أثره على المجتمع كله.
إن مجتمعات وسائل التواصل الاجتماعي مجتمعات افتراضية تم توظيفها من أجل عرض الأفكار والأيديولوجيات وإنتاج المفاهيم الثقافية الجديدة، التي نُقِلت إلى المجتمعات باعتبارها حداثية، ولذلك فقد شكَّلت وما زالت خطرا على العادات والتقاليد والهُويات عموما، وأصبحت المجتمعات الواقعية تتدافع مع المجتمعات الافتراضية من أجل الحفاظ على خصوصياتها وقدرتها على التطوُّر الحضاري دون أية تأثيرات قد تُحدِث خللا في الركائز الأساسية للمجتمع.
ولعل من بين أهم تلك الوسائط التي توجَّه للمجتمعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي الإعلانات التي باتت تمثِّل شغفا لدى مؤثري تلك الوسائل ومشهوريها، مما جعلها هدفا للكسب والشهرة بصرف النظر عن غاياتها أو انعكاساتها على الفئات المجتمعية المستهدفة، فالإعلانات الرقمية التي تبث عبر هذه الوسائط غالبا ما ترتكز على المأكولات أو الأزياء أو المعتقدات أو الممارسات اليومية، الأمر الذي جعلها قادرة على التأثير المباشر خاصة على فئات الناشئة والشباب، فجعلت الحياة استهلاكية قائمة على الاستهلاك اليومي أكثر من التركيز على المضمون والجوهر.
ولأن الإعلانات الرقمية مؤثرة وأكثر انتشارا بحكم طبيتعها وسهولة ترويجها، فإنها تستخدَّم للترويج للسلع وكذلك الأفكار والمعتقدات، إضافة إلى إمكانيات استهدافات معينة لاقتصاد دولة ما أو سياحتها أو حتى النيل من سمعتها وهدم أو تشويه صورتها الذهنية الحضارية أو الأخلاقية، ولذلك فإن هذه الإعلانات تُعد أخطر الوسائل التي يمكن تبنيها من قبل المؤثرين الذين يمكن أن يتسببوا في تلك الإشكالات عن دراية أو قد يكون عن جهل في ظل السعي نحو الربحية.
إن التطور التقني الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي، واستحداث ضوابط وسياسات تضمن إيجابية استخدامها، وسَّعت أنماط ذلك الاستخدام وعزَّزت تفاعل الناس معها وتبنَّت شبكات دمج دعمت الاستفادة منها في قطاعات الأعمال والعلامات التجارية وفتحت مساحات للإبداع المشترك ومنصات للتفاعل الإيجابي الذي يمكن من خلاله إفادة المجتمعات وتوسيع آفاق التعليم والمعرفة، وعلى الرغم من هذه التطورات التي دعمها عالم الذكاء الاصطناعي على أهميتها وقدراتها، إلاَّ أن الكثير من أفراد المجتمع ما زالوا لا يدركون مكامنها وما يمكن أن تقدمه إذا ما تم استخدامها بطرائق إيجابية؛ بحيث تكون ساحات تعزِّز فعل المواطنة وتقدِّم آفاق متجددة للتطوير والتنمية.
إنها الهُوية الرقمية التي تقوم على معرفة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي للحقوق والواجبات التي علينا جميعا القيام بها في خضم التدافع الكبير الذي يشهده مجتمع العالم الافتراضي؛ فهذه الهُوية تحمي الأفراد من الوقوع في مطبات هذه المواقع وتعرِّفهم بالإمكانات الهائلة التي يمكنهم الاستفادة منها في سبيل تطوير مهاراتهم وتنمية أعمالهم، والحال هنا لا يقتصر على الإعلانات الهزيلة المباشرة التي يقدمها (مشاهير التواصل)، إنما بالإبداعات والابتكارات التي يمكن أن تمثِّل دعما كبيرا للتطوير المعرفي وتنمية القطاعات المختلفة في المجتمعات.
يحدثنا تقرير(توجهات وسائل التواصل الاجتماعي للعام 2024)، أن هناك اتجاهات جديدة وتطوُّرات عديدة سوف تحدث على هذه المنصات والمواقع بسبب الرؤى الجديدة والخطوط العريضة والأفكار الحديثة التي أنتجها الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة، مما سيُسهم في (تسريع عملية إنشاء المحتوى وجعله أكثر مرونة واتصالا)؛ إذ ستشهد وسائل التواصل الاجتماعي ترقية في العديد من الأدوات التي ستمكِّن المبدعين من عرض ابتكاراتهم، وستكون هناك أدوات حديثة متمكِّنة من توليد الأصوات والموسيقى وتوسعة عالية الجودة للأعمال التجارية.
وفي استطلاع أعده التقرير كشف أن الصورة وصناعة الفيديو في هذه المواقع أكثر قدرة على التواصل وفاعلية في الترويج والتسويق؛ إذ يعتقد (أكثر من 92٪ من المسوقين الذين شملهم الاستطلاع أن مقاطع الفيديو توفِّر عائد استثمار كبير)، الأمر الذي يحيل إلى ضرورة التنبه إلى خطورة الصورة في التسويق الإيجابي أو حتى السلبي وقدرتها على البناء أو الهدم في مجتمعنا، فما نبثه من فيديوهات وما ننقله من أفكار أو نسوِّقه من إعلانات تكشف عمق فكرنا وفهمنا للهُوية الرقمية المرتبطة بهُويتنا المجتمعية ومواطنتنا.
إن كل ما ننشره عن أوطاننا أو ما نؤمن به من قضايا وأفكار، أو حتى ما نعتقده في الآخر سواء أكانت أوطان أو جماعات، ذلك كله يكشف هُويتنا ومكامن أخلاقنا وقدرتنا على تحري المصداقية والموثوقية، فلنكن صوتا للحقيقة وصورة مشرقة لوطننا وخُلقا يكشف المكامن الحضارية والفكر المستنير لهذا الوطن الغالي، ولتكن وسائل التواصل الاجتماعي نافذة للتواصل الحضاري ووسائط تقنية واعدة للإبداع والابتكار الخلاَّق.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی العدید من
إقرأ أيضاً:
التضليل الإعلامي .. حرب على القيم والهوية والأمن والاستقرار
تعاني المجتمعات والدول حول العالم، من تزايد المحتويات الإعلامية المضللة، التي تنشر الأكاذيب وتزور الحقائق، وتروج لأجندات تستهدف ضرب الهوية والقيم وأمن واستقرار المجتمعات، ونمو اقتصادها وازدهارها، وتحاول عبر تضليل الرأي العام النيل من قيم التلاحم والتعاضد، الذي بدوره يجر الدول إلى ويلات الدمار والفوضى وفقدان الأمن.
وتقف خلف وسائل الإعلام المضللة دول ومنظمات، هدفها نشر الفوضى والحروب والفرقة، مما يستوجب تحصين المجتمعات وتعريفها بخطورة المحتوى الإعلامي المضلل، والاستعداد لمجابهة تلك المحتويات بإظهار الحقيقة كما هي، وبث الوعي المجتمعي، خاصة في ظل التقنيات والذكاء الاصطناعي.
وأكد مختصون أن الإعلام المضلل يعد واحدًا من أبرز المخاطر التي تتعرض لها الدول اليوم، وتضاهي في خطورتها الحروب المسلحة، موضحين بأن تحصين المجتمع والاستعداد المؤسسي يجب أن يكون ضمن الأولويات.
الدكتور محمد بن عوض المشيخي، أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري، أكد بأن الكثير من الشعوب حول العالم دفعت أثمانًا باهظة بسبب التضليل الإعلامي، خاصة من قبل الشبكات التلفزيونية العابرة للقارات؛ التي تملك جيوشًا من المراسلين ينتشرون في كل ركن من أركان الكرة الأرضية؛ مما جعلها تسيطر على أكثر من 90% من مصادر الأخبار المتداولة في العالم. ونتيجة لهذا التفوق المعلوماتي، تقوم هذه الوسائل بممارسة التضليل الإعلامي، وذلك من خلال استخدام المصطلحات المضللة، وغرس المفاهيم الخاطئة التي يحرص الإعلام الدولي الموجه على غرسها في عقول وأذهان الملايين من البشر.
وأوضح بأن هناك إمكانية لتضليل الناس وخداعهم قبل ظهور الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، خاصة إذا عرفنا أن نظرية "دوامة الصمت" تؤكد على أهمية وسيطرة وسائل الإعلام على المشهد الإعلامي بلا منافس، ومحاصرة الجمهور من خلال هيمنتها على مصادر المعلومات، كذلك تجانس وتشابه العاملين في وسائل الإعلام بسبب القيم والخلفيات العلمية والتدريب، مما ينعكس على المحتوى الإعلامي الذي يقدم في الرسائل الإعلامية.
وأوضح المشيخي ضرورة تبني نهج إعلامي قوي ورصين يُظهر الحقائق، وتكثيف الاهتمام بالإعلام والمحتوى الإعلامي الذي يُظهر الحقائق؛ لكي يبتعد المجتمع عن تصديق المحتويات المضللة، خاصة في ظل تطور وسائل الإعلام والتقنيات المستخدمة.
الحرب الإعلامية
وقال عيسى المسعودي، كاتب صحفي: تؤكد الأحداث أن الحرب الحالية والقادمة ستكون حربًا إعلامية بحتة، بحيث تتخذ بعض وسائل الإعلام أجندة معينة تقف خلفها منظمات ودول، تُحوّل الحقائق والأكاذيب إلى واقع وبطرق مختلفة.
وقال: من خلال التضليل الإعلامي تستطيع بعض وسائل الإعلام أن تُحوّل المنتصر إلى خاسر، والخاسر إلى منتصر، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من الأكاذيب يتم تداولها بصور وأساليب متنوعة، تظهر وكأنها صحيحة، بينما هي مجرد أكاذيب وافتراء وتضليل للرأي العام والمجتمعات.
وأوضح بأن وسائل الإعلام التي تتبنى أجندة مضللة تحاول أن تروج للرأي العام لظاهرة معينة، عبر تركيزها على دول وشخصيات ومؤسسات معينة، حتى تلفت الأنظار لتلك المؤسسات، بشكل سلبي.
وقال: كنا نتابع الكثير من التحليلات عبر العديد من وسائل الإعلام، حسبناها في البداية بأنها حقائق، ولكن مع مرور الوقت تبين زيفها وتضليلها، مؤكدًا بأن ذلك يأتي في إطار سعي تلك المؤسسات الإعلامية لقلب الحقائق.
وأوضح المسعودي بأنه من الضروري أن يكون الفرد والمجتمع على وعي تام لمثل هذه الرسائل الإعلامية المضللة، وأن يُحصن نفسه بالوعي؛ لأن المواطن دائمًا هو الخط الأول للدفاع، لذلك فإن الإدراك والحس الوطني الذي يجب أن يغرسهما الشخص في نفسه تجاه أي محاولات مضللة، يبقى هو السبيل الوحيد الذي يجنب الشخص الانجراف خلف المعلومة المضللة، مشيرًا إلى أن ليس كل ما يُكتب أو يُذاع أو يُبث عبر الوسائل الإعلامية المضللة صحيح.
تقنيات التضليل
من جانبه قال حسن بن علي العجمي، استشاري أمن معلومات وإدارة الكوارث: مع النمو المطّرد لخدمات الإنترنت وكثرة الاعتماد على الإنترنت والتقنية وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، تزداد فرص التضليل والتزييف بشكل كبير عبر مختلف المنصات، خصوصًا مع ازدياد الحروب الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم، الأمر الذي زاد من استخدام تقنيات التضليل والتزييف.
وأوضح العجمي كيفية استخدام التقنية (والذكاء الاصطناعي) في التضليل الإعلامي، وقال: تُستخدم التقنية في صناعة الصور والفيديوهات المزيفة (Deepfakes)، بحيث يتم توليد مقاطع فيديو أو صوتيات لشخصيات معروفة وهي تقول أو تفعل أمورًا لم تحدث في الأساس، مما يخلق واقعًا زائفًا ويؤثر على الرأي العام.
كما يتم التحكم في الخوارزميات عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، بحيث تُظهر المحتوى بناءً على تفاعل المستخدم، أو حسب الأجندات الخاصة بتوجيه الرأي العام، وذلك من خلال التلاعب بالخوارزميات لدفع محتوى مضلل إلى الواجهة.
وأشار إلى أن (البوتات) والحسابات الوهمية تُستخدم أيضًا لإيجاد موجة زائفة من الرأي العام، أو نشر أخبار كاذبة بسرعة وانتشار كبير. بالإضافة لما سبق، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الأخبار، كأدوات توليد النصوص (مثل شات GPT) لإنشاء مقالات وأخبار كاذبة مقنعة تبدو حقيقية، مما يساهم في التضليل الإعلامي والتزييف العميق للحقائق.
وبيّن الاستشاري في أمن المعلومات أن تحريف السياق يعد واحدًا من أخطر الطرق التي تستخدمها الصحف والحسابات الإعلامية لجذب الأنظار والمشاهدات والمتابعات، وذلك من خلال اقتطاع مقاطع أو جمل من سياقها الحقيقي واستخدامها في اتجاه مغاير لتوجيه رسائل مضللة تخدم مصلحة معينة.
وأكد العجمي على ضرورة تعزيز الوعي الإعلامي من خلال تعليم الأفراد كيفية التحقق من الأخبار، وتمييز المصادر الموثوقة، وتحليل المحتوى نقديًا، ورفع مستوى الثقافة والوعي بما يدور حولهم من متغيرات.
كما بيّن أهمية التربية الرقمية والمواطنة الرقمية، من خلال مناهج تعليمية تركز على الوعي الرقمي والمواطنة الرقمية، خاصة للأجيال الشابة، لفهم كيفية عمل المنصات التقنية وأساليب التضليل.
وأوضح أهمية الرقابة الذاتية والتمحيص قبل النشر من خلال غرس ثقافة "توقّف، تحقق، ثم شارك"، هذا الأمر يُعد خط الدفاع الأول على الإنترنت، وتعزيز وسائل الإعلام المستقلة والموثوقة، ومكافحة الحسابات والمواقع الإخبارية الوهمية.
الشك النقدي
من جانبها قالت الإعلامية مديحة بنت سعيد السليمانية: يمثل التضليل الإعلامي وتشويه صورة البلدان تحديًا كبيرًا، خاصة مع التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي ووسائل الإعلام الرقمية.
وقالت: إن المحتوى المضلل يحمل في طياته مخاطر جسيمة على عدة مستويات، من بينها المساس بالسمعة والمكانة الدولية، حيث يمكن للمعلومات المضللة أن تضر بالصورة الإيجابية للبلدان على الساحة الدولية، مما يؤثر على العلاقات الدبلوماسية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وحتى السياحة، فالتقارير غير الدقيقة أو المشوهة قد تخلق انطباعًا سلبيًا غير مستحق.
كذلك على المستوى الاقتصادي، فعندما تتأثر سمعة البلد، يتأثر معها المناخ الاستثماري والسياحي، فالمحتوى المضلل قد يثير الشكوك حول الاستقرار أو البيئة الاقتصادية، مما يؤدي إلى تردد المستثمرين وتراجع أعداد السياح، وبالتالي خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة.
كما بيّنت السليمانية خطورة التضليل الإعلامي في زعزعة الثقة الداخلية وتشويه الوعي العام، موضحة بأنه على الصعيد الداخلي، قد يؤدي التضليل الإعلامي إلى زعزعة الرأي العام، ونشر معلومات مغلوطة بين المجتمع، يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الثقة في المؤسسات الوطنية وتؤدي إلى تفسيرات خاطئة للأحداث والتطورات الجارية في البلاد.
وأضافت: التضليل الإعلامي قد يهدد النسيج المجتمعي، ففي بعض الحالات يمكن أن يستهدف التضليل الإعلامي قضايا حساسة في المجتمع، مما يؤجج الخلافات أو يثير النعرات.
وأكدت أن تحصين المجتمع من التضليل الإعلامي يبدأ من الفرد نفسه، من خلال تعزيز الوعي النقدي والحيطة عند التعامل مع المحتوى الرقمي.
وفي ختام حديثها، بيّنت السليمانية أهمية تحصين المجتمع من التضليل الإعلامي، وقالت: إن هذا الأمر مسؤولية مشتركة تتطلب وعيًا فرديًا وجهودًا جماعية من قبل المؤسسات الإعلامية والتعليمية والحكومية، من خلال تعزيز ثقافة الشك النقدي والتحقق.
الوعي المجتمعي
من جانبه قال عبد العزيز بن أحمد المعمري من جمعية الاجتماعيين العمانية:
تكمن الخطورة في اقتطاع سياق أي معلومة، أياً كان نوعها صحية، قانونية، اجتماعية، سياسية، في تبعاتها من عدم اليقين؛ الذي بدوره سيؤدي لخلق فوضى حول المادة الإعلامية ومحتواها. كما أن التضليل ليس في كل الأحوال أسلوبًا موجهًا ومقصودًا، ففي بعض الأحيان يكون لسبق النشر أو التفاعل حول المعلومة.
وأكد على أهمية الوعي المجتمعي؛ لأن المجتمع هو المستهدف بالمعلومة في جميع اتجاهاتها ويعطيها سلطة الانتشار، فالقانون أو التقنيات قد تكون في مقدمة الحلول، مع أهميتها كأدوات مساعدة.
وقال المعمري: يتعزز الوعي المجتمعي بامتلاك مهارات التفكير الناقد والتحليل بمستوياته، واستقصاء المصادر الموثوقة، وعدم التسرع. وعلى الرغم من صعوبة تطبيق ذلك عمليًا لكل فرد، لارتباط جذوره بالتنشئة الاجتماعية والتعليم والعولمة والعديد من العوامل، فمن الضروري نشر وسائل الوعي، لتكون خطوط المواجهة للتضليل الإعلامي، من تفكيك المفاهيم إلى تفنيد الأفكار.