كان دعم انتفاضة أبريل والمضي بها الى الامام، تحديا كبيرا امام القوى السياسية. صارت قضية إزالة آثار نظام نميري الاقتصادية والسياسية والدستورية، بل التدمير الممنهج لكل أوجه الحياة، هو التحدي الأكبر. معظم الدمار الذي أكمله نظام الاسلامويين بدأ مع نظام نميري. فالتعليم بدأ تدهوره بالسلم التعليمي الذي فرضه محي الدين صابر وزير التربية والتعليم آنذاك.

والاقتصاد تدهور لدرجة كبيرة واستولى الفساد على معظم المنح الخارجية. وتدمير الخدمة المدنية والحركة النقابية وغيرها من المؤسسات بدأ آنذاك. والدستور قنن سلطة الفرد المطلقة. وكانت الحرب الاهلية تأكل الأخضر واليابس. وزحفت المجاعة الي قلب العاصمة حيث هاجر عشرات الألوف من قراهم وصاروا يتسولون الغذاء والجنرال يرفض الاعتراف بوجود مجاعة. لمواجهة كل ذلك قامت الانتفاضة، وصار امامها تحدي تغيير كل ذلك.
واجهت الانتفاضة تحديات جسام منذ لحظة التغيير الأولي. فالمجلس العسكري الذي قام بالاستيلاء على السلطة كان يعمل لتعطيل الانتفاضة. فالمجلس تكون من قادة الجيش والذين كانوا يرفضون الاستيلاء على السلطة حتى أرغمهم صغار الضباط. كما ان الحركة الشعبية رفضت وضع يدها مع قوى الانتفاضة. في ظل هذه التعقيدات تمت الانتخابات العامة وتكونت حكومة ائتلافية من حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي.
قررت الحكومة زيادة سعر السكر، فاندلعت مظاهرات ضخمة، وحدث اضراب فوري عطل الحياة العامة.، فتراجعت الحكومة. وبرز صوت قوي وسط النقابيين وقطاع من الشارع باستمرار المظاهرات حتى اسقاط الحكومة. تصدى الحزب لتلك الدعوة، فماذا كان طرح الحزب:
جاء في خطاب السكرتارية المركزية بتاريخ 31 ديسمبر 1988 " حول مهام الحزب بعد معركة سحب زيادة الأسعار":
" بإعلان مجلس الوزراء قراره بسحب الزيادات على الأسعار صباح الخميس 29 ديسمبر 1988 سجلت حركة الجماهير انتصارها وتحقيق هدفها المباشر الذي سيرت من اجله المواكب وأعلنت الإضرابات.
ومنذ تلك اللحظة أصبح واجب القيادات النقابية يتمثل في الآتي:
• دعوة الأجهزة القيادية لإعلان رفع الاضراب.
• الشروع في اعداد المقترحات والبدائل وتعبئة قواعد النقابات حولها.
• دعم وحدة وفعالية التنظيم النقابي.
• تقييم الأداء خلال المعركة وإصلاح مظاهر الخلل والضعف.
• التنسيق بين الاتحادات النقابية (عمال، موظفين، مهنيين، فنيين، معلمين) مركزيا وإقليميا وداخل المرفق او المؤسسة الخ.
• اصدار بيانات او نشرات لقواعد النقابات لتأكيد وحدتها وانتصارها في المعركة وتعبئتها للخطوات القادمة.
التقديرات الخاطئة:
في عدد من النقابات واتحادي الموظفين والمهنيين والفنيين، ارتفعت أصوات تطالب باستمرار الإضرابات والمواكب وطرح اهداف وشعارات إضافية لمطلب سحب الزيادات. كما ارتفعت أصوات تطالب بتطوير المعركة الى اضراب سياسي حتى اسقاط الحكومة وقيام حكومة انقاذ وطني ... الخ تعاملنا مع هذه الأصوات بمسئولية عن طريق المناقشة وتبادل وجهات النظر، رغم اقناعنا بخطأ تقديراتها الذاتية. وصرف النظر عما إذا كانت منطلقاتها وليدة انفعال وحماس مؤقت ناتج عن زخم المعركة، أم من رؤية سياسية خاطئة أو تكتيكات قاصرة أو حتى منطلقات مغامرة. الأصوات التي طرحت شعار استمرار المعركة أو اعلان الاضراب السياسي، لم تضع في اعتبارها الحقائق التالية:
• ان اتحادات النقابات أعلنت الاضراب من اجل سحب الزيادات.
• ان المواكب والمظاهرات اندلعت من اجل سحب الزيادات. وبتحقيق هذا الهدف كان على الاتحادات رفع الاضراب. إضافة لان الاتحادات لم تعلن الاضراب من موقع تنسيق مسبق، بل ظل اتحاد العمال يرفض التنسيق ويعتبره احتواء سياسيا.
• ان اعلان مواصلة الاضراب من هذه النقابة او تلك من نقابات المهنيين او عدد منها مجتمعة سيتحول الى قوة دفع جديدة وجاذبية جديدة تلحق بها بقية النقابات والاتحادات ليس أكثر من رغبة ذاتية ومغامرة بالحركة الجماهيرية واسقاط خاطئ للظروف التي اندلعت فيها انتفاضة ابريل ودور النقابات الست التي بادرت بتكوين التجمع النقابي والدعوة لموكب الأربعاء ... الخ.
• التجمع النقابي الذي تولى شرف ومسئولية ومبادرة الاضراب السياسي في الانتفاضة عام 1985، ما عاد يملك هذه الصلاحية بعد قيام الاتحادات النقابية.
• الادعاء بان الانتفاضة قد انتصرت وتم تنفيذ الاضراب السياسي في أبريل 1985 رغم موقف اتحاد العمال واتحاد المزارعين، يتجاهل حقيقة ان القيادات الحالية لاتحاد العمال واتحاد المزارعين جاءت بانتخابات."
هذا الموقف الثوري الصحيح ومنهج التحليل الموضوعي هو ما نحتاج له الآن لمواجهة كارثة الحرب.

صديق الزيلعي

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

البحرية اليمنية…إنقاذٌ إنساني في قلب المعركة، ورسالة رادعة من عمق البحر

 

في مشهدٍ يُجسّد التقاء القيم الإنسانية بالصلابة العسكرية، وزّع الإعلام الحربي اليمني مشاهد مصوّرة لعملية بحث وإنقاذ نفذتها القوات البحرية اليمنية لطاقم السفينة «إترنيتي سي»، بعد أيام من استهدافها وإغراقها في التاسع من يونيو نتيجة خرقها قرار الحظر البحري المفروض على موانئ الكيان الصهيوني.

لم تكن العملية مجرّد ردع عسكري ينتهي بإغراق هدف معادٍ فحسب، بل امتدت لتُبرز جانبًا آخر من أخلاقيات المعركة اليمنية، وهو الالتزام الإنساني تجاه الأرواح، حتى وإن كانت من طاقم سفينة اخترقت الحظر وتعاونت مع عدو الأمة. وعلى مدى يومين متواصلين، خاضت فرق البحرية اليمنية عملية بحث معقدة وسط أمواج البحر المفتوح، حتى تمكنت من إنقاذ 11 فردًا من طاقم السفينة، بينهم جريحان تلقيا الرعاية الطبية اللازمة، في حين تم انتشال جثة أحد أفراد الطاقم من داخل السفينة قبل غرقها، ونُقلت إلى ثلاجة مستشفى ميداني.

إن ما كشفته المشاهد المصوّرة من لحظات الإنقاذ، يعكس بجلاء أن العمليات العسكرية اليمنية لا تنطلق من نزعة عدوانية أو عقلية انتقام، بل من رؤية منضبطة تُحكمها القيم والمبادئ، وتوازن بين مقتضيات الحرب وضرورات الإنسانية. هذه هي المدرسة التي تخرّج منها المجاهدون اليمنيون، الذين لم تمنعهم قسوة المواجهة ولا حرارة الميدان من الالتفات إلى الجريح والناجي، أياً كان انتماؤه أو موقعه.

وفي تسجيلات موثّقة، أدلى طاقم السفينة باعترافات صريحة، مؤكدين أن «إترنيتي سي» كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش (إيلات) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في مهمة تجارية لصالح الكيان الصهيوني، انطلاقًا من ميناء بربرة في الصومال، في حين تم إدراج ميناء جدة السعودي كوجهة ظاهرية لغرض التموين والتمويه.

لم تكتفِ هذه الاعترافات بتأكيد مشروعية العمل العسكري اليمني، بل حمَلَت معها إدانة ضمنية للكيان الإسرائيلي ولكل من يتعاون معه تجاريًا، إذ وجّه أفراد الطاقم رسائل واضحة وصريحة إلى شركات الملاحة الدولية: «توقفوا عن المتاجرة مع إسرائيل، فالبحر لم يعد آمنًا لمن يخترق قرارات الشعوب الحرة ويستخف بدماء الفلسطينيين.» كما لم يتردد أفراد الطاقم في التعبير عن اعتذارهم للشعب الفلسطيني، مؤكدين أن ما حدث لم يكن خيارًا شخصيًا لهم، بل قرارًا فُرض عليهم في إطار العمل التجاري الدولي.

إن هذا التطور النوعي، الذي يجمع بين البعد الإعلامي والعسكري والإنساني، يؤكد أن البحرية اليمنية لم تعد مجرد قوة دفاعية تحرس المياه الإقليمية، بل أصبحت قوة إقليمية فاعلة ترسم خطوطًا حمراء وتفرض معادلات جديدة في قلب البحر الأحمر وخليج عدن. فلم تكن عملية استهداف «إترنيتي سي» مجرد ضربة عسكرية فحسب، بل كانت رسالة استراتيجية مزدوجة: واحدة موجهة للعدو الصهيوني بأن الحصار لن يمرّ، والأخرى موجهة لكل من يتعامل معه بأنهم تحت طائلة الاستهداف.

لقد غيّرت هذه العملية قواعد الاشتباك، وأعادت تعريف مفهوم السيادة البحرية في زمن الصراع الشامل. فاليمن، رغم العدوان والحصار، لم يتخلّ عن مسؤوليته القومية، بل تصدّر مشهد الردع البحري دفاعًا عن فلسطين وعن كرامة الأمة، في الوقت الذي صمتت فيه أنظمة تمتلك أساطيل بحرية وجوية لكنها رهنت إرادتها للوصاية الأجنبية.

إن رسالة طاقم السفينة، التي بثّها الإعلام الحربي، لم تكن عابرة، بل تعبّر عن حجم التأثير اليمني في وعي الأعداء والمتواطئين، وتؤكد أن من يخاطر بالإبحار نحو موانئ الاحتلال، يخاطر بمصيره وسمعته وربما بحياته.

وفي المحصلة، فإن عملية «إترنيتي سي» لم تكن مجرد نجاح أمني أو عسكري، بل نموذج متكامل لعملية نوعية جمعت بين الحسم والرحمة، وبين الصرامة والإنقاذ، لترسل إلى العالم أجمع صورة ناصعة عن مقاومة تعرف متى تضرب، ومتى تُنقذ، ومتى تتحدث بلسان الأخلاق والمبادئ.

هذه هي اليمن… تصنع المعجزات في زمن الانحدار، وتُبحر بثقة من بحر العزة نحو شاطئ الحرية، حاملةً لواء القدس، وراية الأمة، وضمير الشعوب.

 

 

مقالات مشابهة

  • متحدث الحكومة الفلسطينية: مظاهرات تل أبيب ضد السفارة المصرية مشهد محزن ومرفوض فلسطينياً
  • المفوضية تعلن موعد انتخابات «النقابات الأساسية للمهن الهندسية»
  • البحرية اليمنية…إنقاذٌ إنساني في قلب المعركة، ورسالة رادعة من عمق البحر
  • المفوضية تحدد موعد انتخابات «النقابات الفرعية لأطباء الأسنان»
  • قرعة «مونديال 2026» في لاس فيجاس 5 ديسمبر
  • سلاح الحزب على طاولة الحكومة... القرار الصعب يقترب
  • شبكة ألمانية: إسرائيل والحوثي.. من يحسم المعركة؟
  • في الحمرا.. الحزب الشيوعي يتقبل التعازي بزياد الرحباني غداً
  • امتعاض نجل الزوكا يشكّك في مصداقية وثائقي المعركة الأخيرة لصالح
  • جيرمي كوربن يعود من بوابة الشباب.. هل يهدد الحزب الذي أخرجه؟