تعديل قانون الأحوال الشخصية: خطوة نحو الحرية الدينية أم خطرًا على الوحدة الوطنية؟
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
15 سبتمبر، 2024
بغداد/المسلة: إدراج مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي في جدول أعمال مجلس النواب أثار جدلاً كبيراً بين القوى السياسية والمجتمعية.
وهذا التعديل يأتي في سياق محاولة إعادة النظر في القانون الحالي، وهو قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، الذي كان دائماً محل تفاهم بين مختلف مكونات الشعب العراقي بصفته قانونًا موحدًا يعتمد على مبادئ الشريعة الإسلامية العامة ويحقق نوعًا من التوازن بين المذاهب والقوميات.
خلفية التعديل
قوى شيعية ترى أن هذا التعديل بات ضرورة ملحة نظراً للمطالبة المستمرة بأن يُسمح لهم بتطبيق قوانين أحوال شخصية تتماشى مع معتقداتهم المذهبية، خصوصاً من الطائفة الشيعية التي تعتقد أن القانون الحالي لا يعكس بشكل كافٍ تشريعات المذهب الجعفري.
وهذا الرأي يتماشى مع الحجة الدستورية التي تنص على أن العراق دولة متعددة الأديان والمذاهب، ما يتيح لكل مكون اتباع قوانين أحوال شخصية مستمدة من معتقداته.
النائب حسين السعبري أكد أن المسودة الجديدة ستسمح للعراقيين باختيار الأحكام القانونية التي تنظم أحوالهم الشخصية وفق معتقداتهم، وهو أمر يمكن أن يعزز التنوع الديني والمذهبي في البلاد.
ردود الأفعال
الاتحاد الإسلامي في كردستان رفض مشروع التعديل بشدة، موضحًا أن القانون الحالي نجح في تحقيق التوازن بين المكونات العراقية المختلفة وضبط الأمور الأسرية على نحو عادل ومستقر. بحسب رأي الاتحاد، فإن القانون المستند إلى الشريعة الإسلامية الشاملة استطاع أن ينظم العلاقات الأسرية بشكل جيد دون الحاجة إلى تقسيم أو تمييز مذهبي.
المؤيدون للتعديل، خصوصاً من القوى الشيعية، يرون أن لهم الحق في تنظيم شؤونهم الشخصية وفقاً لتعاليم مذهبهم، ويعتبرون أن هذا التعديل سيتيح لهم فرصة للتخلص من قوانين كانت تُفرض عليهم على مدار عقود ولم تكن متوافقة مع تعاليمهم الدينية.
وعلى الرغم من أن التعديل المقترح يسعى إلى تلبية مطالب مكون ديني محدد، إلا أنه قد يحمل في طياته تحديات كبيرة. أولاً، التعديل قد يزيد من تعميق الانقسامات المذهبية داخل المجتمع العراقي الذي يعاني بالفعل من انقسامات عميقة على المستويات السياسية والاجتماعية.
وإقرار قوانين مختلفة للأحوال الشخصية بناءً على المذهب قد يؤدي إلى تمييز قانوني وتطبيق مختلف للقانون في مناطق مختلفة من البلاد، مما يعزز الانقسامات بدلًا من توحيدها.
من جهة أخرى، بعض المدافعين عن حقوق الإنسان والمساواة يرون أن التعديلات قد تمثل خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بحقوق المرأة والأسرة، خصوصاً إذا تم اعتماد تفسيرات دينية صارمة قد تقيد بعض الحريات الفردية التي اكتسبتها النساء في العراق في العقود الماضية.
والتعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية يعكس تحدياً بين الرغبة في احترام التنوع الديني والمذهبي وبين الحفاظ على وحدة المجتمع العراقي واستقراره القانوني.
وعلى الرغم من أنه قد يلبي احتياجات جزء من المجتمع، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع قد يواجه معارضة قوية من أطراف أخرى.
تشمل التعديلات المقترحة عدة نقاط رئيسية تثير الخلاف:
حقوق الأم والزوجة: هناك اعتراضات من بعض النواب والناشطات بشأن التعديلات التي يرون أنها تضر بحقوق النساء، مثل حقوق الأم في حضانة الأطفال وحقوق الزوجة في الطلاق والميراث.
الوقفين السني والشيعي: تقترح التعديلات إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق وعقود الزواج، مما يعزز من تدخل المؤسسات الدينية في الأمور الشخصية.
زواج القاصرات: هناك بنود تتعلق بتشريع زواج القاصرات، وهي مسألة تثير جدلاً واسعاً نظرًا لتباين المواقف حول هذه القضية.
الميراث: يتضمن القانون الجديد أحكامًا تتعلق بتحديد حقوق المرأة في الميراث، والتي تعتبرها بعض الفئات غير عادلة.
مواقف الأطراف المختلفة
البرلمان والكتل السياسية:
الكتل السياسية الداعمة: تؤكد الكتل السياسية المؤيدة للقانون أن التعديلات تأتي استجابة لاحتياجات المجتمع المتنوعة وتوفر خيارات منطقية تتناسب مع الظروف المختلفة. تعتبر هذه الكتل أن القانون الجديد يعكس التنوع الاجتماعي ويعزز من قدرات المواطنين على التكيف مع أوضاعهم الشخصية.
المعارضون: النائبات المعارضات يشددن على أن التعديلات تقزم دور مجلس الشعب وتضر بحقوق النساء. يعبرون عن قلقهم من أن هذه التعديلات ستزيد من الانقسامات الطائفية وتشرعن الممارسات التي تعتبرها غير عادلة، مثل زواج القاصرات ومنع النساء من الميراث.
النائبات المعارضات:
(كتلة التغيير الكردية): تعبر عن قلقها من تقزيم دور مجلس الشعب وتعتبر أن التعديلات تمثل تراجعاً عن حقوق النساء.
فاطمة العيساوي (نائبة مستقلة): تعبر عن استنكارها للتعديلات وتعتبرها تحديًا صريحًا لرفض الشارع والأصوات التي تعالت ضدها.
(تحالف وطن): ترفض التعديلات بشدة وتدعو إلى مقاطعة الجلسة، معتبرةً أن القانون سيؤدي إلى سلب حقوق الأمهات وتعزيز التقسيم الطائفي.
وتوضح هذه التعديلات تباينًا واضحًا في المواقف حول قضايا حقوقية واجتماعية حساسة. من ناحية، تعكس التعديلات رغبة في تلبية احتياجات مجتمع متعدد الأديان والطوائف، وتقديم خيارات تتناسب مع المدارس الفقهية المختلفة. ومن ناحية أخرى، تثير التعديلات قلقاً واسعاً بشأن تأثيرها السلبي على حقوق النساء وتعزيز الانقسامات الطائفية.
هذه الحالة تشير إلى أزمة بين التحديث الاجتماعي والحفاظ على القيم التقليدية، والتي تحتاج إلى معالجة دقيقة لضمان التوازن بين الحقوق الفردية والاعتبارات الثقافية والدينية. يتطلب الأمر حواراً موسعاً وشاملاً بين مختلف الأطراف المعنية للوصول إلى توافق يضمن حقوق الجميع ويعكس تنوع المجتمع العراقي.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: قانون الأحوال الشخصیة حقوق النساء أن القانون أن التعدیل قانون ا
إقرأ أيضاً:
بعد طلبه العفو.. نتنياهو بين النجاة الشخصية والانهيار السياسي
القدس المحتلة- أعاد طلب العفو -الذي قدمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى رئيس الدولة إسحاق هرتسوغ– إسرائيل إلى قلب سجال سياسي وقضائي حاد، في ظل انقسام عميق حول دلالاته وتداعياته على واقع ومستقبل الحكم فيها.
ووفق مصادر في ديوان الرئيس، فإن طلب نتنياهو "غير مألوف وينطوي على تبعات كبيرة" وإن هرتسوغ سيدرس كافة وجهات النظر القانونية قبل اتخاذ القرار، وسط ضغوط سياسية داخلية وخارجية غير مسبوقة.
ويطلب نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة– العفو من تهم فساد تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في ملفات تقاضيه فيها المحاكم الإسرائيلية منذ سنوات.
غير أن خطوة نتنياهو اعتبرت لدى المعارضة الإسرائيلية والمحللين السياسيين بمثابة ضربة قاصمة لهيبة الجهاز القضائي وسلطة إنفاذ القانون، وتكريس لثقافة الإفلات من العقاب، مما يهدد -وفق تعبيرهم- أسس النظام الدستوري الإسرائيلي.
نقاش حاد
وأكدت المعارضة الإسرائيلية أن منح نتنياهو العفو سيشكل شرعنة للفساد وتقويضا لمبدأ المساواة أمام القانون، معتبرة أن رئيس الوزراء يسعى عبر العفو إلى الحصول على حصانة سياسية تبقيه في الحكم دون مساءلة.
وقد حذّر قادة المعارضة، مثل يائير لبيد ويائير غولان، من إصدار أي عفو بدون تنحي نتنياهو عن الحياة السياسية واعترافه الواضح بالتهم. ومن جانبه دعا نفتالي بينيت إلى "اعتزال سياسي محترم" ينهي الأزمة التي تعيشها إسرائيل منذ سنوات، معتبرا أن "الدولة على حافة انهيار داخلي وحرب أهلية".
وعلى النقيض، سارعت أحزاب الائتلاف الحكومي إلى دعم طلب العفو، مؤكدة أن نتنياهو "ملاحَق سياسيا" وأن ملفات الفساد ضده "مفبركة". وبرز دعم وزيريْ الدفاع يسرائيل كاتس والمالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين دعوَا الرئيس هرتسوغ للاستجابة الفورية.
إعلانوزاد من حدة النقاش الكشف عن رسالة بعثها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى هرتسوغ يطلب فيها منح نتنياهو عفوا ووقف محاكمته، وهو ما اعتبرته المعارضة تدخلا خارجيا سافرا ومحاولة لإنقاذ نتنياهو سياسيا.
ويرى محللون أن طلب العفو، في توقيته ومضمونه، يعكس قناعة نتنياهو بأن محاكمته لن تنتهي لصالحه، مما يدفعه إلى البحث عن مخرج سياسي دستوري يضمن بقاءه لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي.
وانتقد الصحفي الاستقصائي غيدي فايتس، الذي كان أول من كشف ملفات الفساد المنسوبة لنتنياهو، طلب العفو الذي قدمه الأخير واعتبره "مخططا فاسدا يشكل ذروة الهجوم الذي مارسه نتنياهو على منظومة إنفاذ القانون طوال العقد الأخير".
وفي مقال بصحيفة "هآرتس" وجّه فايتس انتقادات شديدة اللهجة للرئيس هرتسوغ، واتهمه بالتماهي مع نتنياهو في سعيه للتهرب من المحاكمة والاستمرار في البقاء على رأس السلطة "إلى ما لا نهاية" حتى لو كان الثمن، على حد تعبيره، اندلاع حرب أهلية بين الإسرائيليين.
ويرى فايتس أن طلب العفو يكشف بوضوح أن نتنياهو لا ينوي الانسحاب من الساحة السياسية، بل يخطط للعودة مجددا إلى ما وصفه بـ"مسرح الجريمة" أي السيطرة على جهاز القضاء والإعلام.
واعتبر أن منح العفو لنتنياهو سيكون مكافأة هائلة لمن شن ما وصفه بـ"إرهاب مستمر" ضد كل من شارك في التحقيقات وفي محاكمته، وأن الرسالة التي سيحملها العفو ستكون خطيرة (لأنه) "إذا كنت متهما قويا وصاحب نفوذ، يمكنك اقتحام مؤسسات الدولة بلا رحمة، والإفلات من العدالة".
وبرأي فايتس، فإن خطوة طلب العفو تتجاوز الخلاف القانوني والسياسي، إذ تكشف عمق الأزمة داخل النظام السياسي الإسرائيلي، وتعكس مستوى غير مسبوق من الانقسام الداخلي. كما تمثل، وفق تحليله، استخداما خطيرا لأداة العفو بهدف تقويض سيادة القانون وترسيخ ثقافة الفساد في الحياة السياسية.
مكتب الرئيس الإسرائيلي: طلب العفو المقدم من #نتنياهو استثنائي وله تداعيات مهمة والرئيس ينظر فيه بمسؤولية وجدية
نتنياهو: مصلحتي كانت استمرار الإجراءات القضائية لأحصل على براءتي لكن مصالح الأمن والسياسة تقتضي أمرا آخر
نتنياهو: استمرار محاكمتي يثير خلافات… pic.twitter.com/lI8aOcm0kw
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 30, 2025
صدمة واختراقوتحت عنوان "نتنياهو يعرض على النظام القضائي عفوا متبادلا" تناولت موران أزولاي مراسلة الشؤون السياسية بصحيفة "يديعوت أحرونوت" معاني ودلالات طلب العفو الذي قدمه نتنياهو، وما يحمله من تأثيرات محتملة على مستقبله السياسي.
وتقول أزولاي إن طلب العفو شكل صدمة واسعة داخل النظامين القضائي والسياسي، على الرغم من الاستعدادات الأولية والتنسيق الملحوظ مع الرئيس ترامب. فالمؤسسة القضائية، كما تصف، فوجئت بأن نتنياهو يتقدم بطلب يعكس ضعفا وخشية، وكأنه يلوّح بأن المعركة المحتدمة بينه وبين القضاء يمكن أن تنتهي بـ"تعادل".
وتوضح أن نتنياهو يطلب تبرئة كاملة دون تقديم أي مقابل، لا اعتراف، لا ندم، ولا حتى استقالة من منصبه، وذلك قبل أن يخضع لأي اختبار حقيقي أمام الرأي العام بعد "أحداث 7 أكتوبر" وقبل أن يحسم ما إذا كان لا يزال يتمتع بشرعية تمكنه من الاستمرار في قيادة الحكومة.
إعلانوبحسب تحليل أزولاي، إذا قبل الرئيس الإسرائيلي هذا الطلب، فسيكون نتنياهو قد حقق أكبر اختراق في معركته مع القضاء. أما إذا رفض الطلب، فسيعود نتنياهو، وفق تصور أزولاي، إلى موقعه المعتاد، مطلقا حملة انتخابية هجومية، وفي هذه الحالة ستكون الانتخابات المقبلة أكثر توترا واشتعالا مما كان متوقعا.
وفي المحصلة، خلصت أولاي للقول "تبدو إسرائيل أمام لحظة مفصلية" إذ لا يتعلق الأمر بقضية فساد فحسب، بل بصراع على هوية الدولة، ومستقبل النظام السياسي، وحدود سلطة القانون أمام نفوذ السياسيين.