لجريدة عمان:
2025-08-02@22:05:02 GMT

شلل الأطفال يهدد غزة

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

في شهر أغسطس الماضي، سُجلت أول حالة إصابة بشلل الأطفال في غزة منذ أكثر من 25 عاما، لدى طفلة رضيعة تبلغ من العمر عشرة أشهر لم يتم تطعيمها من قبل، أصيبت ساقها اليسرى بالشلل بسبب الفيروس. غمرني الحزن والإحباط عندما سمعت الخبر لأول مرة. إنه لأمر فظيع أن يُسمح لشلل الأطفال بالعودة إلى الظهور في غزة بعد القضاء عليه تقريبا في جميع أنحاء العالم، وهو مرض شديد العدوى، ويمكن أن يسبب الشلل وفشل الجهاز التنفسي وانهيار القلب والأوعية الدموية وحتى الموت.

بدأت منظمة الصحة العالمية ومجموعات أخرى حملة ضخمة لتطعيم أكثر من 640 ألف طفل في غزة. وبصفتي عاملا إنسانيا في منظمة المعونة الطبية للفلسطينيين، فأنا جزء من هذا الجهد. وقد عملت بلا كلل مع فريقنا ومنظمة الصحة العالمية لمراقبة جودة عملية التطعيم. إن تطعيم مئات الآلاف من الأطفال في منطقة تتعرّض لهجوم مستمر يشكل مهمة شاقة، خاصة أن الأمر يتطلب جرعتين يفصل بينهما بضعة أسابيع. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الصعوبات، تمكنا من إعطاء الجرعات الأولى من لقاح شلل الأطفال لـحوالي 559 و161 طفلا. وقد شجعني عدد الآباء الذين يناضلون لحماية أطفالهم من شلل الأطفال في مثل هذه الظروف الخطيرة، وأنا فخور بالعمل في هذا الجهد الضخم للصحة العامة.

ولكن التهديدات المستمرة لحياة هؤلاء الأطفال أمر محزن ومحبط. فقد وافقت القوات العسكرية الإسرائيلية على سلسلة من «التوقفات الإنسانية» في مواقع مختارة لحملة التطعيم. ولكن ما هو المنطق وراء السماح بتطعيم الأطفال ضد شلل الأطفال اليوم، في حين أنهم سوف يتعرضون غدا لخطر الإصابة بالكوليرا أو مرض آخر؟ أو سوف يتعرضون لضربات القنابل أو الأسلحة الأخرى؟ أو سوف يتعرضون للموت جوعا؟ إن الاحتفال بنجاح حملة التطعيم ليس له معنى في حين تظل المخاطر الأخرى التي تواجه الأطفال في غزة قائمة. وبسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي، فإننا نشهد ظروفا قد تسمح للأمراض المعدية بالانتشار في جميع أنحاء غزة والانتشار إلى بقية المنطقة.

لقد تضررت أو دمرت نحو ثلثي مباني غزة على يد الجيش الإسرائيلي، كما أدى حصارها إلى قطع الطرق إلى الغذاء والمياه والكهرباء إلى حد كبير. كما نزح نحو 1.9 مليون شخص من منازلهم، بمن فيهم أنا، وقُتل أكثر من عشرة آلاف طفل. كما تعرضت المستشفيات للقصف فيما أطلق عليه محققو الأمم المتحدة «هجمات متعمدة»، ولم يعد سوى 17 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى يعمل جزئيا.

ولقد أدى هذا إلى تآكل حاد في معايير الصرف الصحي ومعايير الإنسانية. فقد اضطرت الغالبية العظمى من سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة إلى الإخلاء لمنطقة مكتظة بالسكان لا تشكل سوى 11% من مساحة غزة. ولا تزال هذه «المنطقة الإنسانية» التي تم تحديدها تتعرض لغارات جوية إسرائيلية متكررة، فقد تم قطع خطوط المياه التي تزود المنطقة، وغمرت مياه الصرف الصحي الشوارع، ولم يعد أمام الناس خيار سوى العيش في الخيام بسبب عمليات الإخلاء والقصف المستمرة. واضطر كثيرون إلى استخدام مياه البحر الملوثة بمياه الصرف الصحي لغسل أنفسهم وتنظيف ملابسهم. ولا يكاد يوجد صابون أو سائل غسيل متاح للشراء.

ونتيجة لهذه الظروف، تواجه غزة موجة عارمة من الأمراض المعدية التي بدأت تظهر بالفعل. ففي كل يوم، تستقبل النقاط الطبية التابعة لفريقنا في جنوب غزة نحو 180 طفلا يعانون من أمراض الطفح الجلدي، مثل القوباء والجدري المائي. ونحن نعالج ما نستطيع، ولكننا لا نملك دائما ما يكفي من الأدوية. فمنذ أكتوبر الماضي، أفادت الأمم المتحدة عن أكثر من 40 ألف حالة إصابة بالتهاب الكبد الوبائي نوع (أ)، مقارنة بنحو 85 حالة فقط في الفترة نفسها من قبل. ولم يصل وباء الكوليرا إلى غزة بعد، ولكن العديد من الأطباء يخشون أن الأمر لن يكون سوى مسألة وقت.

إن العلاج في الوقت المناسب قد يكون الفارق بين الحياة والموت. وفي الوقت الحالي، أصبحت الرعاية المنقذة للحياة بعيدة المنال. زميلنا الدكتور نذير خلف الله، وهو طبيب في وحدة العناية المركزة بمستشفى ناصر، توفي في أواخر أغسطس بسبب فشل كبدي حاد بعد إصابته بالتهاب الكبد الوبائي (أ) بسبب مياه الشرب الملوثة. وتمت إحالة الدكتور خلف الله للإجلاء الطبي من غزة لتلقي العلاج. ولكن منذ إغلاق إسرائيل لمعبر رفح في السابع من مايو، ظلت عمليات الإجلاء الطبي معلقة بشكل عام. واليوم، يقدر عدد المرضى غير القادرين على مغادرة غزة لتلقي الرعاية الطبية التي يحتاجون إليها بشكل عاجل بنحو 12 ألف مريض.

وحتى في المستشفيات التي لا تزال تعمل، فإن نقص جميع أنواع المواد يجعل هذه الأماكن مرتعا محتملا للأمراض. لقد رأيت جراحين يقومون بإجراء عمليات جراحية معقدة وهم يرتدون قفازات معقمة فقط، دون أردية أو ستائر. واضطر البعض إلى إجراء العمليات في الظلام. وعمل كثيرون دون مطهر. ورأيت أشخاصا يموتون بسبب نقص الإمدادات والأدوية، أو لأنهم كانوا ضعفاء للغاية بسبب سوء التغذية ولم يتمكنوا من التعافي من جروحهم.

إن آثار سوء التغذية وخيمة بشكل خاص، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأمراض المعدية. فقد لا توفر لقاحات الحماية الكاملة إذا كان الشخص يعاني من سوء التغذية. وربما يظل مئات الآلاف من الأطفال الذين نقوم بتطعيمهم ضد شلل الأطفال معرضين لخطر الإصابة بالعدوى لمجرد أنهم يعيشون في جوع دائم.

إن القصف اليومي الذي يشنه الجيش الإسرائيلي على غزة يعوق دفع خدمات الرعاية الصحية المتعثرة إلى أقصى حدودها، ويهدد الناجين من المرض بالإصابة والموت. وفي الأماكن التي نعمل فيها، يتم تطعيم الأطفال في الصباح ثم يصلون إلى المستشفى في المساء كضحايا من الغارات الجوية. وفي الخامس من سبتمبر، بعد ساعة واحدة من انتهاء حملة التطعيم لهذا اليوم، استقبل زملائي في مستشفى ناصر تدفقا جماعيا من المرضى، بما في ذلك طفل بُترت يده في هجوم عسكري إسرائيلي. وفي اليوم نفسه، أصيب نازحون لجأوا إلى الخيام، بما في ذلك الأطفال، في غارة جوية بجوار مستشفى الأقصى.

تهدد كارثة الأمراض المعدية بالانتشار في مختلف أنحاء المنطقة، فما يحصل في غزة لن يبقى في غزة. وسوف يتطلب وقف هذه الكارثة اتخاذ إجراءات دولية للدفع نحو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على الفور وبشكل دائم. ومن الأهمية بمكان أن ينهي الجيش الإسرائيلي القيود المفروضة على تسليم الغذاء والمياه النظيفة وغير ذلك من المساعدات التي من شأنها أن تحافظ على المؤسسات القائمة ومراكز الرعاية الصحية. وسوف يتطلب إعادة بناء نظام الرعاية الصحية في مختلف أنحاء غزة إعادة فتح المعابر الحدودية وإنهاء الحصار. ورغم أن جلب الأطباء الدوليين وإنشاء العيادات المؤقتة قد يوفر حلا مؤقتا، فإن نظام الرعاية الصحية الدائم الذي يستجيب لاحتياجات الفلسطينيين بسرعة وفعالية لا بد وأن يُدار ويقود محليا، استنادا إلى البنية الأساسية القائمة.

الأطفال في غزة يحتاجون إلى أكثر من مجرد التطعيم ضد شلل الأطفال؛ فهُم يحتاجون إلى التمتع بجميع حقوقهم في الصحة والكرامة: الحق في السلامة من الهجمات العسكرية، والحق في اللعب، والحق في الحركة، والحق في التعليم، والحق في الحصول على الرعاية الطبية، والحق في الغذاء والمأوى

محمد آغا الكردي هو عامل إنساني نازح في خان يونس في غزة.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرعایة الصحیة شلل الأطفال الأطفال فی والحق فی أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

الرعاية الصحية تتابع استعدادات انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الشامل

عقد الدكتور أحمد السبكي، رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية والمشرف العام على مشروع التأمين الصحي الشامل، اجتماعًا موسعًا مع الإدارة التنفيذية للرعاية العلاجية، وذلك في إطار الاستعدادات الجارية لإطلاق التشغيل التجريبي للمرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل، والتي تبدأ من محافظة مطروح، أولى محافظات المرحلة الثانية المقرر دخولها الخدمة في سبتمبر المقبل 2025.

وخلال الاجتماع، وجه رئيس هيئة الرعاية الصحية بسرعة الانتهاء من استكمال أعمال البنية التحتية، ومتطلبات التحول الرقمي، وتطبيق معايير الحماية المدنية والسلامة المهنية بكافة المنشآت الصحية المقرر تشغيلها ضمن المنظومة، بما يضمن التشغيل وفق أعلى معايير الجودة والكفاءة.

وزير الصحة ومحافظ الإسكندرية يعقدان اجتماعًا لمتابعة تنفيذ مشروع إنشاء شبكة رعاية صحيةالرعاية الصحية: لدينا 276 منشأة طبية معتمدة في 6 محافظاتبدون انتظار .. الرعاية الصحية: الغسيل الكلوي بأسوان من خلال 250 ماكينةتدشين مشروع الرعاية الصحية المنزلية بالإسماعيلية.. بسعة 400 سرير و13 غرفة عمليات و6 معامل

وأكد الدكتور أحمد السبكي، أن ستتم الاستفادة بشكل كبير من كافة المستشفيات والوحدات الصحية التي تم إنشاؤها أو تطويرها ضمن المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، ليس في محافظة مطروح فقط، بل على مستوى جميع المحافظات المستهدفة بالتشغيل، مشيرًا إلى أن تلك المنشآت تُعد ركيزة أساسية في تحقيق التغطية الصحية الشاملة، خاصة في المناطق الريفية والنائية.

 استعدادات مكثفة لتنفيذ نموذج تغطية صحية مبتكر

وأضاف أن هناك استعدادات مكثفة لتنفيذ نموذج تغطية صحية مبتكر يُراعي الطبيعة الجغرافية والاجتماعية لكل محافظة، ويعتمد على مبادئ المرونة التشغيلية والتوزيع العادل للخدمة الصحية، لضمان وصول الرعاية لجميع الفئات السكانية بكفاءة وجودة واستدامة.

وفي السياق ذاته، اختتم رئيس الهيئة بالتأكيد أن العمل يجري بالتوازي على تأهيل وتجهيز المستشفيات والوحدات الصحية في محافظات «شمال سيناء، المنيا، كفر الشيخ، ودمياط»، وذلك بما يضمن التشغيل الأمثل للمرحلة الثانية من المنظومة، وبما يتماشى مع احتياجات المواطنين في كل محافظة على حدة.

طباعة شارك هيئة الرعاية الصحية المستشفيات الوحدات الصحية دمياط كفر الشيخ المنيا شمال سيناء التأمين الصحي الشامل

مقالات مشابهة

  • 95.8% نسبة تغطية حملة التطعيم ضد الحصبة في الجنوب
  • الرعاية الصحية : تضاعف الإيرادات الذاتية للهيئة مقارنة بالعام السابق
  • محافظ سوهاج يزور مصابي حريق مطعم شهير ويوجه بتوفير الرعاية الطبية
  • جمعية الرعاية التنفسية تطالب بضرورة تطوير المنظومة لمراقبة جودة الهواء
  • الفزعة البدوية والحق في المشاركة السياسية
  • الدكتور محمد عبد اللاه: الهجمات الإعلامية التي تتعرض لها مصر بسبب موقفها من القضية الفلسطينية مؤامرة
  • مصر وسنغافورة والتوأمة في مجال الرعاية الصحية
  • 491 مركزًا.. 35 ألف من ذوي الإعاقة تلقوا خدمات الرعاية اليومية
  • ترامب يهدد بإفشال الصفقة التجارية مع كندا بسبب توجهها للاعتراف بفلسطين
  • الرعاية الصحية تتابع استعدادات انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الشامل