تصفية ملف اللاجئين ومبدأ “حق العودة” في المقدمة: ما هي الأهداف الخفية لإسرائيل من تفكيك ووقف نشاط “الأونروا”؟
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
إصدار دولة الكيان قانونا يلغي الاتفاقية المبرمة مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وحظر نشاطها في الأراضي المحتلة ” على أنه مثَّل سابقة خطيرة وتعديا على قرارات الأمم المتحدة وميثاقها، فقد قابله اجماع دولي بتأييد ودعم “الأونروا” وسط مخاوف من أن تقود الخطوة الإسرائيلية ليس فقط إلى انهيار العملية الإنسانية في قطاع غزة، بل وتصفية مبدأ “حق العودة” الذي أسست له الأمم المتحدة قبل 75 عاما.
الثورة / تحليل / أبو بكر عبدالله
في مقابل الضرر الكبير الذي سيطال نحو 6 ملايين من اللاجئين الفلسطينيين بدا العالم كله مدركا لخطر مشروع إسرائيل بإنهاء دور وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في إسقاط الدليل المتبقي للفلسطينيين بحق العودة، ذلك الدليل الذي منحه المجتمع الدولي للفلسطينيين بموجب قرار الأمم المتحدة الصادر في ديسمبر 1948م، كواجب أخلاقي وإنساني يقضي بتقديم الرعاية في التعليم والصحة لأجيال من الفلسطينيين منذ النكبة.
ذلك أن وجود هذه الوكالة الأممية ارتبط منذ تأسيسها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949، بعد عام واحد من النكبة بالقضية الفلسطينية ومبدأ حق العودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، ناهيك عن دورها المحوري في تقديم خدمات التعليم لنحو 300 ألف طالب وطالبة وتوفيرها خدمات أساسية في الرعاية الصحية والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة لقرابة 5.9 مليون لاجئ فلسطيني.
بدأت الوكالة العمل في عام 1950م من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعلى مدى عقود توسع نطاق عملها وصارت تدير نحو 18 ألف موظف في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينهم 13 ألفا في قطاع التعليم و1500 في قطاع الصحة ونشاطها يوجه لصالح اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة، وبعض البلدان المجاورة التي يتواجد فيها لاجئون فلسطينيون.
وقبل أسابيع أصدرت حكومة الكيان قرارا بحظر أنشطة “الأونروا” بعد مصادقة الكنيست على قانون وقف نشاطها ونقل صلاحياتها إلى مسؤولية إسرائيل وتحت سيطرتها” والغاء اتفاقية عام 1967م التي سمحت للأونروا بالعمل في الأراضي المحتلة، بالتوازي مع مصادقته على قرار آخر قضى بمنع المؤسسات في دولة الكيان من إقامة أي علاقة بـ”الأونروا”، أو لأي جهة من طرفها، وإلغاء التسهيلات الضريبية والحصانة الدبلوماسية الممنوحة للوكالة.
وبحسب التقديرات الدولية فإن عمل الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة، سيحاصر بموجب هذه القرارات بالترتيبات التي تقتضيها اعتبارات الأمن العسكري الإسرائيلي، بعيدا عن ضمانات الحماية التي تعهدت بها حكومة الكيان لحماية أمن موظفيها ومنشآتها وممتلكاتها وإلغاء تصاريح الحركة للعاملين فيها.
وأكثر من ذلك ستلغي حكومة الكيان الترتيبات المالية المنصوص عليها بالاتفاقية والمتعلقة بالإعفاءات من الرسوم الجمركية والضرائب.
اتهامات ومضايقات
التضييق الخطير الذي مارسته حكومة الاحتلال على وكالة “الأونروا” ومحاولة تفكيكها، لم يكن جديدا، فطالما تعرضت الوكالة خلال السنوات الماضية للمضايقات والتضييق من جانب حكومة الاحتلال كما تعرض العشرات من موظفيها للاعتقال وهي الأعمال التي تفاقمت بصورة مروعة بعد عملية “طوفان الأقصى”، حيث سجلت الوكالة منذ اندلاع الحرب مقتل 223 من موظفيها فضلا عن تدمير ثلثي مرافقها التعليمية والصحية في قطاع غزة.
من أكثر الاتهامات التي وجهتها إسرائيل للوكالة، مزاعمها أن موظفي “الأونروا” شاركوا في عملية “طوفان الأقصى” وأن بعض موظفيها ينتمون لحركة “حماس” وهي الاتهامات التي نفتها تماما “الأونروا” بينما أكدت الأمم المتحدة أن الوكالة تلتزم الحياد ونشاطها متركز حصرا في قضايا دعم اللاجئين.
وأعلنت “الأونروا” في مارس 2024م، أن بعض موظفيها الذين اعتقلتهم السلطات الإسرائيلية وأطلقت بعدها سراحهم قالوا إنهم تعرضوا لضغوط من السلطات الإسرائيلية لكي “يدلوا بأقوال كاذبة، مفادها أن الوكالة على صلة بحركة “حماس” وأن موظفين بها شاركوا في هجمات السابع من أكتوبر.
ورغم أن التحقيقات التي قامت بها المنظمة الدولية حول الاتهامات الإسرائيلية لم تعثر على أي دليل يؤكد المزاعم الإسرائيلية، إلا أن زوبعة الاتهامات أفضت إلى تداعيات خطيرة تهدد مستقبل عملها، خصوصا بعد شرعت 10 دول إجراءات بتعليق تمويلاتها المقدمة لـ “الأونروا”، بما فيها الولايات المتحدة وألمانيا اللتان تشكل مساعداتهما السنوية نحو نصف التمويلات السنوية للوكالة.
موقف دولي واحد
تتفق كثير من التقديرات على أن القرار الإسرائيلي بهذا التوقيت عكس إمعاناً من إسرائيل بتحدي المجتمع الدولي ومحاربة منظمة أممية أُنشئت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف تقديم الغوث للاجئين الفلسطينيين الذين تعرضوا للتهجير القسري ويعيشون حاليا في نحو 58 مخيما للاجئين تعترف بها الوكالة الأممية، بينها 19 مخيماً في الضفة الغربية المحتلة وحدها.
وقد عكست المداخلات التي شهدتها الجلسة غير الرسمية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي خصصت لمناقشة قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر أنشطة “الأونروا”، عكست إلى حد ما الموقف الدولي من التعنت الإسرائيلي تجاه الوكالة وخدماتها خصوصا بعد التقارير الأممية التي أكدت أن وقف نشاط الوكالة سيقود إلى حرمان ملايين اللاجئين الفلسطينيين من الخدمات الصحية والتعليمية.
هذا الأمر عبرت عنه وكالة “الأونروا” التي أبدت مخاوف من تبعات هذه التطورات على عملها في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة للتدخل الإنساني للتخفيف من آثار الحرب الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال على المدنيين في قطاع غزة والتي سجلت استشهاد أكثر من 43 ألف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال. وإصابة وتشوه أكثر من 100 ألف نسمة وتشرد نحو 1.9 مليون مدني، ولجوء ما لا يقل عن مليون فلسطيني إلى المنشآت التابعة للأونروا.
لم يكن بعيداً عن ذلك تأكيد رئيس الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، فيليمون يانج بأن حظر أنشطة “الأونروا” يشكل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية واعتباره أن أي هجوم على الوكالة يشكل هجوما على المجموعة الدولية التي اعتمدت قرارها الصادر عام 1949، بغالبية كبيرة دون أي اعتراض.
مداخلات المسؤولين الأمميين ومندوبي دول العالم لم تبتعد عن هذا الرأي، إذ أكدت أن ما تتعرض له “الأونروا” حاليا من الحكومة الإسرائيلية هو حرب غير مسبوقة ضد الأمم المتحدة، وهي حرب تنتهك فيها إسرائيل كافة الالتزامات التي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية الإنسانية، وكافة الالتزامات التي تأتي مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية عضوا كامل العضوية في المنظمة الدولية.
يشار في ذلك إلى التأكيدات التي أطلقها وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بأن القرار الإسرائيلي “سيجعل النشاطات الضرورية للأونروا أمرا مستحيلا، ويتعارض تعارضا مطلقا مع القانون الدولي، ومع المبادئ الإنسانية الأساسية.
اهداف خفية
بعيدا عن الآثار الإنسانية المباشرة للقرارات الإسرائيلية فإن الدلالات الخطيرة التي حملتها جعلت العالم يصنفها على أنها انقلاب كامل على مواثيق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة بل وانقلاب على المجتمع الدولي.
ذلك أن الوكالة تأسست بقرار أممي عام 1949م لترتيب عودة اللاجئين الفلسطينيين بما لا يعطي الحق لإسرائيل التصرف بهذا الملف من جانب واحد كون ذلك سيقود إلى إسقاط “حق العودة” الذي كفلته القرارات الأممية، وسيقود ايضا إلى إسقاط مبدأ حل الدولتين الذي تعترف معظم دول العالم بأنه يمثل الأساس لعملية السلام في الشرق الأوسط.
أكثر من ذلك دلالات القرار بإسقاط المسؤولية الدولية عن اللاجئين الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، بما يوفر صك البراءة لإسرائيل من جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين وتثيبت شرعية دولة الاحتلال في الأمم المتحدة من خلال شطب القرار الأممي 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1949م؛ والذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات.
وهذا الامر لم يكن خفيا في الاجندة الإسرائيلية وقد عبّر عنه بوضوح مندوب دولة الكيان في الأمم المتحدة الذي أشار إلى أن ما يعرف بـ”حق العودة” هدفه إزالة دولة إسرائيل كليا” وتأكيده عدم وجود أي إمكانية للسلام طالما ظلت “أونروا” تمارس مهامها بتربية الأجيال القادمة للفلسطينيين على أن من حقهم محو الدولة اليهودية”.
والرؤية المتطرفة التي أفصح عنها المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، تعني أن خطورة القرار الإسرائيلي لن تتوقف عند منع وصول المساعدات الإغاثية المنقذة لا لحياة ملايين الفلسطينيين فقط، بل تمتد إلى تحطم المنظومة التعليمية والصحية التي تتكفل بها “الأونروا” لصالح ملايين من الفلسطينيين وانها ملف اللاجئين إلى الأبد.
مأزق سياسي وقانوني
ثمة رأي دولي موضع اجماع يقول إن عمل “الأونروا” “جاء بقرار سياسي دولي من أجل الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، في حين أن التوجهات الإسرائيلية تمثل تحديا للقرار الدولي وللأمم المتحدة ومحاولة متعمدة لتجريد الفلسطينيين من صفة اللاجئين بل وتقويض تطلعاتهم لتقرير المصير في المستقبل.
هذا الرأي القانوني وضع نتنياهو وحكومته أمام مأزق توريط إسرائيل في مواجهة مع القوانين الدولية التي تؤكد على عدم أحقية إسرائيل ممارسة السيادة على أي جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة، أو ممارسة سلطات سيادية فيها بسبب احتلالها.
ولا يختلف اثنان على حقيقة أن القرار الإسرائيلي بإنهاء مهام “الأونروا” مثل تعديا على الأمم المتحدة ووكالاتها وميثاقها، بما في ذلك المادتان (2) و (105) واعتداء على الأعراف والاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة، فضلا عن كونه مثل انتهاكا لقرارات الجمعية العامة ذات الصلة بحصانات وحماية المنظمات الدولية، بما فيها قرار تأسيس “الأونروا” رقم 302 وفق المادة (17)، واتفاقية 1946م بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة.
ولعله من سوء حظ حكومة الكيان أن اجماعها على طرد “الأونروا” قابلة إجماع على المستوى الدولي الرسمي برفض التوجهات الإسرائيلية، وهو إجماع يمكن في ظل الاجماع الدولي المؤيد لبقاء “الأونروا” تحويله إلى فرصة لتكريس معادلة “طرد “الأونروا مقابل طرد دولة الاحتلال من الأمم المتحدة”.
وقد صار واضحا أن حكومة الكيان استهدفت في توجهاتها لوقف أنشطة “الأونروا” جعلها خطوة أولى ربما يتلوها تقديم مشروع للجمعية العامة لشطب القرار 194 الخاص باللاجئين وحق العودة وهو مشروع ليس بعيدا عن التحقق استنادا إلى تجارب سابقة تمكنت فيها حكومة الكيان في العام 1991م بمساعدة من الولايات المتحدة من الغاء قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الصادر عام 1975م، الذي يعتبر الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، واستبداله بالقرار 46/86 لسنة 1990م.
.مع ذلك فإن فرص الطموحات الإسرائيلية بتمرير القوانين الهادفة إلى وقف نشاط “الأونروا” تبدو محدودة إلى حد كبير فالقرارات اتخذت في منطقة مصنفة وفق القانون الدولي بأنها محتلة، ولا يوجد أي معنى أو اعتراف للسيادة الإسرائيلية عليها كما انها تتعارض كليا مع قرار مجلس الأمن الدولي رقْم 2730 الصادر بتاريخ 24 مايو2024م، الذي يلزم دولة الاحتلال الإسرائيلي باحترام وحماية المؤسسات الأممية وحماية العاملين فيها.
ومن جانب آخر فإن القرار يتعارض مع قرار محكمة العدل الدولية وفتواها القانونية الصادرين في 19 يوليو 2024م، اللذين أكدا أنه لا سيادة لإسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وهي جزء من مناطق عمليات “الأونروا”.
ومن الناحية الأخلاقية فإن المعروف أن عمر دولة الكيان الإسرائيلي هو نفسه عمر وكالة “الأونروا”، في حين أن الدلالات السياسية والتاريخية لدور وكالة “الأونروا” لا يمكن اغفالها، حيث ظلت شريان حياة لقرابة ستة ملايين فلسطيني، ظلوا يمثلون الحق الفلسطيني بالعودة طوال 75 عاما بما حافظ على حيوية القضية الفلسطينية، في حين أن بقاء الوكالة الأممية في عملها حافظ على بقاء القضية على قيد الحياة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
72% من اللاجئين السوريين في الأردن لا يخططون للعودة
#سواليف
أظهر تقرير استطلاعي حديث حول توجهات عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى بلادهم أن 72% من اللاجئين السوريين في الأردن لا يرغبون في العودة إلى سوريا حاليًا، حيث تتعلق الأسباب الرئيسية بعدم توفر السكن المناسب وعدم وجود الأمان والأوضاع الاقتصادية غير المستقرة. على الرغم من ذلك، هناك بعض اللاجئين الذين يفكرون في العودة بسبب عودة الأقارب وارتفاع تكلفة تصاريح العمل في الأردن.
التقرير الذي صدر عن مرصد الحماية الاجتماعية التابع لتمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان أشار إلى أن الأردن استقبل منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011 حوالي 1.3 مليون لاجئ سوري، منهم 557,783 مسجلين رسميًا لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين حتى آذار 2025. ومع سقوط النظام السوري، بدأ بعض اللاجئين العودة الطوعية إلى سوريا، حيث سجلت المفوضية عودة 55,732 لاجئًا بين كانون الأول 2024 ونيسان 2025، 84% منهم كانوا يقيمون في المناطق الحضرية.
وفي التفاصيل، أجرى “مرصد الحماية الاجتماعية” استطلاعًا لفهم توجهات اللاجئين السوريين في الأردن حول العودة إلى سوريا، شمل الاستطلاع عينة مكونة من 1242 مشاركًا، منهم (863) ذكور، و(379) أنثى، وركز على العوامل المؤثرة في قراراتهم، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية.
وقال التقرير إنه على الرغم من سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، فإن 72% من اللاجئين السوريين في الأردن لا يرغبون في العودة إلى وطنهم حاليًا بسبب التحديات الأمنية والاقتصادية. وأبرز التقرير أن 59.26% من اللاجئين يفتقرون إلى سكن آمن في سوريا، بينما يعتبر 56.44% أن عدم استقرار الأوضاع الأمنية يشكل عائقًا رئيسيًا أمام العودة.
وجاء في التقرير أن 52% من اللاجئين السوريين في الأردن المستطلعة آرائهم يعملون، بينما لا يزال 48% عاطلين عن العمل. ومن بين العاملين، يعتمد 61% على العمل اليومي غير المستقر، و35% يعملون دون عقود رسمية، في حين أن 4% فقط يحظون بعقود عمل تضمن لهم حقوقًا قانونية. كما أظهرت البيانات أن 90% من العاملين لا يمتلكون تصاريح عمل، مما يعرضهم لانتهاكات، ويفاقم من ضعف قدرتهم على تحقيق الاستقرار المالي.
وتوزع العاملون السوريون في الأردن على عدة قطاعات، حيث تصدر قطاع الإنشاءات والتمديدات بنسبة 28%، يليه الزراعة بنسبة 22%، ثم المحلات التجارية بنسبة 16%. أما المطاعم والمخابز فمثلت 8%، والأعمال الحرة 7%، بينما توزعت النسب المتبقية على قطاعات مثل الخياطة والميكانيكي والنظافة، ومن الملاحظ حسب التقرير أن اللاجئين السوريين العاملين يتركزون بشكل رئيسي في المجالات التي تتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا وأجورًا منخفضة، حيث تفتقر هذه القطاعات في الغالب إلى بيئة عمل مناسبة.
إضافة إلى ذلك، أظهرت النتائج أن العاملين يبدون استعدادًا أكبر للعودة مقارنة بغير العاملين، حيث بلغت نسبة الراغبين في العودة بين العاملين 35% مقارنة بـ20% بين غير العاملين. يعكس هذا التفاوت تأثير العامل الاقتصادي في اتخاذ قرار العودة، حيث يوفر العمل مصدر دخل يمكن الاعتماد عليه عند العودة إلى سوريا.
أما بالنسبة لموعد العودة المتوقع للراغبين فيها، قال التقرير، إن 54% يفضلون العودة خلال 6 أشهر، حيث ينتظر بعضهم انتهاء العام الدراسي أو الحصول على تصريح عمل. في المقابل، يفضل 22.3% العودة خلال السنوات الثلاث القادمة، وهو ما قد يشير إلى تريثهم لضمان استقرار الأوضاع في سوريا أو لترتيب أمورهم المالية والقانونية قبل العودة. بينما يخطط 2.6% فقط (9 أفراد) للعودة خلال الخمس سنوات القادمة.
وتعددت أسباب تأخير العودة، وفق التقرير أشار 18% من المشاركين إلى الحاجة إلى توفير مبلغ مالي كافٍ لبدء حياة جديدة في سوريا، بينما ذكر 15% أن انتهاء الالتزامات المالية شرط أساسي للعودة. كما اعتبر 13% أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سوريا تشكل عائقًا، بينما رأى 10% أن استقرار الأوضاع الأمنية عامل حاسم.
أما بالنسبة لأسباب رغبة العودة إلى سوريا، فقد أشار 15.7% من المشاركين إلى أن عودة الأقارب هي الدافع الرئيسي، بينما اعتبر 13.61% أن ارتفاع تكلفة تصاريح العمل في الأردن هو السبب. كما أدى نقص فرص العمل في الأردن إلى تفكير 8.78% في العودة، بينما رأى 8.37% أن امتلاكهم منازل في سوريا يشجعهم على العودة. ومن بين الأسباب الأخرى، اعتبر 7.57% أن التهديدات الأمنية قد انتهت، بينما رأى 6.76% أن توقف المساعدات دفعهم لهذا القرار. كما أشار 3.86% إلى وجود مهنة أو عمل في سوريا يجعل العودة أسهل، بينما تأثر 2.9% بالوضع القانوني غير المستقر في الأردن. وأخيرًا، رأى 2.74% أن الوضع الأمني في سوريا قد تحسن، بينما اعتبر 1.77% أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية أفضل مما هي عليه في الأردن.
وبين التقرير أن هناك عدة أسباب رئيسية تحول دون عودة السوريين إلى وطنهم، حيث يُعتبر عدم توفر السكن المناسب السبب الأكثر شيوعًا بنسبة 59.26%. كما يشكل غياب الأمان عائقًا لـ56.44%، بينما تعتبر الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة تحديًا لـ55.07%. إضافة إلى ذلك، يفضل بعض اللاجئين البقاء في الأردن بسبب استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي، كما هو الحال بالنسبة لـ16.26% ممن لديهم جميع أفراد العائلة في الأردن، و11.92% ممن يشعرون بالاستقرار. كما ينتظر 3.14% معاملات الهجرة إلى بلد آخر للحصول على وضع قانوني أفضل.
وأوضح التقرير أن محافظة العاصمة سجلت أعلى نسبة رغبة في العودة بنسبة 55.4% من العينة، بينما كانت النسبة أقل في محافظة الزرقاء بنسبة 18.9%. وتظهر البيانات وجود علاقة واضحة بين مدة الإقامة في الأردن ورغبة اللاجئين في العودة، حيث إن الغالبية العظمى ممن أقاموا 14 سنة أو أقل لا يرغبون في العودة.
كما أشار التقرير إلى وجود علاقة بين كفاية الدخل الشهري ورغبة اللاجئين في العودة، حيث تتناقص نسبة الراغبين في العودة مع تحسن مستوى الدخل.
وتكشف البيانات عن تفاوت في رغبة العودة بين الجنسين، حيث يظهر الذكور ميلًا أكبر نحو العودة مقارنة بالإناث. فبينما تشكل الإناث 30.5% من العينة (379 أنثى)، فإن 80% منهن (303 أنثى) لا يرغبن في العودة مقابل 20% (76 أنثى) عبرن عن رغبتهن في العودة. أما لدى الذكور، الذين يمثلون 69.5% من العينة (863 فردًا)، فإن 68.7% (593 فردًا) لا يرغبون في العودة، بينما عبر 31.3% (270 فردًا) عن رغبتهم في العودة. ويمكن تفسير هذا التفاوت باختلاف الأدوار الاجتماعية بين الجنسين، حيث قد يكون الذكور أكثر استعدادًا للمخاطرة بالعودة بحثًا عن فرص عمل، بينما تركز الإناث أكثر على استقرار الأسرة والتعليم.
ووفقًا للتقرير، فإن المقيمين خارج المخيمات أكثر ميلًا للرغبة في العودة بنسبة 28.5% مقارنة بمقيمي المخيمات بنسبة23.2%. كما أظهر التقرير أن 63% من اللاجئين دخلوا الأردن بطرق غير نظامية 780 فردًا، ويرجع ذلك إلى الهروب من القصف والنزوح الطارئ. بينما دخل 462 فردًا بطرق نظامية، ما يمثل نسبة 37% من العينة.
ويشير التقرير إلى أن 97% من اللاجئين يمتلكون بطاقة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 1207 أفراد، بينما لا يمتلكها 3% فقط. وتكشف البيانات أن 70% من اللاجئين لا يتلقون أي مساعدات، بينما يحصل 30% على مساعدات معظمها نقدية. كما يعاني 69% من عجز في تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والسكن والصحة.
فيما يتعلق بالسكن، نجد أن 88% من اللاجئين لا يقيمون في مخيمات، و12% يقيمون فيها. المخيمات العشوائية تستحوذ على النسبة الأكبر من المقيمين في المخيمات بنسبة 85%. تشير هذه الأرقام إلى تحديات تتعلق بالسكن وظروف معيشية غير ملائمة.
أما بالنسبة لمدى الإقامة في الأردن، فإن 93.6% من اللاجئين أقاموا لمدة 14 سنة أو أقل، ما يعكس استقرارهم منذ بداية الأزمة في وطنهم. في المقابل، 6.1% قضوا 15 سنة أو أكثر في الأردن، مما يشير إلى وجود شريحة صغيرة كانت تقيم قبل الأزمة.
يظهر التقرير أن أكبر تجمعات اللاجئين في محافظات الزرقاء وعمان والمفرق، واستحوذت الزرقاء على النسبة الأكبر من العيّنة بنسبة 26%، حيث بلغ عدد أفراد العيّنة من هذه المحافظة (323) فردًا، تليها محافظة عمّان بنسبة 24% بعدد أفراد (298)، ثمّ المفرّق بنسبة 23.8% وعدد أفراد (296). أمّا محافظة إربد، فجاءت بنسبة 12% بعدد أفراد (149). في المقابل، سجّلت محافظات الطفيلة والعقبة النسب الأقلّ بنسبة 0.2% و0.4% بعدد أفراد (3) و(5) على التوالي. كما تبيّن أنّ محافظة الكرك تضمّ 4% من العيّنة بعدد أفراد (50)، بينما توزّعت النسب المتبقّية بنسب أقلّ بين محافظات البلقاء وجرش وعجلون ومأدبا ومعان.
وأوصى التقرير بتقديم حوافز ماليّة ودعم لوجستيّ للراغبين في العودة، وتوفير مساعدات مخصّصة للأسر الّتي تعاني عجزًا في الدخل، وحثّ المجتمع الدوليّ على الوفاء بالتزاماته الماليّة لدعم اللاجئين والدول المضيفة، إلى جانب المطالبة بإنشاء برامج مشتركة بين الأردنّ والمنظّمات الدوليّة لتسهيل العودة الطوعيّة عند استقرار الأوضاع في سوريا، وإجراء دراسات دوريّة لرصد تغيّر آراء اللاجئين حول العودة، خاصّة مع تطوّر الأوضاع في سوريا.
يجدر الإشارة إلى أن نتائج الاستطلاع ستُنشر تباعًا خلال شهر حزيران عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بمرصد الحماية الاجتماعية التابع لجمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان.