عبد الله العليان

اهتمت بلادنا منذ نهضتها الحديثة التي انطلقت في عام 1970، ثم مع نهضتها المُتجددة الراهنة، بأهمية إرساء قيم العدل والسلام، وإشاعة التَّفاهم عند الاختلاف بين دول العالم، وأسهمت عُمان منذ عقود مضت، في حل العديد من الخلافات بين الدول، وركزت اهتمامها دائمًا بقضية التعايش والتسامح؛ بما يُعزز الوئام والسلام في العالم، بعيدًا عن الصراعات والتوترات والحروب.

وفي كلمة معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينية رئيس وفد السلطنة في أعمال "اللقاء الدولي من أجل السلام" الذي عُقد تحت شعار "تصوُّر السلام" في باريس بالجمهورية الفرنسية الشهر الماضي، أكد معاليه الدور الذي تُمارسه السلطنة في هذا المجال، وقال: "إنّ سلطنة عُمان أولت اهتمامًا صادقًا بالسلام، فجاء في النظام الأساسي للدولة أنّ "السلام هدف الدولة"، وكانت وما زالت ملتزمة برؤية عالمية تدعم تحقيق هذا الهدف، وداعية إليه الجميع في مختلف المحافل وعلى مختلف المستويات". وأضاف معاليه في كلمته في هذا اللقاء الكبير أنَّ "المرونة والحكمة المتوارثة والضاربة في جذور التاريخ، القيمة العميقة النهج الذي تسير عليه بلادنا لأهمية الروابط الإنسانية، وتبادل المعرفة والخبرات، فعملنا على تعزيز روح الصداقة والتفاهم والاحترام والتعايش مع الجميع، منطلقين من فهمنا بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم، وأننا لسنا بمعزل عنه، وأنّ الأهداف الإنسانية والمصير المشترك يتطلب منَّا التفاعل مع غيرنا ومن حولنا بمبادئ الإحسان والسلام". وتحدث معاليه في هذه الكلمة الجامعة لقضية التفاهم والحوار والسلام، حول الدور الإيجابي والبناء الذي تؤديه بلادنا في قضايا السلام والوئام في العالم، مشيرًا إلى كلمة سامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- والتي قال فيها جلالته: "لقد عرف العالم عُمان عبر تاريخها العريق والمشرف كيانًا حضاريًّا فاعلًا ومؤثرًا في نماء المنطقة وازدهارها واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال على إعلاء رايتها وتحرص على أن تظل رسالة عُمان للسلام تجوب العالم حاملة إرثًا عظيمًا ورايات سامية، تبني ولا تهدم، تُقرب ولا تبعد، وهذا ما سنحرص على استمراره".

لا شك أن كلمة معالي الدكتور وزير الأوقاف والشؤون الدينية في هذا اللقاء الدولي، تُعبِّرُ بحقٍ عن النهج القويم الذي تسير عليه بلادنا طريقًا ونهجًا، في قضايا الحوار والتواصل وإشاعة قيم التسامح والتفاهم والسلام، كأسلوب للتعامل مع كل المشتركات الإنسانية، التي تهدف إلى تعزيز هذه القيم، ومن هذه المنطلقات انفتح العُمانيون عبر تاريخهم الحضاري الإنساني على الآخر، واعتبروا أنَّ قيم الحوار والتفاهم والتسامح، مع الآخر ضرورة إنسانية، يجب انتهاجها واعتبارها صيغة حضارية للتفاعل والتعاون والتواصل مع الحضارات والأمم الأخرى، بهدف إيجاد الطرق والوسائل لبناء حضاري وتبادل تجاري بقاء على المشتركات الإنسانية والرغبة الصادقة في إثراء الخبرات المتبادلة من العبر والاستفادة منها، وفي إقامة علاقة متكافئة ندية.

ومن هذه المنطلقات، اهتم العُمانيون بمسألة الانفتاح على الآخر والتفاهم والتعاون معه، مع الاحتفاظ بالخصوصيات والهويات الذاتية والاعتزاز بها، مما أسهم في توفير مناخ ملائم للتبادل النافع في مجال الاقتصاد والثقافة والمعارف الإنسانية الأخرى.

وعندما يرجع المرء إلى التراث الكبير لعُمان والعُمانيين، يجد أن أغلب الباحثين والرحالة والمُستشرقين من الغرب والأجانب الذين كتبوا عن عُمان والعُمانيين تطرقوا إلى هذه المسألة، وناقشوا قضية الانفتاح على الآخر عندهم، وكيف أنهم تفاعلوا وتواصلوا مع شعوب وأمم كبيرة في الجانب الاقتصادي والمعرفي والإنساني، بصورة تبعث على الاهتمام والمراجعة في مضامين هذا الانفتاح والتواصل مع الآخر، وإقامة علاقة معه. ولذلك.. فإنَّ هذا التفاعل والاهتمام من جانب الشعوب والحضارات الأخرى بعُمان والعُمانيين، والتواصل معهم، والانفتاح والتسامح والتحاور من جانب العُمانيين مع الآخر والتعاون معه في الجوانب الاقتصادية وغيرها، يطرح مسألة جهود العُمانيين وإرساء القيم الأساسية في الحوار والتعاون، وهذا ما برز من خلال التعامل الإنساني الراقي مع السكان، واتسمت بالكثير من التسامح والتفاهم والايجابية في التعامل؛ مما أسهم في زيادة العلاقة على الأسس الحضارية بين الجانبين، وأعطى عُمان مكانة حضارية عند هذه الشعوب التي تعاملت مع العُمانيين سواء عندما يزورون عُمان، أو في زيارات العُمانيين للبلاد الأخرى.

وفي العصور الحديثة، يذكر العديد من الرحالة والباحثين الغربيين مسقط (العاصمة العُمانية الحالية)، أنها كانت فاعلة ومنفتحة على شعوب كثيرة. ويذكر الرحالة جيمس ريموند ولسند أنه عند زيارته مدينة مسقط في القرن الثامن عشر، وجد أنها مدينة منفتحة على العديد من الشعوب، وأنَّ الانفتاح على الآخر سِمة بارزة لدى العُمانيين، وأنَّ "هذه المدينة الجميلة تتحاور مع مدن وعواصم عديدة في قارات العالم، مما أكسبها حراكًا تجاريًا مهمًا منذ القدم".

ومن هذه المنطلقات التي سارت عليها نهضة عُمان الحديثة بقيادة السلطان قابوس- تغمده الله بالرحمة والمغفرة- ويسير عليها جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- أبقاه الله- رائد نهضة عُمان المتجددة، أن السياسية العُمانية تقوم على ركائز ثابتة، وعلى العمل الوطني الإيجابي، من خلال الحوار مع كل شعوب العالم، في ظل الاحترام المتبادل، المبني على التفاهم وعلى الإخاء الإنساني والتعاون الإيجابي؛ بما يُحقق مصلحة الجميع.

وهكذا.. فإنَّ العُمانيين عُرِفوا منذ القدم- ولا يزالون- بانفتاحهم على الآخر والسلام والتسامح والتواصل معه، من المنطلق الإنساني، والتعاون في المصالح والمنافع المشتركة التي تعود بالفائدة على الطرفين وتعزيزها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في أي يمنٍ تعيش؟

أتعيش في يمن البذخ والثراء في بيوت قادة الحوثي؟ أتعيش في اليمن الذي يشتد فيه حزام الجنبية على هواتف أمريكية من طراز العام نفسه، بينما تتشدق الأفواه بالمقاطعة وتلمع الأعين بالخداع؟ 

أتعيش في اليمن الذي تفيض موائده بالطعام وخزائنه بالساعات المذهبة؟  

أم أنك تعيش في اليمن الآخر، يمن الظل، يمن الحاجة والعوز؟

 يمن الدواء الشحيح والقلوب المكلومة؟ يمن الإخفاء القسري وغياهب السجون التي طوت صوت جميل شريان كما تطوي أصوات وأعمار يمنيين آخرين لم يطالبوا سوى بلقمة العيش؟ 

لا تغيب معالم الفقر والمأساة لحظة عن حواس اليمنيين الذين يكدحون تحت نيران الحكم الحوثي، بطائفيته وفساده وتخبطه وما فرضه من معاناة على حياة المواطن اليمني الذي رأى الحقيقة وعرفها: 

هناك يمنان. يمنٌ حوثي، ويمنٌ آخر في صفحات التواصل الاجتماعي، ترسخت هذه الفكرة عبر سلسلة من مقاطع الفيديو يظهر فيها الوجه الفج للحوثي متمثلًا في شخص (يامن)، ابن مسؤول حوثي رفيع لا تنقبض يداه إلا على ما غلا ثمنه أو طاب مذاقه، يراسل الأصدقاء في مرح من سيارة فارهة، بعيدًا عن حطام المنازل وغبار الألم في طوابير انتظار المساعدات حيث تقف (يُمنى)، وجه اليمن الآخر، طفلة فقيرة ولدت وعاشت في يمن الظل، وفيه تموت. 

يحكي الحوثيون طويلًا عن المقاومة التي يدعمونها والأثر الذي يحدثونه والمجد الذي يصنعونه، ولكن هذه الحكايات ليست سوى وقود لنار قاسية مسلطة على رقاب اليمنيين. 

بين حين وآخر يظهر مواطن يمني في مقطع فيديو ليصرخ من الألم، فتهرع إليه الميليشيا لإسكاته باسم ما يسمونه بـ"دعم القضية" في يمن القمة، ويعرفه اليمنيون الفقراء باسم "خيانة الأمانة" في يمن الظل.

مقالات مشابهة

  • الأزهر يوضح مفهوم الوسطية في الإسلام ودورها في تحقيق التوازن
  • وزير العدل يستقبل مديرة مركز سيادة القانون بفنلندا ويبحثان تعزيز التعاون القانوني والقضائي
  • رسالة إلى العالم الآخر
  • الخطيب: تعزيز الحوار الإفريقي المشترك ودعم الأولويات التنموية للقارة في مفاوضات منظمة التجارة العالمية
  • الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تبحثان تعزيز التعاون الاقتصادي خلال الحوار رفيع المستوى
  • مراكش تستضيف برنامج الحوار الإسلامي الإفريقي العربي بمشاركة ليبية
  • في أي يمنٍ تعيش؟
  • عاجل- رئيس الوزراء يبحث مع قيادات شركة شيفرون تعزيز الاستثمارات والتعاون الإقليمي في قطاع الغاز والبترول
  • مجلس الوزراء يهنئ ياسمين فؤاد لنيلها جائزة صندوق نوبل للاستدامة لعام 2025
  • تعزيز الحوار مع المستوردين والمستخلصين ووكلاء الشحن الجوى حول منظومة «ACI»