لجريدة عمان:
2025-10-13@01:14:07 GMT

فلسطين مفهوم القوة والوعي الشقي

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

لم يعد بالإمكان السكوت على فرضية "نهاية التاريخ" فهي مقولة يراد بها ممارسة الإيهام كونها تشير إلى يقينية غير علمية بل وتقف ضد أي معرفة، مقولة تستبطن تعميمية مطلقة، شعار يتغذى على القول بأن العالم غير قابل للتعدد، وأنه لا مجال لأي عقيدة سياسية في عالم اليوم، إلا عقيدة القوة، إنها النظرية التي تريد إقناعنا باستحالة بروز أي نظرية أخرى تؤمن بالأخلاق فوق القوة، وينبغي على العالم أن يرضخ أمام الليبرالية الجديدة.

ولذا فإن أي مجهود بحثي يتملى فهم التحولات الكبرى التي تجري في موازين القوى ينبغي عليه ألا يتجاوز محاولة فهم هذه العقيدة وأفقها المغلق على معنى وحيد في الاقتصاد والسياسة والعلوم الإنسانية كافة، بل ويتصدى لها ويكشف زيفها وتهافتها، فهي القائلة أنه وللحفاظ على العالم الحر فلتكن الكلفة أعلى من أي توقع طالما أنها ستوفر للغرب مصالحه، في بناء العالم وتدبيره.

إن مفهوم "القوة" مركزي في التفكير الغربي، وأنه يجب العمل على تحقيق أكبر قدر من الهيمنة، والطمع في إسقاط أي شكل مستقل للمعرفة والسلطة، ولأجل ذلك فالعمل دؤوب لدى مؤسسات التفكير والبحث في أوروبا وأمريكا لتعميم حضورها عبر صناعة ناطقين باسم ظاهرة القوة الغربية في أوساط المثقفين العرب، إنها المرحلة الثانية من إنجاح الغزوة الليبرالية والتي تتصدى أول ما تتصدى لخصوصية هذه المجتمعات، وتضرب فيها أفق التأمل الحر أو الإرادة المنبعثة من حقائق واقعها الاجتماعي والسياسي، ولذا فإن العقل الغربي شغوف بتغيير طبائع الوعي العربي، ويشغله جداً أن يصاب هذا العقل بالشلل الفكري، وأن يُرغَم على تصديق منظومة الغرب التي تعبد القوة وتستأنس لنفسها صيغ أخلاقية براغماتية، هي مشاغل الغرب تجاهنا وأول ما يتصدر هذه المشاغل هو تجذير صورة الغربي كونه القوة التي لا تقهر، القوة المدججة بالعلم، وأن العرب لا ينبغي لهم أن يملكوا هذه القوة إلا بكمية محدودة، فكلما زاد ما يملكه الآخر (=العرب) قل ما تملكه هي، هذا إن كان يملك السلطة المعرفية في مجتمعه من الأساس. ونظرية الغرب تقوم على أن إعطائك المزيد من القوة يعني فقدانه السلطة، وهي السلطة التي ترتكز لا على علاقات من توازن، يشترط أن تظل علاقات تبادلية داخل السياق، بل هي تبادلية الهيمنة/التبعية؛ إنها قوة تُمارس سلطتها على العقل العربي بتوجيهه من على البعد.

إننا نريد في هذا المقال أن نشير إلى أن الإطار الفكري الذي يعمل بموجبه العقل السياسي العربي يعيش حالات من العزلة عن وسطه الاجتماعي، ولذا فإن الملمات الكبرى في واقعنا يجري التصدي لها بشكل رغائبي يفتقد أدنى درجات المعقولية، دع عنك العقلانية النقدية، وفي علاقات القوة هذه (الغرب/العرب) فإن الحقيقة التي ينبغي أن نعيها هي أن أنظمتنا الاجتماعية غير قادرة بعد على فهم كيف يدبر الآخر (الغربي) صورتنا عن مفاهيم مثل: القوة،العدالة،الحق...إلخ، إذ هي المسائل الأولى في أي سياق اجتماعي يريد أن يفهم العالم، فهذا الغرب يبني منظومته المعرفية على أساس مادي، وهذه المادية هي الحقيقة الوحيدة في تنظيره للسلطة والهيمنة، رغم أن المادة لا تحمل معنى في ذاتها، لكن هذا العقل الغربي وعبر مراحل تطوره المختلفة استطاع أن يصنع أسطورته التاريخية والتي تجعل من الخطر (=الفناء) القضية التي ينبغي الترويج لها باستمرار، بل والقضاء على كل من يتربص بقيمه وعقيدته الفلسفية.

إن بلاغة الليبرالية تتجلى في صناعة العدو ووضعه دائماً في إطار من المواجهة معها، ولذا فإن أي حديث عن أخلاق للقوة في المفهوم الغربي لا تعدو إلا محاولة تبسيطية لفهم هوية هذا العقل، وإطاره المفاهيمي، والذي يجب ترويجه أن الغرب في خطر داهم ويواجه أعداء افتراضيون يعملون على القضاء على جنته المصنوعة بعناية التدليس، وهذا يفسر لك لماذا يسكت العقل الغربي عن عنف الآلة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، يسكت لأنه استطاع أن يجعل من قضية (المجتمع الغربي في خطر) مصدر كل فاعليته السياسية، وهنا فالقوة سوف تتجرد من أي قيمة أخلاقية طالما أنها تدافع عن قيم الغرب التي باتت لها الكلمة العليا في راهن البشرية. فإذا مات الآلاف من أطفال فلسطين فهم ليسوا إلا آثاراً جانبية لدواء ينبغي أن يتجرعه العربي المتخلف، العربي الذي تراه يدس خنجره المسموم لينال من جسد الحضارة والتقدم، وهنا لتقتل إسرائيل من تشاء طالما أنها تحقق نظرية (القوة بالفعل)، ولا مجال لأية محاسبة أخلاقية، فالقوة أولاً وأخيراً.

إن أزماتنا على الصعيد العربي هي بنت مشكلات الوعي فينا، فلا يزال العقل العربي يعيش حالات من الرغائبية دون أن يتفهم طبيعة الصراع، وموازين القوى، إننا بالفعل نعيش إنكار للواقع، وهو واقع مليئ بالتفكير المقلوب، أو لنسميه "الوعي الشقي" فالذي يصيبنا من مآسي مرده في المقام الأول نظرتنا غير الواقعية للعالم والأشياء، نحن لا نزال نؤمن بفرضيات غير متحققة في الواقع، وأهم هذه الفرضيات، فرضية حقنا المهدور من قِبل ظلم العالَمْ، انه الاستثمار في المظلومية، وفي الوقت ذاته الظن بأننا على حق، ونحن في الحقيقة على حق، لكن أي حق غير محروس بالوعي هو حق محروق بذاته، حق غير قادر على أن يبصر السبيل إلى الإعلان عن نفسه، والحل يبدأ من تحرير العقل العربي من طرائق تفكيره الخرافية إلى بناء منظومته من الوعي القادر على توفير الشروط الموضوعية لنيل الحقوق المهدورة..

الحل في العقلانية والتخلص من التفكير بالرغبة.

• غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

فيلم "Wonder Man" يشعل الجدل ويعيد التفكير في مفهوم البطولة

فيلم .. أطلقت استوديوهات مارفل أول مقطع دعائي لفيلمها المرتقب "Wonder Man"، في خطوة أعادت الحماس إلى جمهور عالم مارفل السينمائي بعد فترة من التراجع. 

ويجسد النجم يحيى عبد المتين الثاني الدور الرئيسي، مقدمًا شخصية سيمون ويليامز، ممثلًا ومؤدي حركات بهلوانية يجد نفسه في قلب دوامة من الشهرة والخيال البطولي داخل هوليوود.

تقديم رؤية جديدة لعالم الأبطال

يعرض المقطع الدعائي رؤية مبتكرة لعالم الأبطال الخارقين، حيث يدمج بين السخرية من صناعة السينما ونقد هوس الشهرة، ما يجعله مختلفًا عن المعتاد في إنتاجات مارفل. 

ويظهر سيمون ويليامز وهو يواجه عالماً بدأ يفقد فيه حتى الأبطال بريقهم، في انعكاس واضح لحالة الإرهاق التي أصابت جمهور أفلام الأبطال الخارقين خلال السنوات الأخيرة.

انتقاد جريء من داخل المنظومة

يكشف التريلر عن وعي ذاتي غير مألوف في أعمال مارفل، إذ يقدّم تعليقًا لاذعًا من "مخرج خيالي" حول تعب الجماهير من الأبطال الخارقين، في إشارة واضحة إلى الانتقادات الواقعية التي واجهتها الاستوديوهات بسبب تكرار الصيغ السردية. 

ويبدو أن العمل يسعى لاستخدام نفس أدوات مارفل التقليدية في نقدها الذاتي، ما يمنحه نغمة ساخرة ومتفردة.

عودة وجوه مألوفة وربط بالعالم الأوسع

يشهد المسلسل عودة الممثل بن كينجسلي بدور تريفور سلاتري، الذي سبق أن ظهر في أفلام Iron Man 3 وShang-Chi. 

ويضيف وجوده لمسة من الفكاهة والاتصال المباشر بعالم مارفل الأوسع، في حين يمنح المشروع بعدًا ميتاسرديًا يربط بين الخيال والواقع الفني.

محاولة لاستعادة الثقة

تسعى مارفل من خلال "Wonder Man" إلى استعادة ثقة جمهورها بعد سلسلة من النتائج المتفاوتة منذ فيلم Avengers: Endgame. 

وبينما حافظت أفلام مثل Spider-Man: No Way Home وDeadpool vs Wolverine على النجاح، لم تحقق مشاريع Disney+ نفس التأثير. ويبدو أن الاستوديو يعيد صياغة استراتيجيته استعدادًا للمرحلة المقبلة من السلسلة، التي ستقود إلى أفلام Avengers: The Kang Dynasty وSecret Wars.

مراهنة على التجريب والوعي الذاتي

يؤكد أسلوب المقطع الدعائي أن "Wonder Man" لا يخشى السخرية من نفسه ولا من عالمه. ويقارن كثيرون نبرته بأعمال مثل The Studio وThe Franchise، ما يشير إلى أن مارفل تراهن على عمل تجريبي واعٍ بذاته قد يعيد تعريف سرد الأبطال الخارقين.

يبقى السؤال مطروحًا حول ما إذا كانت هذه المغامرة الفنية ستنجح في إنعاش عالم مارفل، لكن من الواضح أن "Wonder Man" أعاد إشعال الفضول من جديد حول مستقبل هذا الكون السينمائي المتشعب.

مقالات مشابهة

  • فرحة بمخيمات غزة.. شعب فلسطين يهنئ منتخب مصر بعد التأهل لـ كأس العالم
  • تأييدًا لـ فلسطين.. تظاهر الجماهير قبل مواجهة النرويج وإسرائيل
  • طهران: القوة البحرية للجيش الإيراني ركيزة أساسية لتوسيع العلاقات مع دول العالم
  • فيلم "Wonder Man" يشعل الجدل ويعيد التفكير في مفهوم البطولة
  • المدن التي دمرتها الحروب حول العالم.. غزة في المقدمة
  • إليسا: فضل شاكر من أهم الأصوات في العالم العربي
  • ميقاتي: تحية للدكتورة لينا الطبال التي عبرت عن تضامننا جميعاً مع أهل فلسطين
  • برلماني: رفع علم مصر في غزة ترجمة لمكانتها في الوجدان العربي ودورها في دعم فلسطين
  • «رفعات القوة» يشارك بـ10 لاعبين في بطولة العالم البارالمبية
  • المنتخب الليبي لرفعات القوة البارالمبية يحقق إنجازًا تاريخيًا في بطولة العالم بالقاهرة