جابر بن حسين العماني
jaber.alomani14@gmail.com
المساجد أماكنُ العبادة المُقدسة التي أمرنا الله تعالى برعايتها والحفاظ عليها، وهي بيوت الله التي يجتمع فيها المؤمنون لأداء الفرائض الدينية الخمس، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (يَا أَبَا ذَرٍّ؛ إِنَّ اَللَّهَ يُعْطِيكَ مَا دُمْتَ جَالِسًا فِي اَلْمَسْجِدِ بِكُلِّ نَفَسٍ تَنَفَّسُ فِيهِ دَرَجَةً فِي اَلْجَنَّةِ، وَتُصَلِّي عَلَيْكَ اَلْمَلاَئِكَةُ، وَيُكْتَبُ لَكَ بِكُلِّ نَفَسٍ تَنَفَّست فِيهِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَتُمْحَى عَنْكَ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ)، فمن الواجب على الجميع احترام المساجد وإجلالها، لما لها من قدسية عظيمة في الإسلام.
واليوم عند إلقاء نظرة فاحصة على المساجد المنتشرة في بلادنا الغالية، نجدها صروحًا شامخة، ومعالم بارزة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ومع ذلك فإنِّه لا يزال بعضها يعاني من نقص كبير في الاهتمام والصيانة المناسبة، وكم من مسجد يدخله المصلون وهو في حالة يرثى لها، مما يُؤثر على راحتهم وخشوعهم أثناء أداء العبادات لله تعالى.
وهو في حد ذاته وضع يتطلب من الجميع العمل الجاد على إيجاد الحلول العملية والمناسبة التي تضمن معالجة مشاكل المساجد المُهملة، وذلك لا يكون إلّا بتضافر الجهود الفاعلة بين أبناء المجتمع الواحد والجهات الحكومية، من خلال وضع الخطط المتكاملة والشاملة للصيانة الدورية للمساجد، وتوفير كل ما تحتاج إليه من خدمات مختلفة، إضافة إلى توعية الناس بأهمية المساجد ونظافتها، وصيانتها، وعدم إهمالها، وهذا ما يُلاحظه البعض عند توقفهم لأداء الصلاة عند بعض تلك المساجد؛ حيث يتفاجأ الكثيرون بحالة دورات المياه المُتسخة وروائحها الكريهة، ناهيك عن دورات المياه النسائية التي لا ترى فيها إلا العجب العجاب، ومن تلك العجائب كثرة وجود حفاضات الأطفال والمناديل الممزقة والأحذية المقطعة والمنتهية صلاحيتها، كما تفتقر بعض تلك المساجد إلى أدوات النظافة الأساسية مثل الصابون والمكانس والمستلزمات الصحية والمتنوعة، إضافة إلى تراكم الغبار والأتربة على سجاد المسجد والأجهزة الكهربائية مما يتسبب في أعطالها.
وبناءً على ذلك، يحق لكل زائر لتلك المساجد المهملة أن يستفسر عن الجهة المسؤولة والمختصة عن صيانتها ونظافتها والاعتناء بها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ كَنَسَ اَلْمَسْجِدَ يَوْمَ اَلْخَمِيسِ وَلَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مِنَ اَلتُّرَابِ مَا يُذَرُّ فِي اَلْعَيْنِ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ).
لقد قامت الجهات المعنية مشكورة بتعيين ما يُعرف بالوكلاء على المساجد، وهم الأفراد الذين يتم تكليفهم رسميًا للإشراف على شؤون المساجد وتنظيم إدارتها وضمان نظافتها وصيانتها وتنسيق برامجها الدينية، وهم من يتحملون المسؤولية الكاملة على تلك المساجد.
والمتأمل اليوم في أحوال بعض مساجدنا في الداخل الاجتماعي يجد هناك إهمالًا كبيرًا في أداء بعض وكلاء المساجد لوظائفهم تجاه تلك المساجد التي يتولون مسؤوليتها، ومن الأمور الغريبة هو أن بعض الوكلاء يقيمون في محافظات وولايات بعيدة عن المساجد التي يتولون إدارتها، وقد تصل المسافة بين محل إقامتهم وبين المساجد التي يتولون مسؤوليتها إلى أكثر من 150 كيلومترًا، فيصعب عليهم إدارة تلك المساجد بالشكل الفاعل وذلك لبعدها عن محل إقامتهم.
ويثير تعيين بعض الوكلاء على تلك المساجد تساؤلات حول سبب سماح الجهات المعنية بذلك، خاصة وأن إقامتهم بعيدة جدا عن المساجد التي ينبغي عليهم إدارتها، وتحتاج المساجد التي عُينوا لإدارتها إلى وكلاء مُقيمين بالقرب منها ليتمكنوا من خدمتها ومتابعة شؤونها على أكمل وجه ممكن.
ومن الملاحظ في بعض المساجد أيضا قلة الاهتمام بإدارة شؤونها من قبل الوكلاء المعنيين، الذين لا يعيرون أهمية واضحة لبيوت الله تعالى وتلبية احتياجاتها، مما يؤدي ذلك إلى نفور بعض أبناء المجتمع إلى مساجد أخرى.
وعليه.. فإننا ندعو الجهات المسؤولة إلى تكثيف الرقابة على المساجد ووكلائها، وإجراء تغييرات كل فترة، وأن يكون الاختيار من بين أبناء المنطقة التي بها المسجد.
وأخيرًا.. إن المجتمع الواعي اليوم بحاجة ماسة إلى تعيين وكلاء المساجد من الأخيار من أبناء المجتمع، وذلك لإدارة شؤون المساجد بالصورة الصحيحة والسليمة، بحيث يعرفون بالتقوى لله تعالى أولًا، والتواضع والخدمة الخالصة لوجهه الكريم ثانيًا، وليس للتكبر أو التحكم أو السيطرة، فتلك هي بيوت الله سبحانه وتعالى وليست حكرًا لأحد دون أحد، لذا يجب مراعاتها والاهتمام بها وتقديمها للمجتمع على أحسن ما يكون.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع
يبدأ حجاج بيت الله الحرام غدًا الأربعاء في التوجه إلى مدينة الخيام في منى لقضاء أول أيام موسم الحج وهو يوم التروية استعدادًا للنسك الأعظم في الحج وهو الوقوف بصعيد عرفات الطاهر. ومشهد حجاج بيت الله الحرام وهم يؤدون مناسك الحج مشهد متكرر كل عام، ولكنه لا يفقد دهشته ولا عمقه، ملايين البشر يأتون من أقاصي الأرض، مختلفي اللغات والأعراق والانتماءات، ليقفوا على صعيد واحد، ولباس واحد، وأمام رب واحد. لا يوجد مشهد أكثر عظمة وأعمق دلالة من هذا المشهد الذي يحقق معنى المساواة والكرامة والاندماج الروحي بين الناس.
والحج إضافة إلى أنه الركن الخامس من أركان الإسلام فهو أيضا تجربة وجودية شاملة، تهذّب الروح، وتعيد ضبط علاقتها مع الآخر، وتغرس في النفس معاني التواضع والسكينة والعدالة. وفي الحج يمكن أن يقرأ الإنسان الكثير من القيم التي فطر الله الناس عليها، إضافة إلى دلالات مستمدة من يوم القيامة؛ حيث لا تقاس قيمة الإنسان بماله أو سلطته ولكن بامتثاله للحق، وبقدرته على تجاوز أنانيته نحو فهم أوسع للوجود البشري المشترك.
وإذا كان الحس الإنساني يتراجع اليوم أمام صراعات الهوية والتعصب والماديات القاتلة، فإن فريضة الحج تقدم نموذجا بديلا، فإضافة إلى شعار التوحيد فإن الحقائق التي يقرها الحج تتمثل في حقيقة الأخوة الإنسانية، ورسالة السلام، ومنهج الرحمة. ولعل المكان الوحيد في العالم الذي يتساوى فيه الجميع هو صعيد عرفات، والموقف الوحيد الذي تذوب فيه الحدود، هو الطواف. والمشهد الوحيد الذي تتحول فيه الجموع إلى روح واحدة مندمجة، هو الحج.
ومع اكتمال وصول حجاج بيت الله الحرام إلى جوار بيته العتيق فإننا نحتاج إلى أن نتأمل فريضة الحج وطقوسها لا بوصفها ممارسة فردية ولكن بوصفها منظومة قيمية قادرة على إنقاذنا من الانحدار الأخلاقي. فالحج يعلّمنا أن العظمة في التواضع، والقوة في الصفح، والكرامة في المساواة. ومن كان حجه مبرورا، فليجعله بداية لا نهاية، وليكن ما تعلمه هناك هو ما يزرعه هنا: في بيته، وفي عمله، وفي وطنه، وفي العالم بأسره.
وإذا كانت شعائر الحج تنتهي في مكة المكرمة فإنها تبدأ في نياتنا، وفي صدقنا، وفي استعدادنا لأن نكون أفضل مما كنا.
كل عام، تمنحنا هذه الرحلة فرصة جديدة، لنسأل أنفسنا: هل يمكن أن نكون حجاجا حتى وإن لم نذهب؟ هل يمكن أن نعيش مبادئ الحج ونحن في بيوتنا؟ هذا هو المعنى الحقيقي لحج لا ينتهي بعد أن تكون أرواحنا قد صقلت وملئت بالقيم الإنسانية النبيلة.