الدكتور سلطان القاسمي يكتب: من القاتل؟ (1)
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
الدكتور سلطان بن محمد القاسمي
بين عام 1803م، وعام 1804م، قتل اثنان من زعماء الخليج العربي:
1- مقتل الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود، بتاريخ شهر أكتوبر عام 1803م.
2- مقتل الإمام سلطان بن أحمد، إمام عُمان، بتاريخ شهر نوفمبر عام 1804م.
لم يتبيّن للمؤرخين من القاتل.
فيما يلي نبيّن أسماء من قاما بالقتل:
1- مقتل الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود في سنة 1218هـ، الموافق عام 1803م.
قتل الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود، وقد كتب عثمان بن عبدالله بن بشر النجدي في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ما يلي:
«قيل هذا الدرويش الذي قتل عبد العزيز من أهل بلد الحسين، رافضي خبيث. خرج من وطنه لهذا القصد بعدما قتلهم سعود فيها، وأخذ أموالهم كما تقدم. فخرج ليأخذ الثأر، وكان قصده قتل سعود، فلم يقدر عليه فقتل عبد العزيز، فهذا، والله أعلم أحرى بالصواب».
تبع المؤرخون عثمان بن بشر فيما قال.
في سنة 1214هـ، الموافق عام 1799م، حدث خلاف ونزاع بين عشيرة الخزاعل التي جاءت إلى النجف وبين جماعة الأمير سعود بن عبد العزيز (شيعة الأحساء) الذين جاؤوا إلى هناك بقصد الزيارة والتجارة، وأدى الاشتباك الذي وقع بين الطرفين إلى قتل الخزاعل لثلاثمئة من الوهابيين، بلغ الخبر إلى والي بغداد، سليمان باشا، فكان سبباً في انزعاجه لاحتمال قيام الوهابيين بأخذ الثأر، بالإضافة إلى أن فرقة آل سليمان، وهي من الخزاعل، قاموا خلافاً للقوانين بأعمال النهب والسلب. وفي سنة 1215هـ، الموافق عام 1800م أرسل سليمان باشا، الكتخدا علي باشا لتأديبهم، فقام علي باشا بتفريق جمعهم وأخذ أموالهم وإخضاعهم.
إن الحادثة لم تقع في كربلاء، وإنما في النجف، والذين قتلوا كانوا من أتباع آل سعود.
إليكم الحقيقة في الرسالة التي كتبها مراد علي باشا، نائب باشا بغداد، وبعث بها إلى السلطان العثماني.
بعد قراءة السلطان العثماني للرسالة علق عليها في مقدمة الرسالة قائلاً:
«اطلعت عليه، نسأل الله أن يقهر كافة المخالفين (بخط السلطان)».
فيما يلي رسالة مراد علي باشا، نائب باشا بغداد إلى السلطان العثماني:
«صاحب الدولة والعناية والمروءة والمرحمة والعطوفة، ولي النعم، كثير الجود والكرم، سيدي السلطان.
بعد الدعاء لحضرة مولانا، وتنفيذاً لمأموريتنا في إجراء الاستعداد للتنكيل بالوهابي، سبق وأن عرضت على مقامكم العالي أنه إذا أمكن أن أغادر بغداد والسفر بنفسي فنعم المطلوب، ولن أتوقف، ولكن إذا تعذر تجهيز العساكر المدربة ولوازم الحرب والسفر بنفسي، فلن نكف يدنا انطلاقاً من قاعدة: ما لا يدرك كله لا يترك جله، وسنعمل على تجهيز ما يمكن تجهيزه وإعداده لقهر وتدمير المخذول.
وللصعوبات المذكورة سابقاً تعذر السفر بنفسي، وقمنا بإعداد وتجهيز رجال من عشائر العراق ومن المسلحين الفرسان ومن أتباعنا في الداخل، مع الجمال وأردفناها بالخيول، كما جمعنا العلف والمؤن اللازمة وحملناها للجمال، وأرسلناهم نحو الجهة المقصودة يوم السابع عشر من شهر شعبان.
كما أعرب مؤمن متدين يعمل في دائرتي، واسمه الحاج عثمان عن رغبته في قتل عبد العزيز بن محمـــد، وابنـــه سعود، بأي وســيلة من الوسائل، وقد عرضنا عليه التكريم والمكافأة، لكنه رفض وأصر على أنه سيقوم بذلك إرضاء لله تعالى، وتمكن من قتل عبد العزيز في صلاة العصر حيث قتله بطعنة خنجر، كما جرح أخاه عبدالله جرحاً بليغاً، ثم استشهد، وقد أرسلنا هذه البشارة التي وصلت من متسلم البصرة، ومن عبد المحسن شقيق شيخ المنتفق.
ومع أن سعود هو قائد عسكر المبتدعين فإن عبد العزيز هو مبدأ الابتداع والإضلال، ومدبر الأمور والأحوال، ونأمل أن يكون مقتله بداية لزوالهم واضمحلالهم.
سنة 1219هـ، (الموافق عام 1804م)، مراد علي».
إذن القاتل هو عثمان الموظف في دائرة باشا بغداد.
الهوامش:
* عنوان المجد في تاريخ نجد، الشيخ عثمان بن عبدالله بن بشر، مطابع الناشر العربي، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الرابعة، 1982م، ص266.
* تاريخ جودت، جودت باشا، المجلد الرابع، الصفحات 1835-1840.
* الأرشيف العثماني، التابع لرئاسة الوزراء التركية، إسطنبول، أحكام الباب العالي، الحكم رقم: Hat/3381-G.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة قتل عبد العزیز عبد العزیز بن الموافق عام قتل الإمام علی باشا بن محمد آل سعود
إقرأ أيضاً:
بين السياسة والدهاء.. أسرار علي ماهر باشا في إدارة مصر
علي ماهر باشا، ذلك الاسم الذي يرن صداه في صفحات التاريخ المصري، ليس مجرد سياسي عابر أو موظف حكومي، بل رجل عصامي وفذ، جمع بين الحنكة السياسية والدهاء الاستثنائي، حتى صار يعرف بين معاصريه بلقب "رجل الأزمات" و"رجل الساعة".
علي ماهر، ابن أسرة الشراكسة، ووريث إرث أبيه محمد ماهر باشا، الذي كان مثالا للشخصية القوية والمثابرة، تعلم من نشأته الأولى معنى الانضباط والمسؤولية، وكيفية الاعتماد على الذات منذ الصغر.
فقد كان والده، رغم انشغاله الواسع بالمناصب الحكومية والعسكرية، يحرص على تربية أبنائه تربية واعية، يغرس فيهم الأخلاق الفاضلة، ويشجعهم على الاجتهاد الفكري والعملي، بل ويمنحهم فرصة إدارة شؤون المنزل كتمرين على القيادة والمسؤولية.
ومن هذه البيئة المميزة خرج علي ماهر رجلا قادرا على مواجهة التحديات، ورئيسا وزراء مصر لأربع مرات، كان أولها في عام 1936 وآخرها في أعقاب ثورة يوليو 1952، حين كلف بتشكيل أول وزارة مصرية بعد الثورة.
نشأ علي باشا في القاهرة، متلقى تعليمه في المدارس الابتدائية فالتجهيزية، ثم الحربية التي كانت تعتمد النظام الفرنسي، ما أكسبه أساسا متينا من الانضباط والمنهجية.
وكان والده دائما يختبر ذكاءه ودقة ملاحظاته، حتى وصل الأمر إلى برقية بسيطة عن حالة ابنته المريضة، فأجاب علي بكلمات مختصرة لكنها دقيقة، ما أثار إعجاب والده وأكسبه مكافأة رمزية، لكنه أثبت بلا شك أنه فتى ذو وعي ورؤية ناضجة، كل هذه التفاصيل الصغيرة في نشأته شكلت شخصية سياسية محنكة، قادرة على إدارة الأزمات بحكمة وبصيرة ثاقبة.
مسيرته المهنية بدأت من القضاء، حين شغل منصب قاض بمحكمة مصر الأهليه، ثم تدرج في مناصب النيابة العامة، فكانت له تجربة واسعة في مجال العدالة والقانون، قبل أن يتحول إلى الحياة السياسية بشكل كامل، مشاركا في ثورة 1919، ثم شاغلا منصب وكيلا لوزارة المعارف، وأخيرا رئيسا لمجلس الوزراء.
لم تكن طريقه سهلة، فقد واجه محنا وتحديات جسام، منها توقيفه خلال الحرب العالمية الثانية بتهمة موالاته لقوى المحور، لكنه برهن دائما على صلابته وصلابة قناعاته، متمسكا بمبادئه الوطنية.
علي ماهر لم يكن مجرد سياسي متسلق للمناصب، بل كان رجل دولة بمعنى الكلمة، شغل منصب رئيس الديوان الملكي في عهد الملك فؤاد، وحصل على نيشان فؤاد الأول، وكان حاضرا في كل اللحظات الحرجة التي مرت بها مصر، يدير ملفات دقيقة بحكمة وذكاء.
عرف عنه قدرة غير عادية على معالجة المشكلات الصعبة، فتراه دائما في قلب الأحداث، مهيئا لحلول عملية وسريعة، ومراعيا لتوازن القوى ومصالح الوطن، لقد كان مثالا للقائد الذي يزن الأمور بعين سياسية، ويوازن بين الشجاعة والحكمة، بين الوطنية والدهاء، بين المبدأ والمرونة.
وعندما نتحدث عن علي ماهر باشا، يجب أن نتذكر أنه كان الأخ الشقيق لرئيس الوزراء أحمد ماهر باشا، وأن الأسرة كلها كانت مثالا للتفاني في خدمة الوطن.
فقد عاش علي باشا حياة مليئة بالتحديات، وترك بصمة لا تمحى في تاريخ مصر الحديث، فقد تولى قيادة الحكومة في فترات حرجة، وشهد على الأحداث الكبرى التي شكلت مسار الأمة، من ثورة 1919 إلى ثورة 1952، مرورا بمختلف المحطات السياسية والاجتماعية التي صاغت هوية مصر الحديثة.
وقد رحل عن عالمنا في 25 أغسطس 1960 في جنيف، لكنه ترك إرثا خالدا في القلوب قبل السجلات الرسمية، إرثا من الحكمة، الوطنية، والالتزام العميق بمصلحة مصر.
إن الحديث عن علي ماهر باشا هو الحديث عن روح مصرية صادقة، عن رجل تجسد فيه معنى الخدمة العامة والوفاء للوطن، عن شخصية توازن بين العاطفة والمنطق، بين العقل والوجدان، وتجعل من التاريخ شاهدا حيا على دورها العظيم في صياغة مصر الحديثة.
فكم نحن بحاجة اليوم، ونحن نعيد قراءة التاريخ، إلى مثل هذه الشخصيات التي لا تهاب الصعاب، وتضع الوطن فوق كل اعتبار، التي تعلمنا أن القيادة الحقيقية ليست مجرد منصب أو سلطة، بل رؤية، وضمير، وإصرار على العطاء المستمر، مهما عصفت بنا التحديات.