شذرات من مسيرة حياته “من الميلاد إلى الشهادة”.. سيدُ المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله شهيدًا على طريق القدس وفلسطين
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
يمانيون – متابعات
بعد رحلة جهادٍ وكفاحٍ ومقارعةٍ للعدو الصهيوني المحتلّ امتدت أكثر من 32 عاماً، ارتقى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله شهيدًا، ليلتحق بركب الشهداء بعد أن بقي وفيًّا للشعب الفلسطيني من خلال تمسكه بمعركة الإسناد منذ اليوم الثاني لحرب الإبادة الإسرائيلية.
تولى السيد حسن نصر الله منصبه يوم 16 فبراير 1992م، خلفاً للأمين العام السابق الشهيد السيد “عباس موسوي”، الذي اغتاله كيان العدوّ الصهيوني بإطلاق صاروخ على موكبه، وهو الأمين العام الثالث لحزب الله اللبناني.
سيد المقاومة:
وتلقى السيد حسن نصر الله تعليماً دينيًّا في مراكز وحوزات في لبنان والعراق وإيران، وانخرط في حزب الله، حتى تولى قيادته؛ ليشهد الحزب نهضة وتطورًا كَبيراً وبات يشكل رقمًا صعبًا في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
ونال السيد نصر الله عن استحقاق لقب “سيد المقاومة”؛ لدوره في قيادة حزب الله بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000م، من الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر 22 عاماً، ثم في مواجهة هذا الكيان في حرب يوليو 2006م.
ومع استشهاده استحضر متابعون، كلمات سيد المقاومة قبل أكثر من 20 عاماً عندما اغتال الاحتلال مؤسّس حركة حماس الشيخ “أحمد ياسين”.
وحينها قال شــهيد اليوم السّيد حســن نصــر الله: “اعتبرونا نحن في حزب الله من أمينه العام إلى قادته ومجــاهديه وكباره ونسائه وصغاره أعضاء في حركة حمــاس، واعلموا أنّنا بإذن الله سَنَفي وعدنا بهذا الالتزام والانتماء”.
وكان للقائد الراحل دورٌ كَبيرٌ في تدبير عمليات تبادل لإعادة أسرى لبنانيين وعرب وجثامين مقاومين كان يحتجزها الاحتلال.
وكانت خطبه الحماسية وشخصيته القوية من العوامل التي أكسبته شعبيّة في العالمَينِ العربي والإسلامي، وكانت كلماته تحظى بمتابعة واسعة واهتمام كبير.
وعلى مدار سنوات طويلة، حظي السيد حسن نصر الله بتقدير واسع في العالمَين العربي والإسلامي خَاصَّة لدور الحزب في تحرير الجنوب، وكذلك حرب 2006م.
وعاد اسمه إلى واجهة الأحداث مع عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في فجر السابع من أُكتوبر 2023م، والتي تلاها عدوان إبادة جماعية صهيونية على قطاع غزة مستمر واستشهد فيها آلاف الشهداء.
فقد أعلن السيد نصر الله عن فتح “جبهة في جنوب لبنان لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية”، وأكّـد حتى قبل أَيَّـام قليلة من اغتياله أنها لن تقف إلا بعد إنهاء الحرب على غزة، رافضًا كُـلّ المساومات في هذا الإطار.
المولد والنشأة:
وُلِدَ حسن عبد الكريم نصر الله في 31 أغسطُس 1960م، في بلدة “البازورية” القريبة من مدينة “صور” في جنوب لبنان، ووالده السيد “عبد الكريم نصر الله” ووالدته “نهدية صفي الدين”، وهو الابن البكر من بين ثلاثة أشقاء وخمس شقيقات، تزوج من السيدة “فاطمة ياسين”، وله منها خمسة أبناء هم: “هادي وزينب ومحمد جواد ومحمد مهدي ومحمد علي”.
واستشهد ابنه البكر “هادي” سنة 1997م، في مواجهات ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في منطقة “جبل الرفيع” جنوبي لبنان، وبقي جثمانه محتجزاً إلى أن استعيد عام 1998م، ضمن 40 جثة لشهداء لبنانيين وأسرى في عملية تبادل مع كيان العدوّ.
التعليم:
تلقى السيد نصر الله تعليمه الابتدائي في مدرسة “الكفاح” الخَاصَّة في حي “الكرنتينا” بالضاحية الشرقية لبيروت، وهو أحد الأحياء الفقيرة والمهمشة، وتابع دراسته المتوسطة في مدرسة “الثانوية التربوية” في منطقة “سن الفيل”.
وعادت عائلته إلى مسقط رأسه في بلدة “البازورية” عند اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م، وفيها واصل تعليمه في المرحلة الثانوية.
التحق بالحوزة العلمية في مدينة “النجف” في العراق عام 1976م، وكان عمره 16 عاماً، وبدأ مرحلة الدراسة الدينية، وفيها تعرف على السيد “عباس موسوي”، الذي أصبح لاحقاً الأمين العام لحزب الله وأشرف على تعليمه وتكوينه.
وعاد عام 1978م، إلى لبنان، والتحق بحوزة “الإمام المنتظر” في “بعلبك”، وهي مدرسة دينية أسَّسها “الموسوي” تعتمدُ نفسَ المناهج المتبعة في مدرسة “النجف”.
وسافر في نهاية الثمانينيات إلى إيران لمواصلة تعليمه الديني في مدينة “قم”، ثم عاد بعد سنة إلى لبنان.
التجربة السياسية والتنظيمية:
انضم السيد نصر الله إلى حركة “أمل” خلال مرحلة دراسته الثانوية، ورغم حداثة سِنِّه عُيِّنَ مسؤولاً تنظيميًّا للحركة في بلدة “البازورية”، وبعد عودته من الدراسة في العراق استأنف نشاطه السياسي والتنظيمي في الحركة؛ إذ عُيِّنَ سنة 1979م، مسؤولاً سياسيًّا لمنطقة البقاع وعضواً في المكتب السياسي.
وانسحب في عام 1982م، من حركة “أمل” مع مجموعة كبيرة من المسؤولين إثر خلافات مع القيادات السياسية حول سبل مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثم انضم إلى “حزب الله” الذي تأسس في العام نفسه، وتولى مسؤولية منطقة “البقاع”، وكانت مهمته تعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية.
في عام 1985م، انتقل إلى بيروت وتولى مهمة نائب مسؤول المنطقة، وواصل الصعود في سُلِّمِ المسؤوليات إلى أن أصبح مسؤول المدينة، ثم المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات مجلس الشورى، إلى أن انتخب أميناً عاماً للحزب عام 1992م.
زعامة حزب الله:
في 16 فبراير 1992م، انتخب مجلس شورى حزب الله السيد حسن نصر الله أميناً عاماً للحزب خلفاً للشهيد “عباس الموسوي”؛ وعلى الرغم من أنه لم يكن نائباً للأمين العام، وكان أصغر أعضاء مجلس الشورى سناً، إلا أن المجلسَ انتخبه في هذا المنصب بالإجماع.
مع توليه الزعامة نفَّذ الحزبُ عملياتٍ عسكريةً نوعيةً ضد كيان العدوّ الإسرائيلي، انتهت بانسحابه من جنوب لبنان عام 2000م، بعد احتلال استمرَّ 22 عاماً.
وفي عام 2004م، كان للسيد نصر الله دورٌ أَسَاسيٌّ في عملية تبادل الأسرى بين الحزب والكيان المؤقت، ووصفت هذه العملية بأنها أكبر صفقات تبادل الأسرى بين الطرفين؛ إذ لم يتم تحرير أسرى من لبنان فقط، بل شملت الصفقة مئات الأسرى من جنسيات عربية أُخرى سورية وليبية ومغربية وفلسطينية.
وزادت شعبيته في حرب يوليو 2006م، والتي استمرت 33 يوماً وتعرض فيها كيان الاحتلال لخسائرَ فادحة اضطرته للانسحاب من جنوبي لبنان دونَ تحقيق أهدافه.
واكتسب السيد حسن نصر الله خلال هذه الحروب والمواجهات العسكرية مع الكيان المؤقت سُمعةً كبيرة وشعبيّة واسعة في العالم العربي والإسلامي، وارتبط اسمُه بمقاومة “إسرائيل” ومناهضة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.
“طوفانُ الأقصى”:
منذ اندلاع “طوفان الأقصى” في السابع من أُكتوبر 2023م، انخرط حزب الله في المعركة في اليوم التالي عبر قصف مزارع شبعا، فيما اعتبره رسالة تضامن مع المقاومة الفلسطينية في غزة.
وشهدت الحدود الفلسطينية اللبنانية هجمات لحزب الله وفصائل فلسطينية في حين شن الاحتلال غارات عدوانية.
وبعد أسابيعَ من المواجهات العسكرية، ظهر السيد حسن نصر الله في أول خطاب له في 3 نوفمبر 2023م، أكّـد فيه أن عملية “طوفان الأقصى” كانت بقرار وتنفيذ فلسطيني.
وأكّـد أن جبهة لبنان التي فتحها حزب الله هي “جبهة إسناد وتضامن”، وأن الحرب في الأَسَاس في غزة، مُشيراً إلى أن الجبهة مفتوحة والتطورات متغيرة والخيارات مفتوحة.
وفي خطبه التالية أكّـد أن التصعيد على جبهة الجنوب لن يتوقف قبل وقف الهجوم على قطاع غزة.
وقال في خطاب في 17 يوليو 2024م: إن “التمادي الإسرائيلي في استهداف المدنيين سيدفع المقاومة إلى استهداف مستوطنات جديدة بالصواريخ”، وتوعد الاحتلال بـ “خسارة دباباته إذَا جاء إلى لبنان”.
الاغتيال:
في 27 سبتمبر 2024م، شن الاحتلال الصهيوني غارات مكثّـفة على حارة “حريك” في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأعلن الاحتلال أنه قصف ما سمَّاه المقر المركَزي لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقال: إن “الغارة كان هدفها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله”.
بدوره أعلن حزبُ الله يوم 28 سبتمبر 2024م، نبأَ استشهاد السيد حسن نصر الله في الغارة التي استهدفته، وتعهَّدت قيادةُ الحزب في بيان لها بـ “مواصلة جهادها في مواجهة العدوّ وإسنادِ غزة وفلسطين والدفاعِ عن لبنان”.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السید حسن نصر الله السید نصر الله الأمین العام جنوب لبنان لحزب الله حزب الله الله فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
المقاومة ليست خيارا ديمقراطيا
في زمن خُلطت فيه المفاهيم، وغُيّبت فيه المعايير، باتت المقاومة تُساءل كما تُساءل الحكومات، ويُحاكم المقاوم كما يُحاكم الفاسد، ويُطلب منه ما لا يُطلب حتى من المحتل. وهي مفارقة أخلاقية قبل أن تكون سياسية.
المقاومة، في جوهرها، ليست خيارا ديمقراطيا، ولا خاضعة لمعادلات التصويت وصناديق الاقتراع، ولا ينتظر أصحابها نتائج استطلاع رأي ليقرروا ما إذا كان من "اللائق" أن يقاوموا أم لا. هذا المنطق، في ذاته، يحمل كارثة فكرية وإنسانية؛ لأنك ببساطة تساوي بين شعب واقع تحت الاحتلال، ومحتلٍ غاصبٍ يستبيح الأرض والإنسان.
من قرر أن يقاوم لا يحتاج إلى تفويض من أحد، ولا يستأذن المقهورين في الدفاع عنهم.. لا ينتظر أن يُنصَّب رسميّا على مشروع الدفاع، فالمقاومة ليست وظيفة تُرشَّح لها، بل هي فعل ينبثق من أعماق الروح الحرة التي ترفض الذل. حتى لو قرر الناس كلهم أن يرضخوا، فمن حق الفرد أن يتمرد، ولو خضع الملايين تحت نير الاستعمار، فصوت واحد يصرخ في وجه الباطل كافٍ ليبدأ التغيير.
يُساءل المقاوم عن مصير المدنيين، بينما يُعفى المحتل من أي مساءلة وهو يقصف البيوت، ويدفن العائلات تحت الأنقاض، ويهدم المدارس والمساجد والمستشفيات
تاريخ الأمم يعلّمنا أن التحرر لا يُنتزع بتوقيع العرائض، ولا يُنال ببلاغات الشجب وحدها.. لم يُقم ثوار الجزائر استفتاء عاما قبل أن يبدأوا ثورتهم ضد المستعمر الفرنسي، ولم ينظّم الفيتناميون مؤتمرات حوار قبل أن يخرجوا لمواجهة المحتل الأمريكي، ولم يكن الجيش الجمهوري الأيرلندي بحاجة إلى أغلبية برلمانية لكي يدافع عن حقوق شعبه. هذه النماذج وغيرها لم تفكر بمفردات "التوافق الوطني" تحت وطأة الاحتلال؛ لأنها ببساطة كانت تعرف أن الحرية لا تأتي على طبق من فضة، ولا تهبط عبر البريد السياسي.
في المقابل، نحن نعيش اليوم حالة غريبة من "الترف السياسي"، حيث يُطلب من المقاوم أن يقدم تقريرا شاملا عن جدوى فعله، وتكلفته، وتداعياته الاقتصادية والدبلوماسية. يُساءل المقاوم عن مصير المدنيين، بينما يُعفى المحتل من أي مساءلة وهو يقصف البيوت، ويدفن العائلات تحت الأنقاض، ويهدم المدارس والمساجد والمستشفيات. يُطلب من المقاوم أن "يُراعي"، وأن "يتأنى"، وأن "يفكر بعقل الدولة"، مع أنه لا يملك دولة أصلا، ولا أرضا آمنة، ولا سيادة على شبر واحد من بلاده.
صحيح أننا نحب أن يُراعي المقاوم شعبه، وأن يحفظ ما استطاع من الأرواح، ولكن لا يمكن أن نحمّله وحده مسؤولية جرائم عدوه، ولا يجوز أن نخضعه لمقاييس الدولة المستقرة وهو يواجه كيانا عدوانيّا مسلحا مدعوما من أقوى القوى على وجه الأرض. من الظلم أن يُساءل من يدافع، بينما يُترك من يعتدي.
ليست القضية هنا أن نقدّس المقاومة أو نمنع انتقادها، ولكن أن نُعيد الأمور إلى نصابها، أن نفهم أن الاحتلال هو أصل الجريمة، وأن كل ما يتبعه من دم ودمار، هو نتيجة مباشرة له. ومن الظلم أن تُلقى الفاتورة على من يقاوم بدل أن تُحاسب من يحتل
ثم ما البديل؟ هل يُطلب من الناس أن ينتظروا رحمة المحتل؟ أم أن يقيموا مؤتمرات "سلام داخلي" وهو يذبح أبناءهم؟ هل المطلوب أن يُجروا انتخابات تحت الحراب ليقرروا إن كانوا يحبون المقاومة أم لا؟! وهل يفترض بالمقاوم أن يختبر شعبيته تحت القصف؟ هذا العبث لا يُقال في سياق الاحتلال، بل في أروقة دول تعيش استقرارا نسبيّا وتملِك قرارها السيادي، أما نحن، فالمعادلة مختلفة تماما.
أحيانا، حين تكثر الأصوات التي تُسائل المقاومة، أشعر أن البعض يتمنى لو لم تكن هناك مقاومة أصلا، كي لا يُحرَج أمام العالم، أو كي لا يضطر لتبرير موقفه. وهنا يصبح الخطاب الإنساني أداة للهروب من المعركة، بدل أن يكون حافزا لها. نريد مقاوما بلا معركة، ونضالا بلا ثمن، وتحررا بلا مواجهة. وهذا لا يحدث إلا في الخيال أو في كتب الأطفال.
إن المقاومة، بطبيعتها، مكلفة، وكل مقاومة حقيقية تحمل في طياتها ثمنا باهظا. هذا لا يعني أن نستسلم للفجائع، ولا أن نحتفي بالألم، ولكن أن نُدرك أن الصراع مع المحتل ليس مباراة متكافئة، بل هو معركة وجود، ومن يطالب المقاوم بأن يتصرف كما لو أنه يعيش في دولة ذات سيادة فإنه ببساطة لا يفهم معنى الاحتلال.
ليست القضية هنا أن نقدّس المقاومة أو نمنع انتقادها، ولكن أن نُعيد الأمور إلى نصابها، أن نفهم أن الاحتلال هو أصل الجريمة، وأن كل ما يتبعه من دم ودمار، هو نتيجة مباشرة له. ومن الظلم أن تُلقى الفاتورة على من يقاوم بدل أن تُحاسب من يحتل.
إن من حق كل شعب واقع تحت الاحتلال أن يختار طريقه نحو الحرية، ومن حقه أن يخطئ، وأن يتعلم، ولكن لا أحد يملك الحق أن يسلبه هذا الخيار باسم الديمقراطية أو الواقعية السياسية؛ لأن الحرية لا تُقاس بحسابات صندوق، ولا تُمنح بإجماع النخب، بل تنتزع بقرار فردٍ يرفض أن يعيش عبدا.