طيور النورس.. رمزية أدب المرافئ والرحيل
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
د. إحسان الله عثمان
لطالما كانت الطيور رمزاً قويًا في الأدب، تتنقل بين السماوات الفسيحة، وتلامس مشاعر الإنسان بدلالاتها الغنية. ومن بين هذه الطيور تتمتع طيور النورس بمكانة خاصة في أدب المرافئ والرحيل حيث تتداخل رمزية هذه الطيور مع مشاهد البحر والسفر والمغادرة، لتجسد حالة الانتظار والبحث عن الأفق الجديد.
في العديد من النصوص الأدبية، تظهر طيور النورس كرمز للحرية والتنقل بين العوالم. فهي طيور تعيش بين السماء والماء، قادرة على التحليق فوق البحار المفتوحة أو الانزلاق بهدوء على سطح الماء بخفتها وعزلتها، ترمز إلى روح الإنسان الطموحة التي تتطلع دوماً نحو التحرر من قيود الأرض والبحث عن آفاق جديدة.
على مر العصور، ارتبطت طيور النورس بالرحيل الدائم. فهي زوار دائمون للمرافئ، تلك الأماكن التي يقف فيها البشر بين المغادرة والوصول. تراقب النورس السفن، وهي تأتي وتغادر، كما لو كانت شاهدًا صامتًا على مغامرات البشر ومرور الزمن وتغير الأحوال.
المرافئ كمساحة للانتظار
المرافئ، بطبيعتها، تمثل نقطة انتقالية في حياة الإنسان. فهي ليست الوجهة النهائية، بل مكان الانتظار بين مغادرة الحياة المعروفة واستكشاف العالم الجديد. في هذا السياق، تصبح طيور النورس جزءًا من هذا المشهد الانتقالي. تشكل مشاهد الطيور التي تحوم فوق المرافئ مزيجًا بين السكينة والتوتر، بين الاستعداد للرحيل والتردد.
في أدب الرحيل، تصبح طيور النورس رمزًا للحالة النفسية التي يمر بها المغادرون. فهي تعبر عن الرغبة في الطيران بعيدًا، وفي نفس الوقت تعبر عن الحزن الذي يصاحب الفراق. المرافئ هنا ليست مجرد أماكن جغرافية، بل هي مساحات ذهنية تنبض بمشاعر الانتظار والتساؤل عن المستقبل.
النورس في الشعر العربي والغربيفي الأدب العربي، استخدم الشعراء طيور النورس للتعبير عن الفراق والغربة. فعلى سبيل المثال، يرى البعض أن طيور النورس تمثل الشاعر نفسه، الذي يقف في منتصف الطريق بين العودة إلى أرضه أو التحليق نحو المجهول. كثيراً ما تكون هذه الطيور رمزية للحنين إلى الماضي والمقاومة ضد التيار المتلاطم من الأحداث والمشاعر.
أما في الأدب الغربي، فإن طيور النورس تظهر بشكل أكثر وضوحًا في أعمال الكتاب الذين يكتبون عن البحر والرحلات. قصصهم تتناول المغامرات البحرية وعلاقة الإنسان بالطبيعة، والمخاوف من المجهول. هناك، تكون طيور النورس تجسيدًا للحرية، ولكنها تحمل أيضًا نذيرًا بالخطر الذي قد يواجهه البحار في مغامرته.
طيور النورس وتجربة الرحيلتجربة الرحيل ترتبط في الأدب عموما بالتحولات النفسية العميقة التي يعيشها الإنسان. فعملية الرحيل ليست مجرد انتقال جغرافي، بل هي حالة من التحول الذاتي من مرحلة إلى أخرى في حياته. هنا يأتي دور طيور النورس في أدب المرافئ والرحيل كرمز لهذه التحولات. فكما تحلق النورس فوق الأمواج التي لا تهدأ، فإن الروح البشرية تتنقل بين مشاعر الفقدان والبحث عن الذات. النورس لا يجد مأواه في مكان واحد، بل يعيش متنقلًا بين السماء والبحر مثل الرحّالة الذي لا يتوقف عن اكتشاف العالم.
إن رؤية طيور النورس تحوم حول السفن المغادرة أو العائدة تجسد تلك اللحظة الانتقالية التي يشعر فيها الشخص بأنه معلق بين عالمين: العالم الذي يتركه خلفه، والعالم الذي لا يزال في طور الاكتشاف. أن هذا التوتر بين الماضي والمستقبل يظهر بشكل واضح في أدب المرافئ، حيث يكون المكان مساحة حية للمغادرة والانتظار، والبحر هو البوابة التي تقود نحو المجهول.
طيور النورس والبحث عن الحريةأدب الرحيل يرتبط في جوهره بفكرة الحرية. المغادرة غالبًا ما تكون نتيجة لرغبة عميقة في الانفصال عن قيود الواقع، في حين أن طيور النورس تظل رمزًا دائمًا لهذه الحرية المنشودة. فهي تحلق دون قيود، وتنتقل بين البر والبحر بحرية تامة، معبرة عن الإنسان الذي يسعى إلى التحرر من القيود الاجتماعية أو النفسية.
في النصوص الأدبية، نجد أن الطيور بشكل عام، وطيور النورس بشكل خاص، غالبًا ما ترمز إلى التوق إلى فضاءات أرحب. في بعض الأحيان، يمكن أن ترمز هذه الطيور إلى الأمل في حياة جديدة بعيدًا عن الضغوط والصراعات. وفي حالات أخرى، قد تكون هذه الحرية التي تسعى إليها النورس مؤقتة أو وهمية، حيث تعود إلى البر في نهاية المطاف، تمامًا كما يعود الإنسان إلى جذوره، حتى بعد فترات من الرحيل والانفصال.
الحزن والوحدة في صورة النورسرغم أن النورس رمز للحرية، إلا أنه يرتبط أيضًا بمشاعر الوحدة والغربة. ففي الأدب، كثيرًا ما تظهر هذه الطيور في مشاهد غائمة، أو على شواطئ مهجورة، وكأنها تشارك البحر والسماء عزلة لا نهاية لها. ترمز النورس هنا إلى الجانب الحزين من الرحيل، الجانب الذي يواجه فيه الإنسان مشاعر الفقد والاغتراب. فكما أن الطيور تعيش بين عالمين، فإن الرحّالة يعيش أيضًا في حالة مستمرة من الانفصال بين العالم الذي يتركه والعالم الذي يذهب إليه.
هذه العزلة التي تعيشها طيور النورس، وسط البحار المفتوحة، تجعلها رمزًا مثاليًا للحظة التي يشعر فيها الإنسان بأنه فقد الاتصال بعالمه القديم، ولكنه لم يصل بعد إلى العالم الجديد. هذه الحالة بين الحضور والغياب، بين المغادرة والوصول، هي جزء أساسي من تجربة الرحيل، وتجعل النورس رمزًا قويًا لهذه الرحلة النفسية.
النورس والعودة إلى المرفأفي بعض الأعمال الأدبية، تمثل طيور النورس الأمل في العودة. فهي كما تغادر المرافئ، تعود إليها في نهاية المطاف. تشبه هذه الدورة الطبيعية للطيور تلك الرحلات التي يقوم بها البشر، حيث يترك الإنسان منزله أو بلده سعيًا وراء المغامرة، ولكنه في النهاية يعود إلى المكان الذي بدأ منه. إن صورة النورس العائد إلى المرفأ تمثل هذه الفكرة بوضوح، فالعودة ليست مجرد نهاية للرحلة، بل هي بداية جديدة، حيث يتعلم الإنسان من تجربته، ويعيد تعريف علاقته بالمكان والزمان.
طيور النورس كرفيقة للإنسان في رحلته الوجوديةطيور النورس ليست مجرد عناصر طبيعية في مشهد البحر والمرفأ، بل هي تجسيد حي للرحلة البشرية التي تجمع بين الفراق والتوق، بين الحرية والوحدة. في أدب المرافئ والرحيل، تلعب هذه الطيور دورًا حيويًا في استكشاف تلك المشاعر المعقدة التي ترافق الإنسان في رحلاته الجسدية والروحية.
طيور النورس تقف على الحافة بين السماء والبحر، كما يقف الإنسان دائمًا على حافة الفراق واللقاء، المعلوم والمجهول. وهي بذلك تظل رفيقة الإنسان في رحلته، تعبر عن أعمق مشاعره وأكثرها تعقيدًا.
طيور النورس في أدب المرافئ والرحيل ليست مجرد طيور عابرة، بل هي رمز قوي للمغادرة والبحث عن الذات. تحمل معها دلالات تتراوح بين الأمل والقلق، بين الحرية والحزن. من خلال أجنحتها التي تلامس الأفق، تفتح أمامنا أبواب التساؤل حول معنى السفر والرحيل، وما تحمله لنا المرافئ من قصص لم تُروَ بعد.
الوسومد/ إحسان الله عثمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: العالم الذی طیور النورس هذه الطیور والبحث عن النورس فی لیست مجرد فی الأدب
إقرأ أيضاً:
التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
تظل التعبيرية في الأدب على اختلاف المكان والزمان تشكل نزعة شمولية صارخة تطمح إلى الكشف بطريقة درامية ومؤثرة عن معاناة الإنسان المعاصر، وتنعكس آثارها على النتاج الأدبي بشتى أنواعه، وتمتد لتشمل الفنون الأخرى كالرقص والرسم والموسيقى.
والتعبيرية بمعناها اللغوي تعني تصوير ما يعتمل في النفس الإنسانية من مشاعر محيطة، وإحساسات مقهورة واعية وغير واعية، يتضح من خلالها جوهر الإنسان وحقيقة ذاته الحية بأنماطها الغريزية والخلقية، ولا يعني ميلنا إلى التفسير اللغوي المبسط للتعبيرية أنها نزعة انطوائية مرتدة إلى الداخل، وإنما هي من أرحب الحركات الفنية استيعاباً لأعباء الأنا الجماعية، واستقطاباً لما يحيط بها من إرهاصات وتحديات يجتمع على تجسيد انعكاساتها أكثر من كاتب وفنان.
ولتوضيح هذه الظاهرة المرحلية الغامضة في الأدب العالمي، لا نجد أنسب من هذه الفقرة التي يسوقها الدكتور عبد الغفار مكاوي على لسان الناقد "هرمان بار" الذي كان من أبرز المعاصرين للحركة التعبيرية ومن أكثر الداعين لها حماساً، بقول بار "الإنسان في هذه الفترة يصرخ بحثاً عن نفسه، والعصر كله أصبح صرخة واحدة تنطق بالمحنة، والفن كذلك يصرخ معه ويطلق صيحته في أعماق الظلام، يستغيث يستنجد بالروح" وهذه هي التعبيرية.
لقد اختلف النقاد ومؤرخو الأدب في تحديد مكان نشأة التعبيرية وزمانها كحركة فنية قائمة بذاتها، إلا أن معظمهم يقر بأن ألمانيا هي المنبع الأول لهذا النهج الفكري الوجداني الصارخ، والذي يرفض جميع المعالجات السطحية لخلفية القضايا الإنسانية ومكوناتها الداخلية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2التشادي روزي جدي: الروایة العربية طریقة للاحتجاج ضد استعمار أفريقياlist 2 of 2“أسرار خزنة” ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولوجياend of listفبعد أن ظهرت نظريات فرويد ونضجت تجاربه في ميدان التحليل النفسي، أخذ نفر من الكتاب الساخطين يلتقطون باهتمام لاهف هذه الاستكشافات الباطنية ليوظفوها في كتاباتهم، كما أخذوا يغوصون في أعماق النفس البشرية، ويحيلون انطباعاتهم المضطربة والمتوترة إلى صرخات واحتجاجات معبرة تتصدى بعنف لانجراف الحضارة التكنولوجية المادية، هذه الحضارة التي أحالت القيم والمثل الأخلاقية إلى أرقام ومعادلات مدرجة في جداول الربح والخسارة من وجهة نظر الأفكار النفعية.
إعلانوبهذا فقد ظهرت التعبيرية أواخر القرن الـ19 دعوة إلى الاهتمام باختزانات النفس الاجتماعية والسياسية، ثم تحددت هذه الحركة بشكل أقوى وأعم في الربع الأول من القرن العشرين، حيث اندفع المزيد من الشباب الألمان ما بين 1915 و1925 ليرفعوا أصواتهم عالياً، وليحشدوا صيحاتهم التعبيرية في جو دخاني فاسد زاخر بالصراعات القومية الطاحنة، والتيارات المادية الضاغطة، والويلات الناجمة عن الحرب العالمية الأولى.
ففي مجال الشعر ظهرت في ألمانيا 3 أصوات شابة جعلت من القصيدة لوحة صارخة الألوان، متسمة بالإيحاء، مليئة بالاحتجاج على زخمة الواقع، غنية بالشوق إلى عالم يوتوبي جديد يتسم بالمثالية والنقاء المنشود.
وتتمثل هذه الأصوات البارزة في أشعار كل من "جورج هايم" و"جورج تراكل" و"جو تغريدبن" ونكتفي في هذه العجالة أن نورد مقطعاً من قصيدة "هايم" قام بترجمتها ملكاوي في كتابه "التعبيرية" وذلك للتدليل على طبيعة الشعر التعبيري في مقطع يصف فيه الشاعر آلهة الحرب في الطغيان والجبروت، فيقول:
"نهض من رقاده
من طال نومه
نهض من الأقباء المنخفضة العميقة
يقف في الشفق ضخماً ومجهولاً
يسحق القمر في اليد السوداء"
أما في مجال الرواية والقصة القصيرة، فمع أن الإبداع التعبيري كان أقل أثراً من غيره وأبطأ نظراً لما تحتاجه طبيعة العمل القصصي من أناة وتدبر، ومع ذلك فقد برز في هذا الميدان عدد لا بأس به من كتاب القصة بتقدمهم كل من "ألفريد دوبلين" و"كاريل آينشتاين" و"فرانز كافكا" الذي كان على اتصال وثيق بالروائيين التعبيريين، بالإضافة إلى "روبروت موزيل" و"توماس مان".
المسرح التعبيريأما على صعيد المسرح، فقد كانت الحركة التعبيرية أكثر بروزاً وتبلوراً، حيث أعلن رواد المسرح التعبيري ثورتهم على الدراما الكلاسيكية المقتدية بكل من "ليسنج" و"غوته" و"شيلر" كما رفضوا المذهب الطبيعي المتمثل في المنهج الواقعي عند "إبسن".
وإن كان للتعبيريين دور ظاهر في حقل الشعر والقصة، فإن دورهم على خشبة المسرح كان أعظم أثراً في بث روح الحيوية والإثارة في طبيعة الأداء المسرحي الذي طالما سيطرت عليه الرتابة المملة، والقيود التقليدية المتحكمة في التأليف والإخراج، فجاء حصاد الكتاب التعبيريين في حقل الدراما فائضاً بكل دفعات الاحتجاج المنتصرة لإرادة النفس الإنسانية، ولمعاناته العاطفية والذهنية.
ولم يبدأ هؤلاء المسرحيون المجددون من الفراغ، فقد وجدوا في أعمال الكاتب المسرحي "جورج بوشنر" ما يغذي طموحهم كما وجدوا في إنتاج "سترند برغ" و"فرانك ديكند" الكثير من الصراعات الداخلية والاتجاهات التحليلية الزاخرة بالرموز التعبيرية والمونولجات المتعددة الطويلة.
وقد جاءت المسرحية التعبيرية مستمدة من دوي الحرب وصخب التقدم التكنولوجي وحمى التعصبات القومية المتصاعدة، ومن الطبيعي أن يتميز هذا اللون من المسرحيات بالرفض الصارخ والتمرد على الواقع المعاش، والحنين الجارف إلى عالم هادئ جديد يستعيد فيه الإنسان جوهره المفقود.
إن قراءة أولية لبعض المسرحيات التعبيرية تجعلنا نتوصل إلى أن المسرحية التعبيرية قد تشكلت على خشبة المسرح بسمات فنية جديدة تقوم على التجريب، وبوسعنا أن نلمس هذا التجديد والتجريب في بعض المسرحيات التي تركها "بروتولد برخت" لعشاق المسرح التعبيري رغم انشغاله بالشعر الملحمي والمسرح الذهني، وهي "طبول الليل" و"أحراش المدن" و"القروش الثلاثة".
إعلانكما يشير الدكتور مكاوي -في دراسته للمسرح التعبيري في ألمانيا- إلى أن المسرحية الثلاثية "غاز" للكاتب "جورج كايزر" تعتبر نموذجاً فريداً للمسرحية التعبيرية الغنية بالمواقف المتصارعة والإيحاءات العميقة الموحية.
وفي كتابه "أشهر المذاهب المسرحية" يتعرض الناقد دريني خشبة لأبرز السمات الفنية التي تمتاز بها المسرحية التعبيرية عن غيرها، ويهمنا أن نزاوج بهذا الصدد بين ما أورده خشبة وبين ما تكوَّن لدينا من انطباعات واستنتاجات قرائية لنماذج من المسرح التعبيري على صعيد العمل الدرامي الذي أصبح في مقدمة الفنون الأدبية.
تدور أحداث المسرحية التعبيرية عادة حول شخصية محورية تحمل في ذاتها مشكلة تنعكس آثارها السيكولوجية على حركات البطل ومنطوقاته. أما بقية الشخصيات فهي بعيدة عن الضوء متحركة في الظل، وإذا ظهرت فهي تظهر ظهوراً جانبياً، يأتي مساعداً لدور الشخصية المحورية وخادماً للفكرة العامة.
وفي المسرحية التعبيرية يستريح البطل لالتقاط الأنفاس، ومن ثم يواصل الحركة في الطريق المرسومة والمؤدية إلى الخلاص من الأزمة الحادة والتي يكون البطل المحوري قد طرح أبعادها على الجمهور منذ البداية، وبشكل عاطفي مثير يهدف إلى إيجاد الاندماج بين المسرح والجمهور.
ولا يعني هذا أن المسرحية التعبيرية -لدى محاولاتها لامتلاك وجدان الجمهور- تعتمد على بهرجة شكلية أو تصنُّع ميلو درامي في الأداء، وإنما تأتي بطبيعتها مشحونة بالصرخات العميقة المتزنة والإيماءات الصادقة المصحوبة بإيقاع معبر إلى جانب الحيل المسرحية والأقنعة والتحولات الضوئية من جانب إلى آخر، حيث يشكل عنصر الإضاءة ركيزة أساسية في إخراج المسرحية التعبيرية، فيتعاون كل من المؤلف والمخرج ومهندس الإضاءة على تسليط الأضواء على البطل المحوري، وذلك بما يتناسب مع الحالة النفسية التي يمر بها، فنرى المشاهد حافلة بالإنارة والتعتيم، ورسم الخيالات والظلال والأشباح، حيث يساعد ذلك كله في الإيحاء بأسرار النفس وخلجاتها المكبوتة.
وفي معرض التمرد الحر على الكلاسيكية الرتيبة، ونتيجة للاحتجاج الشامل على المدرستين الطبيعية والرمزية الغامضة، لم يكن كتاب المسرح التعبيري في حاجة إلى شخصيات فردية خاصة وتقديمها بأسمائها المحددة وبصورتها الطبيعية، ولذلك نراهم قد مالوا إلى رسم الصورة النموذج للشخصية، واكتفوا بإسداء الألقاب عليها كالأب والابن والرجل والشبح والرئيس وهكذا.