جرحى «العدوان الإسرائيلي» على عكاز «الأمل» يتكئون
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
لو كان المواطن الفلسطيني طه صبح يعلم أنه سيفقد قدمه اليمنى من أجل بضع كيلوجرامات من الباذنجان والبطاطس لما ذهب إلى معسكر مخيم جباليا، لتسوق الخضروات لأسرته، ولما انتهى به الحال في طابور الانتظار بساحة المستشفى الميداني الأردني، يأمل أن يركب طرفًا اصطناعيًا.
في يوم 9 أكتوبر، أصيب المواطن الأربعيني بشظية شديدة الانفجار، طارت من صاروخ فتاك، ألقته مقاتلة حربية إسرائيلية من طراز «إف - 16» على منطقة الرنتيس في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، لتأخذ في طريقها الجزء السفلي من ساق وقدمه اليمنى على الفور، وكأنها ساطور جزار، مصمم لتقطيع اللحم الحي، حسب تعبيره.
أمنيتي أن أحمل ابني
ومنذ ذلك الحين يمشي «طه» على عكازين، وهكذا نزح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، يعتصره الألم، ويدمر شعور العجز النفسي والجسماني حالته الصحية، التي تضررت كثيرًا بعد الحادث، يقول العائل الوحيد لأسرة من ثلاثة أشخاص.
يقول متألمًا لـ«عُمان» خلال حديثه: «لا أنام من الآلام التي في قدمي، ولا أقدر على حمل ابني الرضيع أو حتى جرة ماء، وصرت أعاني من مشكلات عائلية».
وعلى عتبات المستشفى الميداني الأردني في مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، جلس النازح ذو الهمة يزعجه شعور بالضعف، وعلى لسانه جملة واحدة: «لا أستطيع، أنا عاجز، ولست قادرا على فعل أي حاجة. نفسي أحمل ابني»، بينما يتمنى أن تساعده مبادرة «استعادة الأمل» الأردنية في تركيب طرف صناعي: «أملي في تعويض القدم والمشي الطبيعي أكبر من رغبتي في العودة. لقد تعبت من التمرجح على قدم واحدة».
وفي يوم 26 أغسطس 2024، أطلقت الخدمات الطبية الملكية الأردنية مبادرة لدعم مبتوري الأطراف في قطاع غزة، سمتها «استعادة الأمل»، والتي تأتي بعد تعرض 14 ألف مواطن فلسطيني للبتر في أعقاب الحرب الإسرائيلية على القطاع.
وتنتقل المبادرة، التي تجري بجهود مشتركة بين الخدمات الطبية الملكية والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، إلى شمال قطاع غزة، في المرحلة الثانية، بعد أن تستكمل عملها في المناطق الجنوبية والوسطى خلال المرحلة الأولى، حيث إنه من المتوقع أن تقدم الأطراف الصناعية لكل مبتوري الأطراف في قطاع غزة، وفقًا لقائد قوة المستشفى الميداني في خان يونس، العقيد الركن عصام المناصير.
وتوفر المبادرة تقنية جديدة رائدة تسمح بتركيب طرف اصطناعي تعويضي للمصاب فعال خلال ساعة واحدة فقط، يقول العقيد المناصير: «هذا يحدث بخلاف المتعارف عليه، فعادة يجري مبتورو الأطراف حوالي 12 زيارة إلى مركز الأطراف الاصطناعية قبل تزويدهم بأطراف تمكنهم استخدامها وظيفيا بشكل منتظم، وتستغرق هذه العملية عادةً من 3 إلى 4 أشهر، لكننا استطعنا اختصار كل ذلك في 60 دقيقة فقط». ويوضح «المناصير» أنهم تغلبوا على عائقي المكان والزمان، من خلال تركيب الأطراف الصناعية للعديد من جرحى حرب السابع من أكتوبر في منطقة حربية مليئة بالتوترات، خاصة أن عملية تركيب الأطراف الصناعية صعبة، وتختلف من مريض لآخر.
ويشير إلى أن المرحلة الأولى من المبادرة تقتصر على المبتورة أطرافهم من مستويات أسفل الركبة والأيدي العلوية، فيما تم تأجيل عمليات التركيب للبتر فوق الركبة إلى مرحلة لاحقة.
ويستشهد قائد قوة المستشفى الميداني الأردني بالحالة الأولى لمريض مبتور القدم يُدعى جمال الجابر، من خان يونس، خضع لعملية تركيب قدم اصطناعية خلال ساعة واحدة.
ويؤكد أنه الآن يمشي بكل أريحية على تلك القدم، ويمارسه حياته بشكل طبيعي، واصفًا حالته النفسية قبل العملية وبعدها بأنها «انتقلت من الأسى الشديد إلى الفرح والسرور خلال مدة قصيرة».
«جمال» الذي أصيب في غارة جوية للاحتلال يوم 21 يونيو الماضي، يتحدث عن معاناته مع الإعاقة طوال 4 أشهر، يقول: «كنت في منتهى الضيق، لا أقوى على فعل أي شيء، ولا يعرف وجهي الابتسامة، ففي لحظة أصبحت لا أقوى على المشي إلا باستخدام عكاز، وكثيرًا ما أقع ويساعدني الناس على الوقوف، كانت حياتي سيئة جدًا».
يشكر الشاب الثلاثيني كل من عمل على مساهمتهم في عودة الابتسامة إلى وجهه: «الحمد لله رجعت لي الابتسامة، بعد أن ركبوا لي هذا الطرف الاصطناعي. أشكر كل إنسان شارك في نجاح العملية، أنا سعيد جدًا اليوم، سأمشي على قدمي دون مساعدة من أحد، وسأحتضن زوجتي وأبنائي».
ابتسامة أمل لكل ضحايا الاحتلال
وبحسب قائد المستشفى الميداني الأردني جنوبي قطاع غزة، فإن مبادرة «استعادة الأمل» تشمل كل جرحى الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، وليس ضحايا حرب السابع من أكتوبر فقط. يؤكد العقيد عصام المناصير استمرار تركيب الأطراف الاصطناعية حتى آخر مصاب في قطاع غزة بغض النظر عن توقيت الإصابة، لكنه طالب بالمزيد من الدعم والتسهيلات للطواقم الطبية الأردنية العاملة في هذا المجال.
واضطر الأطباء إلى بتر اليد اليسرى للغزي سعد عبدالعال بعدما أصيبت في قصف جوي إسرائيلي على منزله بمدينة غزة خلال عدوان عام 2014.
ومنذ ذلك التوقيت لجأ المواطن الفلسطيني إلى أكثر من جهة خيرية سواء كانت دولية أو محلية، ولكن دون جدوى، يقول لـ«عُمان» خلال حديثه: «لم تنجح معي أي عملية، كلها باءت بالفشل، رفض جسدي التأقلم مع أي طرف صناعي».
وفي ليلة السادس عشر من سبتمبر الماضي، سمع الشاب الثلاثيني عن عمليات تركيب أطراف صناعية باستخدام أحداث التقنيات العالمية في خان يونس، ما دفعه للحضور أمام أبواب المستشفى الميداني الأردني منذ الساعة السابعة والنصف صباحًا، يوضح: «لم أنم الليل، انتظرت حتى الفجر ثم جئت إلى هنا».
يتمنى «سعد» أن تنجح عملية تركيب الطرف الصناعي له في هذه المرة، كي يتمكن من اللعب مع أطفاله الصغار، وشراء أغراض المعيشة لأسرته، فيما يشير إلى معاناته مع الحياة بيد واحدة طيلة 10 أعوام. ويوضح: «كنت لا أقدر على حمل أكياس السلع من السوق، كان أمرًا صعبًا أن أحمل كل شيء بيد واحدة، وأنظر إلى أطفالي في حزن وأنا لا أستطيع أن ألعب معهم».
استعادة الأمل
ويقارن «سعد» بين حياته بيدين ومأساته مع اليد الواحدة قائلًا: «الأمر مختلف، باستخدام اليدين أنت تشعر أنك تستطيع فعل كل شيء في العالم، وتقديم السعادة لأسرتك، أما بيد واحدة أنت تشعر بالعجز وتتجنب حمل الأشياء الثقيلة، ناهيك عن نظرة الشفقة في أعين الناس».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المستشفى المیدانی الأردنی استعادة الأمل قطاع غزة خان یونس
إقرأ أيضاً:
الإمارات تمد شريان الحياة إلى القطاع الصحي في قطاع غزة
نجحت دولة الإمارات عبر جهودها الإنسانية ومساعداتها الإغاثية للأشقاء الفلسطينيين ضمن” عملية الفارس الشهم 3″، في مد شريان الحياة للقطاع الصحي داخل قطاع غزة وإنقاذه من الانهيار التام والخروج النهائي من الخدمة.
وبرهنت دولة الإمارات خلال تدخلها السريع لمواجهة التحديات الطبية الناجمة عن الوضع المتفاقم في قطاع غزة، عن جاهزية قصوى واحترافية عالية ظهرت جليا من خلال التواجد على أرض الواقع سواء عبر المستشفى الإماراتي الميداني داخل القطاع أو المستشفى العائم الذي أرسلته إلى مدينة العريش المصرية، وكذلك عبر نقل الحالات الصعبة والحرجة إلى مستشفيات الدولة لتقديم العلاج والرعاية الطبية، إضافة إلى إرسال المساعدات والإمدادات الطبية بمختلف أنواعها لتعزيز قدرات القطاع الصحي داخل غزة.
ويواصل المستشفى الميداني الإماراتي المتكامل داخل قطاع غزة، منذ تدشينه في ديسمبر 2023 تقديم خدماته العلاجية لأبناء القطاع، عبر كوادر متخصصة ومؤهلة في المجالات والفروع الطبية المختلفة، بالإضافة متطوعين طبيين.
وبلغ عدد الحالات التي تلقت العلاج في المستشفى الميداني الإماراتي حتى أبريل الماضي أكثر من 51 ألف حالة شملت الإصابات الحرجة والعمليات الجراحية الدقيقة.
وأطلقت دولة الإمارات، من خلال المستشفى، مبادرة إنسانية نوعية لتركيب الأطراف الصناعية للمصابين ممن تعرضوا للبتر، بهدف دعم إعادة تأهيلهم وتمكينهم من استعادة حياتهم الطبيعية.
وتبلغ سعة المستشفى 200 سرير، ويضم غرفاً للعمليات الجراحية مؤهلة لإجراء أنواع الجراحات المختلفة، وعلى سبيل المثال نجح فريق الأطباء في المستشفى في استئصال ورم يزن 5 كيلوجرامات من بطن مريض عانى لسنوات من آلام حادة ومضاعفات صحية شديدة الخطر.
وأرسلت دولة الإمارات في فبراير 2024 مستشفى عائما متكاملا إلى قبالة سواحل مدينة العريش المصرية لتقديم الدعم الطبي اللازم إلى الأشقاء الفلسطينيين.
ويضم المستشفى العائم طاقما طبيا وإداريا من مختلف التخصصات تشمل التخدير والجراحة العامة والعظام والطوارئ، إضافة إلى ممرضين ومهن مساعدة، وقد نجح المستشفى حتى أبريل الماضي بالتعامل مع نحو 10370 حالة.
وتبلغ سعة أسرة المستشفى 100 سرير، ويضم غرف عمليات وعناية مركزة وأشعة ومختبرا وصيدلية ومستودعات طبية.
وعملت دولة الإمارات في موازاة ذلك، على نقل الحالات الطبية الحرجة إلى أراضيها للعلاج وتقديم الرعاية المطلوبة لهم، وذلك تنفيذا لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، باستضافة ألف فلسطيني من المصابين بأمراض السرطان من قطاع غزة من مختلف الفئات العمرية، لتلقي العلاجات وجميع أنواع الرعاية الصحية التي يحتاجونها في مستشفيات الإمارات.. كما وجه سموه باستضافة ألف طفل فلسطيني أيضاً برفقة عائلاتهم من قطاع غزة لتقديم جميع أنواع الرعاية الطبية والصحية التي يحتاجون إليها في مستشفيات الدولة إلى حين تماثلهم للشفاء وعودتهم.
وفي 14 مايو الماضي وصل العدد الإجمالي للمرضى والمرافقين الذين تم نقلهم إلى الإمارات إلى 2634، ما يجسد حرص الدولة على توفير الرعاية العلاجية اللازمة للأشقاء الفلسطينيين في مستشفياتها.
وتستحوذ الإمدادات الطبية والصحية على نسبة كبيرة من إجمالي المساعدات الإنسانية والإغاثية التي تواصل الإمارات تقديمها إلى الأشقاء الفلسطينيين في غزة منذ بدء الأزمة.
وتتضمن المساعدات الطبية التي تقدمها الإمارات إلى الأشقاء الفلسطينيين في غزة، مختلف أنواع الأدوية والمعدات طبية مثل أجهزة غسيل الكلى وجهاز الموجات فوق الصوتية “التراساوند” وأجهزة إنعاش رئوي وكراسي متحركة وأقنعة تنفس صناعي، إضافة إلى سيارات الإسعاف.
وبعد مرور 500 يوم على إطلاق “عملية الفارس الشهم 3″، قدمت الإمارات أكثر من 1200 طن من المواد والمستلزمات الطبية دعما للمستشفيات المحلية في قطاع غزة، كما تم تعزيز المنظومة الصحية بـ17 سيارة إسعاف مجهزة بأحدث المعدات.
ونفذت دولة الإمارات حملة تطعيم شاملة ضد شلل الأطفال لأكثر من 640 ألف طفل، ضمن جهود وقائية لحماية الأجيال القادمة من الأمراض المعدية.
وفي السياق ذاته، أرسلت دبي الإنسانية خلال الفترة من الأول من يناير حتى 24 أبريل 2025 ثلاث شحنات إغاثية إلى مطار العريش المصري دعما للأشقاء الفلسطينيين في غزة، نقلت على متنها حوالي 256 طناً مترياً من الإمدادات الطبية التابعة لمنظمة الصحة العالمية.
وتعزيزا للصحة العامة والوقاية من الأمراض السارية، تسهم الإمارات عبر مشروعات ومبادرات نوعية في توفير المياه الصالحة للشرب في قطاع غزة، كما تنفذ مجموعة من مشروعات إصلاح شبكات الصرف الصحي بهدف الحد من التلوث ومنع انتشار الأوبئة والأمراض المعدية.وام