واشنطن بوست: نظريات المؤامرة تتخلل الانتخابات الأميركية
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
أصبح المجتمع الأميركي يعيش في فقاعات معلومات منفصلة تتخللها نظريات المؤامرة، وحلَّ التخوف محل النقاش بين الناخبين على القطبين، وطبق ما وصفه معجم أوكسفورد بعصر "ما بعد الحقائق"، وهو عصر تحل فيه العواطف والمعتقدات الشخصية محل الحقائق الموضوعية بصفتها المؤثر الرئيسي في تشكيل الرأي العام.
وبهذه العبارات التحذيرية وصفت مراسلة صحيفة واشنطن بوست سارة إليسون الجو العام بالولايات المتحدة قبيل الانتخابات بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب، مشيرة إلى خوف ناخبين كثيرين من التعبير عن آرائهم أو مناقشة اختياراتهم علنًا.
وأكدت إليسون أن الانقسام السياسي مشكلة حقيقية باتت تهدد نسيج المجتمع الأميركي وبان أثرها في الانتخابات، ويؤجج المعضلة ارتفاع نسبة التخوف من ردود الفعل العنيفة بين أفراد المجتمع أثناء النقاش، مما يؤدي إلى ترسيخ المعلومات الخاطئة بين الطرفين، الجمهوري والديمقراطي، ولا يترك للحوار سبيلا.
وأشارت الكاتبة إلى بعض نظريات المؤامرة المنتشرة ومنها أن الديمقراطيين "يستوردون" المهاجرين للتصويت لهم بشكل غير قانوني و"استبدال" الأميركيين البيض، أو أن وكالات الاستخبارات الأميركية تخطط لاغتيال حلفاء ترامب بعد الانتخابات، أو أن الهايتيين يأكلون الحيوانات الأليفة في أوهايو، أو أن ترامب جلس على منشفة سوداء (تبين أنها معطفه لاحقا) خلال مقابلة أجراها مع قناة فوكس نيوز لإخفاء أثر تبوله اللا إرادي لكبر سنه.
عوامل انتشار نظريات المؤامرةووفق المقال، لم تبدأ المشكلة الآن وليس ترامب أول من يروج للحقائق المغلوطة، ولكن كان له دور كبير بنشرها منذ أول يوم تسلم به السلطة.
كما أن الارتياب المتنامي تجاه مجالات السلطة التقليدية، حتى لدى مسؤولي الانتخابات والعاملين في مجال الرعاية الصحية والصحفيين والعلماء، قد حفر الشكوك في حجر أساس الديمقراطية الأميركية.
وأشارت الكاتبة كذلك إلى خوارزميات الإنترنت التي تبرز القصص الأكثر "تطرفا" وإثارة للاهتمام -وتزج بها بوجه المستخدم تكرارا- وتسهم في زرع "خطر المؤامرة" في عقول الناس.
ووصف التقرير، استنادا إلى آراء خبراء، آلية انتشار المعلومات المضللة أو نظريات المؤامرة على أنها عملية طويلة المدى و تدريجية وتحصل على عدة مراحل يصبح بها المرء شيئا فشيئا أكثر تقبلا للحقائق الغريبة البعيدة عن الواقع، ويصبح أكثر استعدادا وجاهزية لتصديق ناشري المعلومات الخاطئة من المؤثرين بوسائل التواصل الاجتماعية أو السياسيين، مما يضعف أساس المجتمع الديمقراطي ويجعله أكثر عرضة لخطر تدخل عناصر خارجية مثل روسيا في سياق الانتخابات.
وقالت كلير واردل، وهي أستاذة في جامعة كورنيل متخصصة بدراسة النظام البيئي المعلوماتي المعاصر والمعلومات المضللة، في هذا الصدد "يسيء الناس فهم المعلومات المضللة على أنها معلومات فردية يمكن التخلص منها، جاهلين بذلك حقيقة عملها ببناء عقلية تآمرية مع مرور الوقت يمكن استغلالها في الظروف المناسبة".
دور انهيار وسائل الإعلام التقليديةوفق التقرير، انخفضت ثقة الجمهوريين بوسائل الإعلام الرئيسية من 70% في عام 2016 إلى 40% فقط في عام 2024، كما أصبح 40% من الجمهوريين يفضلون وسائل التواصل الاجتماعي مصدرا للمعلومات، ويعود ذلك جزئيا لهجوم شخصيات مؤثرة مثل ترامب على الصحافة.
وسمح تآكل الثقة في المؤسسات الإعلامية التقليدية بازدهار نظريات المؤامرة، خاصة خلال الأزمات الوطنية مثل الأعاصير التي هزت البلاد في الفترة السابقة أو جائحة كورونا.
ووصف تيد بوتروس، محامي التعديل الأول من الدستور الأميركي، أزمة المعلومات المضللة بأنها تهديد وجودي للديمقراطية، وأكد أن "حرب ترامب مع الصحافة" سبب رئيسي بالمشكلة.
ومع تدهور مكانة وسائل الإعلام التقليدية، أصبح الأميركيون يلجؤون إلى مصادر محلية مألوفة للحصول على الأخبار، مثل الأصدقاء والعائلة وشخصيات وسائل التواصل الاجتماعي، حسب نتائج مركز بيو للأبحاث والاستطلاعات.
وسلطت واردل الضوء على المخاطر المتعلقة بهذه النقلة قائلة "نحن نتطلع في أوقات الشك إلى الأشخاص الذين نعرفهم، للحصول على الأخبار الموثوقة"، وقد سهل هذا الاتجاه صعود المؤثرين على الإنترنت الذين يخاطبون المشاهدين بحميمية الأصدقاء، مستغلين في كثير من الأحيان انعدام الثقة الذي زرعته سنوات من الخطاب الحزبي، حتى إن بعض المؤثرين الذين عززتهم شبكات الدعاية الممولة من روسيا مثل "تينيت ميديا" نشروا رسائل مضللة أحيانا ومصممة خصيصا لدعم ترامب، مما أدى إلى تعميق الانقسامات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات المعلومات المضللة نظریات المؤامرة
إقرأ أيضاً:
كيف طور ترامب رؤيته لإيران طوال عقد من الزمان؟
واشنطن- تبنَّت واشنطن منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 إستراتيجية عدائية عسكرية واضحة للتعامل مع النظام الإيراني تعتمد على احترام طهران 3 خطوط حمراء، وتدرك الأخيرة أن تخطي أي منها سيؤدي بواشنطن لمهاجمتها عسكريا.
وهذه الخطوط:
منع إيران أو عرقلتها شحن النفط عبر مضيق هرمز اقتراب طهران من الحصول على سلاح نووي وجود تهديد عسكري حقيقي من إيران لأحد حلفاء واشنطن الخليجيين.ومنذ ظهوره مرشحا رئاسيا عام 2025، لم يخرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نص واشنطن تجاه إيران، إلا أنه كرر في كل مناسبة أن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما وقَّع على أسوأ صفقة في التاريخ، قاصدا الاتفاق النووي لعام 2015، وتعهد بالانسحاب من الاتفاق، والضغط على إيران لتوقيع اتفاق جديد حال وصوله للبيت الأبيض.
محاولات للضغطوفعلا، انسحب ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي، وجاء الانسحاب مخالفا وعلى النقيض من نصائح وتصورات أجهزة الاستخبارات الأميركية التي أكدت مرارا أن الاتفاق كان أفضل السبل لاحتواء الخطر الإيراني. وسعت واشنطن لعقد صفقة جديدة، ولجأت لاتباع سياسة الضغط القصوى، ولم تلب طهران نداء التفاوض من جديد.
وتوترت علاقات واشنطن وطهران خلال فترة حكم ترامب الأولى، حيث هاجمت ناقلات نفط في الخليج وخليج عُمان، وأخرى إماراتية ونرويجية قرب مضيق هرمز، ثم أسقطت إيران مُسيَّرة أميركية متطورة فوق مياه الخليج، واستهدفت هجمات صاروخية وبالمُسيَّرات منشآت لشركة أرامكو المؤسسة الحكومية التي تدير الثروة النفطية في السعودية.
إعلانوواجه ترامب معضلة تمثَّل أحد أبعادها في رغبته الظهور كرئيس قوي قادر على اتخاذ قرارات مهمة عند الضرورة، لكنه أيضا ظل محافظا على تعهداته بعدم توريط واشنطن بأي حروب شرق أوسطية جديدة، خاصة مع مطالبته الدائمة بعودة القوات الأميركية لأرض الوطن، كما لم ترد واشنطن على هجمات طهران على منشآت أرامكو.
كما تبنى نهجا متوازنا وسطيا ولجأ للبديل الوسط، بمعنى عدم بدء حرب تقليدية والاكتفاء بالقيام بهجمات إلكترونية أو فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية طالما لم يقع ضحايا أميركيون نتيجة هجمات إيران.
وذكر ترامب لاحقا أنه أمر بوقف الطائرات المتجهة لقصف أهداف داخل إيران عقب إسقاط طهران المُسيَّرة في الخليج العربي، وذلك خوفا من وقوع أعداد كبيرة من الضحايا الإيرانيين.
وأصبحت واشنطن -خلال حكم ترامب الأول، وحكم جو بايدن بعده- تتحدث بصوت واحد تجاه هذه القضية، واختصارها أن "نضمن ألا يكون لدى إيران مسار يؤدي لامتلاكها السلاح النووي، لا الآن، ولا في أي وقت على الإطلاق".
ووصل التصعيد بين طهران وواشنطن أقصى مراحله بداية 2020 مع تصفية الجنرال قاسم سليماني، قائد قوات الحرس الثوري الإيراني، خارج مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020.
حيث استغل ترامب تصفية سليماني ليظهر كقائد قوي، وبرمزية كبيرة دخل الغرفة الشرقية في البيت الأبيض لإلقاء كلمة انتظرها بشغف الشعبان الأميركي والإيراني، وتابعتها باهتمام وترقب العواصم العالمية، عقب مهاجمة إيران قواعد عسكرية عراقية تشمل آلاف الجنود الأميركيين.
وأكد الرئيس الأميركي عدم وقوع خسائر بصفوف جنوده والقواعد العسكرية العراقية التي تعرضت لضربة صاروخية إيرانية ردا على مقتل سليماني.
ومن جانبها، حققت طهران ما تريده من القصف، إذ أخبرت العراق بداية بأنها ستوجه ضربة صاروخية، وأوصلت رسالة بهذا المعنى لواشنطن. ولهذا لم يقع ضحايا أميركيون أو عراقيون، وهو ما لم ترده إيران أيضا لعدم توفير مبرر لترامب لضربها، وكرسالة لتخفيض التصعيد.
ومن ناحية أخرى، لم يتردد ترامب خلال قمة الرياض في مايو/أيار 2017 بمطالبة الدول العربية والإسلامية بضرورة مواجهة التهديدات الإيرانية.
إعلانوخلال كلمته أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019، كشف ترامب أن بلاده تعمل مع شركائها في المنطقة العربية لتكوين تحالف إستراتيجي إقليمي، وقال "أميركا تعمل مع دول مجلس التعاون الخليجي، والأردن ومصر لتكوين تحالف إستراتيجي إقليمي حتى تستطيع دول الشرق الأوسط أن تدفع بالازدهار والاستقرار والأمن في جميع أرجاء منطقتها".
ولم يتطرق إلى تفاصيل هذا التحالف أو آلياته أو طبيعته، لكنه أشار إلى إيران واصفا نظام حكمها بـ"الدكتاتورية الفاسدة". وأضاف "الزعماء الإيرانيون زرعوا بذور الفوضى والموت والدمار، إنهم لا يحترمون جيرانهم ولا حدودهم، ولا حقوق السيادة للدول".
كما انتقد ترامب -خلال خطاب حالة الاتحاد 2019- سجل بلاده في قضايا الشرق الأوسط، منوها بأنها "باتت تقاتل في المنطقة منذ 19 عاما تقريبا، حيث قتل نحو 7 آلاف عسكري أميركي وقرابة 52 ألفا من الجرحى والمعاقين، وتكلفة تقدر بـ7 تريليونات دولار".
وفي الوقت ذاته، تضمنت رؤية واشنطن لردع إيران وجود نحو 35 ألف جندي أميركي في دول الخليج بصورة شبه دائمة، ويتوزعون في عدة قواعد عسكرية، منها العديد الجوية في قطر، والدعم البحري في البحرين، والظفرة الجوية في الإمارات، ومعسكر الرفجان في الكويت.
ولم يغير ترامب من وضع هذه القوات، وذهبت فكرة الناتو العربي أدراج الرياح.
رؤية جديدةومع عودته للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، كرر ترامب أن هجمات حركة حماس على إسرائيل لم تكن لتحدث لو كان رئيسا، حيث إنه نجح في إفلاس إيران ووقف دعمها المالي لحلفائها الإقليميين، بينهم حماس.
وبين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان هذا العام، اتخذ الرئيس الأميركي سلسلة إجراءات لإجبار إيران على التفاوض على اتفاق نووي جديد، ملوحا بالتصعيد العسكري عند الضرورة.
وفي فبراير/شباط الماضي، وقَّع ترامب مذكرة رئاسية للأمن القومي أعادت حملة "الضغط الأقصى" ضد إيران، وذلك بحرمانها من القدرات اللازمة لتطوير برنامج نووي أو صاروخي، إضافة لفرض عقوبات اقتصادية صارمة على طهران، بما في ذلك استهداف صادراتها النفطية.
وعلى النقيض انخرط ترامب دبلوماسيا، وبعث في مارس/آذار 2025 رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يحث فيها على التفاوض بشأن اتفاق نووي جديد ليحل محل اتفاق عام 2015 الذي انسحب منه ترامب عام 2018، وشدد على تفضيله للدبلوماسية، محذرا من عمل عسكري محتمل إذا فشلت المفاوضات.
إعلانوبداية، رفضت إيران المبادرة، لكنها وافقت لاحقا على إجراء محادثات غير مباشرة بوساطة عُمان، وعقدت بالفعل 5 جولات، مثَّل أميركا فيها صديق ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
وتزامنا مع مسار التفاوض، استخدم ترامب باستمرار التهديد بالقوة العسكرية للضغط على إيران، وحذَّرها من قصف "لم تشهد مثله من قبل" إذا لم تبرم صفقة.
وبعد مهاجمة إسرائيل أهدافا إيرانية فجر 13 يونيو/حزيران الجاري، وتدمير أجزاء من المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، ومقتل كثير من المسؤولين العسكريين والعلماء النوويين، أشاد ترامب بالعملية الإسرائيلية ووصفها بـ"الممتازة" و"الناجحة للغاية" مؤكدا أن إسرائيل لديها "أفضل المعدات العسكرية وأكثرها فتكا في أي مكان في العالم".
وكرر ترامب اعتقاده بأن إيران يجب أن "تبرم اتفاقا الآن" بشأن برنامجها النووي لتجنب تصعيد أكبر، وحذَّرها من عدم عقدها اتفاقا نوويا "قبل ألا يتبقى شيء" مشيرا إلى تصعيد العمل العسكري إذا لزم الأمر.