أزمة السودان أمام قادة العالم.. من يفك الشفرة ؟
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
تحول الموقف الأمريكي يشير لوجود توجهٍ جديد..
أزمة السودان أمام قادة العالم.. من يفــــك الشفــرة؟
توقعات بأن يُحدث حَراك نيويورك مسارًا إيجابيًا فى نهج التفاوض
المجتمع الدولي أصبح بوضعٍ حرج بفعل الانتهاكات المروعة للميليشيا
لن تحدث الاجتماعات اختراقًا ما لم تتم إدانة أبوظبي..
تقــرير_ محمــد جمال قنــدول
تتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تحتضن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعون، والتي تنعقد في الفترة من 24حتى 30 من سبتمبر الجاري.
القمة المرتقبة للأمم المتحدة ستكون محط اهتمام السودانيين بشكلٍ خاص، إذ أنّها تحتضن مساعٍ واجتماعات لأزمة البلاد على هامش دورة الانعقاد، حيث من المتوقع اجتماعًا للأطراف الدولية لبحث مساعي وضع حدٍ لحرب الخامس عشر من أبريل التي اندلعت بعد تمرد ميليشيات الدعم السريع.
انتهاكات الميليشيا
وليس بعيدًا عن أزمة السودان، يبدأ الرئيس الإماراتي محمد بن زايد زيارةً للولايات المتحدة بعد غدٍ (الاثنين)، يلتقي خلالها نظيره الأمريكي جو بايدن، وقطعًا سيكون السودان حاضرًا في أجندة المباحثات المشتركة بين واشنطن وأبوظبي.
وكان المبعوث الأمريكي توم بيرييلو قد كشف الأُسبوع الماضي عن لقاءٍ مرتقب بين الحكومة السودانية والأطراف الدولية، وذلك على هامش مشاركة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة، في فعاليات اجتماعات الأمم المتحدة.
ويرى خبراء سياسيون، أنّ وجود قادة العالم ومن بينهم البرهان وبن زايد، فرصةً كبيرةً لإحداث اختراقٍ حقيقي بملف الحرب في البلاد، بالإشارة إلى تحولٍ كبيرٍ بالموقف الأمريكي تجاه السودان، خاصةً بعد البيان الذي أصدره الرئيس الأمريكي جو بايدن وحمل تحولًا حقيقيًا فى الموقف الأمريكي بإدانته لانتهاكات الميليشيا، وتأكيده على أهمية إيقاف الحرب، وأنّ بلاده تقف مع السودانيين. ويمكن القول كذلك إنّ إعلان مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية بمجلس الأمن ليندا توماس غرينفيلد عن اجتماعٍ بخصوص ملف الحرب، يُعزز من التأكيد على وجود توجهٍ أمريكيٍ جديد في نظرة واشنطن لتطورات الأوضاع والحرب التي تدور بين الجيش والميليشيا.
ومن المتوقع مع التقدم الكبير للقوات المسلحة في محاور القتال وتراجع قدرات التمرد، أن يُحدث الحَراك في نيويورك مسارًا إيجابيًا يتوافق مع نهج التفاوض وأهمية الحسم العسكري وفقًا لما يرى الجيش.
اجتماعٌ وزاري
بدا واضحًا أنّ الحكومة السودانية، متمسكةٌ بشروطها وفق مخرجات “جدة”، والتي كانت سببًا رئيسًا في عدم قبولها الذهاب إلى جنيف، إذ أبدت الخرطوم حرصًا كبيرًا على حقوق الشعب بعدم شروعها بأيّ جولةٍ تفاوضيةٍ ما لم تخرج الميليشيا من الأعيان ومنازل المواطنين، وهو ما قوبل برضًا شعبيٍ واسع من قبل.
وكانت الولايات المتحدة، والسعودية، والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، قد أعلنوا يوم الأربعاء الماضي عبر بيانٍ مشترك عن تنظيم “اجتماعٍ وزاريٍ رفيع المستوى”، على هامش الدورة 79 للجمعية العامة، وذلك لدعم الاستجابة الإنسانية في السودان.
في المقابل، يقول أستاذ العلوم السياسية د. يوسف حسين إنّ المجتمع الدولي أصبح في وضعٍ حرجٍ جدًا، وذلك بفعل الانتهاكات المروعة التي أقدمت عليها الميليشيا، وبالتالي هو مطالبٌ بالتحرك لوضع حدٍ لحرب البلاد التي أصبحت مهددًا لأمن المنطقة بأكملها، وهو ما يجعل قادة العالم في محفل الأمم المتحدة مطالبين بالنظر بشكلٍ أعمق لجذور الأزمة السودانية، وتصحيح الصورة، وعدم مساواة القوات المسلحة بالميليشيا التي تمردت، وتعامل الجيش مع ذلك وفقًا لمهامه ومسؤولياته الوطنية.
ويشير محدّثي إلى أنّه لا يتوقع بأن تحدث المشاورات التي سوف تعقد على هامش الأمم المتحدة أيّ اختراقٍ ما لم يتم إدانة أبوظبي وإجبارها على وقف الدعم التي ظلت تقدمه للميليشيا، وجعلته في مواجهةٍ مباشرة مع الرأي العام السوداني.
تقــرير_ محمــد جمال قنــدول
الكرامة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قادة العالم على هامش
إقرأ أيضاً:
أنس.. الكلمة التي أرعبت الرصاصة
لمن يهمه الأمر الاحتلال يلوّح باجتياح غزة بجدية، والمدينة تنزف منذ اثنين وعشرين شهرًا تحت نيران البر والبحر والجو. شهداؤها بعشرات الآلاف، وجرحاها بمئات الآلاف، وإن لم يتوقف هذا الجنون فلن يبقى من غزة سوى الركام، وستغيب صورة وصوت أهلها، وستسجّلكم ذاكرة التاريخ كشهود صامتين على جريمة إبادة لم يفعل أحد شيئًا لوقفها.
أنس الشريف، تغريدة قبل ساعة من استشهاده.
حين كنت شابًّا غِرًّا، كنت أظن كما رسمته وسائل الإعلام الغربية أن الإرهاب سيارة مفخخة، أو طائرة مختطَفة، أو حزام ناسف، وأن الإرهابي لا يكون إلا ذا لحية كثّة وملامح متجهّمة. لكنني أدركت لاحقًا أن هذا النمط ليس إلا شكلاً بدائيًّا أمام إرهاب الدول الذي نشهده اليوم؛ كالمجزرة المستمرة في غزة على مرأى ومسمع العالم. فالإرهابي ذو اللحية الكثّة ليس سوى مبتدئ أمام أولئك الذين يرتدون البذلات الفاخرة، ويعقدون ربطات العنق اللامعة، ويبتسمون بثقة أمام عدسات الكاميرات.
وقد تأتي صورة الإرهاب أحيانًا أقل دمويّة، كما حدث قبل أيام في بريطانيا حين خرجت مظاهرة سلمية تندّد بالمجزرة، فاعتُقل 522 مشاركًا فيها، كان أكثر من نصفهم قد تجاوزوا الستين عامًا.
افتتح الكيان الصهيوني هجومه الجديد على غزة باغتيال الصحفي النشيط أنس الشريف وثلاثة من رفاقه، بعد لحظات فقط من تغطيتهم للهجوم الهمجي على القطاع، في نهج ممنهج لإسكات الأصوات الحرة وترهيب الصحفيين وثنيهم عن كشف فصول المجزرة الجديدة التي بدأت للتو.
ولم تُخفِ الدولة المجرمة أن الاغتيال كان مقصودا، زاعمةً أن أنس قائد خلية لحماس. فكل صحفي تغتاله، في روايتهم، حماس، وكل طفل جائع يُقتل عند مواقع توزيع المساعدات حماس، وكل مسجد أو كنيسة أو مستشفى يُقصف حماس، وكل مظاهرة حماس، وكل ناشط فلسطيني حماس، بل إن قول الحقيقة حماس، والأمم المتحدة حماس، والدول التي تدين المجزرة حماس.
لقد تحوّلت هذه الكذبة المبتذلة إلى أسطوانة ممجوجة لا يرددها إلا نتن ياهو وزبانيته، وزبائن جيفري إبستين مغتصبو الأطفال، والسياسيون الفاسدون الذين تحرّكهم أموال اللوبيات الصهيونية.
وإذا كان أنس، كما يزعم الكيان المجرم، رأس خلية إرهابية، فلماذا لم يُغتَل وحده؟ ولماذا استُهدِف معه ثلاثة صحفيين آخرين، وابن شقيقته الذي لم يكن يحمل سوى حلم أن يصبح صحفيًّا مثل أنس حين يكبر؟
بالطبع، لن تثور وسائل الإعلام الأجنبية ولا كبار صحفييها لاغتيال أنس
ورغم سيطرة الكيان على 80% من قطاع غزة، وإقامته مصائد الموت التي يسميها مراكز مساعدات، وإنكاره وجود مجاعة أو إبادة جماعية، وادعائه أن الصحفيين يكذبون، فإنه في الوقت نفسه يمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع. وهذا وحده دليل قاطع على أن ما ينقله الصحفيون من هناك هو الحقيقة العارية.
بالطبع، لن تثور وسائل الإعلام الأجنبية ولا كبار صحفييها لاغتيال أنس؛ قد يصدرون إدانات ويبدون شيئًا من الغضب، لكنه غضب لا يرقى إلى اعتبار اغتياله جريمة تمسهم جميعًا. وهم لم يغضبوا من قبل على اغتيال أكثر من 245 صحفيًّا حصدتهم آلة الحرب خلال اثنين وعشرين شهرًا، أي بمعدل صحفي واحد كل ثلاثة أيام، وهو رقم لم يشهد التاريخ مثله.
قبل اغتياله، تعرّض أنس لحملة تشويه صهيونية منظمة، قادها المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، الذي نعته بالإرهابي لمجرد ظهوره على شاشة التلفاز جائعًا منهكًا، وكأن الجوع أصبح تهمة إرهاب! ولعمري، لم أرَ في حياتي إرهابيًّا جائعًا.
وقد شُكّلت لجنة للدفاع عنه، وحذّرت المنظمات الأممية المعنية بحماية الصحفيين من الخطر الذي يحدق بحياته، وسط عشرات التغريدات التي نشرها بنفسه. لكن تلك التحذيرات ضاعت في الفراغ، بل إن وسائل الإعلام الغربية شككت في الأمر وتبنّت الرواية الصهيونية. عندها كتب أنس وصيته، وحمل كفنه، ومضى في جهاده بالكلمة والصورة حتى اللحظة الأخيرة.
لحق أنس ورفاقه بركب مئات الصحفيين الذين فقدوا منازلهم وعائلاتهم أولًا في محاولة لترهيبهم، لكنهم أبوا أن يضعوا الكاميرا أرضًا أو أن يصمتوا أمام الجريمة. قبل عامين، لم يكن اسم أنس يتردّد في الأروقة ولا يظهر على الشاشات، لكنه تسلّم الراية من رفيقٍ مضى شهيدًا قبله، وسيتسلمها من بعده آخرون، يحملون أرواحهم بأيديهم ليواصلوا هذه المهمة المقدسة، وهم يدركون أن ثمنها غالبًا حياتهم، مؤمنين بأن الكلمة والصورة ستنتصران على الرصاصة والقنبلة يومًا ما.
الدستور الأردنية