أهل البيت هم المجد الشامخ والعنوان المضيء والاسم المحبب لكل نفس أحبت الرسول الكريم   وسارت على دربه وهداه .

ولقد عرف المسلمون هذا اللقب الفريد وهذه  التسمية المباركة منذ أن نطق الوحي بهذا الشرف العظيم:«إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» .

فكان هذا هو الشرف المؤبد لآل محمد عليهم وعلى جدهم أفضل الصلاة وأزكى السلام.

ولقد شاء الله سبحانه وتعالى وهو الفعال لما يشاء أن تكون مصر قبلة للعترة الهاشمية المطهرة جيلا بعد جيل بأن تشرف ثراها الطيب بملامسة أجسادهم الطاهرة أحياء ومنتقلين.

فامتلأت وتشرفت بقاع المحروسة بمراقد ذرية النبي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

ومنذ أن قدم القوم إلى مصر وقلوب المصريين تهوي اليهم كيف لا وهم بيت الوحي ومدينة العلم  ومعدن الحكمة وموطن الحلم وسفراء جدهم رسول الله في شتى أرجاء المعمورة.

وهم وصية الحق لنا بودهم وصلتهم في حياتهم وبعد انتقالهم إلى الرفيق الأعلى لقرابتهم من جناب النبي الأعظم عليه افضل الصلاة والسلام سر قول ربنا سبحانه وتعالى:«قل لا أسألكم عليه أجر إلا المودة في القربى».

فكانت مصر عبر تاريخها الكبير حاضنة لآل البيت وللعلماء والفقهاء عبر القرون والدهور ولا غرو في ذلك.. فبمصر كان التجلى الأعظم على كليم الله موسى وبها كانت خزانة عيسى عليهما السلام  وفي مصر كانت رحلة العائلة المقدسة إلى جانب من تتميز به هذه البلدة الآمنة من حضارات ضربت جذورها في الأرض وامتدت إلى آلاف السنين .

ومصر عبر هذا التاريخ المشرق حكاما وشعبا لم تدخر وسعا في اكرام العترة المحمدية منذ أن خرج مسلمة بن مخلد الأنصاري والي البلاد حافي القدمين ومعه الوجهاء والعلماء والعوام من الناس مستقبلين عقيلة بني هاشم السيدة زينب رضي الله عنها حين قدمت إلى مصر بعد فاجعة كربلاء واستشهاد شقيقها الإمام الحسين ورفاقه من أصحابه وآل بيته لتدعو العقيلة لأهل مصر قائلة:«آويتمونا يا أهل مصر آواكم الله ونصرتمونا نصركم الله جعل الله لكم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا» 

ليتوالى بعد ذلك قدوم الكرام إلى ديارنا لتشرق شمس مصرنا في الأفق عالية خفاقة في سماء العالمين وهذا هو المجد الخالد .

وكان ممن قدم إلى مصر السيدة نفيسة بنت  الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهموهي صاحبة المسجد والمقام الشهيرين بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي اللذان شهدا مؤخرا تجديدا كبيرا يليق بحجم وبمقام حبيبة المصريين نفيسة العلم والمعرفة ليترجم هذا الإنجاز مدى اهتمام حكام مصر عبر العصور بمشاهد آل البيت ومساجدهم لكونها عنوانا للروحانية وبابا من أبواب الوسطية لمصرنا الحبيبة ولهذا الدين الحنيف فشتان الفرق بين جماعة متأسلمة جاءت قبل ذلك برئيسها لتهدم وتضرب حضارات مصر الشامخة وبين جمعية عمومية للشعب المصري أتت بقائد كبير يبني هنا ويشيد هناك وهذا هو معنى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«اذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندا كثيفًا فإنهم واهليهم في رباط إلى يوم القيامة».

في مصر كان لكريمة الدارين السيدة نفيسة رضي الله عنها مجلس علم كبير  يتردد عليه الطلاب ليستمعوا إلى حديثها  الفياض المتدفق قريب العهد من بيت الوحي بيت النبوة على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ويسألوا فيما استعصى عليهم إجابته أو تفسير ما عجزوا عن فهمه..

التقت السيدة نفيسة فى مصر بكثير من اعلام الأمة الإسلامية ومن بينهم أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث والشافعي الإمام  رضي الله عن الجميع.

_حدث ذات يوم أن انقطع بشر بن الحارث عن زيارتها وهو الحريص على مجلس علمها، فلما سألت عنه وعلمت بمرضه ذهبت لتعوده فى داره،‏ وهناك التقت الإمام أحمد بن حنبل الذى سأل صاحب الدار عن شخصية السيدة نفيسة وحالها؟

 فلما علم بها وعرفها عن قرب أحسن تحيتها وطلب من بشر مستبشرا أن يسألها الدعاء لهما فلم تخيب رجاءهما لتدعو قائلة‏:‏«اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين‏».

وممن حضر مجلسها الإمام الشافعى الذى لم يكد يصل من بغداد إلى مصر حتى سأل عن دارها واستأذن فى زيارتها فأذنت له ورحبت به وأعجبت بعقله وورعه وفقهه...

وأخذ الشافعى عنها الحديث النبوى وسمع منها ما لم يكن قد وصل إليه من أحاديث شريفة مما أتاح له بعدا أكبر فى مجال الفقه والاجتهاد.

وكان هذا من دوافع تأليف الإمام لمذهبه الجديد في الفقه الشافعي حيث كان قد كتب مذهبه القديم هناك بالعراق قبل مجيئه إلى مصر .

وكان الشافعى إذا أقعده المرض عن زيارتها أرسل بعض أصحابه إليها يسألها الدعاء فتدعو له بالشفاء.

وفى المرض الأخير الذى توفى فيه أرسل إليها كعادته فقالت لمن جاءها: أحسن الله لقاءه ومتعه بالنظر إلى وجهه الكريم.. فعلم الشافعى أنها النهاية!

ولما توفى رضى الله عنه حملت جنازته إلى بيت السيدة نفيسة فصلت عليه وقالت: رحم الله الشافعى إنه كان يحسن الوضوء!

وهكذا ظلت السيدة نفيسة رضي الله عنها بمصر تعلم الناس وترشدهم آخذة بأيديهم نحو خيري الدنيا والآخرة فلم تك منعزلة في خلوة دائمة بل كانت حياتها مقسمة بين العبادة والقيام بقضاء حوائج الناس فكانت قبلة للأرواح المتعطشة ولعوام الناس وخاصتهم فلم تتراجع عن دورها المجتمعي ولم تأخذها الدنيا عن عبادة خالقها فكانت حياتها دنيا ودين فظلت ناصحة للجميع حتى أنها استوقفت حاكم البلاد «أحمد بن طولون» وانزلته من فوق جواده بين حاشيته وحرسهحين مر موكبه أمام خلوتها موجهة له النصيحة بكلماتها المدوية فكانت المواجهة والانحياز إلى البسطاء والعوام من الناس.

وتدور الأيام دورتها وتنتقل السيدة نفيسة رضي الله عنها إلى الرفيق الأعلى فاجتمع الناس من القرى والبلدان وأوقدوا الشموع تلك الليلة وسمع البكاء من كل دار بمصر وعظم الأسف والحزن عليها وصُلّي عليها في مشهد حافل لم ير مثله بحيث إمتلأت الفلوات والقبعات، ثم دفنت في قبرها الذي حفرته في بيتها بدرب السباع بالمراغة .

وقبيل دفنها أراد زوجهااسحاق المؤتمننقلها  إلى المدينة ودفنها في البقيع فسأله أهل مصر تركها عندهم للتبرك وبذلوا له مالًا كثيرًا فلم يرض بذلك!

وحين نام من ليلته رأى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: «يا إسحاق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها».

مما وقع لي انا كاتب هذه السطور من احوال روحانيه مع السيده نفيسه رضي الله عنها انني كنت انتدبت منذ سنوات ليست بالبعيدة لكتابة مقالات عن أهل البيت لمجلة «التصوف الإسلامي» وكان عنوان المقال القادم عن السيده نفيسه رضي الله عنها بمناسبه الاحتفال بذكرى مولدها...

وحقيقه لم يكن لدي كتابا يتحدث عن السيده نفيسه  باستفاضه وحدث أن حضرت مولدها المبارك وكنت مشغولا بكيفية الكتابة عنها وكيف أبدأ مقالي وكيف انتهي؟ 

وفي ليلة مولدها الختاميه وكان المقام مزدحما بالزوار زحاما شديدا وفي داخل المقام وكان الجو شديد الحراره حتى كاد أن يغرق العرق وجهي!

 واذا بي أجد أحد باعة الكتب يعرض علي شراء كتابا فلم التفت اليه لازدحام المكان وحرارة الجو!

فأعاد علي الأمر ثانية وثالثة حتى كدت أن أضيق منه وهو يشدني من كتفي بقوة...

فحين هممت بالالتفات غاضبا إذا به يعطيني الكتاب بوجهه المبتسم مقررا لي هذا كتاب عن السيده نفيسة وهو لك بلا مقابل!

فذهب مني الغضب وامسكت بالكتاب وتذكرت مقالي القادم عن صاحبة الذكرى!

وخرجت من المكان إلى صحن المسجد وجعلت أبحث عن بائع الكتب الذي اختفى في زحمة الزائرين ولم يعد له أثر....!

أخرجت القلم ووريقاتي من حقيبتي ولم أفق إلا بعدما انتهيت من كتابة المقال الكبير وقصة المقال والكتاب وبائع الكتب لاتغيب عن عقلي الباطن وروحانية صاحبة المقام تلاحقني وحبها يزاحم أفكاري ومشاعري.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أهل البيت رضی الله عنها السیدة نفیسة أهل البیت أهل مصر إلى مصر

إقرأ أيضاً:

وعاظ الأزهر يردون على أسئلة حجاج بيت الله الحرام .. صور

شَهِد موسم الحج لهذا العام مشاركةً متميزةً لوعَّاظ الأزهر وواعظاته في توعية حُجَّاج بيت الله الحرام بمناسك الحج، وذلك بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي، في إطار الدَّور الدَّعوي والتوعوي الذي يضطلع به الأزهر الشريف، ومشاركته الفاعلة في خدمة ضيوف الرحمن.

خطيب الجامع الأزهر: "لبيك اللهم لبيك" نداء يتجاوز حدود المكان والزمانمتى يكون وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟.. الأزهر يجيب

وتهدف هذه المشاركة إلى تقديم الدَّعم الدِّيني والعِلْمي للحُجَّاج منذ لحظة سفرهم بالمطارات والموانئ، مرورًا بمحطَّات أداء المناسك المختلفة، وذلك من خلال دروس إرشاديَّة ولقاءات مباشرة تستهدف تبسيط المناسك، والإجابة عن أبرز الأسئلة التي تشغل الحُجَّاج؛ كأحكام المبيت والتنقُّل بين المشاعر، إلى جانب الإرشادات السلوكية التي تعزِّز من وعي الحاج بمقاصد الشعيرة المباركة.

ولا تقتصر التوعية على الجوانب الفقهية فقط؛ بل تمتدُّ إلى البُعد الروحي للحج، من خلال تأكيد أنَّ الغاية الأسمى من أداء الفريضة هي تزكيةُ النفْس، وتعميقُ الصِّلة بالله، وبثُّ قِيَم الرحمة والتعاون بين الناس، وهي المعاني التي يحرص الأزهر الشريف على ترسيخها في وعي الأمَّة الإسلاميَّة.

بدوره، أكَّد الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة، أنَّ مشاركة وعَّاظ الأزهر وواعظاته تأتي في إطار التكامل بين المؤسَّسات الوطنيَّة لخدمة الحُجَّاج، وتمثِّل خطوةً مهمَّةً لترسيخ الوعي الدِّيني الصحيح، وتعزيز روح الطمأنينة والسكينة في نفوس الحُجَّاج.

وأضاف الجندي، أنَّ هذه المشاركة تُعدُّ امتدادًا طبيعيًّا لدَور الأزهر الشريف في خدمة المجتمع، وترجمة فعليَّة لرسالته العالميَّة، التي لا تقتصر على التوعية داخل مصر فحسب؛ بل تمتدُّ لتصل إلى كل تجمُّع إنساني يحتاج إلى الكلمة الطيبة والنُّصح الرشيد، مؤكدًا أنَّ الأزهر سيظل حاضرًا في كل ميدان يؤدِّي فيه رسالة الخير والرحمة والاعتدال.

وأشار الأمين العام إلى أنَّ وجود وعَّاظ الأزهر وواعظاته في موسم الحج تأكيدٌ عمليٌّ على ريادة الأزهر العالميَّة في التوجيه والإرشاد، وتجسيدٌ حيٌّ لرسالته في التفاعل المباشر مع هموم الناس وقضاياهم الدِّينيَّة والروحيَّة.

وأوضح أنَّ هذا الحضور الميداني يعكس الثقة العميقة في خطاب الأزهر الوسطي الذي يجمع بين العِلم والرحمة، وبين الفقه والواقع، مشدِّدًا على أنَّ الأزهر سيظل في طليعة المؤسسات الدينيَّة التي تخاطب العقول والقلوب معًا، وتنزل إلى الميادين حيث يكون الناس؛ لتغرس فيهم معاني الهداية والسكينة، وتدفعهم إلى السُّمو الأخلاقي والمعنوي، في وقتٍ تشتدُّ فيه الحاجة إلى الكلمة الصادقة والفهم العميق والقدوة الصالحة.

طباعة شارك موسم الحج الحج الأزهر وعاظ الأزهر حجاج بيت الله الحرام

مقالات مشابهة

  • وعاظ الأزهر يردون على أسئلة حجاج بيت الله الحرام .. صور
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • عمليّة إسرائيليّة استهدفت حزب الله داخل سوريا... إليكم ما كُشِفَ عنها
  • هل تجزئ الأضحية عن أهل البيت جميعا ؟ .. الأزهر يوضح
  • موقوف فرّ من المستشفى... والأمن يُلقي القبض عليه خلال ساعات (صورة)
  • أعمال مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. الإفتاء تكشف عنها
  • الشؤون الإسلامية بمكة المكرمة تقدم خدماتها بمسجد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
  • بعد وفاتها.. من هي تيته نوال جدة الفنانة وئام مجدي التي خطفت قلوب المصريين؟
  • أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. داوم عليه من مغرب اليوم
  • المفتي العام للمملكة يوصي الحجاج بإخلاص الحج لله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم