الوطن:
2025-06-24@18:55:21 GMT

محمود مرزوق يكتب: الخواجة جرانجر وسرقة التاريخ

تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT

محمود مرزوق يكتب: الخواجة جرانجر وسرقة التاريخ

عندما بدأت الثورة الصناعية فى أوروبا كانت صناعة النسيج هى أبرز الصناعات التى أنتجتها هذه الثورة الفاصلة فى التاريخ الحديث.

وفى هذه الأثناء كانت فرنسا وإنجلترا فى حالة تنافس محموم بغية النهوض بصناعة المنسوجات ومن ثم الاستغناء عن الاستيراد من الهند وحواضر الشرق الأوسط مثل القاهرة وحلب وديار بكر والانتقال لمرحلة الإنتاج والاكتفاء الذاتى والتصدير، لكن هذا الطموح كان يواجه عقبة كبيرة تتمثل فى التقنيات المصاحبة لعملية التصنيع، وتحديداً عملية صباغة المنسوجات، فكانت فرنسا تضطر لإرسال أقمشتها لتُصبغ فى هولندا ثم تكتمل عملية تصنيعها فى فرنسا من جديد.

وبدأ الفرنسيون يفكرون فى إيجاد طريقة اقتصادية لتلوين أقمشتهم ومنسوجاتهم تسهم فى النهضة بمشروعهم الصناعى الناشئ، غير أن محاولاتهم لم تُكلل بالنجاح، فبدأوا جولة جديدة من التجسس الصناعى بعدما تواترت لديهم معلومات تؤكد أن أفضل ما يمكنهم فعله هو اقتباس التقنية المصرية فى تبييض وصبغ الأقمشة والمنسوجات، وقد كانت مصر وصُناعها لديهم خبرة متراكمة عبر الزمن فى معالجة الألوان واستنباط الجديد والطريف والمركَّب منها بدراية هائلة وخبرة تناقلوها من عصور ما قبل الأسرات.

وفى الوقت الذى كانت تتطلع فيه فرنسا لطرف خيط يسهم فى نجاح صبغ وتبييض الأقمشة كانت القاهرة تعج بطوائف الصُناع المهرة المدربين على التقنيات التقليدية فى صبغ المنسوجات، فكانت هناك طائفة الصباغين بالأحمر وطائفة البصمجية الموكلين بوضع الألوان الزاهية المتداخلة على الأقمشة.

اقتضى نظام طوائف الحرفيين آنذاك أن تكون الطائفة مغلقة على نفسها ولا تسمح إطلاقاً بوجود دخلاء على المهنة ومن يمارس المهنة دون تصريح من شيخ الطائفة يُعرِّض نفسه للمساءلة القانونية أمام المحاكم الشرعية، والتى كانت تحكم بالقانون الداخلى لكل طائفة.

ولضمان الجودة ومنع التنافسية كانت أسرار الصنعة حكراً على كل طائفة، وهو ما ضمن ربحاً كبيراً للطائفة التى لا ينافسها أحد وتحتكر أسرار الصنعة، غير أن القائمين على صناعة النسيج فى فرنسا كانوا يتطلعون لإنجاح تجربتهم الخاصة بصنع النسيج، وكانت الحلقة المفقودة التى يبحثون عنها هى تقنية إنتاج ملح النوشادر، وهى مادة كيميائية يتم إنتاجها بطريقة تقليدية وتسهم فى ثبات الألوان واستمرارها زاهية فترة طويلة بعد الصباغة والاستعمال، وهنا قرر الفرنسيون استخدام مهارتهم فى التجسس الصناعى فأرسلوا قناصل وتجاراً ورهباناً بهدف جمع معلومات عن تقنية صناعة ملح النوشادر، وجاء النجاح واقتناص المعلومات على يد طبيب يُدعى جرانجر تنكَّر فى زى رجل عربى وبدأ التجول حول ورش صناعة هذه المادة الكيمائية بغية تحصيل أى معلومات تكشف له سر الصنعة، إلى أن سنحت الفرصة عندما فقد الوعى فجأة أحد صُناع ورش ملح النوشادر، وهنا اندس جرانجر وسط الجموع التى تحاول إسعاف الرجل ونجح فى علاجه بحكم عمله كطبيب، وأثناء جلسة ودية أعقبت إسعاف المريض انحلت عقدة لسان معلمى الملح وتباسطوا مع الخواجة جرانجر وشرحوا له من الألف للياء طريقتهم السرية فى تحضير ملح النوشادر، وبسرعة البرق أرسل جرانجر ما تراكم لديه من معلومات ثمينة لفرنسا فاعتبروا ذلك نصراً كبيراً وعلقوا: «الناجحون هم الذين لا تشيع أسرارهم»، وهكذا فقدت مصر أحد أوجه تميزها وتفردها بفعل خديعة أتقنها الخواجة جرانجر.

هذه الواقعة وغيرها من وقائع كثيرة تُعد حلقة من حلقات ممتدة لسياسات الاستيلاء الثقافى التى شملت سرقة الأفكار والآثار، وتؤكد أن لحظة الاصطدام بالغرب وقت الحملة الفرنسية ما هى إلا لحظة مهمة ولكنها ليست فريدة.

* كاتب وباحث فى الآثار المصرية

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: صناعة النسيج

إقرأ أيضاً:

ميراث.. "البنات"

استغاثة عبر أحد المواقع ومقطع فيديو منتشر على السوشيال ميديا، لفتاة تدعى "الدكتورة هبة" تشكو فيها من التهديدات التى باتت تلاحقها من عائلة والدها الذين يطالبون بحقهم فى الميراث، على الرغم من أن كل الممتلكات نقلت بعقود رسمية لها فى حياة والدها.

الفتاة هى الابنة الوحيدة للمستشار الراحل يحيى عبد المجيد، محافظ الشرقية وأمين عام مجلس الدولة الأسبق، والتى أكدت، عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك، تعرضها لمحاولات نزع ممتلكاتها من قبل بعض الأقارب الذين يستغلون نفوذهم.

وأوضحت أنها تواجه أحكامًا غيابية صدرت دون إخطارها، وقضايا كيدية تهدف إلى إجبارها على التنازل عن حقوقها.

وأعربت عن قلقها من التهديدات المباشرة والمراقبة والتتبع الذي تتعرض له، مما يهدد سلامتها الشخصية ومستقبلها، وأرفقت مستندات قانونية تؤكد ملكيتها الشرعية للممتلكات، وأن بعضها لم يكن ملك والدها الراحل، بل تم تسجيله باسمها مباشرة.

الفتاة الشابة قالت إنها غير متزوجة وهى تنفق من عوائد إيجار ممتلكاتها، وأضافت: "هذه الثروة جمعها أبي من سنوات عمله فى إحدى الدول العربية، ونقلها باسمي حتى لا أحتاج لأحد، وتساءلت لو أخذوها مني أترمي فى الشارع؟

الفتاة التى أبدت تخوفها من نفس مصير حفيد عائلة الدجوي، الذي لقي مصرعه في ظروف مأساوية مرتبطة بنزاع على الميراث، تفاعل معها الكثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولكل حكي تجربته المماثلة والتى غالبا ما يعاني منها نسبة كبيرة من البنات فى مجتمعنا.

بالطبع الشرع والقانون يحدد الأنصبة فى الميراث عند وفاة الوالد، لكن غالبا ما يستحوذ الأخوة الذكور على كل الممتلكات ويماطلون فى إعطاء أخواتهم البنات نصيبهن من الميراث، بحجة أن ثروة العائلة يجب ألا تخرج لـ"الغريب" وهو زوج وأبناء الابنة، يحدث هذا فى القرى فاذا كان الميراث بيت أو قطعة أرض، فيتم فى أفضل الأحوال إعطاء البنت مبلغا زهيدا مقابل حقها، وهى ترضخ لذلك مراعاة لصلة الرحم، ولذلك تصر العائلات فى القرى والصعيد على تزويج البنات لأبناء عمومتها، حكت لى سيدة ريفية بأن والدها يصر على نقل ملكية قطعة أرض صغيرة إلى ابنه الذكر الوحيد، وحرمانها هى وأخواتها البنات الثلاثة من الميراث، بحجة أن الابن هو من يحمل اسمه وبالتالي ميراثه.

الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية الأسبق، كان له رأى حاسم فى هذا الأمر، حيث أكد أن تقسيم الميراث بحسب الشريعة الإسلامية مختلف عن تصرف المالك في ماله وأملاكه وهو على قيد الحياة. مؤكدا أيضا على عدم المساس بأحكام المواريث التى تدخل حيز التطبيق بعد الموت وليس قبله، حيث يتمتع المالك أثناء حياته بحق التصرف في أمواله كيفما يشاء دون عدوان أو إهدار، وأيّد قيام الأب بكتابة أملاكه لبناته لحماية حقوقهن وسترهن في الدنيا.

في 5 ديسمبر 2017 وافق مجلس النواب على تعديل قانون المواريث، حيث تم النص على معاقبة كل من امتنع عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة قد تصل إلى 100 ألف جنيه، كما تعاقب كل من حجب أو امتنع عن تسليم مستند يثبت ميراثاً بالحبس 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه.

قصص كثيرة مليئة بالشجن فى قضية الميراث، فالقوانين لن تفلح فى تغيير صفات البشر الذين تربوا على معتقدات وعادات ينقصها الانصاف، ويعززها الظلم.

مقالات مشابهة

  • الترجي.. هل تواصل الكرة التونسية صناعة التاريخ بالفوز على تشلسي؟
  • اعتماد جدول إمتحانات الدور الثاني للعام الدراسي 2025 لمراحل النقل والشهادة الاعدادية في الدقهلية
  • وسام أبو علي يكتب التاريخ بهاتريك جديد للأهلي في مونديال الأندية
  • مديرية أمن طرابلس تسجل سلسلة من الضبطيات الجنائية بقضايا سطو وطعن وسرقة
  • روسيا تخشى توماهوك الأمريكي.. اللواء مرزوق يكشف سر تخوف موسكو وتفوق الصواريخ الأمريكية
  • محفوظ مرزوق: صاروخ توما هوك كان عامل رعب للروس وبسببه لجأوا لصناعة الفرط صوتي
  • محفوظ مرزوق يكشف عن نوع الصاروخ الأمريكي في ضرب منشآت إيران النووية
  • ميراث.. "البنات"
  • ألقاها بجوار مسجد.. إحالة أوراق معلم قرآن للمفتي بتهمة قتل مسنة في قنا
  • جنوب كردفان.. قوة تابعة للدعم السريع والحركة الشعبية جناح الحلو يواصلون عمليات نهب وسرقة لأكثر من 150 رأس من الضأن