أثارت قضية التسريبات الأمنية التي طالت مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موجة من الانتقادات والاتهامات، التي استهدفت طريقة تعاطيه مع الوثائق السرية لأهداف سياسية.

وفي مقال له بصحيفة يديعوت أحرونوت، قدّم المحلل العسكري ناحوم برنيع قراءة معمقة لتداعيات الفضيحة، إذ رأى أن الأمر يتجاوز مسألة تسريب الوثائق إلى "استغلال خطأ ومتعمد للمعلومات السرية بهدف تضليل الرأي العام الإسرائيلي".

تضليل لا تسريب

يرى برنيع أن "جوهر القضية ليس التسريب في حد ذاته، بل الكذب واستخدام الوثائق السرية للتلاعب بالحقائق"، معتبرًا أن هذه التصرفات تستهدف تضليل الجمهور حول قضايا تمس حياة المواطنين. ويصف برنيع هذا التوجه بأنه يعكس "طبيعة الأنظمة المظلمة التي تعمد إلى الإساءة لشعبها ومواطنيها وضحايا فشلها".

يستعرض المحلل العسكري للصحيفة الدور الذي لعبه في الفضيحة إيلي فلدشتاين، أحد المساعدين البارزين لنتنياهو والمتحدث السابق بمكتبه، إذ يقول برنيع إن فلدشتاين عمل على زرع وتمرير معلومات أمنية إلى وسائل الإعلام الألمانية والبريطانية، بغية التأثير على الرأي العام لخدمة الأهداف السياسية لرئيس الوزراء.

وتشير الشبهات إلى أن فلدشتاين تواطأ مع ضباط عسكريين، وحصل منهم على وثائق سرية قام بتوزيعها بتفسير مشوه. وعند نشر المعلومات في صحيفة "بيلد" الألمانية و"جويش كرونيكل" البريطانية، استغل نتنياهو وزوجته هذه المنشورات لتحقيق مكاسب سياسية، كما يوضح برنيع.

ويقول برنيع إن فضح هذه العمليات من قبل الصحفي رونين بيرغمان أدى إلى فتح تحقيق انتقل من الجيش إلى الشاباك، لكن مكتب رئيس الوزراء حاول التملص، إذ بدأ الأمر بإنكار تام من المكتب، عبر تصريحات أولية جاء فيها "لم يحدث شيء، وإذا كان قد حدث، فإنه لا يعني شيئًا".

ومع تكشف مزيد من الحقائق، ادّعى المكتب أن فلدشتاين لم يكن موظفًا مباشرا لدى نتنياهو، وأن رئيس الوزراء لم يعلم عن الوثائق إلا من وسائل الإعلام. وفي المرحلة الثالثة، بعد ازدياد الضغط، حاول مكتب نتنياهو تصوير التسريبات على أنها أمر طبيعي، زاعما أن "الجميع يسربون المعلومات طوال الوقت".

يعتبر برنيع أن هذه الرواية تفتقر إلى المصداقية، ويقول إن "الرواية كاذبة، فجوهر القضية هو الاستخدام الخطأ للمواد السرية من أجل تضليل الرأي العام الإسرائيلي حول القضية الأكثر أهمية على جدول الأعمال، وهي مسألة حياة أو موت".

"ديناميكيات السم"

يرى برنيع أن نتنياهو لجأ إلى الأسلوب نفسه في قضايا سابقة، مثل قضية الغواصات والسفن البحرية، حيث تبنى نهج الإنكار أولاً، ثم قدم تفسيرات ملتوية، وعندما انتهت جميع التبريرات، لجأ إلى القول: "أنا رئيس الوزراء، وأنا أقرر".

ويضيف أن نتنياهو لطالما استغل منصبه لتنفيذ ما يراه مناسبا لأمن الدولة، دون الحاجة لتقديم تفسير، قائلاً إن "الوثائق الأمنية كانت تُطوّع حسب رغبته".

يقارن برنيع بين ما يفعله نتنياهو اليوم وما حدث مع الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون، حين طلب جونسون ذات مرة من الصحفي جاك أندرسون تسريب قصة لصالحه، وعندما رفض أندرسون، قال له جونسون: "لا تقلق، سأجعل الوثيقة سرية".

ويشير برنيع إلى أن نتنياهو، الذي يُعرف بحبه للنماذج الأميركية، يقتدي في بعض الأحيان بممارسات مشابهة، مما يثير مخاوف بشأن مساره السياسي.

يوضح المحلل العسكري أن هذه التسريبات لم تؤثر فقط على السياسيين والإعلاميين، بل امتدت إلى الشهود في محاكمة نتنياهو، وأدت إلى تآكل الثقة العامة بالمؤسسات، ويصف الوضع الحالي بأنه "آلة سم لا تتوقف تحطم كل ما يقف في طريقها، متضمنة حتى أولئك الذين كانوا يوما ما داعمين لنتنياهو".

يختتم برنيع مقاله بتحذير من أن "الدول التي تمر بمرحلة انقلابية لا تعرف دائما متى وصلت إلى نقطة اللاعودة". ويؤكد أن الإسرائيليين ما زالوا يتمتعون بحرية التعبير، ووكالات إنفاذ القانون، لكن ما يحدث "في روح مكتب رئيس الوزراء ومحيطه المباشر أمر مقلق للغاية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رئیس الوزراء

إقرأ أيضاً:

كيف خدع السادات الإسرائيليين مستخدما "جوهرة التضليل والذئب الكذاب"؟.. (قراءة غربية جديدة)

كشف وثائقي جديد التفاصيل المذهلة لخطة الخداع الاستراتيجي المصرية التي سبقت حرب أكتوبر 1973، والتي أدت إلى انهيار "المفهوم الأمني" الإسرائيلي وفشل استخباراتي ذريع لكل من تل أبيب وواشنطن. 

ويؤكد الوثائقي الذي عرضته “The Fifth Angle” على “يوتيوب”، والتي تعرف نفسها بأنها "الزاوية الخامسة" التي تروي ما لم يُروَ، وما تم تجاهله، وما أُسيء تذكره، من خلال سرد سينمائي وبحثٍ معمّق، واستكشاف التاريخ والصراع والثقافة من زوايا نادرًا ما تتصدر العناوين، أن الرئيس الراحل أنور السادات أدار حملة خداع طبقية، استغرقت سنوات، حولت نقاط القوة الإسرائيلية إلى نقاط ضعف.

بناء جيش جديد واستغلال "المفهوم" الإسرائيلي

وبحسب الوثائقي بدأت مصر ثورة عسكرية صامتة بعد هزيمة 1967، شملت تطهير القيادات غير الكفؤة والتركيز على الدراسة المعمقة للعدو الإسرائيلي، عكس الجمود والثقة المفرطة التي سادت التفكير العسكري الإسرائيلي.
وأفاد أن الخداع المصري اعتمد على تفكيك قناعة راسخة لدى القيادة الإسرائيلية، عُرفت باسم "المفهوم"، ومفادها أن مصر لن تخوض حرباً دون امتلاك قوة جوية متقدمة قادرة على تدمير المطارات الإسرائيلية، وأن سوريا لن تتحرك دون مصر، وقد صمم السادات خطته بالكامل لاختراق هذا المفهوم.

تكتيكات لـ"تخدير" الإسرائيليين

ولم يعتمد المصريون على سرية التحركات فحسب، بل على "تخدير" أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وجعلها تقلل من شأن المؤشرات الحقيقية:
مناورات "الذئب الكذاب": تم حشد وتسريح القوات المصرية 22 مرة في عام 1973. وبعد أن استجابت إسرائيل لإنذار كاذب في مايو بتعبئة مكلفة، أصبحت القيادة العسكرية تميل إلى تجاهل التحركات اللاحقة واعتبارها "مجرد تدريبات روتينية".

 تمويه المعدات وتحييد الأقمار الصناعية: قام المهندسون العسكريون بمزامنة الاستعدادات الرئيسية مع فترات "العمى" المعروفة للأقمار الصناعية الأمريكية. كما استخدموا تكتيكات لتمويه مواقع صواريخ (سام)، أو إظهار الدبابات المتجهة للجبهة وكأنها مركبات معطلة تُرسل إلى ورش الإصلاح.
جدار الصواريخ: لم يسعَ المصريون لتدمير الطيران الإسرائيلي من الجو، بل لحرمانه من التفوق الجوي فوق القناة عبر بناء مظلة كثيفة من صواريخ الدفاع الجوي (سام) لحماية القوات البرية، وهو ما فاجأ إسرائيل تماماً وأسقط عشرات الطائرات في الأيام الأولى.
اللعب على حبل الدبلوماسية: حافظ السادات على وهم المسار الدبلوماسي، حتى إنه أطلق "هجوماً سلامياً" في فبراير 1973، بينما كانت الاستعدادات للحرب تسير على قدم وساق، وصدرت تعليمات للقوات على القناة بالظهور بمظهر الاسترخاء وممارسة الصيد والسباحة، لتثبيت انطباع "الروتين" لدى المراقبين الإسرائيليين.


أشرف مروان: "جوهرة تاج الخداع"


كان أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عميل الموساد المزدوج، هو الأداة الأكثر فعالية في خطة الخداع، فقد قام بتعزيز الاعتقاد الإسرائيلي بأن الحرب مستبعدة، وأطلق إنذارات كاذبة أرهقت الجيش الإسرائيلي وأعطت المصريين فرصة لدراسة أنماط تعبئته.
وفي اللحظات الحاسمة، وقبل أقل من 24 ساعة من الهجوم، قام مروان بالتالي:
تأخير التحذير: طلب الاجتماع شخصياً برئيس الموساد، تسفي زامير، في لندن بدلاً من استخدام كلمة السر المتفق عليها للحرب، مما أخر وصول المعلومات الحيوية.
التوقيت الخاطئ: أبلغ زامير بأن الهجوم سيبدأ عند غروب الشمس، بينما انطلق في الساعة الثانية ظهراً، وهي ساعات قليلة كانت حاسمة ومنعت الاحتياط الإسرائيلي من الوصول للجبهة في الوقت المناسب.
خلص التحليل إلى أن مروان لم يكن مجرد عميل مزدوج، بل كان جزءاً من "فريق" مكون من 40 شخصاً مهمته زرع وتغذية "المفهوم" الخاطئ داخل جهاز المخابرات الإسرائيلي.
ويُعتبر الخداع المصري عام 1973 أحد أكثر الأمثلة نجاحاً للخداع الاستراتيجي في التاريخ العسكري الحديث.

اقرأ المزيد..

دينا أبو الخير: الجيش المصري جسد مبادئ الإسلام النبيلة في حرب أكتوبر الأجانب يقعون في غرام أغنية حرب أكتوبر.. "تحيا أقدم أمة في العالم" (فيديو) إبراهيم عيسى: نصر أكتوبر حقيقة لا ينكرها إلا كارهو السادات ومتبنو الرواية الإسرائيلية قناة السويس تحتفل بانتصارات أكتوبر بافتتاح كوبري جديد (فيديو) علاء وجمال مبارك يحييان ذكرى انتصار أكتوبر بزيارة ضريح والدهما.. فيديو عاجل.. حماس وإسرائيل يبحثان في القاهرة آليات تهدئة الأوضاع في غزة رمضان عبدالمعز: جيش مصر خير أجناد الأرض ونصر أكتوبر من أيام الله العظام "وزير الزراعة" يكشف سبب نفوق 13 أسدا بحديقة الحيوان ويعلق على تذكرة الـ400 جنيه علاء فاروق: مشروع حديقة الحيوان سيكون بصمة عالمية وفخر لكل المصريين وزير الزراعة يوضح الحقيقة الكاملة لأزمة غرق أراضي طرح النهر

مقالات مشابهة

  • برلمانية تكشف مزايا متابعة رئيس الوزراء لجهود إدارة الدين الخارجي
  •  رئيس «نزاهة» يبحث التعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة
  • تقدير إسرائيلي: نتنياهو يغيّر مساره السياسي.. انتقل من أقصى اليمين إلى قلب الوسط
  • فضيحة غذائية تهز الأسواق .. صحة البيئة بصنعاء تكشف شبكات لإعادة تدوير الأغذية الفاسدة
  • كيف خدع السادات الإسرائيليين مستخدما "جوهرة التضليل والذئب الكذاب"؟.. (قراءة غربية جديدة)
  • نتنياهو لوزرائه.. فقط رئيس الوزراء من يتحدث عن المفاوضات
  • نتنياهو يمنع الوزراء والمسؤولين من الحديث عن مفاوضات وقف الحرب
  • السعودية تكشف عن التأشيرات التي تؤهل صاحبها لأداء العمرة
  • رغم الإعلان.. مكتب رئيس الوزراء: ديرمر لن يغادر إلى القاهرة غدًا
  • خطة غزة تكشف من "يدير اللعبة".. نتنياهو أم ترامب؟