فرص وخيارات حلحلة أزمة المصرف المركزي
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
حتى اللحظة لا يبدو أن أزمة المصرف المركزي الليبي تتجه إلى الحلحلة، إذ ما يزال المجلس الرئاسي مصر على الإجراءات التي اتخذها بخصوص إعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف، وقد اكد رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بالأمس أن على رجعة على قراراته، بالمقابل، فإن موقف المحافظ المعزول ما يزال دون تغيير.
تصريحات رئيس مجلس النواب الأخيرة قد يفهم منها استعداد للتفاهم حول إقدامه على سحب صلاحيات القائد الأعلى للقوات المسلحة من الرئاسي واعتباره وهو وحكومة الوحدة منتهيا الصلاحية، وقد يكون كلامه شرح لموقفه أمام الاطراف الدولية التي استنكرت قرارات رئاسة المجلس بخصوص مخرجات اتفاق تونس - جنيف الذي أفرز المجلس الرئاسي بتركيبته الحالية ومعه حكومة الوحدة الوطنية.
بيان البعثة الأممية لليبيا الذي تحفظ على توجهات المجلس الرئاسي بخصوص المصرف المركزي، لم يشر بوضوح إلى موقفه من سلوك مجلس النواب الذي فجر الوضع وتسبب في دفع الرئاسي لاتخاذ موقف حاد كردة فعل على تصرفات رئاسة مجلس النواب.
وبرغم أن بيان البعثة الخاص بأزمة المصرف المركزي والمؤرخ بـ 26 أغسطس الجاري ركز على ما اعتبره خطوات لضمان استقلالية المصرف واستمرار الخدمة المقدمة للمواطنين، إلا إنه أكد على الربط بينها وبين الحل السياسي الشامل، ووضع ليبيا على سكة الانتخابات الوطنية.
بيان البعثة الأممية لليبيا الذي تحفظ على توجهات المجلس الرئاسي بخصوص المصرف المركزي، لم يشر بوضوح إلى موقفه من سلوك مجلس النواب الذي فجر الوضع وتسبب في دفع الرئاسي لاتخاذ موقف حاد كردة فعل على تصرفات رئاسة مجلس النواب.البعثة أطلقت مبادرة لاحتواء أزمة المصرف المركزي بالدعوة لاجتماع أطراف النزاع، أو الاطراف المعنية كما ورد بالبيان، واشترطت أجندة لهذا الاجتماع أهم نقاطها هي: تعليق قرارات الرئاسي المتعلقة بالمصرف المركزي، ورفع القوى القاهرة عن الحقول النفطية.
فرص اجتماع أطراف النزاع الليبي وفق ما أعلنته البعثة الأممية ليست قليلة بعد أن تصاعد دخان التأزيم بسبب قفز المجلس الرئاسي إلى ساحة التدافع وفرضه وضع جديد ضاعف من إرباك المشهد الليبي، ثم رد فعل جبهة الشرق بإغلاق حقول النفط، فالوضع اليوم شديد التأزيم وشديد الحساسية لليبيين وللأطراف الخارجية، وبالتالي فإن دخول البعثة والعواصم الغربية على خط الأزمة الجديدة ضروري وملح، وما يؤكد ذلك غياب أي أفق لمبادرة محلية تخفف من شدة الاحتقان.
الحاجة إلى التدخل الخارجي لاحتواء الأزمة الجديدة يؤكدها عجز كل طرف من أطراف النزاع على تجيير الأزمة لصالحه، فالمجلس الرئاسي ، ومن خلفه حكومة الوحد الوطنية والمجموع السياسي والعسكري الداعم لهم، غير قادر على العودة بالمصرف المركزي إلى كامل عمله وفاعليته، لأسباب فنية وسياسية، وقد أعلن المحافظ المكلف من قبل المجلس الرئاسي أنهم في حاجة للحصول على كلمات المرور الخاصة بمنظومات تشغيل عمليات، وقد طالب بها في مؤتمر صحفي وبشكل علني. يضاف إلى ذلك عدم تحكمه في المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف الليبي الخارجي، حيث تقوم المؤسسة ببيع النفط وتحويل عوائده للمصرف الليبي الخارجي، ولا ضمانة لتحويلها إلى حسابات المصرف المركزي في ظل النزاع الجديد.
التصعيد الأخير عظم من التأزيم وتعقيد الوضع، وبالتالي فإن الحلول لن تكون تقليدية، وهذا ما قد يجعل مسألة تقاسم الموارد حاضرة، باعتبار أنها أبرز نقاط النزاععلاوة على ما سبق، فإن الإدارة الفعالة للمصرف المركزي تستلزم دعم الأطراف والمؤسسات الدولية، وما يفهم من بيانات العواصم الغربية أنها تتحفظ على إجراءات المجلس الرئاسي بخصوص المصرف المركزي.
على الجهة الثانية، فإن إقدام جبهة الشرق على إغلاق حقول النفط يدلل على أنها غير قادرة على التحكم في إدارة عملية بيع النفط وتوريد عوائده لصالحها، حتى مع سيطرتها على المؤسسة والوطنية واقتراب المحافظ المعزول منها.
من هنا تتأكد الحاجة إلى تدخل البعثة مدعومة من قبل العواصم الغربية الفاعلة لاحتواء النزاع، والتأخير في عقد الاجتماع الذي دعت إليه البعثة ليس راجعا لرفض أطراف النزاع للحضور، وإنما لأن حلا مرضيا لم ينضج بعد.
التصعيد الأخير عظم من التأزيم وتعقيد الوضع، وبالتالي فإن الحلول لن تكون تقليدية، وهذا ما قد يجعل مسألة تقاسم الموارد حاضرة، باعتبار أنها أبرز نقاط النزاع، ومن الملاحظ أن كلا الطرفين مهيئ للقبول بمسألة تقاسم العوائد، برغم خطورتها وما قد يترتب عليها من تداعيات، وتفكير البعثة وعواصم الغرب سينصب على الألية الضامنة لسير هذه العملية بسلاسة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ليبيا ليبيا اقتصاد رأي خلافات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المصرف المرکزی المجلس الرئاسی أطراف النزاع مجلس النواب
إقرأ أيضاً:
لجنة أمنية في ليبيا بترحيب الردع والدفاع والداخلية.. واعتراض من داخل الرئاسي
أعلن المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا الاتفاق على تشكيل لجنتين، أمنية وحقوقية، تتوليان الإشراف على خطة ترتيبات أمنية جديدة ومراجعة أوضاع السجون، وسط ترحيب لافت من وزارتي الداخلية والدفاع، وكذلك جهاز الردع، ما أعطى مؤشرات أولية على توافق نادر بين الأطراف النافذة في العاصمة. غير أن هذا التوافق سرعان ما شابه انقسام سياسي، تمثّل في اعتراض نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، الذي اعتبر الخطوة "انفرادًا بالقرار" يهدد جهود التهدئة ويقوّض وحدة القرار السيادي.
اللجنتان، بحسب قرارين رسميين منفصلين، تتوزعان على مسارين متوازيين؛ الأول أمني وعسكري مباشر، يرأسه رئيس المجلس الرئاسي أو من يفوضه، ويضم ممثلين عن الدفاع والداخلية والردع والمنطقة العسكرية الساحل الغربي، ويتولى وضع وتنفيذ خطة شاملة لإخلاء طرابلس من المظاهر المسلحة. أما المسار الثاني، فيركز على ملف السجون وأوضاع الاحتجاز، حيث تتولى لجنة يرأسها قاضٍ بدرجة مستشار، وتضم أعضاء من وزارات ومؤسسات قضائية وحقوقية، تقصي الحقائق ورفع توصيات بشأن التجاوزات القانونية في التوقيف والاحتجاز.
هذه الإجراءات جاءت بعد مبادرة من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، الذي وجّه رسالة إلى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي دعا فيها إلى تحركات "عملية وملموسة" لتثبيت التهدئة، وبسط سلطة الدولة، خصوصاً بعد أيام من التوترات الأمنية في طرابلس، التي أثارت مخاوف من انزلاق جديد إلى صراع مسلح بين الفصائل.
سياق سياسي متأزم وتحول أمني لافت
الخطوة الأمنية جاءت في أعقاب موجة من التحذيرات المحلية والدولية بشأن هشاشة الوضع الأمني في العاصمة، وسط دعوات متكررة إلى إخلاء المدن من السلاح، وإنهاء ظاهرة الجماعات المسلحة المتعددة الولاءات. ويكتسب تشكيل هذه اللجنة بعدا سياسيا إضافيا، مع ما تشهده البلاد من حالة جمود دستوري وصراع على الشرعية بين حكومتين، ومجلسي نواب ودولة، وهيئات أمنية تتقاسم السيطرة على مفاصل العاصمة.
ويُنظر إلى الترحيب الصادر عن جهاز الردع -أحد أبرز التشكيلات المسلحة في طرابلس- باعتباره مؤشرًا على وجود غطاء أمني للتنفيذ، لا سيما وأن البيان الصادر عن الجهاز أبدى استعدادًا كاملا للتعاون مع اللجنة، ورفضًا صريحًا لأي تحركات خارج سلطة الدولة. كما رحّبت وزارتي الداخلية والدفاع، لأول مرة بشكل منسق، بهذه الخطة، ما يشير إلى اصطفاف رسمي حول الرؤية الجديدة لبسط الأمن.
اعتراض من داخل "الرئاسي".. انقسام مبكر
لكن ما بدا خطوة توافقية تعرض لتصدع مبكر، مع إعلان نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، رفضه لما وصفه بـ"الانفراد بالقرار" من قبل رئيس المجلس محمد المنفي ورئيس الحكومة. واعتبر اللافي في بيان رسمي أن الخطوات "تخالف الاتفاق السياسي وتمس بصلاحيات المجلس الرئاسي مجتمِعًا"، منتقدًا استخدام المنفي صفة "القائد الأعلى للجيش الليبي"، ومشددًا على أن هذه الصفة تعود للمجلس مجتمعًا، ولا يجوز الانفراد بها.
وأشار اللافي، وهو ممثل عن المنطقة الغربية، إلى أن أي قرار يخص هذه المنطقة يجب أن يتم بالتنسيق معه، معتبرًا أن ما حدث يقوض الجهود التي كانت تبذل لتفعيل اللجنة المشتركة لضبط الأوضاع الأمنية. كما حذر من أن هذه التحركات الأحادية قد تُفسر كغطاء سياسي لمواجهات جديدة أو إعادة اصطفاف ميداني، محمّلاً المنفي والدبيبة المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات مستقبلية.
ملف السجون.. انتهاكات فاضحة وتحركات حقوقية
بالتوازي مع الترتيبات الأمنية، يأتي تشكيل اللجنة الحقوقية لتقصي الحقائق في ملف السجون كمؤشر على اعتراف رسمي بوجود تجاوزات تستوجب المعالجة. ووفق القرار، فإن اللجنة ستتولى رصد حالات التوقيف غير القانونية أو خارج الإطار القضائي، وهي حالات سبق أن أثارتها منظمات دولية وحقوقية، مطالبة بتدخل فوري لإيقافها وضمان محاكمات عادلة للمحتجزين.
ويأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات صادمة أدلى بها المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، قال فيها إنه "مصدوم إزاء ما تم الكشف عنه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مرافق الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية التي تديرها قوة جهاز دعم الاستقرار في طرابلس". ودعا تورك إلى "إغلاق هذه المواقع فورًا وإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة"، مشيرًا إلى اكتشاف عشرات الجثث وأدوات تعذيب وأدلة على عمليات قتل خارج نطاق القضاء.
وأضاف تورك أن هذه الاكتشافات "تؤكد ما سبق أن وثقته بعثتا الأمم المتحدة، إلى جانب روايات شهود، بشأن وجود مواقع احتجاز سرية تُمارس فيها انتهاكات مروعة"، كاشفًا عن العثور على 67 جثة داخل مستشفيات في طرابلس، إضافة إلى جثث متفحمة ومقبرة داخل حديقة الحيوان بالمدينة، وهي كلها مواقع يُقال إنها تابعة لجهاز دعم الاستقرار.
وأعرب المفوض الأممي عن قلقه من أن سلطات البحث الجنائي لم تُمنح حق الوصول بعد إلى هذه المواقع، مطالبًا السلطات الليبية بمنح "وصول غير مشروط" لموظفي الأمم المتحدة والجهات المختصة، في إطار تحقيق شامل يحفظ الأدلة ويمهد لمحاسبة الجناة.