ذاكرة سكان غزة تستعيد نكبة 1948 بعد عام من الحرب
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
شهد قطاع غزة أيامًا قاسية منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، على أثر الغارات العسكرية الإسرائيلية التي جاءت ردًا على هجوم حركة حماس المعروف بـ "طوفان الأقصى"، وتعرض القطاع لخسائر فادحة في الأرواح والبنية التحتية.
وقُتل نحو 42 ألف فلسطيني فيما أصيب قرابة 100 ألف آخرين وفق الإحصاءات الرسمية، كما دُمرت المنازل وهُجر السكان الذين عانوا نقصًا في الاحتياجات الإنسانية الأساسية من الغذاء والماء والرعاية الطبية.
كما دمر الاحتلال المساجد والمدارس والمستشفيات ومختلف المنشآت الخدمية، ما أفقد قطاع غزة أبسط معاني ومقومات الحياة.
مثّلت أيام العام الماضي واقعًا صعبًا وأعادت إلى الأذهان أهوال نكبة 1948، التي أُجبر فيها الشعب الفلسطيني على ترك دياره، وفقد عشرات الآلاف حياتهم أثناء إنشاء دولة إسرائيل.
وخلال الأيام القليلة الماضية، وزع سكان في غزة عشرات الآلاف من المنشورات التي تشبه يوم 7 أكتوبر بأيام النكبة، وهي تسلط الضوء على النمط المستمر من التهجير والتدمير في غزة.
حاولت المنشورات تذكير سكان غزة بالواقع الأليم الذي عاشه القطاع بعدما مُحيت عائلات بأكملها من سجلات المواطنين، وتم محو بلدات بأكملها، كما ذكّرت بأن دائرة العنف والمعاناة مستمرة للشعب الفلسطيني.
كانت الخسائر في الأرواح في غزة منذ 7 أكتوبر كارثية، وتحولت المستشفيات والمدارس والمنازل إلى أنقاض، وكانت الخسائر البشرية لا تحصى. وكما هو الحال مع النكبة.
لم يكن هذا الدمار جسديًا فحسب بل نفسيًا، حيث تمزقت العائلات واضطرت مجتمعات بأكملها إلى الفرار أو مواجهة الإبادة، إن أوجه التشابه صارخة، فقد أدى كلا الحدثين إلى خسائر بشرية كبيرة ومعاناة إنسانية هائلة، وفي كلتا الحالتين.
وبينما كانت نكبة 1948 لحظة حاسمة في التاريخ الفلسطيني، فإن مأساة السابع من أكتوبر تؤكد من جديد الطبيعة المستمرة للنضال الفلسطيني من أجل البقاء والكرامة والعدالة، لقد تركت دائرة الدمار والتهجير ندوبًا عميقة لدى أجيال من الفلسطينيين، الذين شهدوا تدمير منازلهم وسبل عيشهم بشكل منهجي.
وفي كل من النكبة وأحداث 7 أكتوبر، فشل المجتمع الدولي إلى حد كبير في توفير التدخل أو الدعم الهادف، فلا يزال سكان غزة يعانون من واقع يومي يتسم بالعنف والحرمان والخسارة، حيث لم يعد السلام والأمن والكرامة الإنسانية الأساسية حلما بعيد المنال، بل حقيقة ملموسة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الاحتياجات الإنسانية الإحصاءات الرسمية التدمير البنية التحتية الخسائر البشرية السابع من أكتوبر الرعاية الطبية العسكرية الإسرائيلية المنشآت الخدمية
إقرأ أيضاً:
نكبة الصمت
في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي قارب سنته الثمانين، اجتهد العرب في إطلاق الأسماء على كل هزيمة يتكبّدونها أمام عصابة صهيونية لا تاريخ لها ولا جغرافيا، وما أكثرها الهزائم، بين “نكبة” و”نكسة”… وفي كل شهر ماي يفضّل بعض العرب، استخراج الأرشيف الملوّن بالأبيض والأسود، وتلاوة وعد بلفور الذي يطلقون عليه وصف “المشؤوم”، ويبكون على أطلال الذكرى المسماة “النكبة”، التي ولّدت نكبات، حتى كادت تتحوّل إلى صفة نتوارثها بقوة الكروموسومات.
العرب الذين أعلنوا الهدنة المزمنة مع الكيان حتى لو دخل بيوتهم وذبحهم من الوريد إلى الوريد، فآخر حرب لهم مع هذا الذي أذاقهم الشؤم والنكبة والنكسة تعود إلى سنة 1973، أي منذ أكثر من نصف قرن، عندما كانوا يجتمعون بجيوشهم طلبا لتحرير هذه الأرض أو تلك، من الأجدر لهم أن يدفنوا الماضي، ما داموا قد رهنوا الحاضر والمستقبل، وكبّلوا جيوشهم، وما عادوا قادرين حتى على أضعف الإيمان، من تنديد وتحذير.
لقد حمل المشعل الذي كان أصلا خامدا، طائفة من المؤمنين، ذهبوا وربّهم للقتال وتركوا أمة بأكثر من مليار نسمة ها هنا قاعدة، عفوا نائمة ومغيّبة عن الحياة وعن الكرامة، لا يبدو عليها أي حرج، ومنها من فضّل أن يختار الجهة المعادية، في نكبة تطبيع وخيانة ونكبة انبطاح واستسلام ونكبة صمت رهيب.
من المؤلم أن يحتفل الكيان بيوم قيامه وتأسيسه لدولته الطاغية، ويتلقى التهاني من رؤساء، بعضهم أكبر من الكيان سنًّا، ومن المؤسف أن يتلقى الكيان تبريكات كيانات أخرى محسوبة على العرب وعلى المسلمين، ومن الموجع أن تكون اليد المحتفلة ملطخة بالدماء، في أحقر احتفال يقوم به كيانٌ في تاريخ البشرية، وفي “أنكب” صمت تصاب به أمة وتتوجع، على وجه الأرض.
في الحروب الكلاسيكية العربية الإسرائيلية السابقة من سنة 1948 إلى سنة 1973، مرورا بسنوات الاستنزاف، كانت انتصارات العدو تتحقق ببعض الحيلة والدعم الفرنسي والبريطاني، والغطاء الجوي الأمريكي، وبكثير من التردّد العربي ونقص الثقة بالنفس، لكن الانتصارات الأخيرة ما كانت لتتحقق لولا هذا الهوان والخيانة وخاصة الصمت الذي تجاوز النكبة بمراحل.
في تاريخ كل الشعوب نكباتٌ ونكسات وعهود شؤم ومجازر، بل إن النكبة هي التي تلد الثورة، والعُسر يُتبع باليُسر، ولكن في نكبة فلسطين تبدو النكبات، تلد نكباتٍ أصعب وأخطر، حتى صارت تشبه القدر المحتوم.
كنا نظنّ مع تعدّد النكبات والنكسات، بأننا في امتحان ومحنة ستزول مع الأيام والسنوات، وكنا نقول دائما إن الحرب دواليك يوم لنا والآخر لغيرنا، ونُصبّر أنفسنا بأن الفرج قريب، ولكن في هذا الزمن الذي لا نرى فيه وميضا، لا يبدو في الأفق أي أمل، ولو طفيف لفجر قريب. والذي لم يغتنم رياح “طوفان الأقصى”، لا يمكن أن يحركه أي طوفان آخر، مادام قد “نُكب” بنكبة الصمت.
(الشروق الجزائرية)