لماذا غيرت روسيا تكتيكاتها العسكرية في الحرب مع أوكرانيا؟
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
موسكو – تواصل القوات الروسية عمليتها العسكرية الواسعة النطاق في عمق الأراضي الأوكرانية والتي أطلقتها بعد نحو 3 أسابيع من توغل مباغت للقوات الأوكرانية في السادس من أغسطس/آب الجاري في مقاطعة كورسك، في عملية مربكة كادت أن تخلط أوراق التكتيكات العسكرية الروسية في الحرب.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها أحكمت سيطرتها على بلدة كامشيفكا بمقاطعة دونيتسك، وعلى جزء كبير من مدينة نوفوغورودوفكا وبلدات ميمريكا كالينوفو وسيليدوفو الواقعة على محور باكروفسك الإستراتيجي.
وفي بيان آخر، أعلنت الوزارة أن وحدات تابعة لقوات "سيفر" (الشمال) مدعومة من الطيران الحربي والمدفعية تمكنت من صد 8 هجمات شنتها مجموعات "تخريبية أوكرانية" على محاور بوركي وكريميانو وكورنيفو ومالايا لوكنيا بمقاطعة كورسك، كما أعلنت عن 15 خطرا صاروخيا في المقاطعة تبعها تدمير قنبلتين جويتين وطائرة من دون طيار وصاروخ أوكراني.
عمليات نشطة
يأتي ذلك في وقت تواصل فيه القوات الروسية عمليات الاستطلاع والبحث في غابات كورسك لرصد وتدمير مجموعات "تخريب أوكرانية"، تقول مصادر رسمية في موسكو إنها تحاول التوغل في عمق الأراضي الروسية.
وتشير جغرافية العمليات الهجومية إلى أن موسكو اختارت محور باكروفسك كأولوية للعمليات القتالية النشطة، رغم أن مناطق واسعة من مقاطعة كورسك الحيوية ما زالت تحت سيطرة القوات الأوكرانية.
وبرأي مراقبين عسكريين روس، سيكون لذلك تأثير إيجابي كبير على القدرات والتكتيكات القتالية للجيش الروسي في معاركه مع القوات الأوكرانية.
يفسر الخبير الإستراتيجي دينيس بوبوفيتش تركيز القوات الروسية هجماتها على محاور داخل العمق الأوكراني بالسعي إلى تشتيت القوات الأوكرانية على أكثر من جبهة لخلق حالة من البلبلة في صفوفها، وإضعاف تركيزها عند أي عملية إعادة انتشار ستقوم بها تبعا لذلك.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول بوبوفيتش إن الصراع الأوكراني وصل إلى نقطة تحول مركزية وسيزداد وضع القوات الأوكرانية سوءا بسبب عدم قدرتها على تحقيق نجاحات سواء في كورسك أو في دونيتسك، وهو ما بات واضحا من طلب كييف المساعدة من الغرب مرة أخرى على هذه الخلفية.
ويشير المتحدث إلى أن الكثيرين في الغرب لا يدركون حجم الصعوبات التي باتت تواجهها القوات الأوكرانية حاليا، وخصوصا على المشارف الشرقية لسيليدوف القريبة من كراسنوارميسك، مما يعني بدء "تبخر حالة النشوة التي أصابت صناع القرار في أوكرانيا وحلفاءهم في الغرب بعد التوغل في كورسك".
أحلك الأوقاتويضيف بوبوفيتش إلى قائمة الأسباب الأنباء التي بدأت تتوارد في الأيام الأخيرة، بما في ذلك ما نشرته صحيفة "بوليتيكو" عن أن الأوكرانيين يعتزمون تقديم قائمة لواشنطن تتضمن أهدافا محتملة لضربات تريد كييف توجيهها إلى داخل العمق الروسي لتبرير الحصول على دعم ومساعدات إضافية.
ووفقا له، بدأت القوات الروسية بتغيير تكتيكاتها بحيث تضرب الآن أهدافا داخل أوكرانيا ليس في الليل، بل في فترة الصباح لأنها فترة الذروة التي يتجمع فيها عدد أكبر من الأفراد والمعدات في المواقع المستهدفة.
من جانبه، يرى مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف أن القيادة العسكرية الأوكرانية باتت تعيش "أحلك أوقاتها"، لأنه مع خسارة باكروفسك تعطي القوات المسلحة الأوكرانية زمام المبادرة في هذه المنطقة للجيش الروسي، ومعه "مفاتيح" دنيبر وبيتروفسك (دنيبر الأوكرانية) وزاباروجيا.
ويضيف -للجزيرة نت- أنه لم يتبق لدى الأوكرانيين سوى القليل من الوقت قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وبرأيه، في حال انتقال السلطة إلى الجمهوريين وعودة المرشح دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن أول شيء سيفعله هو إنهاء الصراع في أوكرانيا، فضلا عن أنه صرح مؤخرا بأن هجوم القوات الأوكرانية على كورسك يحمل تهديدا باندلاع حرب عالمية.
أزمة طاقةويعتقد كركودينوف أنه إذا تُركت القوات الأوكرانية من دون تمويل، فإنها لن تستطيع الصمود طويلا. كما أنه بسبب أزمة الطاقة المستمرة، قد لا يتمكن مواطنو أوكرانيا من تحمل فصل الشتاء القادم.
يُذكر أن روسيا شنت ضربات واسعة النطاق على منشآت ومحطات للطاقة في أوكرانيا استخدمت فيها أسلحة بعيدة المدى وعالية الدقة، من بينها صواريخ كروز وكنجال فرط صوتية، وقالت وزارة الدفاع إن هذه المنشآت تساعد في تأمين عمل المجمع الصناعي العسكري الأوكراني.
واعترف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي بأن قطاع الطاقة في بلاده تعرض لأضرار بالغة، وأنه بات يعاني من أزمة كبيرة.
وعلى خلفية استفحال أزمة توليد الطاقة في البلاد، تعتزم كييف شراء مفاعلين روسيي الصنع من بلغاريا. ووفقا لصحيفة بوليتيكو، من المقرر توريدها إلى محطة خميلنيتسكي للطاقة النووية.
وفي هذا السياق أيضا، أعلن البيت الأبيض أنه سيرسل معدات إلى كييف لإصلاح البنية التحتية للطاقة وتحسين مرونتها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القوات الأوکرانیة القوات الروسیة
إقرأ أيضاً:
ملامح تطور عقيدة التصنيع العسكري الروسي خلال الحرب مع أوكرانيا
موسكو– ازدادت القدرة الإنتاجية للتصنيع العسكري الروسي بشكل ملحوظ منذ بداية الحرب مع أوكرانيا، بالتوازي مع خطوات حثيثة اتخذتها موسكو لإعادة تسليح الجيش والبحرية، لمواجهة تبعات الدعم العسكري الغربي لكييف، وفي وتيرة لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
ومرّت الصناعة العسكرية الروسية بمراحل رئيسية عديدة خلال فترة الصراع مع أوكرانيا:
ففي البداية ركّزت على حشد الموارد المتاحة وزيادة إنتاج أنواع الأسلحة الحالية. ثم جاءت مرحلة التكيف مع ظروف القتال الجديدة بإدخال تقنيات ومواد جديدة، وتحسين عمليات الإنتاج. أما المرحلة الثالثة، فتمثلت بتحديث وتطوير أنظمة أسلحة جديدة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار وأنظمة الحرب الإلكترونية.وأصبح للمؤسسات الحكومية دور أكثر أهمية في إنتاج الأسلحة، كما تشارك الشركات الخاصة بنشاط في الإنتاج العسكري، حيث تحصل على عقود حكومية. ونتيجة لذلك، أصبح الإنتاج العسكري الروسي عاملا أساسيا في إمداد القوات المسلحة الروسية خلال الحرب.
تأكيد رسميسبق أن أقر وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو، الذي يشغل حاليا منصب سكرتير مجلس الأمن الروسي، في تصريح له نهاية العام 2023، بأن شركات الدفاع الروسية تحوّلت إلى نظام العمل على مدار 24 ساعة وضاعفت قدرتها الإنتاجية 4 مرات منذ فبراير/شباط 2022.
إعلانكما أكد ازدياد إنتاج الدبابات بمقدار 5.6 مرات زيادة، والمركبات المدرعة بمقدار 3.5 – 3.6 مرات، والطائرات بدون طيار بمقدار 16.8 مرة، وذخيرة المدفعية بمقدار 17.5 مرة.
ووفقًا له، فقد حصلت القوات البرية على 1530 دبابة جديدة ومحدثة، وأكثر من 2500 مركبة قتالية للمشاة وناقلة جنود مدرعة، وحصلت القوات الجوية الفضائية على 237 طائرة ومروحية، وحصلت البحرية الروسية على 8 سفن و4 غواصات متعددة الأغراض وغواصة نووية إستراتيجية.
يشرح الخبير في الشؤون العسكرية يوري كنوتوف، بأن الإنتاج العسكري الروسي شهد تغيرات ملحوظة منذ بداية الحرب في أوكرانيا، تضمنّت توسعا مكثفا في الطاقة الإنتاجية وإعادة التوجيه نحو إنتاج الذخائر والمعدات العسكرية وغيرها من الأسلحة اللازمة لمواصلة الحرب.
ووفقًا له، تتعلق أهم هذه التغيرات بتكثيف الإنتاج، إذ تحولت المصانع التي كانت تنتج منتجات مدنية سابقًا إلى إنتاج الأسلحة، كما تم تحديث المصانع القديمة وإعادة توجيهها نحو الطلبيات العسكرية.
ويضيف بأن حجم إنتاج المعدات العسكرية والذخائر وغيرها من الأسلحة ازداد بشكل ملحوظ مقارنة بمستوى ما قبل الحرب، علاوة على إدخال وتطوير وتطبيق تقنيات جديدة لتحسين كفاءة الإنتاج وجودة المنتج.
ويلفت إلى أن "عقيدة التصنيع العسكري" خلال الحرب طالت إعادة التوجيه نحو الموارد المحلية، موضّحا أنه "بسبب العقوبات، استُبدلت معظم المكونات المستوردة بأخرى محلية، مما تسبب في بعض المشاكل المتعلقة بجودة وموثوقية المنتجات، ولكنها في المقابل سمحت بزيادة الاستقلال عن الموردين الأجانب".
وحسب قوله، فقد أصبحت أوكرانيا "مختبرا حيّا" لاختبار وتطبيق أحدث أنظمة الأسلحة والمعدات العسكرية الغربية، بما في ذلك تلك التي لا تزال في مرحلة التطوير، كما بدأت التقنيات الجديدة تلعب دورا خاصا في الصراع، كالأنظمة غير المأهولة التي تعمل بالتحكم عن بعد، والإنترنت، والذكاء الاصطناعي، وأنظمة الحرب الإلكترونية وغيرها.
إعلانوعلى هذا الأساس، بات التصنيع العسكري الروسي أمام أكبر تحد في سياق إيصال العملية العسكرية الخاصة إلى أهدافها، والذي يشترط تحقيق نقلة نوعية وغير مسبوقة في حرب الأدمغة بين روسيا وأوكرانيا وحلفائها.
التعاون مع الشركاءيرى العديد من المراقبين الروس أن تركيز الاتحاد الأوروبي ينصب على تعزيز قدراته في مواجهة القوات الروسية في أوكرانيا، وتطوير التعاون مع كييف من خلال ضخ التقنيات الجديدة إليها، مما حوّلها -وفق توصيف هؤلاء- إلى "وادي سيليكون" للابتكارات العسكرية الغربية.
من هنا يبرز الموقف المقابل لروسيا بخصوص علاقات التعاون في المجال العسكري والتقني التي تربطها مع الدول التي تعتبر شريكة لها في الموقف ضد الأحادية القطبية وسياسات الهيمنة الغربية، وعلى رأسها الصين وكوريا الشمالية وإيران.
وفي الوقت الذي لم يعد فيه سرا وجود تعاون عسكري متعاظم مع الدول المذكورة، إلا أنه لا توجد في المقابل معلومات رسمية بالشق المتعلق بالتصنيع العسكري تحديدا.
وتعليقا على ذلك، يقول الخبير في الشؤون الإستراتيجية أركادي سيميبراتوف، إن التعاون مع هذه الدول يتجلى في المجال العسكري بتعزيز العلاقات العسكرية وتبادل الخبرات، وفي بعض الحالات بتوريد المعدات العسكرية.
وبخصوص الصين، يشير المتحدث إلى أن التعاون معها يشمل مجالات مختلفة، بما في ذلك التدريبات العسكرية المشتركة، وتبادل المعلومات والتكنولوجيا، وربما توريد المعدات العسكرية، ويتابع بأنه "كثيرا ما ينظر إلى هذا التحالف باعتباره ثقلا موازنا للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي".
أما كوريا الشمالية، فإن المستوى المتزايد من التعاون يرتبط بالصراع في أوكرانيا، حيث وردت تقارير عن قيام كوريا الشمالية بتزويد روسيا بالذخيرة، فضلا عن مشاركة جنود كوريين شماليين في معارك، كما حصل في معركة استعادة مقاطعة كورسك مؤخرا، لافتا إلى أنه في عام 2024 تم توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة، تتضمن المساعدة العسكرية المتبادلة بين البلدين.
إعلانوبالنسبة لإيران، فإن التعاون يهدف بشكل رئيسي إلى توفير الأسلحة والتقنيات التي تساعد إيران على تحديث جيشها، بينما في المقابل تلعب إيران دورا رئيسيا في توريد الطائرات بدون طيار وغيرها من التكنولوجيا العسكرية إلى روسيا.