أسبوعان يفصلانا عن الانتخابات الأمريكية، التي يمكن عدّها الأكثر سخونة منذ نهاية الحرب الباردة. فالمجتمع الأمريكي، الذي يزداد انقساماً منذ انتخابات 2016، أضحى معتاداً على النزال بين المرشح دونالد ترامب ومرشح ديمقراطي رأس ماله يتلخص في «انتخبوني حتى لا تتورطوا في ترامب».
فشلت هيلاري كلينتون في المرة الأولى، وأفلح جو بايدن، الأضعف منها، لاحقاً بفضل حنق الأمريكيين على تبعات فيروس «كوفيد-19»، الذي أثبتت الأيام أن بايدن لم يكن أفضل من سلفه في إدارة أزمته.يحاول الإعلام التركيز على القضايا الداخلية مثل الإجهاض، والهجرة غير النظامية، والتضخم، والضرائب، وغيرها. وحتى إعلانات موقع «يوتيوب» تركّز على مهاجمة ترامب وهاريس ومرشحي حزبيهما للكونغرس في كل ما يتعلق بتلك السياسات. غير أن الواقع يقول إن ما ستحدد موقف الناخبين المتأرجحين هي قضايا السياسة الخارجية، وفي طليعتها حربا أوكرانيا وغزة.
زجّت السياسة الأمريكية، بقيادة بايدن، بأوكرانيا لمواجهة غير متكافئة دفع ثمنها الشعب الأوكراني قتلاً وتشريداً. وبعد قرابة الثلاث سنوات، لا يزال موقف موسكو ثابتاً؛ لا «ناتو» على حدودنا. بالمقابل، فإن حلفاء واشنطن الأوروبيين يدفعون أثماناً سياسية واقتصادية أرهقتهم بشكل لم يكونوا يتصورونه. فأسعار الوقود غير مسبوقة، وتكلفة اللاجئين في ازدياد، ولا نصر عسكرياً أو سياسياً يلوح في الأفق، بل لا قرار في يد الاتحاد الأوروبي الذي ينتظر من واشنطن توجيه كييف للقبول بوقف الحرب الذي يعني الهزيمة.
وفي الشرق الأوسط، وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضالته في إدارة أمريكية ضعيفة ترسل له المعونات من دون أن يكون ملتزماً بالاستماع لتوجيهات حليفه، بل ليس ملزماً بالتنسيق معه في كثير من الأحيان. وبعد عامٍ كامل من بدء الحرب، توسّعت ميادينها لتضم محور الممانعة التابع لإيران، ولم يبقَ سوى المواجهة المباشرة بين تل أبيب وطهران، التي قد تحدث في أي وقت قبل الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يوم الاقتراع الأمريكي.
ينظر الأمريكيون لحكومتهم الفيدرالية ولسان حالهم يتساءل: أما زلنا القوى العظمى والقطب الأوحد؟! هذا التساؤل الشعبي تتم تغذيته من خلال حملة الحزب الجمهوري بقيادة ترامب، الذي يسخر من إدارة الديمقراطيين، ويصفهم بالعجز عن وضع الولايات المتحدة في مكانها الطبيعي بوصفها قوة عظمى قادرة على التفاوض مع روسيا، وكبح جماح إسرائيل.
يردد ترامب أنه لو كان في البيت الأبيض لما غزت روسيا أوكرانيا، ولما استمرّت حرب غزة أكثر من عام لتتوسع دائرتها كما نشهده اليوم. وقد يرى البعض في تصريحات ترامب شيئاً مما فعله بايدن في الانتخابات السابقة، حينما حمّل إدارة ترامب مسؤولية وفاة أكثر من مليون شخص بفيروس «كوفيد-19»، في الوقت الذي عجز فيه هو عن أن يصنع الفرق.
في خضم هذا الصراع الانتخابي، تقف المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في موقف لا تُحسد عليه. فكل تصريحاتها فيما يخص الحربَين - في أوروبا والشرق الأوسط - لا تعدو أكثر من تعهد باستمرار السياسة الحالية التي لم تحقق انتصاراً للحليف، ولا حقناً لدماء الأبرياء؛ بل إن المقبل يبدو أسوأ في الميدانَين.
هذا الأسبوع، زارنا في ولاية ميشيغان، التي تقطنها جالية عربية كبيرة، كلا المرشحين. وقد حاول كل من ترامب وهاريس أن يسوِّق بضاعته للناخبين في الولاية، لا سيما العرب منهم.
حاولت هاريس تسويق نفسها بشعار «حان الوقت لإنهاء المعاناة»؛ تقصد بذلك معاناة أهل غزة. وهي نفسها التي صرَّحت، في أول لقاء لها بعد تسميتها مرشحةً رئاسيةً عن الحزب الديمقراطي خلفاً لبايدن، قائلة: «لن أعدّل سياسة الرئيس جو بايدن بشأن الدعم العسكري لإسرائيل».
أما ترامب، فقد أعلن افتتاح مقر انتخابي في بلدة هامتراميك، ذات الغالبية العربية والعمدة العربي عمرو غالب الذي وصف زيارة ترامب بأنها «تعبير عن تقديره للمجتمع العربي». ترامب نفسه الذي كان من أوائل قراراته الرئاسية في 2016 حظر دخول مواطني سبع دول مسلمة الولايات المتحدة.
المفارقة بين تصريحات المرشحَين وأفعالهما فيما يخص العرب والمسلمين لا تختلف كثيراً عن المفارقة في تحول المواقف عند السياسيين الأمريكيين، الذين ضربوا رقماً قياسياً هذا العام في تحويل الدعم لمرشح الحزب الآخر. فلدى هاريس جمهوريون يدعمونها، ولدى ترامب ديمقراطيون يدعمونه، وعمرو غالب العمدة العربي أحد أولئك الديمقراطيين الذين يجاهرون بدعم مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة.
هذه الانتخابات تعزز انقسام الشعب الأمريكي الذي ينظر للبيت الأبيض متحسراً على الأيام التي خلت عندما كان الرئيس رمز وحدة الشعب وقوة البلاد التي تمتلك الترسانة العسكرية الأقوى في العالم.
المعطيات المنطقية تقول بفوز ترامب الذي قد يعيد بعضاً من الهيبة لواشنطن، غير أن المفاجأة ممكنة. وبين ترامب الغاضب، وهاريس الضعيفة، تستمر واشنطن في البحث عن مكانتها المفقودة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الانتخابات الأمريكية
إقرأ أيضاً:
اعترف بالحقيقة.. مسؤول سابق بإدارة بايدن: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة
قال المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، إنه يعتقد أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في غزة، رغم نفيه ذلك خلال المؤتمرات الصحفية التي عقدها بصفته الرسمية في عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
وقال ماثيو ميلر، لقناة سكاي نيوز البريطانية: "لا شك أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب".
وأصر ميلر على أنه لم يكن بإمكانه التعبير عن مثل هذا الرأي أثناء عمله كمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية.
وقال "عندما تكون على المنصة فإنك لا تعبر عن رأيك الشخصي، بل تعبر عن استنتاجات حكومة الولايات المتحدة".