البطالة وتضارب المصالح تحديات مصنعة وحلول ممكنة
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
يتنامى الحديث عن المواطنة والمسؤولية المجتمعية مع تنامي تحديات الواقع المعاصر ومستلزماته، ولا يملك المخلصون إلا تعزيز وإظهار كل منجز متحقق ينهض بالتنمية وينتصر للإنسان مهما كانت وجهته ما دام منطلقًا من حب الوطن ونفع مواطنيه، كما أنه لا يمكن للمواطنة أن تكتمل إن صرف أحدنا النظر عن جوع المحيطين أوان شبعه، أو قلقهم وخوفهم أوان أمانه، فـ «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط» ولعلّ أهم ما تحقق واقعيًا هو ما شهدته سلطنة عُمان من زيادة الفائض المالي في الميزانية لهذا العام مع خفض معدل الدين العام، إضافة إلى تفعيل بعض المراسيم والقرارات الساعية لخدمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وكما أن المتحقق عبر سنوات ثلاث ليس بالقليل الهيّن فإن المؤمل ليس بالمستحيل البعيد؛ الحديث في هذه المقالة حول أهم التحديات المعاصرة دون مواربة أو تهويل، وما القصد هنا إلا أزمة الباحثين عن عمل، سواء كان الحديث عن آلاف المنتظرين لفرصة أولى تنهض بطموحاتهم وتغطي احتياجاتهم أو أولئك المسرحين من وظائفهم في صدمة التسريح مع الواقع الذي تأكلهم مسؤولياته، ولعل من الواجب الإشارة هنا إلى أن قضية الباحثين عن عمل مشكلة تعاني منها مجتمعات عديدة، بل لا نبالغ إن قلنا بأنها عامة في كل المجتمعات دون استثناء ولكن بنسب مختلفة، ومع استقراء إحصائي للعدد (مهما وجدناه كبيرًا) فإنه بالقياس مع الممكنات من الموارد والفرص المحلية التي تملكها سلطنة عُمان لا يمكن أن يكون مقبولًا، كما أنها لا ينبغي أن تكون أزمة مستعصية إذا ما اتكأنا على عنصري الرغبة الحقيقية في حلحلتها، ثم حسن التخطيط المقترن بالمتابعة والتنفيذ.
لم يعد الأمر ضمن المسكوت عنه ولا ينبغي له أن يكون كذلك، بل لا بد من تصدره قائمة الأولويات الوطنية لهذه المرحلة لأسباب عديدة يأتي ضمنها السعي لتمكين المؤهلات الوطنية المُعطلة بعد رحلة من التعلم وتحصيل المهارات والكفاءات، مرورًا برفع استحقاق الشباب العماني الذي يستشعر التقدير تماما كما يستشعر الجزاء دون إقصاء أو تهميش نفسي أو مجتمعي، مع ضرورة استقراء الواقع المجتمعي بتداعيات البطالة على الأمن الاجتماعي والفكري والثقافي؛ ولا أقسى من تصور مجاميع الشباب الذين تجاوزوا الثلاثين (أيا كانت مؤهلاتهم العلمية) دون مصدر دخل يعينهم على مشقة الحال ويغنيهم عن السؤال؟!.
لكن ما علاقة تضارب المصالح بأزمة الباحثين عن عمل؟ يأتي الجواب من واقع الحال بعد قراءة المعطيات المعلنة رسميًا من إحصائية عدد الباحثين عن عمل وإحصائيات أخرى تتناول عدد الوافدين ومؤهلاتهم، ثم تقارير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، كل تلك المعطيات تأخذنا تماما إلى حلول متاحة ممكنة إن صدقنا أنفسنا الرغبة في حل هذه الأزمة (المصطنعة)، ولا ينبغي أن يفهم أنها محاولة للتسخيف من حجم المشكلة أو محاولة للنيل من قطاعات أو شخصيات معينة؛ لأنه وفقًا للمعطيات فموضوع الإحلال يعاني متلكئًا في القطاعين العام والخاص، ومحاولة إثبات عدم تأهيل وكفاءة كل هذه المجاميع الشابة الحاصلة على مؤهلات علمية ومهارات عملية ما هي إلا تسويغ للاستغلال من قبل بعض المؤسسات، سواء كان هذا الاستغلال للشباب أنفسهم عبر العمل بالسخرية تحت عنوان التدريب، أو استنزاف ميزانية المؤسسات الحكومية بحجة تقديم التدريب مقابل مبالغ ضخمة، ثم تسريح المتدربين مجددا مع شهادات التدريب وخيبة الأمل.
أمر التأهيل والتدريب ينبغي أن يكون ضمن مؤسسات القطاع الحكومي والشركات الحكومية تجنبًا للهدر في الإنفاق، لا سيما وأن هذه القطاعات متحققة ومؤهلة بالكفاءات القادرة على النهوض بمسؤوليتها الوطنية تجاه فئة الباحثين عن عمل، وحتى القطاعات الخاصة في مجال النفط والغاز من واقع مسؤوليتها المجتمعية، كما أن هذا التدريب إن لم يكن مقرونًا بالعمل فليقترن بأجر يسد حاجة صاحبه من أساسيات الحياة، وهنا يمكن تقليص ميزانية تدريب الشباب واحتواء شعورهم بالحاجة وعدم التقدير، أما موضوع الإحلال فلا ينبغي أن يكتفى فيه بالتنظير وإصدار قرارات لا تعرف التنفيذ ولا تجد المتابعة حين تصطدم بواقع المصالح المتضاربة ظاهريا وتخطيطا، أو حتى المتقنّع منها بأثواب يعرفها المراقب المخلص كما يعرفها المواطن الواعي المتابع، لا بد من حملة وطنية معززة بالتمكين والتفعيل بعيدًا عن لجان التنظير ومجلدات التفريع والتقسيم، ولا بد من وعي مجتمعي بأهمية هذه الحملة وجدواها على المدى الطويل مجتمعيا ووطنيا.
ينبغي تكثيف الجهود التزامًا وتماشيًا مع إصرار صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وحرصه «كما أنّ العمل مستمر في مراجعة الجوانب التشريعية والرقابية وتطوير أدوات المساءلة والمحاسبة، لتكون ركيزة أساسية من ركائز عمان المستقبل، مؤكدين على أهميتها الحاسمة في صون حقوق الوطن والمواطنين ودورها في ترسيخ العدالة والنزاهة» ولن يتأتى لنا ذلك ما لم نضع مصلحة عمان قبل مصالحنا الشخصية، لا بد من تضحيات تعكس إخلاصنا لأرضنا ولفكرة المجتمع القائمة على التكامل لا على الفردية الأنانية والجشع المتوحش.
الباحثون عن عمل موضوعنا جميعا، قضيتنا جميعا، ولا ينبغي التملص من مسؤولياتنا الوطنية والمجتمعية بالصمت عنها وتجاوزها، وواهِمٌ من يعتقد بأنه في مأمن حين يخاف جاره، أو أنه في يسر لا يحتمل عسرا مباغتا، تبدل الواقع من مقتضيات الحياة ولا بد من ضمير إنساني يدفعنا للتكامل عبر استنهاض همتنا المجتمعية وتكافلنا الحقيقي وصولا لتنمية مستدامة لنا مواطني ومقيمي أرض عمان.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الباحثین عن عمل لا ینبغی ینبغی أن لا بد من کما أن
إقرأ أيضاً:
إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع
شهد الأسبوع الذي انقضى، وهذا الذي يكاد، نشاطاً دبلوماسياً أجنياً غير معتاد في العاصمة الإدارية بورتسودان، إذ أقبلت على المدينة الساحلية وفود من جهات متعددة، إقليمية و دولية، للتباحث مع المسؤولين في حكومة الأمل، حول ما الذي ينبغي فعله لتخفيف وطأة الحرب على السودانيين.
ما وراء الحراك:
مصدر دبلوماسي رفيع، فسَّر لـ”المحقق” هذا “التدافع نحو السودان” بسببين رئيسيين، أولهما ما بدأ يلوح في الأفق، من احتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، على خلفية الحراك الذي أحدثته المبادرة الأمريكية السعودية، وما يتصل بها من مبادرة المجموعة الرباعية، وبالتالي رأت العديد من الجهات أنه عليها أن تكون حاضرة “في الميدان” قبل أن يصبح وقف إطلاق النار أمراً واقعاً، خاصة وأن العالم الغربي عموماً مقبل على عطلة أعياد الميلاد، وأن غالب المسؤولين فيه، سيغيبون عن ساحة الفعل السياسي، قريباُ و لنحو أسبوعين.
أما السبب الثاني، برأي المصدر الرفيع، فهو أن حجم الكارثة الإنسانية والجرائم التي تعرض لها السودانيون، طوال سنوات الحرب، والتي تكشفت جوانب مرعبة منها للعالم، في أعقاب استيلاء مليشيا الدعم السريع على مدينة الفاشر، هز الضمير العالمي، ووضع صناع القرار في الدول الغربية والمنظمات الحقوقية الدولية، أمام حقائق كاشفة، يصعب تجاهلها، ولهذا لم يكن هناك بد من التحرك.
أبعاد إنسانية:
ولفت المصدر، في حديثه لـ”المحقق” إلى أن جوهر الحراك الدبلوماسي الذي شهده السودان خلال الأيام العشرة الماضية، هو إنساني، تنموي، أكثر من كونه حراكاً سياسياُ، إذ أن طبيعة الوفود التي قدِمت إلى بورتسودان، تصنف في هذا الإطار.
مبعوثون غربيون:
خلال الفترة الماضية، زار عدد من المبعوثين الخاصين الغربيين بورتسودان، والتقوا بعدد من المسؤولين في الدولة، وتباحثوا في عدد من المجالات، وكان أبرز هولاء المبعوث النرويجي والمبعوث البريطاني، لكن هذا الحراك الدبلوماسي – يضيف المصدر – تصاعد بزيارة ثلاثية قام بها مبعوثون لما أسموا أنفسهم “دول شمال أوروبا”، وهي كل من السويد وفنلدا والنمسا، والتقوا خلال زيارتهم لبورتسودان برئيس الوزراء دكتور كامل إدريس، وبمسؤولين في مستشارية مجلس السيادة للعمل الإنساني، فضلاً عن لقائهم بالمسؤولين في وزارة الخارجية، وكذلك التقت وزيرة شؤون مجلس الوزراء، دكتورة لمياء عبد الغفار، بمنسقة الشؤون الإنسانية في السودان ، دينس براون، حيث قدمت المنسقة تنويراً عن الدور الذي تقوم به منظمات الأمم المتحدة من مساعدات للسودان في مجالات التعليم والصحة والعون الانسان، مؤكدة كامل استعدادها للتعاون مع الحكومة لإحكام التنسيق والتأكد من وصول العون الانسانى للمحتاجين، معربة عن أملها بأن يعم السلام كافة ربوع السودان.
وزارة المالية في قلب الحراك:
مصدر دبلوماسي رفيع، تحدث هو الآخر لـ”المحقق” لفت إلى أهمية النظر إلى النشاط الذي شهدته وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ممثلة في وزيرها الدكتور جبريل إبراهيم، خلال الفترة الماضية، معتبراً أن ما حدث يمهد لتطبيع علاقات السودان المالية مع عدد من المؤسسات الإقليمية والدولية التي انخرطت بالفعل في الحراك الدبلوماسي الموجه للسودان.
ولفت المصدر إلى أنه خلال هذه الفترة، تباحث وزير المالية، مع صندوق النقد العربي، ومع البنك الأفريقي للتنمية، ومع مبعوثين من البنك الدولي ومع بعثة الصندوق الدولي للتنمية “إيفاد”، وأن هناك تفاهمات جديدة حدثت، سيجني السودان ثمارها في السنة المالية التي أقبلت.
حراك أممي سياسي وإنساني:
المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، زار بورتسودان هو الآخر في بداية هذا الحراك الدبلوماسي، والتقى بكبار المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء و وزير الخارجية، ومن المؤكد أنه أطلعهم على الجهود المشتركة التي تبذلها الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد” والجامعة العربية والإتحاد الأوروبي، لإيجاد منبر للحوار بين الفرقاء السودانيين، وهو الحوار الذي بات الآن مهدداً بسبب إصرار هذا “الخماسي” على دعوة مجموعة “تأسيس” التي أضحت الواجهة السياسية لمليشيا الدعم السريع.
أما الجانب الأهم في الحراك الأممي، فهو الزيارة المطولة التي قام بها المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إلى السودان، والتي اختتمت أمس، وزار خلالها الولاية الشمالية و ولاية الخرطوم، ليقف على حجم الاحتياجات الإنسانية في معسكرات النزوح، ويستمع إلى شهادات ناجين من مأساة الفاشر، ويقف كذلك على الخطوات التي اتخذتها ولاية الخرطوم لترحيل اللاجئين الأجانب إلى معسكرات حدودية في كل من القضارف والنيل الأبيض.
وعلى الرغم من أن غراندي، ليس معنياً بموضوع النازحين، إلا أن طبيعة الوفد الذي رافقه، واللقاءات التي عقدها عقب عودته إلى بورتسودان مع رؤساء مكاتب الأمم المتحدة، ممثلين في منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بالسودان، والمديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف”، وممثلي منظمة الصحة العالمية، وغيرها، يوضح بجلاء أن الأمم المتحدة قررت الانخراط الإيجابي مع الحكومة السودانية لمعالجة الجوانب الإنسانية للآثار التي خلفتها حرب مليشيا الدعم السريع على الشعب السوداني والبنى التحتية في البلاد.
ماذا بعد ؟:
لا شك أن هذا الحراك الدبلوماسي، بجانبيه الثنائي ومتعدد الأطراف، لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة تواصل دبلوماسي كثيف، قادته وزارة الخارجية وعدد من مؤسسات الدولة المعنية بالعمل الخارجي، لكن من المؤكد أن ذلك التواصل والانخراط يحتاجان إلى متابعة لصيقة حتى يصبح ما تم الإتفاق عليه خلالهما أمراً واقعاً، ويكون بوسع السودان أن يجني الثمار في أقرب الأجال.
المحقق – خاص
إنضم لقناة النيلين على واتسابPromotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/12/12 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة وداع إفريقيا في “أقصر حرب في التاريخ”!2025/12/11 «المستشارة التى أرادت أن تصبح السيدة الأولى».. قصة لونا الشبل مع النظام السورى بعد فيديوهات مسربة مع بشار2025/12/09 السيسي يحبط خطة “تاجر الشاي المزيف في السودان”.. كيف أفشل الرئيس المصري تحرك الموساد؟2025/12/09 ما يزال وصول المنظمات الدولية إليها ممنوعاً.. الفاشر تتحول إلى “مسرح جريمة هائل”2025/12/07 الخرطوم تنهض من تحت الركام (1-3)2025/12/07 تقرير إسرائيلي يحذر من صاروخ مصري “قد يغير قواعد اللعبة”2025/12/07شاهد أيضاً إغلاق تحقيقات وتقارير المصارف السودانية في مصر … عقبات تنتظر الحلول 2025/12/04الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن