حينما يريد الله تعالى الانتقام من الطغاة والظالمين يجعل لذلك أسبابا كثيرة. من حيث يحتسبون ويحاولون تجنبه فيعجزون، ومن حيث لا يحتسبون فتكون مفاجأتهم بحجم الخسران كبيرة، وهي حالة سننية لا يلحظها إلا أولو النهى، والقرآن الكريم عامر بالآيات المعبرة عن كيفية إنذار الظالمين أو إهلاكهم.

ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا * أوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأرض إنه كان عليما قديرا﴾ سورة فاطر 43-44

كان السبب الرئيسي لتحول الناخبين العرب والمسلمين العدوان على غزة وتورط البيت الأبيض بقيادة الديمقراطيين في الجريمة، وقد عرف ترامب كيف يستغل هذا الوضع بانتقاله بنفسه للسكان العرب والمسلمين والحديث معهم ومع زعمائهم الدينيين ووعدهم بأنه سيوقف الحرب لغزة، خلافا لهاريس التي تهتم بهم ولم تزرهم ولم تتحدث معهم.

فهل رأينا استكبارا أكثر من استكبار الرئيس الأمريكي بايدن وفريقه في الحزب الديمقراطي، وعلى رأسهم خليفته التعيسة للترشح في الانتخابات الرئاسية كاميلا هاريس، لم تؤثر فيهم صور الدمار الشامل والإبادة الجماعية في غزة، وراحوا يعلنون بلا حياء مشاركتهم في الجريمة، ويتبجحون بيهوديتهم على نحو ما قاله وزير خارجيتهم وانتمائهم العلني للصهيونية كما اعترف بذلك الرئيس نفسه، وقدموا  دعما لا محدودا للمتوحشين الصهاينة، بالسلاح والمال والتغطية السياسية والدبلوماسية والإعلامية، بلا خشية من أي عاقبة ودون أي اعتبار للاحتجاجات العالمية الكبيرة، ولا أي تقدير لأصوات الشباب والطلبة في حزبهم ذاته، والمظاهرات الإنسانية في مختلف أنواع العالم، فظنوا بأن مكرهم السيء لا يقدر على كسره شيء وأن لا قوة فوق قوتهم تقهرهم، فحاق بهم مكرهم، كما بينته الآية، ضمن مساقات سننية ماضية في الإنسان والمجتمعات البشرية، لا تتغير ولا تتبدل، يعرف الراسخون في علم التاريخ كيف عملت في أمم عظيمة قوية من قبل، وصل بعضها إلى التربب وادعاء الألوهية،  وكيف تعمل في كل وقت، ويشهد المؤمنون من خلالها بقوة الله تعالى  الذي لا تعجزه أمريكا، ولا جيوشها ولا جبروتها، وإنما يُمضي حركة السنن وقوانين الكون بعلمه والمقادير التي يريدها دون أن يكون فوق قدرته قادر أبدا، سبحانه وتعالى علوا كبيرا.

لقد كانت استطلاعات الرأي ترشح الديمقراطيين للفوز رغم تقارب النتائج بين الطرفين، وكان كثير من صناع الرأي يشيعون بأن دونالد ترامب رجل غير سوي، يعتمد الشعبوية ويستند على صعود اليمين المتطرف الأبيض ولن يستطيع هزيمة المؤسسية الأمريكية الراسخة مرة أخرى، فإذا بالخسارة كانت مدوية شاملة تاريخية، ليس على مستوى الرئاسة فقط بل خسارة المجلسين، وخسارة معاقل كانت محتكرة من الديمقراطيين.

إن الله تعالى يسير الكون بالقوانين والسنن، وهو ما نسميه تارة الأسباب، والأسباب التي جعلت كاميلا هاريس تخسر الانتخابات كثيرة منها ما يلي:

أهم تلك الأسباب تراجعها في أصوات الناخبين المحسوبين دوما على الديمقراطيين، وهي أصوات السود واللاتينيين،  حيث ارتفع التصويت لصالح ترامب عند السود من 8% إلى 13% وعند اللاتينيين من 32% إلى 45%، وهؤلاء يمثلون أكثر الشرائح الاجتماعية تضررا من الأزمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي المتوحش، الذي لا فرق بشأنه بين الديمقراطيين والجمهوريين، إذ كلاهما يشتغل أساسا لصالح اللوبيات المالية والتوجهات الاقتصادية المركزة للثروة في أيادي قليلة من الناس، بل إن أوضاع تلك الشرائح الاجتماعية ساءت أكثر في زمن بايدن مما كانت عليه في عهدة ترامب السابقة، في ما يتعلق بالتضخم وارتفاع مستوى المعيشة، ووقود السيارات، وغير ذلك، رغم الوعود العريضة التي عادة ما يقدمها الديمقراطيون بهذا الخصوص، بل إن العديد من تلك الفئات صارت تشعر بأن حكامهم الديمقراطيين صاروا يهتمون بمصير الإسرائليين أكثر من اهتمامهم بمصير الأمريكيين. كما أن ثمة عامل آخر رصده المتابعون لتوجهات الرأي العام في امريكا، وهو ما يتعلق برفض كثير من اللاتينيين المسيحيين، خصوصا الكاثوليكيين، التوجهات التي باتت تميل اكثر فأكثر إلى ما يخالف قناعاتهم والتزامهم الدينية بخصوص العائلة ومسائل الجندرة والمثلية وغير ذلك.

ثم هناك الأداء السيء لبايدن، وحالة الخرف التي ظهر بها، و الانطباع الذي ساد في الأذهان عن حالة ضعفه، وتسلط توجهات متطرفة على قراراته في البيت الأبيض، على رأسهم اللوبي الصهيوني، الذي مثل وزير الخارجية توني بليكن الوجه العلني الأبرز  فيه. وقد كان حرصه على الترشح مخالفا لوعد كان قد قطعه بأنه لا يترشح إلا لعهدة واحدة لضمان حسن الانتقال من المرحلة الكارثية التي مثلها ترامب للمؤسسية الأمريكية، على حد ظنه، ثم كان تراجعه عن الترشح في جويلية 2024 بعد افتضاح ضعف قدراته الذهنية متأخرا جدا لم يعط الوقت لهاريس في الثلاثة أشهر المتبقية لتخرج من عباءته سيئة المنظر، كما أنها هي ذاتها لم تسع لذلك، ولم تتبرأ من أي سلوك سيء السمعة لرئيسها، وهو أمر مهم جدا في الديمقراطية الأمريكية، بل وقعت في خطأ جسيم استغله ترامب بكثافة في خطبه وأشرطته الإشهارية، وذلك حين قالت بعد تردد "لا شيء يخطر ببالي"  في جوابها على سؤال طرحه عليها مذيع قناة ABC يوم 8 أكتوبر  قائلا: "هل كنت ستتصرفين بشكل مخالف لجو بايدن في الأربع سنوات من رئاسته؟"، وكان يقصد القضايا الاقتصادية والهجرة ودعم إسرائيل.

لا شك أن انتخاب ترامب لن يمثل تحولا جذريا لصالح القضية الفلسطينية بشكل تلقائي، حيث أن الجمهوريين في الكونغرس والرئاسة منحازين كلية لدولة الكيان، ولكن الذي سيفعل ذلك هو طوفان الأقصى وبطولات المقاومة وثبات السكان في غزة ولبنان، فهم المعطى السنني الأساسي الذي سيحدث التحولات التي تفرض على ترامب وغيره في العالم وقف الحرب وتغيير نظرتهم للقضية الفلسطينيةوقد كشف فريق كامالا هاريس عن قناعتهم وحملوا بايدن مسؤولية الخسارة، ولكن بعد فوات الأوان حين دوّت الهزيمة التاريخية. كما أن كثيرا من المتخصصين أكدوا ذلك، مثل الأستاذ في العلوم السياسية في جامعة فرجينيا لاري ساباتو الذي بين بأن المعركة كانت خاسرة منذ أن قرر جو بايدن الترشح وعمره ثمانين سنة، وكيف أن الاستبدال الذي وقع في آخر لحظة لم يكن ناجحا، حيث لم تدخل هاريس بأي برنامج يخصها.

وعلاوة على ذلك ساهم تيار "غير ملتزم" الذي تشكل من القواعد النضالية للحزب الديمقراطي، من الطلبة والشباب البيض خاصة، ومن معهم من العرب والمسلمين، على إثر الجرائم التي شارك فيها قادة حزبهم في غزة، وقد نشط هؤلاء كثيرا في الجامعات، من خلال التظاهرات والاعتصامات في كلياتهم، والاحتجاجات المتواصلة ضد أي مساهمة لإدارتها ومشاريعها في دعم الكيان الصهيونى، وقد تمكن هؤلاء من تشكيل تيار فاعل لعدم التصويت، وقد مثل ذلك إعاقة إضافية لهاريس وحزبها، بدأت ملامحها تظهر منذ  الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي حين خسر بسببها جو بايدن نصف مليون صوت ولكن لم تصحح هاريس هذا المعطى المهم فدفعت ثمنه.

الحملة الانتخابية الجيدة لدونالد ترامب، حيث عرف كيف يصوب نقده إلى نقاط ضعف الديمقراطيين والأداء السيء  لبايدن، ومن ذلك تحميلهم تراجع مستوى المعيشة وإظهار المقارنات الرقمية بين عهدته وعهدة الديمقراطيين بعده، كما عرف كيف يدافع عن برنامجه بخصوص الهجرة غير القانونية التي تثير ناخبيه البيض كثيرا، دون أن يخيف الناخبين من غير البيض، بتركيزه على العامل غير الشرعي للهجرة، وتصويرها بأنها تتسبب في تضييع فرص عمل السود واللاتينيين، وأن هجرة هؤلاء إلى أمريكا مرحب بها في إطار القانون. ومن جهة أخرى رسم لنفسه صورة الشخصية السياسية المرتبطة بالشعب البسيط وسكان الأرياف، حيث ترك المجمعات السكنية الكبرى لتوجهاتها الانتخابية الاعتيادية وذهب لزيارة السكان التجمعات الهامشية وفي الأطراف والأرياف الذين لا يلتقي بهم الساسة بشكل مباشر عادة، وهو الخطأ الذي وقعت فيه هاريس كذلك. علاوة على خطابه الاعتيادي المتعلق بالوعود الاقتصادية وتحسين ظروف المعيشة، والحديث المثير للنزعة القومية كإعادة مجد أمريكا، ومكانتها الدولية وضبط الفوضى في العالم وتحقيق السلام وإنهاء الحروب.

وبخصوص الناخبين العرب والمسلمين، فإنه يمكن القول بأنه وقع تحول تاريخي في سلوكهم الانتخابي من زاويتين، من حيث عدم التصويت  للديمقراطيين، على غير العادة، بالمقاطعة أو التصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستاين الداعمة بقوة لفلسطين، أو التصويت لترامب، ومن حيث الأثر الذي تحقق بتحويل ولاية ميشيغان التي يتركز فيها صوت العرب والمسلمين أكثر لصالح المرشح الرئاسي الجمهوري، والمساهمة في جلب كل "الولايات المتأرجحة لصالح ترامب وكسر ما يسمى بالجدار  الأزرق.

وقد كان السبب الرئيسي لتحول الناخبين العرب والمسلمين العدوان على غزة وتورط البيت الأبيض بقيادة الديمقراطيين في الجريمة، وقد عرف ترامب كيف يستغل هذا الوضع بانتقاله بنفسه للسكان العرب والمسلمين والحديث معهم ومع زعمائهم الدينيين ووعدهم بأنه سيوقف الحرب لغزة، خلافا لهاريس التي تهتم بهم ولم تزرهم ولم تتحدث معهم.

لا شك أن انتخاب ترامب لن يمثل تحولا جذريا لصالح القضية الفلسطينية بشكل تلقائي، حيث أن الجمهوريين في الكونغرس والرئاسة منحازين كلية لدولة الكيان، ولكن الذي سيفعل ذلك هو طوفان الأقصى وبطولات المقاومة وثبات السكان في غزة ولبنان، فهم المعطى السنني الأساسي الذي سيحدث التحولات التي تفرض على ترامب وغيره في العالم وقف الحرب وتغيير نظرتهم للقضية الفلسطينية، وقد أحسن قادة حماس حين وضحوا ذلك في تصريحهم بعد ظهور النتائج بالقول: "تعقيباً على نتائج الانتخابات الأمريكية التي تُظهر فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب، فإن على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تعي أن الشعب الفلسطيني ماضٍ في مواجهة الاحتلال، وأنه لن يقبل أي مسار ينتقص من حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الانتخابات امريكا الفلسطينية امريكا فلسطين انتخابات دور سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العرب والمسلمین الله تعالى من حیث فی غزة التی ت

إقرأ أيضاً:

ترامب ونتنياهو شريكان في حرب الإبادة.. نقطة وارجع إلى السطر

استعملت الإدارة الأمريكية الفيتو ضد مشروع قرار كان سيصدر عن مجلس الأمن، يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، ويدعو إسرائيل إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المهددين بالموت جوعا وعطشا. لقد وافق الجميع على نص المشروع بما في ذلك بريطانيا، بحكم الوضع المأساوي القائم في غزة المحاصرة، ومع ذلك اعتبرت هذه الإدارة أن البيان منحاز بحجة أنه لم يحمّل مسؤولية الحرب إلى حركة حماس، ولم يطالبها بالاستسلام والتخلي عن سلاحها، ومغادرة غزة.. إنه العمى بعينه.

فعلت إدارة ترامب بذلك بوعي وإصرار، غير عابئة بالعالم الغربي الذي تقوده بلاده، والذي بدأ يعدل نظرته لما يجري في غزة والقدس والضفة، بعدما أوغلت حكومة أقصى اليمين الإسرائيلية في دماء الأطفال والنساء والشيوخ والأطباء والصحافيين وكل من هب ودب. لم يهتم ترامب بالظروف المحرجة التي يمر بها زملاؤه من الزعماء الغربيين الذين لم يعد معظمهم بإمكانهم تجاهل أصوات الملايين من ناخبيهم المطالبين بإنهاء هذه المجزرة، بعد أن أصبحت فلسطين الخبر الأول في العالم، وهو ما جعل معظم وسائل الإعلام الغربية تتحرر نسبيا من بعض الضغوط، وبذلك انطلقت الألسن لتنقل فظاعة ما يحصل من تصفيات ودمار.

ولم يتم الاكتفاء بالتأكيد على الأبعاد الإنسانية للمشهد، وإنما تصاعد الهجوم على الحكومة الإسرائيلية حتى اتهمها البعض بكونها تتبع خطوات أدولف هتلر في خطة القضاء على اليهود، حيث بدأ بالاستحواذ على ممتلكاتهم لدفعهم نحو الهجرة من ألمانيا، ثم تبلورت خطة تهجيرهم نحو مدغشقر، قبل أن ينقض عليهم ويخضعهم للمحرقة الشهيرة. هذا الكلام قيل في وسائل إعلام فرنسية، بل إن مجموعات من اليهود من مختلف الجنسيات نظموا صفوفهم، وألف مثقفوهم كتبا جريئة، وشاركوا في مظاهرات احتجاجية ضخمة من أجل التنديد بحرب الإبادة الجارية. ومنهم من شكك في السردية التي قامت عليها الدولة الإسرائيلية، ونسفوا الادعاءات الصهيونية.

لم يهتم الرئيس الأمريكي بكل ذلك، معتبرا الأولوية بالنسبة إليه هي عدم إزعاج نتنياهو وحلفائه، وعدم المساس بإسرائيل وسياساتها التوسعية. ليس هذا اتهاما مجانيا، لأن ترامب لم يكتف بدور المساند، بل أصبح شريكا في الإبادة الجماعية ومحرضا عليها. فهو الذي أعطى السياسة التوسعية للحكومة الإسرائيلية نفسا جديد عندما خرج بفكرة القضاء على الشعب الفلسطيني من خلال تزوير التاريخ وتهجير سكان غزة، واعتبار القدس صهيونية، وتسليم الضفة إلى اليهود حيث أطلق عليها الكونغرس الأمريكي التسمية العبرية "يهودا والسامرة"، وهو ما التزم به المسؤولون الصهاينة وأصبحوا يرددونه في لقاءاتهم الرسمية، مثلما فعل مؤخرا مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط بولس مسعد.

بناء عليه، يعتبر ترامب ليس محايدا سياسيا وعسكريا ودينيا، ولا يمكن الوثوق في أن يكون وسيطا نزيها، فهو يلتقي مع يهود إسرائيل الأكثر تطرفا حول خطة ابتلاع فلسطين وتهويدها بالكامل. لهذا السبب لم يراع مشاعر حكام دول الخليج التي زارها مؤخرا، وأغدقت عليه المليارات، وأحسنت وفادته بكرم نادر، وطلبت منه أن يكون عادلا، وأن يتخلى عن فكرة تحويل غزة إلى مشروع سياحي، وأن يقنع حليفه نتنياهو بضرورة وقف الحرب. وبدل أن يفعل ذلك أو جزءا منه، صرح وزير خارجيته ماركو روبيو بما يدل على أن الإدارة الأمريكية لا ترى ولا تسمع، إذ قام بتمجيد إسرائيل، واعتبارها أشبه بالحمل الوديع المجروح، وطالب الدول المحيطة بهذا الكيان بالتخلي عن الكراهية وتجنب الاعتداء على هذا "الشعب اليهودي المسالم"! بمعنى آخر، جعل الظالم مظلوما، وحوّل الضحية إلى وحش كاسر، في حين كان بإمكان البيت الأبيض الاستماع إلى ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت؛ حول السياسة العبثية والشريرة التي تعتمدها حكومة تل أبيب في إدارة حرب الإبادة.

وحتى نصل إلى أعلى درجات استحمار الآخرين، طالبت ممثلة أمريكا داخل مجلس الأمن بدعم ما سمي بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، هذه الشركة الأمريكية التي استولت على المليارات، وطوعها الجيش الإسرائيلي لتحقيق أهدافه الإجرامية، والتي نصبت فخا رهيبا لإذلال الغزاويين وقتل العشرات منهم، وهي الشركة التي رفضت الأمم المتحدة الاعتراف بها والتعامل معها. فالسيدة السفيرة قالتها بوضوح "لن ندعم أي إجراء لا يدين حماس ولا يدعوها إلى نزع سلاحها ومغادرة غزة"!! غرور ما بعده غرور.. هذا يعني أنه حتى لو استجابت المقاومة لكل الشروط التعجيزية التي وضعها ويتكوف سابقا وحاليا لن يترتب عنها تغيير في الموقف الأمريكي؛ ليس فقط تجاه حماس بل تجاه مستقبل فلسطين والفلسطينيين. الخدعة مفضوحة والخطة واضحة، لقد صدق الشهيد أبو إياد حين قال: "مين الحمار اللي بوقف الانتفاضة ويرمى سلاحه من يده وبروح يفاوض إلا اللي بدو يخدم أعداءه؟". فالتاريخ يؤكد ذلك، والأيام القادمة لا تزال حبلى بالمفاجئات.

مقالات مشابهة

  • خلال لقائه رئيس مجلس الشورى في دولة قطر: رئيس البرلمان العربي يشيد بالجهود التي يقوم بها أمير دولة قطر لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني
  • لماذا لا يُسمح لنا أن نركب البحر؟!.. عن السفينة وكوننا عربا
  • احتجاجات أميركا في عيون العرب.. ما الذي يحدث في لوس أنجلوس؟
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
  • كيف علّق الأفارقة على قرار حظر السفر الذي فرضه الرئيس ترامب؟
  • ترامب ونتنياهو شريكان في حرب الإبادة.. نقطة وارجع إلى السطر
  • نيويورك تايمز: لماذا أدرج ترامب 7 دول أفريقية في قائمة حظر السفر؟
  • لكل رئيس كبوة.. ترامب يتعثر على سلم الطائرة ويُثير سخرية الديمقراطيين وشماتتهم
  • بالفيديو .. من الشخص الذي أشعل فتيل الخلاف بين ترامب وماسك؟
  • مسلسل ترامب-ماسك: الرئيس يهدد الملياردير بالويل والثبور إذا دعم الديمقراطيين