ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين. ومما جاء في خطبته السياسية: "عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى الإمام الحسين أحد أصحابه، حين قال له: "إياك وما تعتذر منه، فإن المؤمن لا يسيء ولا يعتذر، والمنافق كل يوم يسيء ويعتذر".

 
إننا أحوج ما نكون إلى هذه الوصية التي تجعلنا نقي أنفسنا من الدخول فيما سنضطر إلى الاعتذار منه، سواء أكان الذي يعتذر منه هو الله عز وجل أو الناس الذي يكون بسبب كلمة تصدر منا أو علاقة نقدم عليها، أو معاملة قمنا بها، أو انفعال لم نتدبر نتائجه. لنكون بذلك أكثر وعياً لخطواتنا ومواقفنا وتصرفاتنا وكلماتنا، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات". والبداية من المفاوضات التي لا يزال العالم ينتظر منها أن تفضي إلى إيقاف الحرب التي يشنها العدو الصهيوني على قطاع غزة منذ أكثر من أحد عشر شهرا والتي أوقعت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين ودمرت معالم الحياة فيها وأدت إلى ما نشهده اليوم من انتشار الأوبئة، ما جعل المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين الأونروا يقول أن الواقع في قطاع غزة مروع للغاية، حيث لا يزال الكيان الصهيوني يتبع سياسة المراوغة والخداع في هذه المفاوضات، فرغم الإيجابية الشكلية التي أبداها هذا الكيان في المفاوضات استجابة لضغوط الداخل والخارج، لكنه لم يبد حتى الآن ويظهر أنه لن يبدي في المستقبل أي استعداد لتلبية ولو الحد الأدنى من المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، حيث يريد من وراء هذه المفاوضات أن يسترجع أسراه ليعاود حربه والاستمرار بمشروعه الذي يهدف إلى احتلال تام للقطاع للإمساك بقراره والذي سيكمله بعد ذلك في الضفة الغربية.  
أضاف :"لقد بات واضحا وبما لا يقبل الشك، أن ما يشجع هذا الكيان على الاستمرار في سياسته التدميرية للقطاع هو الدعم الذي يتلقاه، والذي ظهر في كلام وزير الخارجية الأميركي بالتبني التام للطروحات الصهيونية في المفاوضات حيث تراجع عن المبادرة التي أطلقها الرئيس الأميركي وقبلت بها "حماس".  
ومع الأسف يجري كل ذلك في ظل استمرار صمت العالم العربي والإسلامي حيث لم نشهد أي موقف جاد سواء من جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي يدعم الشعب الفلسطيني لوقف حرب الإبادة التي يتعرض لها أو في المفاوضات التي تجري، رغم أن لديهم من وسائل الضغط على الكيان الصهيوني أو الدول الداعمة له، لكن مع الأسف لا تستخدم أو حتى لا يتم التلويح بها".  
إننا أمام ما يجري، نجدد دعوتنا للدول العربية والإسلامية إلى أن تتحمل مسؤوليتها تجاه شعب عربي ومسلم يعاني ويتألم وترتكب المجازر فيه يوميا، وحفظا لها من طغيان هذا الكيان عليها إن استطاع أن يخرج منتصرا من هذه المعركة وأن يحقق أهدافه فيها، فإن حقق ما يريد فهو لن يوفر أي دولة من دولها إن اقتضت مصالحه ذلك... وسيكون له اليد الطولى في هذا العالم".   وتابع :"في الوقت الذي نؤكد على الشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم ضرورة الإصغاء لمناشدة الاستجابة الفلسطينية لهم بالتحرك الجاد لنجدتهم وإيصال صوتهم إلى دولهم وإلى العالم.
 
وسنبقى في الوقت نفسه نراهن على الشعب الفلسطيني الذي يثبت كل يوم من خلال صبره وصموده وتضحياته ومقاومته، أنه شعب جدير بالحياة الحرة العزيزة الكريمة، فهو لم يرفع الراية البيضاء التي ينتظرها الاحتلال الصهيوني ولن يرفعها، رغم كل الجراح والآلام والمجازر التي يعاني منها، وهو ما يعبر عنه يومياً في قطاع غزة أو في الضفة الغربية أو داخل الكيان، وشعب كهذا لا بد أن ينتصر ويملك قراره وخياراته وحريته".
 
واستطرد فضل الله :"ونعود إلى لبنان، والذي تستمر المقاومة فيه بنهجها في إسناد الشعب الفلسطيني ومنع العدو من الانتصار عليه، وهي تقدم الأثمان الغالية والتضحيات في هذا الطريق إيمانا منها بعدالة هذه القضية وإنسانيتها وشرعيتها، في الوقت الذي تستمر في الرد على اعتداءات هذا العدو الذي تمادى في ذلك ووصل إلى العمق اللبناني، وهي تقدم كل يوم درسا لهذا العدو بأن البلد لم يعد لقمة مستساغة، وأن عدوانه سيرد عليه أكان في البر أو البحر أو الجو، وإن ما خفي من قدراتها هو أعظم مما ظهر.
 
وهنا ندعو اللبنانيين ألا يخضعوا للحرب النفسية والإعلامية التي يسعرها العدو في هذه الأيام، بأن يثقوا بعد الله عز وجل بالقدرات التي يمتلكونها وبأن العدو ليس بالقدر والقوة التي تجعله قادرا على حرية الحركة وتحقيق أهدافه وهو المثخن بجراحه، كما ندعوهم إلى الثقة بالحكمة التي تدير بها المقاومة معركتها مع هذا العدو في حرصها على شعبها وعدم تقديم أية ذريعة لهذا العدو لتحقيق ما يصبو إليه...
وأن نتذكر قوله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}.

وأردف: "في الوقت الذي نجدد دعوتنا للبنانيين إلى الوحدة والتكاتف لمواجهة أعباء هذه المرحلة وما تتطلبه إن على صعيد الدولة التي عليها القيام بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، أو على صعيد التكافل الذي نريده أن يكون طابع هذه المرحلة بين كل مكونات الشعب اللبناني... وندعو القوى السياسية بأن عليها أن تجمد صراعاتها وحساسياتها فيما نعيد أيضا التأكيد على ضرورة العمل الجاد لتحصين هذا البلد على الصعيد السياسي والاقتصادي والمعيشي والحياتي، حيث لا يمكن أن تواجه هذه المرحلة بالترهل الذي نشهده والذي وصل إلى الحد الذي بات فيه لبنان متسولاً على أبواب العالم والذي شهدناه أخيرا بعد الانقطاع التام للكهرباء وتعطيل المرافق الحيوية للدولة".
 
وختم: "لقد آن الأوان أن نفكر جميعا ببلد يتداعى ونخشى أن يضيع منا، وأن يكون الجميع على مستوى المسؤولية التاريخية التي تقتضي منا بذل كل غال ورخيص لصون الوطن وحماية الشعب".

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: هذا العدو فی الوقت

إقرأ أيضاً:

احذر عدوك مرة

ليس عدونا، وعدو الأمة هو العدو الذي نعرفه جميعًا، ولا يعني أن هذا العدو هو الخطر الوحيد الذي يتربص مع خصومه بالأمة وبالوطن، بل هناك أعداء أخطر من ذلك بكثير، ونقصد بهم أعداء الداخل، وهؤلاء المنافقون والمخادعون الذين يعيشون بيننا، وينعمون من خير الوطن، رغم أنهم يتبنون أفكارًا تكفيرية، ويقومون بالأعمال الإرهابية والتخريبية، وتبني أجندات ومخططات خارجية تستهدف النيل من أمن الوطن واستقراره، ومثل هؤلاء لا يتوقفون عن القيام بكل الأعمال الخبيثة والشريرة، ومنها خداع الأهل والسلطات، إثارة الشائعات الكاذبة والمغرضة، والتشكيك عبر وسائلهم الخبيثة في الداخل والخارج تجاه ما تقوم به الدولة بمؤسساتها من إنجازات على المستوى الداخلي والإقليمي، إن هؤلاء وللأسف يعيشون بيننا، لا يتوقفون عن إيذاء الوطن، يتمنون اللحظة الملائمة للانقضاض عليه، ولهذا تنطبق عليهم الحكمة المتوارثة التي تقول "احذر عدوك مرة، واحذر صديقك ألف مرة، فلربما كان الصديق أعلم بالمضرة". ما يدلل على أن هؤلاء العابثون بأمن الوطن هم أشد أعدائه وأعداء الأمة، فهم لا يبالون بتداعيات المخاطر التي تنجم عن أعمالهم، وتعرض الوطن للدمار والخراب، أو بتمكينهم الأعداء من تحقيق أهدافهم، ما يستوجب علينا جميعًا أن ننتبه لهم، وأن نتعلم من أخطاء الماضي، ونستفيد من تجارب الدول المحيطة بنا، وما وقع بها من خراب ودمار، وتخلف عن الركب، وعلينا جميعًا تقع المسئوليات الجسام، للحفاظ على الوطن، فعلى الشعب أولا أن يكون يقظًا تجاه هؤلاء، وألا يرحمهم، أو يتعاطف معهم، حتى لا يكون شريكًا في الخراب الذي من الممكن أن يحل بالوطن، وعليه جميعًا أن نسترجع وحدتنا وتماسكنا ووعينا كما كنا في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وغيرها من فترات الوعي والإرادة، ومنها فترة الثلاثين من يونيو التي استرد منها الشعب والجيش من الخونة المنافقين عملاء الخارج.

أما المسئولية الكبرى فتقع على سلطاتنا الأمنية، وعلى جيشنا وأجهزة مخابراتنا التي يشهد لها بالكفاءة، عليهم أن يكونوا دومًا يقظين، وأن تعمل أجهزتنا الرقابية والمخابراتية بكامل جاهزيتها في الخارج قبل الداخل، فما يحدث الآن من مخططات خارجية بالتزامن مع تداعيات حرب العدو الصهيوني على الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة، وفي لبنان وسوريا وغيرها، خير شاهد على ما يحاك لنا، فبسبب انشغالنا بتلك الأحداث والملفات الخارجية جعلتنا نركز أكثر على تلك الأزمات وعلى حماية حدودنا، وهو الأمر الذي جعل أعداء الأمة يتحركون من تحت الركاب من جديد، فالحرائق التي انتشرت فجأة في القاهرة والمدن المصرية، انتشار الشائعات المغرضة، إيقاع الفتنة بين المؤسسات والقطاعات المصرية، ومنها الأندية المصرية، ناهيك عن تغلغل هؤلاء الخونة وانتشارهم مرة أخرى في بعض المساجد والزوايا، مستهدفين ومستقطبين الشباب والبسطاء، ونشاطهم، وفي الأحزاب والتكتلات السياسية داخل مصر، ونشاط بعض من تلك العناصر الخبيثة في خارج مصر من خلال التقرب للسفارات، والقنصليات المصرية وخداع الدولة، وبخاصة في البلدان الغربية كفرنسا وألمانيا، والأخطر من ذلك هو عودة الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها حركة حسم التكفيرية، ما يدل على انتعاش هذا الفكر الشيطاني، واستهداف الوطن من جديد، ما يستوجب أن تضرب أجهزتنا الأمنية هؤلاء الخونة بيد من نار، وأن توازن سلطاتنا الأمنية بين عملها في الداخل، وبين مشاكلنا الإقليمية، ليتبقى فقط هاجس واحد يشكل خطرًا علينا، ويعد بمثابة قنبلة موقوتة، ألا وهو العدد الكبير من اللاجئين من السوريين والسودانيين، وغيرهم من الذين لا تعرف انتماءاتهم، وأيديولوجياتهم، والذين يشكلون عبئًا كبيرًا على الأمن والاقتصاد المصري، ومزاحمتهم للمصريين في حياتهم اليومية، دون وجود سقف زمني لرحيل هؤلاء إلى أوطانهم بعد استقرار بعضها.

ومع كل ذلك، لا يجب أن تغفل القيادة السياسية عن الاهتمام بالمواطن المصري، وحماية حقوقه، وتوفير الرعاية والحياة الكريمة التي يستحقها الكادحون من أبناء الشعب، ودعم شبابنا، والقيام بكل عمل يستهدف مصلحة المواطن أولاً، والقيام بكل ما من شأنه أن يعيد الانتماء بقوة للوطن من جديد.

مقالات مشابهة

  • شاهد/ صاروخ يمني يبث الذعر في الكيان وينشر البهجة لدى الفلسطينيين ..فيديو
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • حماس: ليكن الأحد 3 أغسطس يوماً عالمياً لنصرة غزَّة والقدس
  • الحمد لله الذي جعلنا يمنيين
  • مرشح حماة الوطن بانتخابات الشيوخ: نرغب في حياة سياسية برلمانية بها مشاركة من الجميع
  • صنعاء : المرحلة الرابعة سيكون لها تداعيات اقتصادية على الكيان
  • الحية يحيي الإسناد اليمني ويؤكد استخدام العدو الصهيوني المفاوضات غطاءً للإبادة والتجويع
  • احذر عدوك مرة
  • غزة.. مفتاح عزل الكيان الصهيوني دوليًا        
  • كيف أحرك أصبعي السبابة في التشهد؟ الإفتاء تجيب