لجريدة عمان:
2025-10-07@22:02:45 GMT

حتى لا نفقد قوة الموسيقى العُمانية الناعمة

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

منذ بداية الكتابة في هذا العمود، تطرقت إلى موضوعات موسيقية عديدة، ناقشت فيها الظاهرة الموسيقية العُمانية كممارسة اجتماعية وثقافية مع محاولات لربط حلقاتها التاريخية بعضها مع بعض كلما كان ذلك ممكنا. من هنا كان معظمها (المقالات) في سياق التأريخ للموسيقى العُمانية، فيما احتوت أخرى على ملاحظات وآراء بشأن أحوال الموسيقى والغناء في بلادنا العزيزة، آملا أن تكون نافعة ومفيدة ومساهمة متواضعة من واقع التجربة والممارسة في الجهود المخلصة الساعية إلى تنمية وتطوير المجال الموسيقي العُماني.

ورغم الجهود الكبيرة والمقدرة إلا إنني في الواقع أرى أن المؤسسات الثقافية والإعلامية ودار الأوبرا السلطانية المعول عليها كثيرًا من الوسط الموسيقي لم تبلور بعد رؤية واضحة مشتركة بشأن تنمية وتعزيز القوة الناعمة للموسيقى والغناء تستجيب لواقع الممارسة وتعكس تنوعها واحتياجاتها، وتستثمر ما هو موجود بالفعل من قدرات وممارسات وتوجهات فنية معاصرة في الموسيقى العُمانية، الأمر الذي لا يتناسب مع تاريخ وتراث هذا البلد الجميل ومبدعيه الكثر. من هنا لا غرابة أن فضل هواة الغناء والموسيقى من الشباب العُماني أغاني بعض مطربي الخليج والجزيرة العربية واختاروا أداءها في المناسبات العامة والخاصة بسبب تأثرهم بها وضعف تأثير القوة الناعمة للموسيقى العُمانية، ومهرجان الأغنية العُمانية الأخير مثال جيد على هذا الوضع، وهذه الملاحظة ليست جديدة، وقد أشرت إليها في أكثر من مقال سابق.

ولا أعني هنا بالقوة الناعمة الفكر الموسيقي العُماني من أنماط الموسيقى وقوالبها الفنية بتنوعاتها وتوجهاتها التراثية والحديثة، أو البحث الموسيقي والقيادة الفنية والتأليف والتوزيع والغناء وأساليب العزف فحسب بل وكذلك طرق وأساليب الاشتغال في المجالات الفنية المساعدة مثل: كتابة النصوص الشعرية والإنتاج الفني، وإدارة وتشغيل أنظمة الصوت والإضاءة وكفاءتها، ومهارات الإخراج المسرحي والسينمائي والتلفزيوني وبرامج عمل القاعات والمسارح وغيرها. وفي حين لا أرى تطورًا جوهريًا في سياسات الإنتاج الموسيقي منذ مدة زمنية ليست بالقصيرة، أود التأكيد في هذه المناسبة بشدة على أن قدرات ومهارات الموسيقيين العُمانيين اليوم وكل المنظومة الفنية التي أشرت إليها ليست كما كانت قبل عشرين أو ثلاثين سنة الماضية، وهي (المنظومة) قادرة مع قليل من الصبر والمثابرة على خلق صناعة فنية كبيرة ومؤثرة، فالظروف تغيرت والقدرات والمهارات تنوعت وتطورت في جميع هذه المجالات ولم يبق من وجهة نظري سوى الاستثمار الحسن والمدروس لها، وللطاقات الإبداعية الموسيقية والغنائية العُمانية ومشاريعها الفنية وتهيئة الظروف الملائمة لهذه الصناعة الكبيرة. وإنَّ الذي كان مناسبًا من أدوات وفعاليات قبل عشرين سنة أو أكثر لم تعد كذلك نافعة للاستيراد من وجهة نظري المتواضعة دون إحداث تغييرات جوهرية في أصل الفكرة وإدارة تنفيذها.

إنَّ تطوير الأغنية في عُمان لن تبلغ الأثر والمردود المنشودين إلا عبر تسخير منظومة كاملة من الإمكانات والقدرات العُمانية البشرية والمادية والمعنوية، وفتح المنابر والفرص المتنوعة لمختلف الممارسات والتجارب الإبداعية وروادها دون تمييز، متطلعًا أن تضع المؤسسات الرسمية والخاصة المعنية بالموسيقى والغناء استراتيجية مشتركة من شأنها تنمية القوة الناعمة الموسيقية العُمانية، ووقف الهدر للطاقات البشرية الإبداعية الموسيقية والغنائية ومشاريعها الفنية، ودراسة الفعاليات الموسيقية جميعها دراسة وافية بما يتفق مع الاحتياجات الفعلية لواقع الممارسة والأهداف الاستراتيجية المتفق عليها من جميع الأطراف الحكومية والخاصة بما في ذلك الموسيقيين ومكونات المنظمة الفنية كلها. إن اليد الواحدة لا تصفق كما يقول المثل، وأتطلع إلى تعاون وشراكة تامة في هذا السياق.

إن الواقع الموسيقي بحاجة من وجهة نظري إلى استيعاب فكره المتنوع وتطوير أدوات التعامل معه، ليس فقط كتراث فحسب بل وكذلك كفكر موسيقي حديث ومتجدد. ومن المهم جدًا ملاحظة تطور الممارسة من البديهية إلى التعبيرية في اللغة الموسيقية وأنماطها وآلاتها الموسيقية وأساليب أدائها وعلاقتها الوطيدة بالشعر. قال شاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- حسان بن ثابت، رضي الله عنه:

تَغنَّ في كُلِ شِعرِ أنتَ قائلُهُ.. إن الغناءَ لهذا الشِعرَ مضمارُ

يَميزُ مُكفَأهُ عنهُ ويعزِلُهُ.. كما تَميزُ خبيثَ الفضةِ النّارُ

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الع مانیة

إقرأ أيضاً:

أحمد الأشعل يكتب: خالد العناني.. انتصار جديد للقوة الناعمة المصرية في شهر الانتصارات

فوز الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، بمكانة دولية رفيعة ليس مجرد خبر بروتوكولي عابر أو تكريم عادي يمر مرور الكرام، بل هو حدث يستحق أن نتوقف أمامه طويلًا، لأنه يحمل في طياته رسائل عميقة عن وجه مصر الحضاري، وعن تلك القوة الناعمة التي طالما تميزت بها مصر منذ آلاف السنين، واستطاعت أن تجعل منها دولة قادرة على التأثير والإلهام في محيطها والعالم بأسره.

خالد العناني ليس مجرد أستاذ جامعي بارع أو وزير سابق ناجح، بل هو نموذج للعقل المصري حين يتسلح بالعلم والمعرفة والقدرة على مخاطبة العالم بلغة يفهمها الجميع. فقد نجح خلال سنوات عمله في أن يجعل من الآثار المصرية لغة دبلوماسية وسياسية، ومن السياحة جسرًا للتواصل الحضاري بين الشعوب، ومن الثقافة قوة تفاوضية لا تقل أثرًا عن أي سلاح أو أداة من أدوات القوة الصلبة. إن حضوره الدولي اليوم يثبت أن مصر قادرة على إنتاج الرموز القادرة على المنافسة، وأن أبناءها ما زالوا يمثلون قوة بشرية وعلمية تستطيع أن تحمل اسمها إلى كل مكان.

هذا الفوز يؤكد أن القوة الناعمة ليست مجرد شعار يتردد في الخطابات، وإنما هي حقيقة متجذرة في تاريخ مصر. فمنذ فجر الحضارة، ومصر تقدم للعالم نموذجًا متفردًا يقوم على الفكر والفن والمعرفة والإبداع، قبل أن يقوم على القوة العسكرية أو الهيمنة الاقتصادية. اليوم، ونحن نحتفي بإنجاز خالد العناني، نجد أنفسنا أمام سؤال ملح: كيف يمكن تحويل هذه النجاحات الفردية إلى سياسة دولة متكاملة، تجعل من كل عالم وفنان ومبدع مصري سفيرًا دائمًا لمصر؟

المطلوب أن يكون هناك تبنٍ مؤسسي لهذه الكفاءات، وأن تُدرج القوة الناعمة ضمن أولويات الأمن القومي المصري. فالعالم الآن لا يقاس فقط بترسانات السلاح أو بحجم الاقتصاد، وإنما يقاس أيضًا بالقدرة على التأثير وصناعة الصورة الذهنية الإيجابية. مصر تمتلك مخزونًا حضاريًا وثقافيًا هائلًا، لكن الأهم هو كيفية استثماره واستدامة روايته للعالم، بحيث تصبح “الحكاية المصرية” حاضرة في كل المنتديات والفضاءات الثقافية والسياسية والإعلامية.

ويكتسب هذا الإنجاز معنى خاصًا بكونه يتزامن مع شهر أكتوبر، شهر الانتصارات، ذلك الشهر الذي يذكرنا دومًا بقدرة مصر على تحدي المستحيل وصناعة المجد. فإذا كان أكتوبر قد جسد أعظم انتصار عسكري في تاريخنا الحديث، فإن فوز خالد العناني يرمز إلى انتصار حضاري وفكري في ساحة مختلفة، لكنه لا يقل قيمة ولا أثرًا. ففي الميدان انتصرنا بالسلاح والإرادة، واليوم ننتصر بالفكر والثقافة والعلم والإبداع، لنؤكد أن مصر قادرة على أن تحقق الإنجازات على كل المستويات.

إن هذا الفوز لا يُحسب لشخص خالد العناني وحده، وإنما لمصر كلها، لأنه يعكس حقيقة أن أبناء هذا الوطن، أينما وُجدوا، قادرون على أن يكونوا سفراء لها. وهو في الوقت نفسه تذكير بأن القوة الناعمة المصرية ليست ذكرى من الماضي أو إرثًا محنطًا، بل هي مشروع مستقبلي متجدد يعيد تقديم مصر للعالم، ويثبت أن الحضارة المصرية لا تزال حيّة في عقول أبنائها وفي قدرتهم على الإبداع والتأثير.

هكذا تنتصر مصر مرة أخرى، وتبعث برسالة إلى العالم أن هذه الأمة لا تُقاس فقط بما مضى من أمجادها، بل بما تصنعه اليوم وما ستقدمه غدًا، وأنها قادرة دائمًا على أن تبقى في الصدارة، تصنع الرموز، وتصدّر الأمل، وتثبت أن الحضارة المصرية مشروع متجدد لا ينطفئ.

طباعة شارك الدكتور خالد العناني القوة الناعمة الفن والمعرفة

مقالات مشابهة

  • تقديرًا لإسهاماته الفنية.. مهرجان «جيلنا» يكرم اسم لطفي لبيب
  • مدبولي: فوز العناني باليونسكو تتويج لقوة مصر الناعمة
  • أحمد الأشعل يكتب: خالد العناني.. انتصار جديد للقوة الناعمة المصرية في شهر الانتصارات
  • أين الخلل؟!
  • ثقافة قنا يجسد «ملحمة أكتوبر» بالفن والغناء والفلكلور الشعبي
  • سبوتيفاي تشدد الرقابة على الموسيقى بالذكاء الاصطناعي
  • البيت الأبيض: المفاوضات الفنية بشأن خطة غزة جارية الآن في القاهرة
  • البيت الأبيض: المفاوضات الفنية بشأن خطة غزة جارية الآن في مصر
  • المهرجان بالتعاون مع «التعليم».. كتارا تطلق النسخة الثانية من «المواهب الفنية»
  • معلومات مذهلة عن القلب: من تكوّنه في الرحم إلى تأثير الموسيقى والفضاء