عربي21:
2025-05-16@11:13:15 GMT

حرب غزة في سياق عالم يزداد توحشا

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

عالمٌ غريبٌ هو ذلك المعاصر الذي نعيش فيه، ولئن كان المطالبون بالتغيير في القرن الماضي، خاصةً في أعقاب المسلختين الكبريين المسميتين بالحربين العالميتين الذين هاجموا القسوة والتوحش والاستغلال، مطالبين حالمين بعالمٍ أكثر عدلاً، تحدوهم آمالٌ عريضة، قائمة على نظرياتٍ بدت راسخةً غنيةً صلدةً ومتماسكة، فالشاهد أن العالم الآن يزداد توحشاً، مع فارق أن أملاً ما، وعداً أو مشروعاً لا يلوح في الأفق، كل ما هنالك هو السعار المتلفع أحياناً بالنفاق، والسافر الصفيق أحياناً أخرى.



لا شك أن همي الأكبر هو حرب الإبادة على غزة، وما يتعرض له شعبنا من تدميرٍ متوحشٍ، بالإضافة إلى كونه ممنهجاً.
المشروع الصهيوني هو مشروع نفيٍ لأي إمكانية للاستقلال والنهوض العربيين الحقيقيين
في الحقيقة لا يروعني إجرام الكيان الصهيوني في حد ذاته، فأنا لم أمِل يوماً لتصديق الأوهام المبثوثة بغزارة عبر وسائل الإعلام العربية، عن إمكانية ما يسمى بـ»السلام»، أو العيش المشترك ولم أبتلع اختراعات وهمية كهذه، فأنا على يقين من أن المشروع الصهيوني هو مشروع نفيٍ لأي إمكانية للاستقلال والنهوض العربيين الحقيقيين.

لكن ما فاجأني هو ذلك الكم المذهل والمرعب من انعدام المبالاة، التي تتلقى بها الأنظمة العربية والحكومات الكبيرة والفاعلة شرقاً وبالأخص غرباً أنباء مجزرة الشعب الفلسطيني.



في ما مضى، كانت هذه الدول على الأقل تتظاهر بالاهتمام، بأنها تدرك أن كارثةً إنسانيةً بشعة تقع، وأنها تسعى لإيقافها وإنقاذ الناس الأبرياء، وفي حالة الأنظمة العربية فإنها تشفع ذلك بإبراز ضعفها الذليل كالمتسول بعاهته، كانوا يبذلون جهداً ليبدوا مقنعين.

أما الآن، فلا شيء قريبٌ من هذا، كأن ما يحدث يقع في المريخ، عالمٌ غريب بالفعل، في مرحلةٍ ما هلل فوكوياما لنهاية التاريخ واستقراره في خانة الليبرالية على الطراز الأمريكي وقبل ذلك كان دانيال بيل قد تناول «نهاية الأيديولوجيا».

لكن ما نراه اليوم هو اضمحلال تام لمفهوم القيمة البشرية وارتداد إلى ما قبل الحداثة والقيم الكونية وحقوق الإنسان.

كتبت وغيري من قبل أن حرب غزة كاشفة، إلا أنني لا بد أن أقرر أيضاً أن أحداً لم يكن يتصور مدى ما ستكشفه ولا أين سيقف.

لقد اتضح على ضوئها أن العالم، والدول الكبرى بالأخص، في صراعها المحتدم على السيادة، بين إمبراطورية أمريكية تنحسر، أو على الأقل تقف في مواجهة قوى صاعدة، قد تحللت من عبء الادعاء بالمبادئ، كأن لسان حالهم يقول «نحن نخوض حرب بقاء ومعركةً وجودية فلا وقت لدينا لتلك اللطائف».

والشاهد أن إسرائيل ليست وحدها التي تجنح نحو اليمين المتطرف، بل إن هذا جزءٌ من تيارٍ عالميٍ عريض، لم نر آخره في اقتراب «حزب لوبن» في فرنسا من الفوز في الانتخابات وترامب بأفكاره الكارثية.

من هذا المنطلق، وفي السياق ذاته، فقد صاروا يراهنون ويعولون ويعمدون عمداً إلى زرع البلادة والتوحش في الشعوب، لكي تتقبل ذلك الصراع. لقد صرنا نصحو ونبيت كل يوم على أخبار العشرات، بل المئات من الشهداء في غزة، حتى وقع ما كنا نخشاه ونحذر منه: لقد اعتاد الناس على ذلك وألفوه.

هو عالمٌ جديد شجاع ليس بعيداً عن الذي تنبأ به هكسلي، عالمٌ قبيح، حيث تُساق الجماهير الواسعة من قبل المصالح الكبرى المستترة بالقوميات الشعبوية، إلى طمس القيمة والكرامة الإنسانيتين.

ملمحٌ آخر لافت هو أنه على الرغم من المظاهرات، وما بدا من تعبيرٍ عن السخط على الدور المنحط للحكومات الغربية في حرب الإبادة تلك، إلا أن الحكومات لم تغير مسارها.

بل آثرت أن تنتهج سياسة النفس الطويل والمرونة، إلى أن تستهلك موجة السخط نفسها ثم تنحسر، والنتيجة أنه عقب أن انتهى العام الدراسي وتدخل الأمن في الجامعات، فُضت الاعتصامات وصارت أعداد الضحايا خبراً يومياً مألوفاً كالنشرة الجوية.

من جملة التخفف أيضاً من «البضاعة البائرة» هو مسلك الأنظمة العربية، تلك التي كلما أرادت أن تبرر قمعها ساقت المؤامرة الصهيو- كونية والتربص الإسرائيلي بثرواتنا ورفاهيتنا وسؤددنا، وإذا بها تتخطى أحلك تقديراتنا لانحطاطها، حيث نجدها تحارب مع إسرائيل في الخندق نفسه بصفاقةٍ مدهشة، فتدافع عنها من الصواريخ الإيرانية.
الأنظمة العربية دون استثناء تقريبا مندمجة منسجمة تماما في الخط العريض للسياسة الغربية
لقد تبين أن الأنظمة العربية، دون استثناء تقريباً، مندمجةٌ منسجمةٌ تماماً في الخط العريض للسياسة الغربية في المنطقة، ومن ثم فإنه من السذاجة المفرطة والسخافة أن نتصور أن الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الغربية، في هذا المنعطف، بل المأزق التاريخي، ستضغط على نظام السيسي، أو أي نظامٍ آخر لتحسين أوضاع الناس، سواءً الاقتصادية أو في ما يخص الحقوق السياسية أو الإنسانية.



وحدها معلوماتٌ تفيد بأن سياسات هذه الأنظمة قد تؤدي إلى انفجارٍ وشيك بما قد يؤدي إلى خلخلة الأوضاع، بما يهدد مصلحة الغرب من شأنه أن يحملها على ممارسة أي ضغطٍ من هذا النوع.

لقد أضاءت الحرب على غزة المساحات المعتمة، فأتاحت الرؤيا لمن أراد أن يتبصر؛ نحن نعيش في عالمٍ يزداد قسوةً، تصورَ أو آمن أنه طرح عنه أوهام السرديات الكبيرة وإمكانية الحقيقة المطلقة وبلغ الغايات، إلا أن تلك هي أكبر كذبة، سيزداد العنف وستزداد التفاوتات وستُبخس قيمة الحياة البشرية أكثر فأكثر ولا خلاص للبشرية سوى بإعادة الاعتبار لقيم التحرر فوق المكاسب والمصالح الضيقة ولمشروعٍ يهدف إلى إقامة مجتمعٍ عادل.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة اليمين المتطرف غزة اليمين المتطرف العدوان حرب مدمرة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأنظمة العربیة

إقرأ أيضاً:

عبر النفق الكمي.. عالم مصري يقفز بالحوسبة لتصبح أسرع مليون مرة

قطع فريق بحثي من جامعة أريزونا الأميركية يقوده العالم المصري الدكتور محمد ثروت حسن، الأستاذ المشارك في الفيزياء والعلوم البصرية، خطوة  كبيرة نحو نقل الحوسبة إلى عصر "البيتاهيرتز".

جاء ذلك بعد نجاحه في تصنيع "ترانزستور ضوئي"، يمكن تشغيله وإطفاؤه في زمن قياسي يعادل 630 أتوثانية ، أي ما يعادل سرعة 1.6 بيتاهرتز، وهو معدل لم يصل له أي معالج إلكتروني موجود اليوم.

وتعمل الحواسيب اليوم بسرعة تقاس بالمليار مرة في الثانية (غيغاهيرتز)، لكن التقنية الجديدة التي تم الإعلان عنها في دراسة نشرتها دورية "نيتشر كوميونيكيشنز"، تعد بسرعات خيالية تقاس بألف تريليون مرة في الثانية (بيتاهيرتز)، وهذا يعني أن الاستجابة الإلكترونية قد تصبح أسرع بنحو مليون مرة، وهو ما يفتح الباب أمام جيل جديد من الحوسبة فائقة السرعة.

ويقول حسن في تصريحاته للجزيرة نت "هذا الإنجاز تم بناؤه على ما تحقق في أبحاث سابقة، تمكنا خلالها، على مدى السنوات الأخيرة، من تطوير أدوات تعتمد على نبضات ضوئية فائقة السرعة تقاس بوحدة (أتوثانية)، وهي جزء من مليار مليار من الثانية"

ويضيف "وقد مكنتنا هذه الأدوات من التحكم في حركة الإلكترونات داخل المواد في لحظات قصيرة جدا. وكان السؤال الذي يطرح علي دائما: كيف يمكن نقل هذا العمل إلى المجال التطبيقي؟ ويمثل الترانزستور الضوئي الجديد إجابة عملية على هذا السؤال".

الإلكترونيات البصرية المستقبلية ستتم إدارتها بواسطة الذكاء الاصطناعي (محمد ثروت حسن) البناء على ما سبق

واستخدم حسن وفريقه ما تعلموه في الأبحاث السابقة، لإجراء تعديلات على الترانزستورات الضوئية المتوفرة بالأسواق والمصنوعة من مادة الجرافين، كي تستطيع أن تحقق  مبدأ "النفق الكمي" في عملها، وهي ظاهرة ميكانيكية كمومية تسمح للإلكترونات بعبور حواجز طاقة لا يمكنها تجاوزها بالوسائل التقليدية.

إعلان

ويتكون الترانزستور الضوئي المطور من طبقتين من الجرافين وبينهما طبقة من السيليكون، وهذا التصميم يسمح بمرور الإلكترونات بين الجرافين والسيليكون عبر ظاهرة النفق الكمي، وباستخدام نبضات ليزر قصيرة جدا (6.5 فيمتو ثانية).

وقام الباحثون بتوليد تيار لحظي في الترانزستور عبر ظاهرة التحفيز الضوئي والكمومي، مما سمح بتحكم فائق السرعة في تدفق الإلكترونات، وبزمن قدره 630 أتوثانية فقط، أي ما يعادل سرعة 1.6 بيتاهيرتز.

ويقرب حسن ما فعلوه بمثال توضيحي قائلا "تخيل أن الإلكترون يشبه متزلجا على الجليد يريد عبور تلة عالية، ففي الظروف العادية، يحتاج إلى طاقة كبيرة ليصعد فوق التلة، لكن النفق الكمي يسمح له بالظهور فجأة على الجانب الآخر من التلة، من دون الحاجة لتسلقها ، كأنه اخترقها".

مراجعة نتائج البحث الأخير مع أحد أعضاء الفريق (محمد ثروت حسن ) تأكيد ظاهرة النفق الكمي

وتأكد الباحثون من أن التيار ينتج عن نفق كمي، وذلك عبر قياس منحنيات الجهد والتيار مع وبدون الليزر، وأظهر الفارق بين المنحنيين أن التيار ينتج عن نفق كمي، أي أن الإلكترونات تتخطى الحاجز دون طاقة كافية، بفضل الليزر.

ولم يكتفوا بذلك، بل تحكموا في شدة التيار بواسطة الليزر، فكلما زادوا من شدة الليزر لاحظوا أن شدة التيار تزيد، مما يدل على إمكانية التحكم الكامل في التيار بالضوء.

وقطع الفريق البحثي خطوة أبعد من ذلك، عبر تنفيذ ما يُعرف بـ"البوابات المنطقية" داخل الترانزستور الجديد، وهي اللبنات الأساسية التي تعتمد عليها جميع العمليات داخل الحواسيب، وقد فعلوا ذلك عبر دمج التيار الناتج عن نبضات الليزر الفائقة السرعة مع تيار كهربائي خارجي داخل جهاز واحد.

ولتقريب الصورة، تخيل أن الترانزستور الجديد مثل بوابة ذكية لا تفتح إلا عند استلام إشارتين: الأولى من ضوء الليزر، والثانية من التيار الكهربائي، فإذا أردنا تنفيذ بوابة منطقية من النوع "و"، فإن البوابة لا تفتح إلا عند وصول الإشارتين معا، أما في بوابة من النوع "أو"، فيكفي وصول أي إشارة منهما لتفتح.

إعلان

ويقول الدكتور حسن "هذا الدمج غير المسبوق بين الضوء والكهرباء، وباستخدام مادة الجرافين والنفق الكمي، قد يمهد الطريق نحو حواسيب تعمل بسرعات خارقة لم تعرفها البشرية من قبل".

والمميز في هذا العمل، ليس فقط هذه النتائج غير المسبوقة، ولكن أيضا إجراء كل هذه التجارب في بيئة عادية (درجة حرارة وضغط الغرفة)، وهو ما يعني بحسب د.حسن، أن التقنية الجديدة قابلة للتطبيق الصناعي وليس فقط في المختبر.

رسم توضيحي للترانزستور الضوئي بيتا هيرتز (محمد ثروت حسن) الدمج في رقائق إلكترونية

وعن الخطوة القادمة في هذا العمل، يقول د.حسن "سيكون مشروعنا التالي، الذي قد يشهد تعاونا مع شركاء في الصناعة، هو دمج الترانزستور المطور في رقائق إلكترونية تكون قابلة للاستخدام في جميع الإلكترونيات، لنقل الحوسبة إلى عصر البيتاهيرتز".

ويوضح أن تحقيق ذلك سيكون له انعكاس في العديد من المجالات منها:

أولا:  سرعة معالجة خارقة تتيح تنفيذ عمليات حسابية ومعالجة بيانات في أجزاء من الأتوثانية (جزء من مليار مليار من الثانية)، وهو ما يعادل استجابة فورية تقريبا. ثانيا: تصغير حجم المعالجات دون التضحية بالأداء، مما يؤدي إلى أجهزة إلكترونية أصغر حجما وأكثر كفاءة، من الهواتف إلى الروبوتات. ثالثا: تسريع زمن المعالجة، بما يعني قدرة أكبر على تشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي بسرعة قياسية، مما يعزز قدراتها في التعلم، التحليل، والتنبؤ. رابعا: تمكين علماء الفيزياء، الأحياء، والطب من إجراء محاكاة لأمور معقدة مثل تصميم الأدوية، الطقس، الجزيئات والنجوم بسرعات غير ممكنة حاليا. خامسا: أنظمة القيادة الذاتية، الجراحة عن بُعد، والشبكات الأمنية ستستفيد من أزمنة استجابة فورية تقريبا، ما يحسن السلامة والدقة.

مقالات مشابهة

  • زعيم الحوثيين يعلق على زيارة ترامب إلى الخليج
  • عبدالملك الحوثي يعلق على زيارة ترامب إلى الخليج
  • تحدث بهذه المناطق.. عالم هولندي يحذر من سلسلة زلازل خلال أسبوع
  • أبو عبيدة: عملية إطلاق النار غرب سلفيت تأتي في سياق الرد على جرائم الاحتلال وعدوانه
  • تحذيرات علمية أم تنبؤات فلكية؟.. زلزال اليونان يُعيد الجدل حول عالم الزلازل الهولندي
  • عبر النفق الكمي.. عالم مصري يقفز بالحوسبة لتصبح أسرع مليون مرة
  • المرونة.. مفتاح العمل المناخي في عالم مضطرب
  • «ياس الترفيهية» مراكز معتمدة لـ«التوحد»
  • من يرافق ترامب في زيارته إلى السعودية؟
  • الأغذية العالمي: الجميع في غزة جائع والوصول إلى الطعام يزداد صعوبة يوماً بعد يوم