إبراهيم شقلاوي يكتب: 950 ميغاواط إلى الشبكة القومية
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
تُعد مشروعات البنية التحتية لاسيما في قطاع الطاقة، أحد المؤشرات البارزة على قدرة الدولة على استعادة وظائفها الأساسية، وترسيخ مفهوم السيادة الوطنية، خاصة في سياقات ما بعد الحرب أو خلال مراحل الانتقال السياسي. وفي الحالة السودانية، تُعتبر الكهرباء أحد أهم أعمدة إعادة بناء الدولة، وركنًا استراتيجيًا في معادلة الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا الإطار، يكتسب خبر توقيع عقد استئناف العمل بمحطة كهرباء “كلاناييب” أول أمس بمدينة إسطنبول التركية – بحسب ما أوردته Sudansawa – أهمية مضاعفة، من حيث كونه استئنافًا لمشروع متعثر منذ سنوات، بجانب ما يحمله من دلالات سياسية وإدارية، وتوقيت مهم في ظل تصاعد التحديات الأمنية، وركود أداء الدولة، وتآكل ثقة المواطن في المؤسسات الخدمية.
يُعد توقيع عقد استئناف العمل في محطتي كهرباء “قري وكلاناييب” – وهما من أبرز المشروعات الاستراتيجية بولاية الخرطوم والبحر الأحمر – خطوة مهمة، خاصة أن المشروع يعود إلى اتفاق سابق أُبرم عام 2016 بين الحكومة السودانية وشركة “سيمنز” الألمانية، لإنشاء محطتين بقدرة إجمالية تبلغ 950 ميغاواط.
ورغم تعثر المشروع بفعل المتغيرات السياسية، فإن توقيع العقد الجديد بإشراف مباشر من وزير الطاقة السابق، الدكتور محيي الدين النعيم، أعاد المشروع إلى واجهة الأولويات التنموية. وقد اعتبره عدد من المراقبين اختراقًا نوعيًا يؤكد إمكانية إعادة تنشيط المشروعات الكبرى متى ما توفرت القيادة الفنية والتمويل والإرادة السياسية.
كما هو معلوم تُشكل مشروعات الطاقة اليوم إحدى أدوات السيادة الفعلية، إذ أصبحت الكهرباء خدمة حيوية ومطلبًا يوميًا و معيارًا لقياس مدى التزام السلطة تجاه المواطن، ومؤشرًا على قدرة الدولة على الوفاء بوظائفها الأساسية.
وفي هذا السياق، تكتسب الزيارة السابقة التي قام بها رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، إلى محطة “كلاناييب” دلالة استراتيجية، كونها تؤكد وعي “حكومة الأمل” بأهمية ربط الملف السياسي بالتنموي، واعتماد مشروعات البنية التحتية كنقطة ارتكاز لإعادة بناء الثقة وتعزيز الشرعية التنفيذية. وهناك زيارات منتظرة لمشروعات تنموية أخرى.
يعكس اختيار موقع محطة “كلاناييب” ببورتسودان، إلى جانب محطة “قري” بالخرطوم، وعيًا بأهمية التوزيع الجغرافي العادل لمصادر الطاقة بين المركز والولايات. فبينما تدعم “قري” الصناعات التحويلية ومصفاة الخرطوم، تسهم “كلاناييب” في تعزيز قدرات الموانئ والصناعات البحرية، إضافة إلى إنتاج المياه النقية، ما يجعلها مرتبطة بشكل مباشر بحل مشكلة العطش في ولاية البحر الأحمر حيث تعد الكهرباء أداة أساسية لتحقيق التوازن الإقليمي وتعزيز الاندماج الوطني.
يرتبط مشروع “كلاناييب” برؤية أوسع وضعتها وزارة الموارد المائية والكهرباء عام 2015، تهدف إلى رفع القدرة المركبة إلى 6500 ميغاواط بحلول عام 2030، من خلال التوسع في المحطات الحرارية، والتوجه نحو مصادر الطاقة البديلة والمتجددة.
غير أن غياب الاستقرار السياسي أدى إلى تجميد التنفيذ، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول مدى قدرة الدولة السودانية على الالتزام بخططها الاستراتيجية. وكما هو معلوم فقد عانت مشروعات الكهرباء في السنوات الأخيرة من ضعف مؤسسي وغياب الرؤية، ولذلك فإن ما نشهده اليوم من محاولات لإعادة إحيائها يمثل فرصة تاريخية لإعادة تعريف دور الدولة التنموي .
وتُعد محطة “كلاناييب” نموذجًا على التقاء أهداف التنمية المستدامة، من خلال الجمع بين أمن الطاقة والأمن المائي، بما يفتح المجال لتوسيع التجربة في ولايات أخرى تعاني هشاشة خدمية مماثلة. كما أن إعادة المشروع إلى دائرة التنفيذ تمثل تجاوزًا للأبعاد التقنية نحو التوجه الاستراتيجي لرفع الكفاءة وجودة التخطيط.
اللافت أن توقيع العقد قد أطلق موجة من التفاؤل الشعبي، لما يُتوقع أن يسهم به في تحسين واقع المواطنين. ولا يمكن – بحسب مراقبين – إغفال الدور المحوري الذي لعبه وزير الطاقة السابق، الدكتور محيي الدين النعيم، في إعادة تفعيل مشروع “كلاناييب”، رغم التحديات المؤسسية والسياسية التي واجهها القطاع.
ويُعد النعيم من الكفاءات الوطنية المستقلة، ويتمتع بخبرة طويلة في مجالات الطاقة والتدريب والإدارة، إلى جانب تأهيل أكاديمي متنوع في القانون والإدارة. ويرى عدد من المراقبين أن إعادة تكليفه ضمن الحكومة الجديدة المرتقبة بمهام الوزارة، قد يسهم في تعزيز الاستقرار الفني والإداري لهذا القطاع، باعتباره قيادة متخصصة قادرة على تحويل الرؤية إلى واقع تنفيذي جاد وملموس.
ويبقى السؤال: بحسب ما نراه من#وجه_الحقيقة ، هل تمتلك الحكومة السودانية، في ظل بيئة سياسية واقتصادية هشة، ما يكفي من الإرادة والقدرة المؤسسية لترجمة هذه الرؤية وهذا العقد إلى واقع تنفيذي منتج؟ يسعف الناس سريعًا بإدخال 950 ميغاواط إلى الشبكة القومية التي ظلت تعاني منذ أن طالتها أيدي تمرد مليشيا الدعم السريع وداعميها العابثة.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الثلاثاء 1 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
محافظ بني سويف: محور الفشن الحر ينهي معاناة المواطنين بين شرق وغرب النيل
أكد الدكتور محمد هاني غنيم، محافظ بني سويف، أن مشروع محور الفشن الحر على النيل يُعد من المشروعات القومية الحيوية التي تُحدث تحولاً نوعيًا في حياة المواطن السويفي، ليس فقط على مستوى النقل، بل في دعم الاقتصاد المحلي وتوسيع نطاق التنمية العمرانية والزراعية في مناطق ظلت لعقود معزولة عن حركة التنمية الشاملة.
وأوضح المحافظ، خلال جولته الميدانية اليوم لتفقد أعمال المشروع النهائية، أن المحور يمثل نقلة حقيقية في نمط التنقل اليومي للمواطنين، حيث يُوفر بديلاً آمنًا عن المعديات النهرية التقليدية التي طالما عانى منها الأهالي بين ضفتي النيل، مشيرًا إلى أن المشروع سيسهم في توفير الوقت والجهد وتقليل معدلات الحوادث، ويخدم آلاف المواطنين من قرى ومراكز المحافظة، لاسيما الفشن وببا وسمسطا.
أضاف المحافظ أن المشروع يُعد خطوة فعلية نحو تنمية حقيقية بمناطق شرق النيل، حيث يفتح آفاقًا تنموية جديدة في الزراعة والنقل والصناعة، بما يُمهد الطريق أمام المستثمرين لإقامة مشروعات متوسطة وصغيرة، ويوفر المزيد من فرص العمل لأبناء المحافظة، فضلًا عن كونه ركيزة أساسية لتحسين حركة البضائع والخدمات وخفض تكلفة النقل الداخلي.
أشار المحافظ إلى أن المحور يُسهم في ربط مراكز الإنتاج الزراعي شرق النيل بمنافذ التوزيع والأسواق غربه، ما يُعزز كفاءة سلاسل الإمداد، ويحسن العائد للمزارعين، ويُقلل من الفاقد، لافتًا إلى أن المشروع يخدم شرائح واسعة من المواطنين من طلاب، وموظفين، ومزارعين، وسكان المناطق النائية.
أكد المحافظ أن المشروع يُعزز من الربط بين بني سويف ومحافظتي المنيا والفيوم، من خلال شبكة طرق استراتيجية، على رأسها محورا "عدلي منصور" شمالًا و"بني مزار" جنوبًا، تنفيذًا لرؤية القيادة السياسية لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، ودمج الصعيد في خريطة التنمية الوطنية.
واختتم محافظ بني سويف تصريحاته مؤكدًا أن ما يحدث على أرض المحافظة من مشروعات عملاقة، وعلى رأسها محور الفشن الحر، يُمثل ترجمة فعلية لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع الصعيد في صدارة أولويات الدولة، عبر مشروعات تخدم المواطن بشكل مباشر، وتُعزز من جودة الحياة والعدالة في توزيع مكتسبات التنمية.