“إسرائيل” من التوسع إلى الانحسار
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
طالب الحسني
خلال ثلاثة أسابيع من القتال على الحافة على الحدود الفلسطينية اللبنانية، يتكبد العدو الإسرائيلي خسائر صادمة لم يتمكن من إخفائها رغم الرقابة العسكرية المشددة.
لم يكن هذا مستبعدا بالنسبة لجبهة حزب الله، لا يزال الحزب يملك اقتدار أكبر، ولكن بهذا المستوى من المواجهة وجد نتنياهو ومعه الكيان في مأزق حقيقي لا يتعلق فقط بالفشل والخسائر وإنما بما سيبدأ لاحقا منعكسا عن ذلك وبما يدفع إليه الحزب، إفراغ المستوطنات شمال الأراضي الفلسطينية.
في كل مرة كان يذهب كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى حرب أو مذبحة أو استفزاز ما، كان يعود إلى مساحة معينة يجد فيها زمانا ومكانا ونسبة من الاستقرار لترتيب نفسه إلى أن يعود لجولة جديدة وهكذا وبغض النظر إن كان قد ربح أو خسر، ساعده في ذلك أنه فضل الحروب الخاطفة.
بإجماع داخلي “إسرائيلي” وخارجي إقليمي ودولي، وبالضرورة يدخل في هذا محور المقاومة، لم يعد هناك أي مساحة مكانية وزمانية صالحة لعودة كيان العدو الاسرائيلي لمعالجة ما احدثته هذه الحرب المستمرة بينما تدخل عامها الثاني بأفق مفتوح على كل الاحتمالات، وهذه النتيجة مسندة إلى ما سيحصل عقب الحرب التي ستنتهي حتما وهذا يعني أن اليوم التالي غير واضح بالنسبة لكيان العدو الإسرائيلي وفي أفضل الأحوال فهو غير إيجابي ويحمل تداعيات وخيمة تتعلق هذه المرة بمصير الاحتلال ككيان ووجود وليس فقط مصير نتنياهو واليمين المتطرف مثلما يعتقد البعض.
التصريحات الإسرائيلية التي تؤكد أن ما يجري حرب وجودية كثيرة وقد تبلغ الاجماع وسواء اقترنت بمقولات “موروثة” على غرار “لعنة العقد الثامن” وغيرها أو كانت مقرونة بطبيعة الحرب الحالية واختلافها عن جميع جولات الحروب السابقة فهي إقرار قطعي بأن خسارتها ستعني أن انهيار الكيان وزواله يحدث الآن وفي هذه المعركة وليس هناك معركة أخرى جديدة حتى إن حدث توقف واستئناف فهي امتداد لهذه وليست ولن تكون منفصلة.
يمكن رؤية أنها وجودية ببساطة شديدة عندما يتم التدقيق في نتائجها حتى اللحظة وما يمكن أن يتراكم عليها خاصة مع توسعها وانتقال العدو الإسرائيلي من غزة إلى لبنان وحتما إسرائيليا ستتوقف هنا لأن توسعها أكثر سواء كانت مع الجمهورية الإسلامية في إيران أو سوريا فإنها ستنتقل لتصبح أمريكية وبريطانية وربما أوسع، على أن ذلك لا يعني عدم وجود الدور الأمريكي البريطاني في المعركة بنطاقها الحالي فهو واضح ولا تنكره واشنطن ولندن.
يتكرر الحديث عن خارطة “إسرائيل الكبرى” كمشروع صهيوني قائم على التوسع، يتم استدعاء ذلك من بوابة أن قادة كيان العدو الإسرائيلي ومرجعياته “الدينية” والسياسية يأملون في تحقيقه، لكنه في الحقيقة تحول من مشروع إلى “حلم” توقف الكثير من مفكري وسياسيي الكيان المنتمين إلى الوسط واليسار كالعلمانيين عن ترديده وتركوا ذلك لليمين المتطرف، فعلوا ذلك ليس لأنهم لا يريدون ولكن لأنهم يرون أن ذلك أصبح كلاما يستدعي التندر باعتباره غير واقعي وبعيد المنال، وحتى حين يذكر على ألسنة بعض المتطرفين أمثال سيموتريتش وبن غفير فهم يقولون ذلك مع شعور كبير “بالخجل”.
لقد تعزز اليقين بأن “إسرائيل” غير قادرة على تحقيق ذلك منذ زمن طويل قد يمتد إلى 40 عاما، وهو يقين بالعجز لم يكن موجودا من مطلع خمسينيات القرن الماضي حتى أواخر سبعينياته.
هذا المدخل ضروري لرؤية انهيار “إسرائيل” من الخارج مثلما يراها الكثير من الإسرائيليين من الداخل.
سيطول السرد ا إذا أخذنا ذلك على مسار كيف حدث ذلك؟ ويكفي أن نرى كيف تنهار “إسرائيل” اليوم، ولماذا؟ والأهم من الأطراف التي قادتها إلى هذا المصير؟
من المفارقات التاريخية التي لا يمكن لكيان الاحتلال الإسرائيلي أن ينساها أن “فرحته” بعزل مصر عبر توقيع كامب ديفيد كدولة محورية في الصراع معه، لم تدم سوى بضعة أشهر، وتحديدا من 17 سبتمبر 1978 حيث وقع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء كيان العدو الإسرائيلي مناحيم بيغن كامب ديفيد، وحتى 11 فبراير 1979 عندما أعلن عن انتصار الثورة الإسلامية في إيران وسقوط الشاه كأحد أكبر حلفاء الكيان في الشرق الأوسط. وقد كان ذلك واحد من أهم التحولات الإقليمية وربما الدولية إذا نظرنا إلى الحدث من مسافة أبعد، وعلى الفور سجل ذلك نقطة لصالح القضية الفلسطينية.
عزلت مصر من الصراع مع كيان العدو الإسرائيلي ودخلت إيران كداعم رئيسي بسقف مرتفع وبلا حدود للقضية الفلسطينية، لقد ولد محور المقاومة منذ ذلك التاريخ، وتوقف التمدد الإسرائيلي منذ ذلك التاريخ أيضا.
سنتجاوز نحو 4 عقود حيث نقف الآن 2024 بينما تقوم حرب وجودية بالنسبة لكيان العدو الإسرائيلي وحرب تحرير بالنسبة للمقاومة الفلسطينية وكذلك المقاومة الإسلامية في لبنان حزب الله مرورا بسوريا والعراق ووصولا إلى اليمن وانتهاءً بالجمهورية الإسلامية في إيران الحليف الأكبر والداعم الرئيس لمشروع التحرر.
لقد تكون هذا المحور بالصيرورة العقائدية وضمنها مركزية فلسطين وقضيتها وبالموقف من الاحتلال الإسرائيلي، فمثلما تكونت المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد وحملت البندقية مطلع ثمانينات القرن الماضي تكونت المقاومة الإسلامية في لبنان حزب الله في الفترة نفسها، وخاضوا معارك منفصلة وغير منفصلة في آن واحد بالطريقة نفسها وبقدر متقارب من الايمان والتضحية والشهداء.
إن أول انحسار لكيان العدو الاسرائيلي بقوة المقاومة صنعه حزب الله والشهيد السيد حسن نصر الله حين طرد الاحتلال من جنوب لبنان في العام 2000، كان ذلك انتصار حاسم وهزيمة كبيرة للعدو الإسرائيلي بعد قرابة عقدين من عدم القدرة على التوسع.
بعد 5 سنوات فقط حدث انحسار آخر وهزيمة أخرى عندما انسحب المجرم ارييل شارون من غزة عام 2005 وهو أول تخل إسرائيلي بفعل قوة المقاومة عن أراض فلسطينية محتلة، وطوال نحو عقدين آخرين لم يربح العدو أي حرب مع المقاومات الإسلامية في فلسطين ولبنان.
وبالتوالي فقد العدو الإسرائيلي القدرة على التوسع ثم خسر حروب مع المقاومات وبالضرورة خسر القدرة على التحكم في تطور المقاومات وتنامي قدراتها العسكرية والتسليحية وهو الآن وسط حرب توقيتها ويعتبرها مصيرية ووجودية لكنه غير قادر على الانتصار بعيدا عما يقوم به من جرائم إبادة.
قبل أسابيع قليلة أظهرت استطلاعات رأي إسرائيلية أن 86% من المستوطنين الذين غادروا مستوطنات غلاف غزة لا يرغبون في العودة إليها، وبالقياس بأرقام مضاعفة ينسحب الأمر على المستوطنات المحاذية للحدود اللبنانية شمال فلسطين.
إن هذا التخلي عن الاستيطان وإفراغ المستوطنات بفعل المقاومة، لبنانية فلسطينية وعدم قدرة العدو الإسرائيلي تحقيق العكس من خلال هزيمة المقاومة يعني انحسار قسري جديد وذلك يحدث مرة أخرى بعد انحسار 2000- 2005، يضاف إلى ذلك الكثير من الدلائل المتعلقة بالهجرة العكسية وهو مسار طويل.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: کیان العدو الإسرائیلی الإسلامیة فی حزب الله
إقرأ أيضاً:
“الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية
يمانيون|متابعات
أدانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بشدة اليوم الخميس، المجزرة الدموية التي ارتكبتها قوات العدو الصهيوني بحق المدنيين الفلسطينيين في منطقة السودانية شمال غرب قطاع غزة، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 50 مواطنًا فلسطينيا وإصابة ما يزيد عن 648 آخرين .
وقالت الجبهة في بيان، تلقته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ): “هذة جريمة جديدة تضاف إلى سجل جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ينفذها العدو الصهيوني بحق المدنيين العزل، الذين كانوا ينتظرون الحصول على مساعدات إنسانية تسد رمق جوعهم في ظل الحصار الخانق والجوع القاتل”.
واضافت: “أن هذه المجزرة المروعة جاءت في سياق سياسة ممنهجة تستخدم فيها حكومة الكيان الصهيوني المساعدات كسلاح للقتل والإذلال الجماعي، عبر إدخالها بشكل فوضوي ومن دون تنسيق أو تأمين، ما خلق بيئة غير آمنة أدت إلى نهب نحو 112 شاحنة مساعدات من قبل سماسرة الحرب واللصوص، وسط غياب كامل لأي رقابة أو تنظيم من قبل الجهات الدولية المعنية” .
وأكدت أن العدو الصهيوني لا يكتفي بمنع الغذاء والدواء عن الشعب الفلسطيني بل يتعمد خلق حالة من الفوضى والانهيار الأخلاقي والاجتماعي، ويفتح المجال لتفشي الجريمة والفساد، في إطار حرب شاملة تستهدف تفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل، وتشويه النضال الوطني العادل للشعب الفلسطيني .
وحذرت الجبهة الديمقراطية من أن استمرار هذه المجازر والجرائم بحق الشعب الفلسطيني في ظل صمت دولي وتخاذل أممي، ينذر بانفجار كارثي ستكون له تبعات خطيرة على مجمل الاستقرار في المنطقة، ويمثل وصمة عار على جبين المجتمع الدولي ومنظومته الإنسانية .
وحملت الجبهة حكومة الكيان الصهيوني المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة وسابقاتها .
وطالبت الجبهة بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لمحاسبة مجرمي الحرب “الإسرائيليين”، وتقديمهم إلى محكمة الجنايات الدولية .
كما طالبت بإعادة صياغة آلية إدخال وتوزيع المساعدات إلى قطاع غزة، بما يضمن وصولها بشكل عادل وآمن إلى مستحقيها، بعيدًا عن فوضى العدو وسماسرة الجوع والدم .
وختمت بيانها قائلة: ” إن هذه المجازر لن تثني شعبنا عن مواصلة نضاله المشروع حتى وقف جرائم الإبادة، وكسر الحصار، وكنس جيش العدو، وإطلاق ورشة إعمار شاملة لقطاع غزة، على طريق إنهاء الاحتلال، وتحقيق الحرية والاستقلال والعودة” .