صيادو أسماك القرش في الحديدة.. يتحدّون خطر البحر من أجل لقمة العيش
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
في أعماق البحر الأحمر، يخوض صيادو الحديدة مغامرة فريدة من نوعها، في رحلة تستغرق نحو أسبوع كامل بحثًا عن أسماك القرش التي تعد مصدر رزق مناسب للكثير من الصيادين رغم ما تحمله الرحلة من مخاطر وتحديات.
تبدأ القصة مع شروق الشمس، في سواحل الخوخة، حيث يجهز الصيادون قواربهم ويجمعون معداتهم. يحمل كل منهم آمالًا كبيرة في أن تكون هذه الرحلة مصدر رزق يضمن لهم لقمة العيش.
تتطلب هذه المغامرة شجاعة كبيرة، فالبحر يحمل في طياته العديد من المخاطر. الأمواج العالية والتيارات القوية قد تشكل تهديدًا حقيقيًا، بالإضافة إلى وجود أسماك القرش في المياه، التي قد تكون متوحشة إذا شعرت بالتهديد. ومع ذلك، يصر الصيادون على مواجهة هذه التحديات من أجل أسرهم.
يقول الصياد عبدالله سعيد دوبله لـ"نيوزيمن": صيد أسماك القرش يتطلب جهدًا كبيرًا. بعض الصيادين يستخدمون الشِباك، وآخرون يستخدمون الجلَب، مما يجعل هذه العملية مخاطرة كبيرة. وأضاف، في كل رحلة، نخرج مجهزين بأدواتنا واحتياجاتنا بمبلغ لا يقل عن 6 مليون ريال. أحيانًا نصطاد ولا نتمكن من تغطية تكلفة معداتنا، مما يعرضنا لخسارة كبيرة. وفي بعض الأحيان نستفيد بشكل يسير والحياة في البحر مليئة بالأرزاق والمتاعب.
ونتيجة للأوضاع وما تشهده البلاد من تداعيات الحرب اختتم الصياد دوبله حديثه بالقول: "صحيح أن أسعار أسماك القرش مرتفعة، لكن تكاليف التجهيزات البحرية وغلاء الوقود والوضع المعيشي نتيجة الغلاء زاد من معاناتنا. وأحياناً نعود بأثمان نقتسمها بيننا المتواجدين في جلبة الصيد وبالكاد تلبي احتياجاتنا الأساسية لمدة يومين لأسَرِنا، وأحياناً نتعرض للقرصنة البحرية من قبل القوات الإريترية وتنهب كافة معداتنا وحياتنا تصبح معرضة للمخاطر ونحن نبحث عن قوت أسرنا".
على مدار الأسبوع، يواجه الصيادون لحظات من الإثارة والخوف. وفي كل مرة يتمكنون فيها من اصطياد سمكة قرش، تزداد فرحتهم، حيث يعتبر ذلك إنجازًا كبيرًا.
بعد انتهاء الرحلة، يعود الصيادون إلى الشاطئ محملين بغنائمهم. يلتف حولهم السكان المحليون لشراء الأسماك، مما يعكس أهمية هذا العمل في تأمين لقمة العيش للعديد من الأسر. ورغم المخاطر التي واجهوها، تبقى روح المغامرة والتحدي هي السائدة بين هؤلاء الصيادين الذين يواصلون الكفاح من أجل البقاء.
الصياد طلال حُندج، يوضّح أهمية أسماك القرش وأنواعها، "نحن نصطاد أسماك القرش بعد مخاطر عميقة نتعرض لها، وهناك نوعان معروفان: أحدهما ذو وجه أفطح والآخر ذو وجه طولي. والحمد لله، يرزقنا الله يومًا بهذا ويومًا بذاك".
ويواصل حُندج حديثه، عندما نصطاد، نذهب إلى سوق مركز الإنزال السمكي الخوخة لبيعها. كل سمكة قرش تختلف في سعرها حسب حجمها؛ فهناك نوع يباع بمليون ريال وآخر بـ500 ألف ومئتي ألف، وهناك أحجام تباع بـ100 ألف ريال، ويتم تصديرها بالكميات، في الأسواق المحلية باليمن والمطاعم في المحافظات الجنوبية.
ولفت الصياد حُندج إلى أهمية جلد القرش قائلاً، أما جلد أسماك القرش التي نسميها محلياً بالريش، فيُصدر إلى الصين ويباع بالدولار. عندما يرتفع الدولار، ترتفع أسعار أسماك القرش، وعندما يهبط سعر الصرف، تهبط أسعارها أيضًا.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: أسماک القرش
إقرأ أيضاً:
وداعًا يا مريم.. قصة الفراشة التي اختطفها البحر في تونس
في مساء السبت، كانت الشمس تودع شاطئ "عين جرنز" على سواحل مدينة قليبية في تونس، ونسيم البحر يحمل ضحكات الأطفال والعائلات الذين قصدوا البحر للفرح والراحة.
كانت الطفلة مريم، ذات السنوات الثلاث، تجلس على عوامة مطاطية صغيرة، تضحك وتتأرجح بين ذراعي الماء... ولم تكن تعلم أن البحر الذي احتضنها بلطف في البداية، سيبتلعها فجأة إلى الأبد.
في لحظة واحدة، تحول المشهد من نزهة عائلية إلى كابوس، حيث انقطع الحبل الذي يربط عوامة مريم بالشاطئ، بعد أن عصفت الرياح بقوة، بلغت نحو 40 كيلومترًا في الساعة. كانت الأم تراقبها، والأب يلهو قريبًا منها، لكن الرياح كانت أسرع من كل شيء.
ركض الأب نحو البحر، قفز دون تردد، وبدأ يسبح باتجاه عوامة طفلته، متحديًا التيارات العنيفة، لكن البحر كان أقسى.
أربعون دقيقة من السباحة المحمومة، ثم ترنح جسده المنهك، وكاد يغرق هو الآخر، فأنقذته فرق الإنقاذ، لكن مريم كانت قد اختفت، كما لو أنها ذابت في زرقة البحر.
تسابق الغواصون، فرق الحماية المدنية، الحرس البحري، وأفراد الجيش، إلى موقع الحادث. عشرون غواصًا، طائرات مسيرة، قوارب إنقاذ، وأجهزة مسح تحت الماء... جميعها شاركت في سباق ضد الزمن.
لم تكن العائلة وحدها في هذا الألم، فقد تحولت قضية مريم إلى قضية رأي عام. تصدرت صورتها منصات التواصل الاجتماعي، وتحولت إلى رمز للوحدة والقلق والحزن في كل بيت تونسي بل كل بيت عربي.
كل دقيقة كانت كالعمر. الأمل يتقلص، والموج لا يعيد شيئًا. إلى أن جاء اليوم الثالث... وجاءت الجثة.
في فجر يوم الاثنين 30 يونيو، وعلى بعد 25 كيلومترًا من موقع اختفائها، ظهرت جثة مريم الصغيرة قرب ميناء "بني خيار"، هامدة بين الصخور، كما لو أن البحر أعادها حين هدأت عاصفته.
جثمانها الصغير لم يتحمل الانتظار ولا المياه المالحة، لكن ملامحها البريئة بقيت شاهدة على اللحظة الأخيرة.
العائلة لم تصدق. الأم، التي لم تتوقف عن البكاء والدعاء، انهارت. الأب، الذي خاطر بحياته، وقف مذهولًا كأن الزمن تجمد. مريم كانت حلمًا ورديًا، اختطفه البحر في لحظة غدر.
مريم ليست الأولى التي يأخذها البحر، لكنها أصبحت أيقونة لحجم الألم الممكن من مجرد نزهة على الشاطئ.
هل كان بالإمكان إنقاذها لو كانت هناك مراقبة بحرية كافية؟ هل وفرت الدولة ما يلزم لحماية العائلات من الرياح والتيارات؟ لماذا لم يغلق الشاطئ في ظل تحذيرات الأرصاد من الطقس السيئ؟ أسئلة كثيرة يطرحها التونسيون اليوم، وتظل دون إجابة.
قصة مريم لم تنته عند البحر. هي الآن في قلوب الناس، في ذاكرة من لم يعرفوها إلا من خلال صورتها وهي تبتسم، وفي ضمير وطن لم يعتد أن يفقد أطفاله هكذا.
ربما لن تعود مريم، لكنها خلفت أثرًا يجعلنا نعيد التفكير في سلامة أطفالنا، في مسؤولياتنا، وفي هشاشة الحياة أمام لحظة واحدة من الإهمال أو الغدر الطبيعي.