توقيع كتاب يوسف بك كرم في أرشيف بكركي” في باحة كنيسة مار جرجس في اهدن
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
وقع الخوري حنا مخلوف كتابه الجديد بعنوان: "يوسف بك كرم في أرشيف بكركي"، في باحة كاتدرائية مار جرجس إهدن (الكتلة)، برعاية وحضور النائب البطريركي العام على نيابة إهدن-زغرتا المطران جوزيف نفاع، الخورأسقف اسطفان فرنجية، رئيس دير مار سركيس وباخوس الأب زكا القزي، كهنة الرعية، وبمشاركة وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، النواب: ميشال معوض، طوني فرنجية وميشال الدويهي، السيدة مارينا سليم كرم، السيد أسعد كرم وعقيلته، نقيبة المحامين السابقة ماري تيريز القوال، رئيسة مؤسسة يوسف بك كرم ريتا كرم صفير، رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في استراليا ونيوزيلاندا ميشال الدويهي، جمعيات واهل الثقافة ومهتمين.
بداية النشيد الوطني ثم عرف الأديب محسن يمين بالحضور وبالخوري يوحنا مخلوف، وقال:
"في كل ولادة فرح، ولكنّ الفرح بظهور كتاب جديد اليوم شاءت اهدن أن يكون مغمورا بالضباب وبمحبّتكم. فالشّكر لكم جميعا لحضوركم ومشاركتم الخوري يوحنا مخلوف بعنوانه "الكَرَمي" المطل على الحياة: "يوسف بك كرم في أرشيف بكركي".
أضاف:" تحت ظلال تمثال بطل لبنان يوسف بك كرم يبدو كل كلام منه وعنه وإليه على بُعد خطوات من جثمانه الطاهر، وكأنه ينبثق من النّقطة التي تتوسط الآن دائرة الاهتمام الواسع والمتصاعد بكل ما يخصّه، فالارض كانت مهده قبل أن تكون ضريحه الذي بات يجاور ذخائر الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي السائر على طريق القداسة، كأنما ليختصر هذا المكان الذي يجمعنا هذه العشية إلى مائدة حِبر جديدة، حكاية البطولة والقداسة مضافة اليها حكاية قلمين سيّالين سَطّرا بعضاً عزيزاً من تاريخ وطن وكنيسة بشق القلم وصليب السبحة وحد السيف. حكاية قرون من الصمود في وجه العواصف. ولحكمة يعرفها راسم الاكوان، شاء ربك أن يكونا كلاهما من اهدن وتكون سائر المنارات المشعة وأن تكون اهدن المحور والقطب بجاذبيتها مارونيا ووطنيا".
إميل يعقوب
ثم تحدث الدكتور إميل يعقوب الذي يقود منذ اشهر الجهود الرامية إلى اعداد "موسوعة كرمية" ستكون الأولى من نوعها إنصافا للرجل في ما خلّفه من آثار أدبية في لبنان والخارج، والذي بدأ حديثه بأبيات شعرية عن البطل كرم. وقال: "يا أحبة، عندما خلق الله دنيانا رسم مناطقها، کان منحازا بصورة مكشوفة الى اهدن أرضاً وشعباً. فقد رسم هذه البلدة بأروع أقلامه، فجاءت وكأنها جنةُ الدنيا، بل جنّته كما ذهب بعضهم. اما أهلها، فانحيازه إليهم ظاهر، وإلا هاتوا لي بلدة أنجبت طوباوياً وبطلا عز نظيره وهو في طريق التطويب. انت من إهدن؟ إذن ارفع الرأس، فهنا القداسة والبطولة.
فإن سئلت : مَن البطل ؟ أو مَن بطل لبنان، أجب دون تردّد: يوسف بك كرم. "عرّتُهُ" لم تقتصر على آل گرم الكرام بل شملت كل عائلات زغرتا، زغرتاوي الولادة، وكل منطقة في لبنان تتمنى لو كانت ولادته فيها. ماروني المذهب، والأصح مسيحي بالإيمان والالتزام والممارسة، وننتظر، بإذن الله تطويه. بذل جهده وماله لخدمة وطنه وعزته واستقلاله وأراد أن يخدمه بعد وفاته، وها هو شحماً ولحماً في هذه الكنيسة ".
حنا
ثم ألقى الدكتور الأب الياس حنا كلمة قال فيها: "كعادته، كل سنة يتحفنا الصديق الأب يوحنا مخلوف بكتاب، واليوم يتحفنا بالكتاب الرابع عن كرم الذي نرجو أن يكون قريباً في عداد المكرمين وهو تحت عنوان " يوسف بك كرم في ارشيف بكركي، وبذلك يكون الخوري يوحنا مخلوف مع الكتب الثلاثة غير هذا الكتاب بين المراجع الأولى والأهم في تحضير ملف تطويب وتقديس رجل الله يوسف بك كرم الذي وافق سينودس كنيستنا المارونية برئاسة صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى برفعه إلى مجمع القديسين فى روما".
أضاف: "إخترت عنواناً لمداخلتي اليوم يوسف بك كرم ابن كنيسة ورجل دولة من النادر جداً، لا بل من عشبه المستحيل أن يتوفر النعتان: ابن كنيسة ورجل دولة في شخص واحد ومن النادر جداً أيضاً أن تلتقي القداسة بالسياسية. تلك هي فرادة شخصية يوسف بك أنه قديس وسياسي".
وتابع: "عرف الناس، وخصوصاً أبناء اهدن زغرتا "كرماً "رجلاً لله، وابنا للعذراء مريم، وابنا أيضاً للكنيسة المارونية الكاثوليكية، فنشيده في الدفاع عن أهله ووطنه. كانت طلبة العذراء مريم وعَلَمُه في المعارك التي كان يخوضها هو راية العذراء أيضا".
وأرسى كرم مجموعة من المبادئ ....لقيام الدولة الصالحة، ويُطلق صرخة إلى أهل بلاده، ويقول: ولا تدعوا تلك الفتن أن تحملكم على هجر هذه الفضائل الحميدة. هبوا، إنتبهوا، استيقظوا، شمروا عن سواعد العزم والهمة، وانبذوا عنكم تعصباتكم الدينية وتحزباتكم المذهبية، وعداواتكم الطائفية، لأن النزاع يقوم به اصحاب العقول االضعيفة".
وختم:" صب نضوج كرم في ولائه المطلق للكنيسة والوطن في آن معاً، فجمع الولاءين في "شرعة حقوق انسانية كرمية" قبل أن تظهر شرعة حقوق الإنسان اليوم ومن بنودها :
أولاً: حق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار حكامها.
ثانياً: حق الانسان بالعيش بحرية وكرامة لأنه صورة الله على الأرض، ولأن كرامته هي أولى حقوقه.
ثالثاً: حق الانسان فى الاستقلال والتحرر من كل عبودية بشرية، لأنه تحرّر بالمسيح .
رابعا: حق الدفاع عن النفس، لأن الحياة هي عطية من الله.
خامسا: حق الشعوب بالترقي ورفض الاستعباد من قبل الدول المقتدرة للدول الضعيفة.
سادسا: الشريعة الطبيعية ليست محصورة في ديانة واحدة، بل هي شريعة كل إنسان ومبادئها راسخة في الصدور، ويكفي لحفظها أن يفعل المرء بالآخرين ما يريد أن يفعله الآخرون به".
مخلوف
وفي الختام، كانت كلمة شكر للخوري يوحنا مخلوف قال فيها:" أشكر الرّب على دعوة الكهنوت وعلى نعمة اظهار الوجوه التاريخية بإهدن. أشكر صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى على ثقته بي عندما سمح لي بالحصول على الوثائق التي تخص يوسف بك كرم الموجودة في ارشيف بكركي، كما أحَبَّ أن يُوجه لكل فرد ولإهدن محبته وبركته الابوية".
وشكر المطران نفاع على دعمه وعلى تشجيعه الدائم للمضي قُدُما في إظهار الوجوه الاهدنية، كما شكر الخورأسقف اسطفان فرنجية "الذي يشجعنا ويعمل دائما حول اظهار هذه الوجوه وكل الأحبة في بلاد الانتشار".
وتابع:" يوسف بك كرم من خلال دراساتي عنه يستحق ان يكون بين القديسين نتيجة الوثائق التاريخية. فالبطريرك اسطفان الدويهي يقول إن الناسك المطران الياس الدويهي تتلمذ على يده ٢٠٠ ناسك في دير مار يعقوب، في اهدن 9 بطاركة، 26 ناسك اهدني ، 32 تلميذ بالمدرسة المارونية، بالإضافة للناسكات اللواتي عشن في دير مار سمعان ايطو... اذاً هذا الكم الكبير من الذين عاشوا بالقداسة " منو كتير على اهدن انو يكون عنا طوباوي وانشالله طوباوي قريب يوسف بك كرم".
أضاف: "في كتابي اليوم، الاهداء ليوسف بك كرم حتى تكون هذه الوثائق تعبير عن صدق نواياه، أترك هده الرسائل والوثائق لتأكد صدق نوايا يوسف بك كرم الذي انظلم من الجميع. نحن سنبرهن عن براءة ووطنيته وقداسته من خلال عِلمٍ والكتابة التاريخية الموثقة حول نتاجه حتى يكون طريق سهل إلى دعوى تطويبه".
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
كيف وثّق كتاب المغاربة والقدس تاريخ المغاربة وتضحياتهم في بيت المقدس؟
يقدم كتاب "المغاربة والقدس: جوانب من العلاقات التاريخية" -للباحث المغربي في التاريخ الإسلامي بوشتى بوكزول- قراءة توثيقية وتحليلية في عمق العلاقة التي جمعت المغاربة بمدينة القدس، انطلاقا من وعي بأن هذه الصلة ليست عرَضية بل هي ثمرة تداخل العقيدة والتاريخ والموقف.
ولا يعد الكتاب بحثا أكاديميا فحسب، بل صرخة ضد محاولات النسيان، وتذكيرا بأن المغاربة ظلوا عبر التاريخ مرابطين في أكناف بيت المقدس، يجاورون المسجد الأقصى، ويساهمون في رعايته والذود عنه.
ويرى الكاتب أن "الكتابة هي بداية كل فعل" وأن مقاومة الانهزام تبدأ بالوعي، وبالعودة إلى الذاكرة التي تسكنها شواهد الوقف، ورسائل السلاطين، ومواقف العلماء، وحضور المغاربة في قلب المدينة المقدسة.
ويستشرف واقع مدينة القدس في ظل ما تشهده يوميا من محاولات تهويد مستمرة، واقتحامات متكررة للمسجد الأقصى، واندفاع متزايد نحو التطبيع، وسط صمت عربي رسمي وتخاذل عالمي.
كما يكتسي هذا الكتاب أهميته، بعدما تجاوزت الغطرسة الصهيونية كل الحدود ساعية الى إبادة شعب بكامله واحتلال أراضيه، فهو يصل الماضي بالحاضر، ويجدد التذكير بأن القدس جوهر الصراع، ومفتاح السيادة، مؤكدا أن عروبة وإسلامية القدس حقيقة تاريخية وحضارية ودينية لا تقبل الطمس أو التزوير.
يقع الكتاب في 3 فصول، اعتمد فيها المؤلف على منهجين هما:
المنهج التاريخي: أعاد بواسطته بناء صورة الوجود المغربي في القدس من خلال تتبع الوثائق والوقائع، خاصة كتب الرحلات التي وصف فيها الرحالة المغاربة حضورهم العلمي والروحي في المدينة، إلى جانب وثائق الوقف التي سجلها قضاة المحكمة الشرعية بالقدس، والتي تشهد على استقرار المغاربة هناك، ومشاركتهم في الحياة اليومية والدينية.
المنهج الوصفي التحليلي: رصد به ملامح الحضور المغربي من خلال الوقف والمجاورة والجهاد، والبحث في الأثر الاجتماعي والديني الذي خلفته هذه العلاقة، سواء في القدس أو في الوعي الجمعي المغربي، إذ ما تزال القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في المسيرات الشعبية والمواقف السياسية المناهضة للتطبيع.
وخصص الفصل الأول لسبر الجوانب العامة لمدينة القدس باعتبارها "مسرح الأحداث" فقدم قراءة في تاريخ المدينة، وجغرافيتها، ومكانتها الإستراتيجية، وبنيتها الديموغرافية، ثم توقف عند مركزيتها الدينية في الإسلام.
وتناول الفصل الثاني تجليات العلاقة التاريخية بين المغاربة والقدس، من خلال روابط التعبد والمجاورة، والرحلة في طلب العلم، والانخراط في الجهاد، كما تطرق إلى لحظة استنجاد القائد صلاح الدين الأيوبي بالسلطان يعقوب المنصور الموحدي، مبرزا دلالتها السياسية والدينية.
إعلانوبين الفصل الثالث كيف ساهمت أوقاف المغاربة في دعم الحياة الدينية والاجتماعية داخل المدينة، واستقرار المذهب المالكي بها، وتثبيت الحضور المغربي الرمزي والمادي، كما أبرز تعلق ملوك المغرب بالقدس، وما نجم عنه من مبادرات لحمايتها.
القدس ليست مدينة داخل وطن يدعى فلسطين، بل فلسطين تستوعب رمزيا داخل القدس
بواسطة مؤلف الكتاب بوشتى بوكزول
القدس هوية حضاريةيرسم الكاتب معالم مكانة القدس في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي، بوصفها القلب النابض لفلسطين، ومصدر انتمائها الحضاري والروحي، لا مجرد نقطة على الخريطة.
فالقدس ليست "مدينة داخل وطن يدعى فلسطين، بل فلسطين تستوعب رمزيا داخل القدس" لما تمثله من عمق ديني وتاريخي وإستراتيجي.
ويتجلى هذا البعد في خصوصيتها التاريخية منذ الحقبة الكنعانية، حيث تعاقبت عليها حضارات متعددة، وبرزت فيها أسماء مثل يبوس، أورساليم، إيلياء، وكلها تؤكد جذورها العربية.
ووفق إجماع المؤرخين، تأسست القدس على يد اليبوسيين، وهم قوم ساميون من الجزيرة العربية، هاجروا واستوطنوا المنطقة في الألف الثالثة قبل الميلاد، وشيدوا مدينة محصنة، وقد بقيت المدينة كنعانية الأصل رغم محاولات التهويد في مراحل لاحقة.
ويؤكد الكاتب، مستحضرا نصوص التوراة وأبحاث الآثار، أن الادعاء الصهيوني بيهودية هذه المدينة لا يستند إلى معطى تاريخي واحد، إذ لم يعثر على آثار يهودية تثبت وجود الهيكل المزعوم، بل إن بعض النصوص التوراتية ذاتها تصف القدس بأنها مدينة غريبة عن اليهود، كما أن وجودهم بها كان هامشيا، ومؤقتا، وغالبا ما طردوا منها من قبل الإمبراطوريات المتعاقبة.
ومن هنا، فإن القدس لا تمثل فقط موقعا ذا أهمية سياسية، بل هي وعاء حضاري وسر من أسرار الانتماء العربي والإسلامي، يختصر فيه التاريخ والجغرافيا والدين والوجدان.
القدس موقع إستراتيجييفتح الموقع الجغرافي للقدس آفاقا واسعة لفهم بعدها الإستراتيجي الذي جعل منها محط أنظار القوى الكبرى عبر التاريخ، حيث تقع في ملتقى قارات العالم القديم، وتتحكم في محاور الربط بين المشرق والمغرب، وبين بلاد الشام ووادي النيل.
وهذا التموضع، وسط السلسلة الجبلية الفلسطينية، وفي قلب الأرض المقدسة، أكسبها خصوصية مزدوجة، والانفتاح والانغلاق في آن واحد، مما جعلها عرضة لأكثر من 16 عملية تدمير واحتلال.
ويؤكد الكاتب أن من يمتلك قرار القدس يتحكم في مفاصل الخريطة السياسية للمنطقة، لما تمثله من عقدة مواصلات، ومنطقة تماس بين حضارات متصارعة.
وهذا ما جعل المشروع الصهيوني يتخذ من القدس مركزا للهيمنة الإستراتيجية، بتخطيط استعماري يستبدل الاستعمار التقليدي باستيطان اليهود.
فالقدس هي الفاصل والواصل بين جناحي الوطن العربي والإسلامي، واستعادتها تعني إعادة اللحمة الجغرافية والتاريخية بين أجزائه. ومن هنا، يكتسب الصراع حول المدينة طابعا وجوديا، إذ إن تحرير القدس يعني إسقاط الأساطير المؤسِّسة للدولة الصهيونية، ويفتح الباب لتفكيك حضورها العسكري والاستعماري، ليس فقط في فلسطين بل في عموم الإقليم، خصوصا مع ارتباط ذلك بالتحكم في ممرات إستراتيجية كقناة السويس والبحر الأحمر.
إعلانومن هذا المنطلق، تصبح المطالبة الدائمة بالقدس وعروبتها إحدى أدوات المواجهة الفعالة، ومصدرا لتقويض شرعية الاحتلال، وزعزعة أسسه الأيديولوجية والسياسية، لأن بقاء القدس تحت السيطرة الصهيونية يعني استمرار التشظي العربي، بينما يمثل تحريرها بوابة لوحدة وتحرر شاملين.
الشيخ محمد بن عبد السلام بن المهدي المزكلدي، عالم ومجاهد ولد في شمال المغرب وهاجر إلى فلسطين وسكن مدينة القدس في عشرينات القرن العشرين.
استقر الشيخ في القدس وكان بيته في حارة المغاربة بجوار حائط البراق، وكانت المدينة في تلك الفترة خاضعة للانتداب البريطاني.
شارك الشيخ في ثورة… pic.twitter.com/3zDegy4fit
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) November 5, 2024
روابط التعبد والمجاورة والنصرةيؤكد الكاتب أن علاقة المغاربة بالقدس الشريف تجسدت في روابط التعبد والمجاورة والنصرة. فمنذ اعتناقهم الإسلام، توجهت قلوبهم إلى المسجد الأقصى باعتباره ثالث الحرمين، فصار مقصدهم بعد الحج، ومهوى أفئدتهم، وزادهم في رحلة الشوق، حيث كانوا يمرون بالشام والقدس عند عودتهم من الحجاز، ليُصلوا في المسجد الأقصى ويزوروا حائط البراق.
ويشير الكاتب إلى أن آلاف المغاربة استقرّوا في القدس، وتزوجوا، وبنوا بيوتا، وأسسوا مدارس وزوايا، وشكلوا حيا مستقلا أصبح يسمى "حارة المغاربة" التي احتلت قلب المدينة المقدسة.
ويؤكد أن هذه المجاورة لم تكن مجرد إقامة، بل أصبحت رباطا واعيا بهدف تحصيل الأجر والثواب من جهة، وحماية المدينة المقدسة من الأطماع من جهة ثانية.
وقد حملهم هذا الارتباط التعبدي على نقل أنماطهم العمرانية والثقافية، فحافظوا على المذهب المالكي، وتحدثوا بلهجات مغربية، واحتضنهم المكان حتى صارت لهجاتهم وأزياؤهم مقدسية في الظاهر، مغربية في الجوهر. وبهذا، لم يكن الحضور المغربي عاطفيا فقط، بل أضحى امتدادا حضاريا متجذرا في هوية المدينة.
كما شكل الجهاد الرابطَ القوي بين أهل المغرب والقدس الشريف، إذ تميز المغاربة عبر التاريخ بصلابتهم وشجاعتهم في الدفاع عن الإسلام ونصرة بيت المقدس. ولقد شاركوا في مقاومة الحملات الصليبية، حيث استنجد القائد صلاح الدين الأيوبي بالسلطان المغربي يعقوب المنصور الموحدي طالبا المدد بالأساطيل والقوات لدعم الجهاد في الشام، فكان لذلك الأثر الكبير في استعادة القدس وحماية المقدسات.
يسلط الكاتب الضوء على بعدٍ آخر من العلاقة بين المغاربة والقدس يتمثل في الرحلة في طلب العلم، والتي كانت من أبرز ملامح حضور المغاربة في المشرق. فالقدس إلى جانب دورها التعبدي، كانت منارة للعلم تستقطب العلماء والطلبة من كل الآفاق، وكان للمغاربة فيها نصيب وافر.
ويرصد الكاتب عشرات الأسماء من الرحالة والعلماء المغاربة الذين شدوا الرحال إلى بيت المقدس، ومنهم ابن بطوطة، وابن جبير، وابن العربي، والشريف الإدريسي، والقاضي عياض وغيرهم. ولم يمر هؤلاء فقط، بل درسوا، ودوّنوا، وتفاعلوا مع علماء القدس، وتركوا بصمات علمية خالدة. فابن العربي التقى هناك أبا بكر الطرطوشي، وجلس إلى علماء المسجد الأقصى، وذكر مشاهداته الدقيقة لصخرة المعراج. أما الإدريسي فشبه مسجد الأقصى بمسجد قرطبة من حيث الاتساع والعظمة.
ولا يقتصر الأمر على العلم فقط، بل إن هذه الرحلات كانت جسرا ثقافيا ومعرفيا نقل من خلاله المغاربة أوصاف القدس وأسوارها وأبوابها إلى المغرب، ليعيشها الناس هناك بالحرف والصورة. وقد أنتج هذا التفاعل تراثا أدبيا وعلميا غنيا، جمع بين الحس المعرفي والوجداني، فصار وصف القدس منقوشا في الذاكرة المغربية، حتى لمن لم يزرها.
إعلانوتتجلى أهمية هذا البعد العلمي في كونه أداة توثيق ومقاومة للتهويد، فشهادات العلماء المغاربة تحفظ معالم المدينة قبل الاحتلال، وتفند الروايات الصهيونية، وتؤكد أن للقدس بعدا علميا وروحيا لا يفهم إلا في سياقها الإسلامي والعربي، وهو ما حرص عليه المغاربة جيلا بعد جيل.
يشكل وقف حارة المغاربة التعبير الأوضح عن التحام المغاربة بالقدس، وقد تحولت هذه الحارة من حي سكني إلى رمز للهوية والرسوخ المغربي في قلب المسجد الأقصى.
ويشير الكاتب إلى أن هذا الوقف لا يُفهم إلا في سياق وعي المغاربة العميق بقيمة الرباط، ورغبتهم في الإقامة الدائمة على مقربة من أولى القبلتين.
ويستعرض المؤلف المراحل التي مرت بها الحارة، بدءا من استقرار المغاربة بعد تحرير القدس من الصليبيين على يد صلاح الدين الذي خصص لهم الحارة مكافأة على مشاركتهم في الجهاد.
ويؤكد أن هذه الحارة لم تكن فقط فضاء سكنيا، بل ضمت مدارس وزوايا ومساجد ومرافق حياتية تم تأسيسها بوقف مغربي خالص.
ويبين الكاتب أن حارة المغاربة كانت تقع بجوار حائط البراق، في الجزء الجنوبي الغربي من المسجد الأقصى، وأن باب المغاربة سمي بهذا الاسم نسبة إلى موقع الحي، مما يعكس رسوخ الحضور المغربي مكانيا ووظيفيا وروحيا.
ولكن الكارثة الكبرى، كما يسرد المؤلف، وقعت بعد احتلال القدس عام 1967، حين أقدمت قوات الاحتلال الصهيوني على تدمير الحارة بالكامل وتسويتها بالأرض، في محاولة لطمس الوجود المغربي، وفتح ساحة أمام حائط البراق.
وهكذا، فإن حارة المغاربة تمثل اليوم ذاكرة جريحة، تعيد طرح سؤال السيادة، وتحمّل الأجيال المغربية مسؤولية استعادة الحق المعماري والحضاري، وفضح محاولات التهويد عبر المسارات القانونية والتوثيق التاريخي.
يقع جامع المغاربة في الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى المبارك، وسمي بهذا الاسم نسبة للمغرب العربي.
ولم يعد الجامع يستخدم اليوم للصلاة، وحُولت إحدى قاعاته إلى مقر للمتحف الإسلامي وتعرض فيه مقتنيات تاريخية متنوعة.
للمزيد: https://t.co/HQfYpp5IgU pic.twitter.com/OgGME2Ia32
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) March 14, 2024
الوقف المغربي جهاد وتملك مشروعيرى الكاتب أن الوقف المغربي في القدس كان بمثابة مؤسسة حضارية ورافعة إستراتيجية تعكس وعي المغاربة بأهمية القدس، وتجسد امتدادهم في النسيج العمراني والاجتماعي للمدينة. ويؤكد أن هذه الأوقاف تنوعت بين مساكن، وحوانيت، ومدارس، وزوايا، وأراضٍ زراعية، خُصصت كلها لخدمة المجاورين والزائرين من المغاربة.
وقد لعبت هذه الأوقاف دورا أساسيا في تأمين الإقامة المجانية للمغاربة الوافدين إلى القدس، ووفرت لهم بيئة علمية وروحية مستقرة، مما شجع على استدامة حضورهم، بل وأسس لوجود سكاني دائم. كما أن هذه الأوقاف، حسب الوثائق العثمانية، كانت محررة بصيغ قانونية واضحة، مما يمكّن من إثبات الحق المغربي فيها حتى اليوم، رغم محاولات الاحتلال مصادرتها.
ويبرز الكاتب دور العلماء المغاربة، مثل عبد الهادي التازي، في جمع الوثائق الوقفية وتحقيقها ونشرها، لتصبح حجة في وجه الاحتلال. ويؤكد أن هذه الأوقاف كانت أيضا وسيلة للرباط والمقاومة، إذ ساهمت في تمويل الرباط العلمي والجهادي، وأنتجت توازنا ديموغرافيا لصالح المسلمين في المدينة.
وخلال ذلك يبرز تعلق الملوك المغاربة بالقدس قديما وحديثا، مبرزا الدور المهم لوكالة بيت مال القدس الشريف في دعم القدس والمقدسيين.
ويختم المؤلف هذه الفكرة بتأكيد أن أوقاف المغاربة قضية سيادة وهوية وحقوق تاريخية، وأن الدفاع عنها اليوم هو دفاع عن الرواية الأصلية للقدس، ضد مخطط صهيوني يسعى إلى محو الذاكرة وإحلال الزيف محل الحقيقة.
معلومات عن الكتاب العنوان: المغاربة والقدس.. جوانب من العلاقات التاريخية تأليف: بوشتى بوكزول دار النشر: طوب برس تاريخ النشر: 2015 اللغة: العربية الطبعة: الأولى الحجم: متوسط عدد الصفحات: 168