أصبح المجتمع الأميركي يعيش في فقاعات معلومات منفصلة تتخللها نظريات المؤامرة، وحلَّ التخوف محل النقاش بين الناخبين على القطبين، وطبق ما وصفه معجم أوكسفورد بعصر "ما بعد الحقائق"، وهو عصر تحل فيه العواطف والمعتقدات الشخصية محل الحقائق الموضوعية بصفتها المؤثر الرئيسي في تشكيل الرأي العام.

وبهذه العبارات التحذيرية وصفت مراسلة صحيفة واشنطن بوست سارة إليسون الجو العام بالولايات المتحدة قبيل الانتخابات بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب، مشيرة إلى خوف ناخبين كثيرين من التعبير عن آرائهم أو مناقشة اختياراتهم علنًا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موقع أميركي: 5 أسباب للاعتقاد بأن هاريس ستهزم ترامبlist 2 of 2عرب الخط الأخضر بلا ملاجئ وغاضبون من اللامبالاةend of list

وأكدت إليسون أن الانقسام السياسي مشكلة حقيقية باتت تهدد نسيج المجتمع الأميركي وبان أثرها في الانتخابات، ويؤجج المعضلة ارتفاع نسبة التخوف من ردود الفعل العنيفة بين أفراد المجتمع أثناء النقاش، مما يؤدي إلى ترسيخ المعلومات الخاطئة بين الطرفين، الجمهوري والديمقراطي، ولا يترك للحوار سبيلا.

وأشارت الكاتبة إلى بعض نظريات المؤامرة المنتشرة ومنها أن الديمقراطيين "يستوردون" المهاجرين للتصويت لهم بشكل غير قانوني و"استبدال" الأميركيين البيض، أو أن وكالات الاستخبارات الأميركية تخطط لاغتيال حلفاء ترامب بعد الانتخابات، أو أن الهايتيين يأكلون الحيوانات الأليفة في أوهايو، أو أن  ترامب جلس على منشفة سوداء (تبين أنها معطفه لاحقا) خلال مقابلة أجراها مع قناة فوكس نيوز لإخفاء أثر تبوله اللا إرادي لكبر سنه.

عوامل انتشار نظريات المؤامرة

ووفق المقال، لم تبدأ المشكلة الآن وليس ترامب أول من يروج للحقائق المغلوطة، ولكن كان له دور كبير بنشرها منذ أول يوم تسلم به السلطة.

كما أن الارتياب المتنامي تجاه مجالات السلطة التقليدية، حتى لدى مسؤولي الانتخابات والعاملين في مجال الرعاية الصحية والصحفيين والعلماء، قد حفر الشكوك في حجر أساس الديمقراطية الأميركية.

وأشارت الكاتبة كذلك إلى خوارزميات الإنترنت التي تبرز القصص الأكثر "تطرفا" وإثارة للاهتمام -وتزج بها بوجه المستخدم تكرارا- وتسهم في زرع "خطر المؤامرة" في عقول الناس.

ووصف التقرير، استنادا إلى آراء خبراء، آلية انتشار المعلومات المضللة أو نظريات المؤامرة على أنها عملية طويلة المدى و تدريجية وتحصل على عدة مراحل يصبح بها المرء شيئا فشيئا أكثر تقبلا للحقائق الغريبة البعيدة عن الواقع، ويصبح أكثر استعدادا وجاهزية لتصديق ناشري المعلومات الخاطئة من المؤثرين بوسائل التواصل الاجتماعية أو السياسيين، مما يضعف أساس المجتمع الديمقراطي ويجعله أكثر عرضة لخطر تدخل عناصر خارجية مثل روسيا في سياق الانتخابات.

وقالت كلير واردل، وهي أستاذة في جامعة كورنيل متخصصة بدراسة النظام البيئي المعلوماتي المعاصر والمعلومات المضللة، في هذا الصدد "يسيء الناس فهم المعلومات المضللة على أنها معلومات فردية يمكن التخلص منها، جاهلين بذلك حقيقة عملها ببناء عقلية تآمرية مع مرور الوقت يمكن استغلالها في الظروف المناسبة".

دور انهيار وسائل الإعلام التقليدية

وفق التقرير، انخفضت ثقة الجمهوريين بوسائل الإعلام الرئيسية من 70% في عام 2016 إلى 40% فقط في عام 2024، كما أصبح 40% من الجمهوريين يفضلون وسائل التواصل الاجتماعي مصدرا للمعلومات، ويعود ذلك جزئيا لهجوم شخصيات مؤثرة مثل ترامب على الصحافة.

وسمح تآكل الثقة في المؤسسات الإعلامية التقليدية بازدهار نظريات المؤامرة، خاصة خلال الأزمات الوطنية مثل الأعاصير التي هزت البلاد في الفترة السابقة أو جائحة كورونا.

ووصف تيد بوتروس، محامي التعديل الأول من الدستور الأميركي، أزمة المعلومات المضللة بأنها تهديد وجودي للديمقراطية، وأكد أن "حرب ترامب مع الصحافة" سبب رئيسي بالمشكلة.

ومع تدهور مكانة وسائل الإعلام التقليدية، أصبح الأميركيون يلجؤون إلى مصادر محلية مألوفة للحصول على الأخبار، مثل الأصدقاء والعائلة وشخصيات وسائل التواصل الاجتماعي، حسب نتائج مركز بيو للأبحاث والاستطلاعات.

وسلطت واردل الضوء على المخاطر المتعلقة بهذه النقلة قائلة "نحن نتطلع في أوقات الشك إلى الأشخاص الذين نعرفهم، للحصول على الأخبار الموثوقة"، وقد سهل هذا الاتجاه صعود المؤثرين على الإنترنت الذين يخاطبون المشاهدين بحميمية الأصدقاء، مستغلين في كثير من الأحيان انعدام الثقة الذي زرعته سنوات من الخطاب الحزبي، حتى إن بعض المؤثرين الذين عززتهم شبكات الدعاية الممولة من روسيا مثل "تينيت ميديا" نشروا رسائل مضللة أحيانا ومصممة خصيصا لدعم ترامب، مما أدى إلى تعميق الانقسامات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات المعلومات المضللة نظریات المؤامرة

إقرأ أيضاً:

حضرموت وأبعاد المؤامرة

اليوم نشهد تمددا لمكون الانتقالي في حضرموت ونلاحظ الخطاب في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الإعلام التابع للانتقالي وهو يستخدم مفردات ومصطلحات  مستفزة وغير واقعية, فاليمن منذ عام 2011م إلى اليوم أي منذ عقد ونصف العقد شهدت تشظيا وانقساما, وذهب كل فريق إلى التعاطي مع الواقع وفق أجنداته وأجندات الدول التي تقف من خلفه, وقد كثف الانتقالي المدعوم من دولة الإمارات  الاشتغال على المصطلحات والمفاهيم إلى درجة تناقض المفردات مع الواقع ومع الحالة السياسية والاجتماعية والثقافية التي يشهدها الجنوب الواقع تحت سيطرة وهيمنة الإمارات والسعودية ومن خلفهما الدول الكبرى أمريكا وبريطانيا وفي الظل من كل أولئك الحركة الصهيونية العالمية التي تدير حركة وجودها في المنطقة في مسارين هما: مسار الحرب الصلبة, ومسار الحرب الناعمة .
من يسيطر على حضرموت على مدى العقد والنصف الماضي هم أبناء حضرموت أنفسهم الذين يميل الكثير منهم إلى خيار دولة الوحدة, وهم على تناقض تاريخي مع مثلث الانتقالي, وحين نرى التفاعلات في الإعلام من قبل المؤيدين للانتقالي وهم يخرجون بكل ذلك الصلف، قائلين إنهم استطاعوا تحرير حضرموت من “الدحابشة ” في حين على مدى السنوات التي شهدت اليمن الإضرابات منذ عام 2011م تمت تصفية الجنوب كله من أبناء الشمال تصفية كاملة وقد تمت ملاحقة حتى الباعة المتجولين, وماتزال الذاكرة تحتزن الكثير من التصرفات اللا أخلاقية التي شهدها الجنوب كله, وشهدتها حضرموت, وما تزال صور الشاحنات عالقة في الأذهان وهي تستوعب على متنها كل مواطن يمني ينتمي إلى المحافظات الشمالية, والتصرفات المتوحشة التي تتزع العمال من أماكن أعمالهم, وتلك الأخلاق لا نقول إها عامة ولكنها تصرفات اشتغل عليها مكون الانتقالي المدعوم من الإمارات وهو مكون مناطقي بحت غالبه من الضالع ويافع أو ما يسمى بالمثلث في الجنوب, وبوعي قروي متوحش, أما أغلبية سكان حضرموت فهم أهل تمدن ومحبة وسلام, والكثير من رموز حضرموت نشروا الإسلام في الهند وشرق آسيا بأخلاقهم وسلوكهم القويم, ولم يؤثر عنهم استخدام القوة الصلبة بل ما يؤثر عنهم عبر التاريخ الطويل هو القوة الناعمة التي صنعت حضورا كبيرا في الوجدان العام العربي والإسلامي, وقد أصبح الكثير منهم يحكمون في ماليزيا وفي إندونيسيا وفي سنغافورة وفي الكثير من الدول التي امتلكتها أخلاقهم وثقافتهم قبل قوتهم وسيوفهم .
ما يحدث اليوم في حضرموت ليس تحريرا لها, فالمصطلح غير ملائم ولن يكون ملائما للحال الذي عليه الجنوب كله من أقصاه إلى أقصاه، فاليمن لم يعد كما كان عليه قبل عام 2011م, ولا وجود لأي سلطة لصنعاء في الجنوب ولا في حضرموت حتى يفاخر الانتقالي أنه حرر حضرموت من استعمار الزيود في الشمال، كما يكرر في خطابه الإعلامي عبر كل المنصات، ولكن الهدف هو تعطيل الفاعلية الثقافية لحضرموت التي كانت وماتزال مركز إشعاع ينير العالم سواء عبر الفنون والآداب أو عبر المراكز العلمية والثقافية التي يرتادها طلاب العلم من كل بقاع الدنيا, أيضا إحداث شلل تام في الحركة الاقتصادية التي امتاز بها العقل الحضرمي وأصبح جزء محوريا في اقتصاديات دول الخليج وفي حضرموت نفسها .
الموقف المعلن لكثير من رموز حضرموت واضح وهو البقاء في الدولة اليمنية الواحدة, أو الاستقلال بكيان سياسي بهوية حضرمية بحته, وهذا الموقف يضع الانتقالي في زاوية ضيقة، فهو سيكون عاجزا كل العجز عن بلوغ غاياته وأهدافه في السيطرة على حضرموت والمهرة، فالعقل القروي يمتاز بالتعصب والتوحش ولن يتعايش مع ثقافة حضرموت ولا المهرة ولذلك ففرص نجاح سيطرته على حضرموت والمهرة  ضئيلة جدا, وخلفنا تاريخ طويل من التجارب، فخيار الانفصال عن الدولة الوطنية الواحدة لن يكون خيارا مثاليا للجنوب لسبب واحد وبسيط وهو أن الجنوب لن يكون دولة واحدة مطلقا, ولكنه سوف يصبح دولا متعددة, وقد خاضت بريطانيا تجاربا في ذلك الأمر وتعذر عليها توحيد الجنوب, ولم يسعها سوى اللجوء إلى خيار تعدد السلطنات وظلت تمسك بزمام المبادرة بعقلية مستعمر غايته التفرقة حتى تستمر سيطرته, أما خيار دولة وطنية مستقرة في الجنوب، فهو خيار لم يسبق له مثال في التاريخ ولذلك لن يتحقق اليوم, وتجربة الحزب الاشتراكي التي استمرت قرابة 23 عاما كانت تجربة فاشلة, شهدت موجات من الصراع والدماء المراقة, حتى وصلت إلى فشل الدولة, والكل يدري تمام الدراية أن الحزب الاشتراكي فشل في إدارة الدولة ولم يكن له من خيار سوى الهروب إلى الوحدة بعقلية المتربص, وبتكتيك تكسر على جدار ذكاء صنعاء التي تعاملت مع الموقف بعقلية المستبد، حتى ترك الاستبداد ندوبا ظلت تتسع إلى درجة الوصول إلى حالة الانفجار الكامل والتشظي، رغم كل المعالجات الوقتية التي لم تستوعب القضية من أطرافها, ولم تنفذ إلى جوهرها .
فالعقل المستبد في أي مرحلة تاريخية لا يصادر حق الفرد في الكلام فقط ولكنه يعمل على تعويم اللغة واحتلال مفرداتها حتى تصبح الخيانة وجهة نظر, والوطنية تملقا, والمطالبة بالحقوق تآمرا والنتائج لن تكون سوى كارثية, وقد شهدنا كيف كانت النجاة بالنفس هي البطولة الوحيدة التي ارتسمت على سماء المرحلة, وكانت مخرجات المرحلة ما تشهده اليمن  اليوم من انقسامات ومن اختلال في المفاهيم والمصطلحات, فالصورة النمطية ماتزال عالقة في بعض أذهان المكونات، حتى غدا احتلال الجنوب من قبل الإمارات والسعودية والتحكم بالقرار السياسي وبالمقدرات والسيطرة على الثروات واستغلالها تحريرا، في حين يظل ذلك الجندي المقاتل بالأجر اليومي من ثروات بلاده مقتنعا أنه يعمل على تحرير بلاده, ولا يفكر ممن يحررها ؟ ولا كيف يحررها؟ ولا من هو الذي يديره؟
كل هذا الصهر في بوتقة الواقع عبر كل هذه السنوات، نأمل أن يصنع دولة يمنية واحدة بهوية وطنية صامدة، فالتجارب تصنع، إلا عند الذين لا يفكرون ولا يعتبرون.

مقالات مشابهة

  • وسائل إعلام سورية: انفجار عبوة ناسفة بالقرب من فندق فورسيزونز دمشق
  • روسيا تعلّق على استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة
  • روسيا ترحب بإنهاء وصفها بـالتهديد المباشر في الإستراتيجية الأميركية
  • متظاهرون حاشدة ضد ترامب .. ورفض واسع للحرب على فنزويلا
  • قلق وخوف.. قيادات الحزب الجمهوري يحذرون من نتائج عكسية لعملية عسكرية ضد فنزويلا
  • المفاوضات الأوكرانية الأميركية تدخل يومها الثالث
  • تقدم بالمباحثات الأميركية الأوكرانية وأوروبا قلقة من مكافأة روسيا
  • علاقة إندونيسيا - صحيفة: خطة ترامب لغزة تتعثر مع تراجع الحماس الدولي
  • واشنطن بوست: 70 ألف صورة جديدة تكشف حجم القتل والتعذيب بمعتقلات الأسد
  • حضرموت وأبعاد المؤامرة