تكثر الكتابات والتوقعات بأن إسرائيل تقترب من الانهيار بفعل عدوانها الظالم على الفلسطينيين وما أدي إلىه من تداعيات خطيرة على المجتمع الإسرائيلي خصوصا الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية داخل هذا المجتمع. ظني الشخصي أنه من الخطورة بمكان أن يركن الفلسطينيون والعرب إلى هذه التوقعات فقط، ويتعاملوا معها باعتبارها حاصلة لا محالة، وينسوا أن الانقسامات العربية أخطر بكثير منذ سنوات طويلة وأغلب الظن أنها للأسف مستمرة بدون أي بارقة أمل كبيرة لإنهائها.
وآخر من كتب بوضوح في هذا الموضوع كان الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك في مقال نشرته صحيفة هاآرتس يوم ٢٠ أغسطس/آب الماضي، وقال فيه إن إسرائيل سوف تنهار خلال عام واحد إذا استمرت حرب الاستنزاف ضد حركة حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان. بريك يقول إن وزير الدفاع يوآف جالانت بدأ يدرك هذه الحقيقة، وإننا نغرق في مستنقع غزة ونفقد جنودنا هناك دون أي فرصة لتحقيق هدف الحرب الرئيسي وهو إسقاط حماس. ويضيف بريك أن جميع مسارات المستوي السياسي والعسكري تقود إسرائيل إلى الهاوية، وأن استبدال نتنياهو وشركائه المتطرفين سينقذ إسرائيل من دوامة وجودية قد تصل قريبا إلى نقطة اللاعودة.
شخصيا لست خبيرا في الداخل الإسرائيلي، بل مجرد متابع للتطورات عبر المقالات المترجمة من الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية. وبالطبع أتمنى أن تتحقق نبوءة ومخاوف الجنرال بريك وكل من يشاركونه هذه المخاوف، لكن نحن العرب جربنا كثيرا التفكير بالتمني ورغم أنه فشل في كل المرات، لكن معظمنا مايزال يتخذ هذا النوع من التفكير منهجا. من المهم بطبيعة الحال أن ننشغل كثيرا كعرب وفلسطينيين بإسرائيل وكل ما يتعلق بها، باعتبارها الكيان الذي تم زرعه في المنطقة عنوة لضمان تقسيمها الدائم وعدم توحد المنطقة أو تقدمها. ولدينا مراكز أبحاث مصرية وعربية مهمتها دراسة ما يحدث في إسرائيل حتى نعرف كيف نواجهها بصورة عملية. لكن من الخطأ البالغ التعامل مع مشكلات الداخل الإسرائيلي باعتبارها سوف تنفجر غدا وتختفي إسرائيل من الوجود تماما، وتقوم الدولة الفلسطينية فورا. نعم هناك انقسامات عميقة في إسرائيل قبل وبعد عملية «طوفان الأقصي» في ٧ أكتوبر الماضي، ونتذكر المظاهرات العارمة والرفض الكاسح من غالبية المجتمع الإسرائيلي لقانون التعديلات القضائية.
وهناك انقسامات بين المتدينين والعلمانيين، وبين غالبية ترفض قيام دولة فلسطينية وأقلية قليلة تقبل ذلك. كل ما سبق صحيح، لكن المؤكد أيضا أن الخلافات في غالبية البلدان العربية أكثر عمقا وخطرا. أصحاب التفكير بالتمني الذين ينتظرون انهيار إسرائيل غدا، لا يريدون أن ينظروا في المرآة، ويقروا ويعترفوا بأن هناك انقساما فلسطينيا فلسطينيا منذ عام ٢٠٠٧ وحتى الآن. وهناك حرب أهلية في سوريا، وحرب أهلية في السودان وأخري في الصومال، ورابعة في إلىمن وخامسة في ليبيا، وانقسامات عميقة بشأن الهوية في بلدان كثيرة ومنها لبنان والعراق، وصراع حدودي منذ عقود بين الجزائر والمغرب، وأزمات اقتصادية في معظم الدول العربية ومنها تونس ومصر والأردن. بعض هذه الحروب العربية سببها أن بعض هذه المجتمعات لم تحسم حتى الآن مسألة الهوية. ومايزال كثيرون في مجتمعاتنا يعيشون في عصور الجاهلية، وبعضهم توقف تفكيره عند القرن الأول الهجري، وبعضهم ما يزال يجادل هل يحق تهنئة المسيحي العربي بعيده أم لا، وكيف يدخل دورة المياه، كل هذه الخزعبلات ماتزال مستمرة رغم أن إسرائيل تحقق وهي كيان عنصري استيطاني إحلإلى نجاحات في مجالات كثيرة. وتحظي بدعم وحماية أمريكية بريطانية مفتوحة طوال الوقت لأن زرعها كان بهدف وظيفي لاستمرار انقسام العرب وسيطرة الغرب .
الشرط الأساسي للانتصار العربي أن نأخذ بالأسباب المنطقية للانتصار. أن نتعلم أولا وأن نفكر بصورة علمية منطقية ثانيا، وأن نتقدم وأن يكون لدينا تنمية فعلا وأن تكون هناك سيادة قانون، وأن ندرس كيف تقدمت الأمم الأخري. وإلى أن نصل إلى بداية هذا الطريق، فلن تنهار إسرائيل، بل للأسف فأغلب الظن أنها سوف تتجبر وتبلطج، في حين سيظل معظمنا يتمني ويحلم بانهيارها دون أن يحدث ذلك على أرض الواقع. صعود وانهيار الأمم والشعوب والحضارات له أسباب موضوعية وليست رغائبية.
*نشر أولاً في صحيفة “الشروق المصرية”
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق ترجمة خاصةيا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المنتخب اليمني ............. لماذا لم يكن زي منتخب اليمن الف...
سلام الله على حكم الامام رحم الله الامام يحيى ابن حميد الدين...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: تنهار إسرائیل فی إسرائیل
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تقصف ميناء الحديدة في غرب اليمن
10 يونيو، 2025
بغداد/المسلة: شنت إسرائيل الثلاثاء ضربات على ميناء محافظة الحديدة الساحلية الخاضع لجماعة الحوثيين في غرب اليمن، في رد على الهجمات التي يشنها المتمردون المدعومون من إيران على الدولة العبرية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أن سلاح البحرية قصف ميناء الحديدة في اليمن، بعدما أفادت قناة “المسيرة” التابعة للمتمردين الحوثيين تعرّض الميناء لغارتين إسرائيليتين.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على تلغرام “هاجم جيش الدفاع من خلال سفن صواريخ تابعة لسلاح البحرية صباح اليوم أهدافا تابعة لنظام الحوثي الارهابي في ميناء الحديدة في اليمن”.
وقال إن ذلك جاء “ردّا على الاعتداءات العدوانية التي ينفذها نظام الحوثي الإرهابي ضد دولة إسرائيل، حيث يطلق صواريخ أرض-أرض وطائرات مسيّرة”.
وكان الحوثيون قد أفادوا في وقت سابق عن ضربتين إسرائيليتين استهدفتا أرصفة الميناء المطل على البحر الأحمر، من دون الإبلاغ عن وقوع ضحايا.
ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة إثر هجوم غير مسبوق شنّته الحركة على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، نفذ المتمرّدون الحوثيون في اليمن عشرات الهجمات الصاروخية ضدّ الدولة العبرية وضدّ سفن في البحر الأحمر يؤكدون ارتباطها بها، في خطوة أدرجوها في إطار إسنادهم للحركة الفلسطينية.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يعترض غالبية تلك الهجمات.
وفي الرابع من أيار/مايو، أصاب صاروخ أُطلق من اليمن محيط مطار بن غوريون الدولي قرب تل أبيب، ما أسفر عن إصابات طفيفة وأضرار مادية محدودة، في أول حادث من نوعه.
وردا على تلك الهجمات، نفذت إسرائيل في الأشهر الأخيرة ضربات استهدفت مواقع للحوثيين في اليمن، شملت موانئ البلاد ومطار العاصمة صنعاء.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts