الري بالطاقة الشمسية| حلول مصرية لمعالجة أزمة الشح المائي في المنطقة العربية.. خبير يعلق
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
تعتبر المنطقة العربية من أكثر المناطق في العالم تعرضًا لأزمة الشح المائي، ما يفرض تحديات كبيرة على دولها ويستدعي تكاتف الجهود لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة، وتأتي أهمية التعاون الإقليمي، مثل التعاون بين مصر والإمارات، لبحث آليات مواجهة هذه التحديات عبر استراتيجيات تعتمد على استخدام المياه غير التقليدية.
من جانبه، قال الدكتور نادر نور الدين أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، إن موارد مصر المائية تقدر بـ 62 مليار متر مكعب، تشمل 55 مليار متر مكعب من مياه النيل، و5.5 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، ومليار متر مكعب من الأمطار، مؤكدا أنه عند تقسيم هذه الموارد على عدد السكان الذي يبلغ 105 ملايين، يصبح نصيب الفرد حوالي 600 متر مكعب، مما يعني أننا نقترب من حد الفقر المائي المدقع، الذي يُحدد بـ 500 متر مكعب أو أقل.
وأضاف نور الدين لـ"صدى البلد"، أن الدولة تقوم بالعديد من المشروعات القومية لترشيد استهلاك المياه وإعادة استخدامها، حيث يتم إعادة استخدام حوالي 20 مليار متر مكعب من مياه المخلفات الزراعية والصرف الصحي والصناعي، موضحا أن مشروعات التبطين والري الحديث لها دور كبير في توفير كميات كبيرة من المياه التي كانت تهدر سابقًا، مما قد يرفع نصيب الفرد إلى 800 متر مكعب، ومع ذلك لا يزال تحت خط الفقر المائي الذي يقدر بـ 1000 متر مكعب.
وأشار إلى أهمية تحديد الاستخدامات المثلى للمياه العذبة المتجددة والمياه السطحية والجوفية، إضافة إلى أهمية تحقيق الترابط بين المياه والطاقة، مع ضرورة الإسراع في تطوير تكنولوجيات الطاقة المتجددة وتكنولوجيات التحلية والمعالجة للمساهمة في حل أزمة المياه التي تواجهها البلاد.
وعقد وزير الموارد المائية والري، الدكتور هاني سويلم، اجتماعًا مع السفيرة الإماراتية مريم خليفة الكعبي، لبحث سُبل تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات المياه وإدارة الموارد المائية، وتركز اللقاء على نقل الخبرات المصرية في معالجة المياه وإعادة استخدامها، إضافة إلى مناقشة فرص الاستثمار الإماراتي في قطاع المياه المصري، وتعزيز التعاون في مجال الري الحديث والتحلية باستخدام الطاقة الشمسية.
وأكد الوزير سويلم استعداد مصر لنقل خبراتها في مجال إدارة الموارد المائية للإمارات، مع الإشارة إلى قيام وفد إماراتي قريبًا بزيارة محطات معالجة مياه الصرف الزراعي بالدلتا الجديدة والمحسمة، وتناول اللقاء فرص التعاون في مشاريع التحلية للإنتاج الغذائي، كمحور مشترك بين الدولتين، في ظل التحديات المائية التي تواجهها المنطقة.
وتحدث الوزير أيضًا عن أهمية تعزيز التكامل بين قطاعات المياه والغذاء والطاقة، حيث يستهلك قطاع الزراعة كمية كبيرة من المياه، مما يستدعي تبني حلول مبتكرة من خلال تجارب دولية ناجحة مثل المغرب وإسبانيا وأستراليا، وتم مناقشة مشاركة مصر في المؤتمر العالمي لتحلية المياه المزمع عقده بالإمارات في ديسمبر 2024، وذلك لبحث الابتكارات العالمية وتبادل التجارب.
حصة الفرد من المياهوفي ظل تراجع حصة الفرد المصري من المياه إلى 500 متر مكعب سنويًا، اعتمدت مصر خطة قومية للموارد المائية تستمر حتى عام 2050، وتشمل هذه الخطة مبادرات متعددة، منها منظومة "الري 2.0" والتي ترتكز على معالجة المياه والتحلية للاستخدام الزراعي، إضافة إلى التحول الرقمي لتحسين إدارة شبكات الري، وتوفير تطبيقات للمزارعين، وتطوير نظم تنبؤ بالأمطار.
وتسعى الدولة من خلال مجموعة من المشروعات القومية الكبرى إلى تعزيز ترشيد استهلاك المياه وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، ويأتي ذلك ضمن جهود وزارة الموارد المائية والري التي تعمل على تنفيذ مبادرات خلال العام الحالي لتحسين إدارة وتوزيع المياه، وتطوير أساليب الري وفقًا للاحتياجات المتزايدة في البلاد.
ويعد "المشروع القومي لتأهيل الترع" من أهم المشروعات التي تنفذها وزارة الري، حيث يهدف إلى تحسين عملية إدارة وتوزيع المياه للأراضي الزراعية. ويشمل المشروع إعادة تأهيل الترع لزيادة كفاءة نقل المياه وتقليل الفاقد، ما يسهم في توفير المياه بشكل أكثر فعالية للقطاع الزراعي.
وتعمل الوزارة على "المشروع القومي للتحول من الري بالغمر إلى نظم الري الحديث"، ويشمل هذا المشروع تشجيع المزارعين على استخدام تقنيات الري المتطورة مثل الري بالتنقيط والرش، ويساعد التحول إلى هذه الأنظمة في ترشيد استهلاك المياه بشكل كبير، بالإضافة إلى تقليل الفاقد في المياه المستخدمة للري، مما يحقق كفاءة أعلى ويعزز استدامة الموارد المائية.
وتشمل جهود الدولة في هذا المجال تنفيذ عدة مشروعات لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، من بينها مشروع الاستفادة من مياه مصرف بحر البقر بشرق الدلتا، ومشروع الاستفادة من مياه مصارف غرب الدلتا، وكذلك مشروع مصرف المحسمة، ويتم إنشاء أكثر من 100 محطة خلط وسيط، وذلك لدعم جهود إعادة الاستخدام وتوفير مصادر إضافية للمياه لمختلف الاستخدامات.
وضعت الدولة مشروع قانون الموارد المائية والري الجديد، والذي يُناقش حاليًا في مجلس النواب. يهدف هذا القانون إلى تحسين عملية تنمية وإدارة الموارد المائية في مصر وضمان توزيعها بشكل عادل على كافة الاستخدامات، ويسهم في تحقيق استدامة أكبر لهذه الموارد من خلال توفير أطر قانونية داعمة للتنمية المستدامة.
تعتبر هذه المشروعات خطوات أساسية ضمن استراتيجية الدولة لتحقيق الأمن المائي، حيث تسهم في تعزيز كفاءة استخدام المياه وضمان استدامتها للأجيال المقبلة في ظل التحديات المائية الحالية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الشح المائي المياة الفقر المائي استهلاك المياه أزمة المياه معالجة مياه ترشيد استهلاك المياه الموارد المائية ملیار متر مکعب من الموارد المائیة من المیاه من میاه
إقرأ أيضاً:
د. ثروت إمبابي يكتب: الإدارة المستدامة للموارد المائية في مصر
في ظل ما يشهده العالم من أزمات مائية متفاقمة، تبرز قضية الإدارة المستدامة للموارد المائية في مصر كأحد التحديات المصيرية التي لا تحتمل التأجيل. فقد أصبحت المياه سلعة إستراتيجية تمس الأمن القومي والغذائي في آنٍ واحد، لاسيما في بلد يعتمد بشكل شبه كامل على نهر النيل، الذي ظلت حصته ثابتة رغم تزايد عدد السكان وتوسع الأنشطة الاقتصادية والعمرانية.
ومن هذا المنطلق، فإن تحقيق إدارة رشيدة ومستدامة للمياه لم يعد ترفًا، بل ضرورة ملحّة تفرضها طبيعة المرحلة، ويجب أن تُبنى على أسس علمية وتشاركية تضمن الحق في المياه للأجيال الحالية والمقبلة.
ورغم أن مصر حققت تقدمًا في بعض مسارات إدارة الموارد المائية، إلا أن حجم التحديات ما زال كبيرًا، ويتطلب نظرة شاملة تدمج بين الحلول التقنية والإصلاحات المؤسسية والوعي المجتمعي. فالواقع المائي يواجه ضغطًا مزدوجًا؛ من جهةٍ تتعرض البلاد لتغيرات مناخية أفضت إلى ارتفاع معدلات التبخر وتراجع كميات المياه المتجددة، ومن جهة أخرى، ما زالت بعض القطاعات، وعلى رأسها الزراعة، تعتمد على أساليب ري تقليدية تهدر كميات ضخمة من المياه دون تحقيق مردود إنتاجي يتناسب مع هذا الهدر. وهنا يبرز التساؤل: كيف يمكن لمصر أن تعبر هذه المرحلة الحرجة بنجاح وتبني نموذجًا فعالًا للإدارة المستدامة للمياه؟
الإجابة تتطلب أولًا تغييرًا في نمط التفكير، والانتقال من فكرة “التعامل مع المياه باعتبارها متوفرة” إلى “إدارتها كسلعة نادرة يجب تعظيم الاستفادة منها”. من هذا المنطلق، تمثل مشروعات تحديث نظم الري الزراعي نقطة انطلاق ضرورية، إذ إن التحول من الري بالغمر إلى نظم أكثر كفاءة، كالري بالتنقيط أو الرش، يساهم في ترشيد الاستهلاك بنسبة كبيرة. وبالتوازي مع ذلك، فإن التوسع في زراعة الأصناف قصيرة الدورة وعالية التحمل للجفاف يعزز من كفاءة استخدام المياه دون التأثير سلبًا على الأمن الغذائي.
ولأن الإدارة الفعالة لا تقتصر على تقليل الاستهلاك فقط، فقد بات من المهم أيضًا تعظيم الموارد المائية غير التقليدية. ومن أبرز هذه الموارد: مياه الصرف الزراعي والصحي المعالجة، والتي يمكن استخدامها في ري الغابات الشجرية أو زراعة المحاصيل غير الغذائية بعد المعالجة الثلاثية. وقد قطعت مصر شوطًا ملحوظًا في هذا المجال، لا سيما من خلال إنشاء محطات عملاقة، مثل محطة معالجة مياه “بحر البقر”، والتي تعد نموذجًا يحتذى به في الاستفادة من المياه المعالجة في أغراض تنموية.
وإذا كانت المياه المعالجة تمثل موردًا بديلًا، فإن تحلية مياه البحر تمثل خيارًا استراتيجيًا لا بد من التوسع فيه، خاصة في المناطق الساحلية. وقد اتجهت الدولة إلى إنشاء عدة محطات لتحلية المياه على سواحل البحرين الأحمر والمتوسط، وهو توجه صائب يقلل من الضغط على المياه النيلية ويوفر مصدرًا مستدامًا للمياه الصالحة للشرب.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل ما يمكن تحقيقه من تعاون مشترك مع دول المنبع لتقليل الفاقد المائي في المناطق العليا من حوض النيل، خصوصًا في مناطق المستنقعات. فهناك كميات ضخمة من المياه تضيع سنويًا بسبب التبخر والتسرب في مناطق مثل مستنقعات السدود بجنوب السودان. ويمكن من خلال مشروعات هندسية مشتركة، كتوسيع وتعميق المجاري المائية، وشق قنوات ملاحية صناعية مثل مشروع “قناة جونقلي” (الذي توقف منذ عقود)، تقليل هذا الفاقد واستعادة كميات معتبرة من المياه كانت تذهب هدرًا. كما أن إقامة محطات تجميع وخزانات مطرية على روافد النيل الأبيض في أوغندا والكونغو يمكن أن يحقق فائدتين معًا: تحسين تصريف المياه، وتقليل التبخر، بما يعود بالنفع على دول الحوض كافة. غير أن هذه المشاريع لا يمكن تنفيذها إلا في إطار من الثقة والتعاون الإقليمي طويل المدى، الذي يراعي مصالح جميع الأطراف ويقوم على مبدأ “المنفعة المشتركة وعدم الضرر”.
لكن، ومع أهمية الجهود الحكومية، فإن الإدارة المستدامة للموارد المائية لن تؤتي ثمارها دون مشاركة مجتمعية حقيقية. إذ إن ترسيخ ثقافة الترشيد يبدأ من الفرد، ويتجذر في الأسرة، ويتعزز عبر التعليم والإعلام. فحين يدرك المواطن أن كل قطرة ماء لها ثمن، وأن الإسراف في استخدامها ليس فقط إهدارًا للثروة، بل إضرارٌ بالمستقبل، يصبح جزءًا من الحل بدلًا من أن يكون سببًا في تفاقم الأزمة. ولهذا، فإن حملات التوعية، وربط استهلاك المياه بالفاتورة العادلة، وتمكين المجتمعات المحلية من المشاركة في مبادرات الحفاظ على المياه، كلها أدوات فعالة لإحداث التغيير المطلوب.
ومن أجل إحكام المنظومة، لا بد من وجود إطار تشريعي صارم ومنضبط ينظم استخدام المياه، ويحد من التعديات، ويحاسب على المخالفات. ويأتي صدور قانون الموارد المائية والري الجديد كمؤشر على وجود إرادة سياسية تسعى لتقنين إدارة المياه وتعزيز الكفاءة في توزيعها واستخدامها، ما يخلق بيئة قانونية تدعم جهود الاستدامة وتحفّز الالتزام المجتمعي.
وبينما نمضي نحو المستقبل، لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي تلعبه التكنولوجيا الحديثة في دعم إدارة الموارد المائية. فقد أصبح الاعتماد على نظم المعلومات الجغرافية، وأجهزة الاستشعار، والتطبيقات الرقمية، جزءًا لا يتجزأ من آليات التخطيط والرصد والتقييم. بل إن توظيف الذكاء الاصطناعي بات يتيح فرصًا جديدة للتنبؤ بأوقات الشح المائي، وتحسين توزيع الموارد، ومتابعة الاستخدام الفعلي بدقة متناهية.
في نهاية المطاف، فإن نجاح مصر في تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية مرهون بمدى قدرتها على الدمج بين المعرفة العلمية، والإرادة السياسية، ووعي المواطن. فالمياه، كما يقول المثل الشعبي، “زي الذهب إن ما حافظتش عليه هيروح منك”، ومن ثم فإن كل قطرة يجب أن تُدار بعقل، وتُستهلك بحكمة، وتُحاط بمنظومة حماية تضمن استمرارها كمصدر للحياة والنماء.