في ظل الظروف التي تعيشها السودان، تأتي تصريحات ياسر العطا، أحد قادة الجيش، لتفتح بابًا جديدًا من الجدل حول دور الجيش في الحياة السياسية، ولتطرح تساؤلات خطيرة عن نوايا القيادة العسكرية الحقيقية تجاه الانتقال الديمقراطي في البلاد. تصريحاته التي أعلن فيها نية الجيش الاستمرار في السلطة حتى بعد الانتخابات لدورات متتالية، تُعد خروجًا واضحًا عن المسار الديمقراطي وتجاهلًا تامًا لرغبات الشعب السوداني.


الجيش ودوره في الدولة الديمقراطية
في أي دولة ديمقراطية، الجيش ليس جهة سياسية أو حزبًا يمتلك أجندات سياسية؛ بل هو مؤسسة وطنية تهدف إلى حماية البلاد والحفاظ على سيادتها، وليس التدخل في الحياة السياسية أو السيطرة على مقاليد الحكم. هذا التوجه الذي عبر عنه العطا في تصريحه يعكس نية واضحة لدى القيادة العسكرية للبقاء في السلطة بأي وسيلة، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلًا.
الشعب السوداني قد عانى لعقود من الحكومات العسكرية التي استغلت السلطة لتحقيق مصالحها الضيقة على حساب تطلعاته في الحرية والديمقراطية. وها هو الآن، وبعد ثورات وانتفاضات عديدة، يسعى لتحقيق حلمه في بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم إرادته وتحترم سيادة القانون.
الاستمرار في السلطة: مسار إلى الاستبداد
تصريح العطا بأن "القائد العام للقوات المسلحة سيظل رأس الدولة حتى بعد الانتخابات لدورات متتالية" يمثل نموذجًا خطيرًا لفرض الحكم العسكري على البلاد. هذا التصريح لا يخدم سوى تأكيد نية الجيش في تأسيس نظام استبدادي يهيمن على السلطة لسنوات طويلة. فبدلاً من أن تكون الانتخابات وسيلة للتداول السلمي للسلطة وتأكيد إرادة الشعب، يريدون تحويلها إلى مجرد واجهة شكلية للبقاء في السلطة.
الجيش ليس حزبًا سياسيًا، وليس له الحق في توجيه دفة البلاد وفق مصالحه أو مبرراته الخاصة. "عسكريتنا دي" ليست حزبًا، بل هي مؤسسة وطنية تخضع لأوامر الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا، ولا تتجاوز حدودها إلى التدخل في السياسة أو التحكم في الدولة.
رغبة الشعب السوداني لا تُستباح
الشعب السوداني هو المصدر الوحيد للشرعية، وهو من يقرر من يحكمه وكيف يُحكم. من الواضح أن هناك نية للتلاعب بإرادة الشعب والاستمرار في السلطة بالقوة. هذا الأمر يتنافى مع مبادئ الحرية والديمقراطية التي يطالب بها الشعب السوداني. لقد خرج الشعب في ثورة من أجل التخلص من الاستبداد، ولا يمكن للجيش أن يعيد البلاد إلى الوراء بفرض حكم عسكري مقنع تحت مسمى "رأس الدولة بصلاحيات سيادية".
تصريحات العطا تتجاهل بشكل صارخ مطالب الشعب في الحكم المدني والديمقراطي، وهي لا تمثل سوى إهانة لإرادة الأمة السودانية التي قدمت التضحيات في سبيل تحقيق أهدافها. لن يقبل الشعب بهذه التصريحات ولن يقبل بأن تتحكم فيه مجموعة عسكرية تسعى للاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن.
الجيش مطالب بالانصياع لإرادة الشعب
إذا أراد الجيش أن يحتفظ بمكانته كحامي للوطن وركيزة للأمن والاستقرار، فعليه أن يلتزم بدوره الدستوري الذي يحصره في الدفاع عن البلاد وليس حكمها. الشعب السوداني لن يسمح بتكرار أخطاء الماضي، ولن يسكت على أي محاولة لفرض حكم عسكري جديد.
الجيش مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالانصياع لرغبة الأمة السودانية في التحول إلى نظام ديمقراطي مدني، حيث يُحترم فيه صوت المواطن وتُعطى الأولوية لسيادة القانون. نحن كأمة لن نسمح بتقويض هذه التطلعات ولن نقبل بأي محاولة لفرض الحكم العسكري بأي شكل من الأشكال.
لا إسراف في الأحلام
الحديث عن بقاء الجيش في السلطة لدورات انتخابية متتالية هو إسراف في الأحلام السياسية غير الواقعية. هذه الرؤية لا تأخذ في الحسبان أن الشعب السوداني لم يعد يقبل بالاستبداد أو الحكم العسكري. التجارب السابقة قد أثبتت أن الحكم العسكري لا يؤدي إلا إلى المزيد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إننا نرفض هذا الطموح السلطوي، وندعو الجيش للابتعاد عن التدخل في السياسة، وأن يترك الحكم لمن يختاره الشعب بإرادته الحرة. السودان يستحق مستقبلًا أفضل، مستقبلًا مبنيًا على الحرية والديمقراطية، وليس على الحكم العسكري.
تجاوز تصريحات ياسر العطا يكشف عن رؤى خطيرة تنتهك أساسيات الدولة المدنية وحقوق الشعب في تقرير مصيرهم السياسي. عندما يصرح قائد عسكري بأن "حزبنا عسكريتنا" ويضع الجيش كأداة للاستمرار في السلطة حتى بعد الانتخابات لعدة دورات، يتضح أن هذه الرؤية لا تتناسب مع تطلعات الشعب السوداني نحو بناء دولة ديمقراطية.
الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع، وخاصة القيادة العسكرية، هي أن الشعب هو أساس الشرعية. الجيش كمؤسسة وطنية دوره حماية البلاد والدستور، وليس احتكار السلطة أو التحكم بمصير الأمة. هذا النوع من الطموحات ليس فقط غير واقعي، بل يتناقض مع مبادئ الدولة الحديثة التي تقوم على سيادة الشعب.
ما يطمح إليه الشعب السوداني واضح: دولة مدنية وديمقراطية تتيح المجال لحرية الاختيار، حيث يكون الجيش أحد أدوات الحفاظ على السيادة، وليس وسيلة لتكريس الحكم. تصريحات مثل هذه تكشف عن رغبة في تعزيز الحكم العسكري وهي أحلام هوائية تتناقض مع حتمية إرادة الشعب.
على الجيش أن يعي أنه لا بديل عن الانصياع لرغبة الأمة. تطلعات الشعب ستظل حتمية، ولا يمكن لأي قوة عسكرية أن تقف أمامها. الشعب هو الدولة، والدولة هي الشعب.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشعب السودانی الحکم العسکری فی السلطة

إقرأ أيضاً:

السوداني: سوريا تمثل أمنا قوميا للعراق.. أفكار التقسيم مرفوضة

أعرب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الثلاثاء، عن رفض بلاده فكرة تقسيم سوريا، واعتبر الإبادة المتواصلة في قطاع غزة "انتكاسة إنسانية".

وقال السوداني، إن "سوريا تمثل أمنا قوميا للعراق، واستقرارها مهم، ونحرص على أن يتمتع الشعب السوري بالأمن والاستقرار وبعملية سياسية تشمل جميع مكوناته".

ودعا إلى "أن يكون هناك موقف واضح ضد الإرهاب والعنف والكراهية والتطرف، وما قامت به بعض الجماعات في سوريا أمر مروع ومؤسف يذكرنا بالإرهاب الذي ضرب العراق".

وأضاف: "نرفض تقسيم سوريا، وقدمنا مبادرة لإقامة حوار وطني بين مكونات الشعب السوري في مؤتمر القمة العربية التي عقدت في بغداد".

وبشأن الإبادة الإسرائيلية في غزة، اعتبرها السوداني "انتكاسة حقيقية لكل المعايير الإنسانية والأخلاقية والقانونية، وهي ترسم مستقبلا قاتما للمجتمع الدولي، حيث أن غزة تشهد إبادة جماعية في ظل المجاعة والقتل، وهو أمر مؤسف".

وعن العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، أكد السوداني أن "ايران دولة جارة ولدينا معها علاقات مستندة إلى مشتركات دينية وثقافية واجتماعية، وقدمت لنا الدعم في الحرب ضد الإرهاب".

وأعرب عن رفضه "العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، محذرا من "زج العراق بهذه الحرب، أو أن تكون أجواؤه ممراً للاعتداء على دولة جارة".



وبشأن الانتخابات البرلمانية المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، اعتبرها السوداني "حدثا ديموقراطيا مهما يؤكد رغبة الشعب العراقي في التمسك بالمسار الديموقراطي والتداول السلمي للسلطة".

وفيما يتعلق بالتحالف الدولي، أكد السوداني أن "الحكومة أجرت حوارا جادا ومسؤولا مع الأصدقاء في التحالف الدولي، وتوصلنا لاتفاق على إنهاء مهمة التحالف 2026".

وأضاف: "لن نسمح لأي جهة بمصادرة قرار السلم أو الحرب، وهو مسؤولية الحكومة وفق الدستور والقانون، وبدعم من المرجعية العليا والقوى السياسية والشعب العراقي".

مقالات مشابهة

  • العمليات القتالية تحتدم.. وطيران الجيش السوداني يسيطر على أجواء كردفان
  • وداعا أيها الطيب
  • الجيش السوداني يسترد مدينة كبيرة في كردفان
  • السوداني: سوريا تمثل أمنا قوميا للعراق.. أفكار التقسيم مرفوضة
  • الجيش السوداني ينفتح ويحكم قبضته على منطقة حيوية في كردفان
  • رسالة مباشرة.. الجيش السوداني يوجه ضربة جوية قاسية لحكومة “تأسيس”
  • ضياء رشوان يدعو لعدم الانسياق وراء الحملات التي تستهدف دور مصر المحوري في دعم الشعب الفلسطيني
  • الجيش السوداني يقصف وقوة من “الدعم السريع” تغادر مدينة مهمة في كردفان
  • مصر تواصل دعمها الأمني للفلسطينيين: تدريب قوات السلطة لتمهيد إقامة الدولة المستقلة
  • رفض قاطع.. وتوعد بإحباط المشروع.. الجيش السوداني يصف الحكومة الموازية بـ«المؤامرة»