رغم الانتهاكات ونهب المساعدات.. الغذاء العالمي يعود للعمل تحت عباءة الحوثي
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
بشكل مفاجئ وفي خطوة أثارت الكثير من التساؤلات والجدل، أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة عن استعداده لاستئناف أنشطته في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، بعد أشهر من التوقف جراء انتهاكات متكررة تعرضت لها برامجه من قبل الجماعة، بما في ذلك أعمال نهب وعرقلة متعمدة لعمليات الإغاثة.
وجاء إعلان العودة، بحسب وكالة "سبأ" بنسختها التابعة للحوثيين، على لسان القيادي الحوثي جمال عامر، المعين وزيراً للخارجية في حكومة الجماعة غير المعترف بها دولياً، حيث أفادت الوكالة أن عامر تسلم إشعاراً رسمياً من القائم بأعمال الممثل المقيم لبرنامج الأغذية العالمي، باي ثابا، يؤكد على "التحضير لاستئناف البرنامج صرف الدورة الثانية من المساعدات الغذائية الطارئة".
الخطوة الأممية أثارت دهشة المراقبين والناشطين في الشأن الإنساني، خاصة أن برنامج الغذاء العالمي نفسه سبق وأن اتهم الحوثيين بشكل مباشر بـ"سرقة الطعام من أفواه الجائعين"، في حين وثّقت تقارير دولية انتهاكات واسعة النطاق ارتكبتها الجماعة ضد البرنامج والعاملين فيه، من ضمنها نهب مخازن المساعدات، كما حدث في محافظة صعدة خلال مارس 2025. وإيضا مقتل أحد موظفي البرنامج أثناء فترة احتجازه داخل سجن في صعدة مطلع فبراير من ذات العام.
وأفادت مصادر إغاثية عاملة في صنعاء لـ "نيوزيمن" إن عودة برنامج الغذاء العالمي للعمل في مناطق سيطرة الحوثيين تمثل خطوة مثيرة للقلق، كونها تأتي دون أي ضمانات حقيقية لوقف الانتهاكات، أو توفير بيئة آمنة وشفافة لتوزيع المساعدات.وتؤكد المصادر أن القرار سيظل "مختطفاً" من قبل الجماعة، التي تعمل على توظيف المساعدات لصالح أجنداتها العسكرية والسياسية، من خلال حصر توزيعها على الموالين لها، أو استخدامها كأداة للابتزاز المجتمعي وإجبار الأسر على تقديم أطفالها للقتال، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية والإنسانية.
ويرى مراقبون أن هذا التطور يعكس ما وصفوه بـ"ازدواجية المعايير" في تعامل المنظمات الأممية مع جماعة الحوثي، خصوصاً أن إعادة تفعيل الأنشطة الإغاثية جاءت دون معالجة الملفات الشائكة السابقة أو إعلان آليات رقابة جديدة تضمن عدم تكرار عمليات النهب أو التلاعب بالمساعدات.
ومطلع يونيو الماضي قد شهد تطورًا لافتًا في مسار العلاقة بين برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة وجماعة الحوثي، إذ وافق البرنامج على تبني اشتراطات الجماعة المتعلقة بآلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرتهم. وبحسب وثائق وبيانات رسمية، فقد وافق البرنامج الأممي على اعتماد سلطنة عُمان كممر وحيد لدخول المساعدات، بدلاً من موانئ ومنافذ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وهو ما أثار انتقادات واسعة من منظمات وناشطين اعتبروا الخطوة "خضوعًا لضغوط الحوثيين".
وكانت جماعة الحوثي قد رفضت بشكل قاطع إدخال المساعدات عبر موانئ الشرعية، مشترطة أن تمر كافة الشحنات الإنسانية عبر سلطنة عُمان، حيث تنشط عدد من الشركات التجارية التابعة للقيادي الحوثي محمد عبدالسلام فليته، رئيس وفد الجماعة المفاوض. ووفقًا لبيان حديث صادر عن البرنامج، فقد أبلغت الجماعة المنظمات الإنسانية أنها "تسمح" بمرور المساعدات إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، لكن بشرط أن يكون مصدرها سلطنة عُمان فقط.
وتبنّى برنامج الغذاء العالمي هذه الشروط، وعممها على جميع شركائه الإنسانيين، داعيًا إلى أخذ هذا التوجيه "في الاعتبار" عند وضع خطط الطوارئ، وذلك لحين استئناف حركة الشحن إلى ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين.
وأشار البرنامج إلى أن نشاط الميناء ما يزال متوقفًا بسبب أضرار جسيمة لحقت به إثر غارات جوية منتصف مايو الماضي، متوقعًا استئناف العمل فيه بحلول يوليو المقبل. غير أن الحوثيين يصرون على أن تكون شحنات المساعدات القادمة إلى مناطقهم عبر المسار العماني فقط.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: برنامج الغذاء العالمی
إقرأ أيضاً:
التعليم في مناطق الحوثيين… المدارس تُنهب و أطفال الفقراء يقصون (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص
استقبل ملايين الطلاب اليمنيين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي المسلحة عاماً دراسياً جديداً، وسط ظروف اقتصادية خانقة، وواقع تعليمي متردٍ، وتخلي الجهات المعنية عن مسؤولياتها، في ظل هيمنة الجماعة على مؤسسات الدولة بما فيها قطاع التعليم.
ورغم ما أعلنته وزارة التربية والتعليم الخاضعة لسيطرة الجماعة عن “جاهزيتها الكاملة” للعام الدراسي الجديد 1447هـ، إلا أن الواقع الميداني يكشف عن أزمة مركّبة دفعت أولياء الأمور إلى خيارات قسرية، تتراوح بين رسوم حكومية باهظة لتغطية عجز الجماعة في سداد أجور المعلمين، وبين مدارس خاصة تحوّلت إلى مشاريع استثمارية على حساب التعليم، دون رقابة أو معايير واضحة.
حكومة أمر واقع تتخلى عن التعليم
تخلت وزارة التربية والتعليم التابعة للحوثيين عن التزاماتها الأساسية، وعلى رأسها طباعة المناهج التعليمية، حيث تُباع الكتب المدرسية في السوق السوداء وعلى الأرصفة، ما دفع البعض إلى السخرية من مشهد التدشين الرسمي للعام الدراسي.
وفي هذا الشأن، يقول المواطن عمر القاضي: “هل يُعقل أن يُفتتح عام دراسي بينما الطلاب يبحثون عن كتبهم في السوق السوداء؟ هذا لم يحدث في تاريخ اليمن. تحوّل التعليم إلى تجارة!”.
فيما أشار ناشطون إلى أن الوزارة تروّج لاهتمامات سطحية كتصنيفات الجامعات، بينما التعليم الأساسي ينهار تحت وطأة الإهمال وسوء الإدارة.
رسوم جنونية وتعليم متدهور
يواجه أولياء الأمور هذا العام قفزات غير مسبوقة في الرسوم الدراسية، وصلت في بعض المدارس الخاصة إلى 150 ألف ريال للصف الأول الأساسي، وأكثر من 280 ألف ريال للثانوي (الدولار = 530 ريالا)، وهي أرقام تفوق متوسط دخل الفرد، في وقت لا تُقدِّم فيه تلك المدارس تعليماً نوعياً أو كادراً مؤهلاً.
وفي هذا الشأم، يقول محمد القاسمي إن هذه المبالغ لا تشمل الكتب أو الزي المدرسي أو المواصلات، ما يجعل التعليم عبئاً يفوق طاقة الأسر، في وقت يعاني فيه المعلمون أنفسهم من أجور متدنية لا تتجاوز 75 ألف ريال شهرياً ( ما يعادل 140 دولار أمريكي)، رغم مؤهلات بعضهم العالية.
التعليم الحكومي.. خيار غائب
أما ضعف التعليم الحكومي، يتجه أولياء الأمور إلى المدارس الخاصة على مضض، رغم استغلالها البالغ، وفي هذا الشأن يقول بشير المهيوب: “المدارس الخاصة تفرض شراء الزي والحجاب والدفاتر من داخلها بأسعار مضاعفة، وتتعامل مع التعليم كسلعة، وليس كحق”.
في المقابل، تفتقر المدارس الحكومية إلى الكادر المؤهل بعد توقف الرواتب، وتكدس الفصول بأعداد تفوق الطاقة الاستيعابية، إلى جانب فرض رسوم تسجيل تصل إلى 1500 ريال شهرياً، ما يناقض مبدأ مجانية التعليم الحكومي.
نداءات غاضبة ولا آذان صاغية
إلى ذلك، طالب العديد من الناشطين والحقوقيين بضرورة تفعيل الرقابة على المدارس الخاصة، وتنظيم رسومها، ووقف استغلال الأسر. ويؤكد بدر الدين العلفي أن “الرسوم في المدارس الأهلية تفوق بعض الجامعات الدولية، بينما يتقاضى المعلمون الفتات. أين الرقابة؟ وأين الضمير؟”.
من جانبه، شدد محمد مقبل البخيتي على ضرورة تدخل الجهات الرقابية لفرض سقوف منطقية للرسوم، وتحسين جودة التعليم الذي لا يوازي المبالغ المدفوعة.
فيما أشار الناشط هشام سنان إلى أن إحدى الأسر دفعت 760 ألف ريال مقابل تسجيل خمسة أطفال في المرحلة الابتدائية في محافظة إب، وهو رقم يستحيل على غالبية المواطنين تحمله.
الانهيار يهدد مستقبل ملايين الأطفال
يأتي هذا الواقع المتدهور في سياق أزمة تعليمية حادة تشهدها مناطق الحوثيين، حيث أُفرغت المدارس الحكومية من محتواها، وتحوّلت إلى بيئة طاردة للتعليم، في حين تستثمر الجماعة في التعليم الخاص عبر أدوات تابعة لها، ما يجعل العملية التعليمية أداة للربح ووسيلة لبسط النفوذ الأيديولوجي.
وتؤكد تقارير رسمية سابقة أن جماعة الحوثي قامت بتحريف المناهج الدراسية بشكل يخدم مشروعها الطائفي، إلى جانب حرمان أكثر من مليوني طفل من التعليم، واعتقال أو قتل الآلاف من العاملين في القطاع.
ملايين خارج مقاعد الدراسة
وفق بيانات حديثة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، هناك نحو 4 ملايين طفل يمني خارج المدارس، بينهم 1.5 مليون فتاة، نتيجة للنزاع الطويل، وانهيار البنية التعليمية، والنزوح، والضغوط الاقتصادية.
أما صندوق الأمم المتحدة للسكان، فأشار إلى أن هذا الغياب يعرّض الفتيات بشكل خاص لمخاطر مثل زواج القاصرات، والحمل المبكر، ويُحرمهن من مستقبل تعليمي ومهني آمن.
لقد حوّلت جماعة الحوثي التعليم في اليمن من حق أساسي إلى امتياز طبقي، ووسيلة للابتزاز المالي والفكري، في ظل انهيار مؤسسات الدولة، وتجاهل تام لاحتياجات ملايين الطلاب، الذين يواجهون مستقبلاً غامضاً وتعليما هشا أدى إلى خروج الآلاف من الأبناء عن الدراسة وضياعهم بين البطالة والأشغال الشاقة وبين معسكرات الجماعة ومراكزها الصيفية ذات البعد الطائفي المهدد للأجيال.