لبنان وسوريا ما بعد انتخابات أميركا
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
تعتبر عودة دونالد ترامب المثيرة إلى البيت الأبيض وما رافقها من ظهور مؤشرات قوية لتصعيد ميداني كبير في لبنان وسوريا، أبرز التحديات المقبلة، فالمؤشر الأوَّل جاء عشية الانتخابات الأميركية مع إقالة رئيسِ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزيرَ الدفاع يوآف غالانت من موقعه وتعيين يسرائيل كاتس الأكثر تطرفًا مكانه.
في الضفة الأخرى، أتى خطاب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، التصعيدي عقب ساعات من فوز دونالد ترامب، في ذكرى أربعين السيد حسن نصرالله، على الرغم من أن الخطاب أتى مسجلًا ومتأخرًا في العناوين والتطورات.
والأكيد أن فوز ترامب بالرئاسة الأميركية كان مفاجأة من العيار الثقيل، بعد صراع طويل قاده طوال السنوات الأربع الماضية، وجاء حافلًا بالصراعات الدامية والأحداث العنيفة.
فمع خروجه من البيت الأبيض بعد رفضه نتائج انتخابات العام 2020، واتهامه بالوقوف وراء الهجوم على مبنى "الكابيتول هيل" في حادثة تُعتبر من النوادر في التاريخ السياسي الأميركي، ومطاردته في المحكمة الجنائية واتهامه بالتهرب الضريبي، وأخيرًا وليس آخرًا نجاته من محاولة اغتياله، عاد ترامب بفوز ودعم شعبي واسع.
وسريعًا في قراءة لطبيعة المعركة التي جرت على المستوى الداخلي، فقد نجح في استثمار محاولات اغتياله، ما جعل الشارع الأميركي يتجاوز مشهد اقتحام الكابيتول في 2020. وهو استفاد من التحديات الداخلية، كالارتفاع المتسارع للأسعار وتحديدًا أسعار النفط، إضافة لملف المكسيك والهجرة، والاستثمار بهذا الملف على أنه يهدد الهوية الوطنية الأميركية، ويشجع على الجرائم.
ولم يتوقف ترامب عن استغلال ملف الحروب التي انخرطت واشنطن في دعمها والتي باتت تستنزف المال العام الأميركي وتحديدًا الحرب الأوكرانية – الروسية، لكن الملف الأهم الذي عمل على مخاطبة المتدينين الأميركيين به هو رفع الحماية عن المتحولين جنسيًا، وهذا السياق يندرج ضمن السياسة المحافظة للحزب الجمهوري، في مقابل المفاهيم الليبرالية للحزب الديمقراطي.
وخلال مخاطبته جمهور الشباب الأميركي كان ترامب حريصًا على إعلانه وعدًا بالسعي الجاد والنهائي لوقف الحروب الحاصلة في الشرق الأوسط وتحديدًا غزة ولبنان، رغم أنه لم يقدم أي تصور واضح لوقفها، لكنه كان وعدًا انتخابيًا لايزال العديد يعول على تنفيذه.
وفي الحرب الأوكرانية – الروسية، سيسعى ترامب إلى إنهائها والتي كلفت واشنطن تكاليف كبرى، وذلك وفقًا لتفاهمات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والأكيد أن ترامب إذا ما أوفى بتعهداته الانتخابية بوقف الدعم المالي والعسكري عن إدارة الرئيس زيلينسكي، لإجباره على الذهاب إلى إعلان وقف الحرب ولو بشروط لا تلائمه، فهذا الخيار يعني بالضرورة ترك أوروبا تصارع بوتين وحيدة، ما يعني تخلخل حلف شمال الأطلسي الذي كان ترامب في العهد السابق معاديًا له.
فيما الحرب المندلعة دون أفق لانتهائها في إقليم الشرق الأوسط، تتقاطع المصالح وتتشابك وتجعل المشهد عصيًا على إدراك التبعات التي ستخلفها حروب المنطقة، في ظل توسع هوامش اللاعبين الكبار في المنطقة.
فيما كان اللافت وفق كل المراقبين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استبق ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، بإقالة يوآف غالانت، الصديق الأقرب لإدارة بايدن، والذي كان يعارض نتنياهو في استمرار الحرب وميله الدائم لوقف الحرب مع لبنان وغزة، عبر إنجاز تسوية سياسية تؤدي لوقف الحرب واستعادة الأسرى.
إيرانيًا بدت ردود الفعل صامتة تجاه نتائج الانتخابات الأميركية، حيث بادرت طهران على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بأنّه لا يوجد فارق كبير بالنسبة لإيران بين ترامب وبايدن، وهذا الجواب يخفي في طياته الحقيقية بعض القلق.
إذ لم يعد سرًا أن طهران عملت على بقاء الديمقراطيين، لأن مرحلة اختبارها للولاية الأولى لترامب كانت غير مشجعة، على المستوى الأمني والمالي والعقوبات والتشدد في تطبيقها، بخلاف ما حصل خلال ولاية بايدن الذي غض النظر عن بيع إيران نفطها في السوق السوداء، ما جعلها ترتاح ماليًا وتعود للعمل الخارجي بشكل أفضل.
وفي سوريا، يكمن خوف وترقب مزدوج، فالأسد الذي عول على تثمير صمته السياسي والميداني في حرب غزة، وعلى الدور الروسي، يخشى من سياسات ترامب تجاه النظام، وهو الذي تشدد في عقوباته تجاه النظام عبر قانون قيصر، وكان يسعى للإطاحة بالنظام وفق تفاهمات تقتضي حلولًا جديدة للواقع السوري وفق معالجات مشتركة مع تركيا، وروسيا، والعرب.
والأكيد أن دور روسيا في إبعاد الأسد عن تلاحم الساحات، بالإضافة إلى دور بعض الدول العربية التي انفتحت على دمشق لإخراجها من الحضن الإيراني، باتت تسبب انزعاجًا وشعورًا بالخيبة لدى حزب الله من الأسد، وخاصة في ظل تزايد الإجراءات الأمنية والسياسية والتي باتت تضيق هامش تحرك عناصر الحزب في دمشق وحمص، وخصوصًا حركة نقل الأسلحة.
بالإضافة إلى إجراءات أمنية اتخذت في جنوب سوريا عبر فرض وقائع جديدة على تحركات الحزب وحلفاء إيران، وعدم السماح بأي تحركات أو عمليات عسكرية من الجنوب السوري، والتي ترجمت بانسحاب الفصائل العراقية من الجنوب السوري، وذلك منعًا لحصول مواجهة مع الإسرائيليين، الذين قد يتخذون من وجود هذه الفصائل ذريعة للإقدام على خطوات عسكرية داخل الأراضي السورية.
وليس من باب المصادفة أن تعمد أطراف إقليمية وعربية إلى تسريب أفكار متعلقة بسوريا واليوم التالي للحرب، فالأطروحات التي تناقش بين أطراف متعددة باتت تتحدث عن نقل صلاحيات الأسد لرئيس حكومة "سني" وقبوله بواقع سياسي يشبه لبنان بعد انتهاء الحرب واتفاق الطائف في 1990 والذي أتى بشخصية رفيق الحريري بعد نقل الصلاحيات المطلقة من رئيس الجمهورية للحكومة مجتمعة، وهذا ما يجري التخطيط له لسوريا في عهد ترامب وفق مستشاريه العرب والذين أظهروا وعودًا للجاليات السورية في الولايات المتحدة بإبرام اتفاق نهائي وحاسم في الجغرافيا السورية.
وهذه التطورات تعزز القناعات بأن التوقيت والظروف يوحيان بأشهر قليلة ملتهبة، بهدف تعزيز الأوراق التفاوضية قبل الذهاب إلى وضعها على طاولة النقاش وتقسيم النفوذ، والتي ستُنتج تسوية سياسية كاملة تطاول لبنان، وغزة، وسوريا، وإعادة تكوين السلطة في لبنان، وهو ما سيشكّل ما يشبه الجائزة التي سيحملها ترامب مع بدء ولايته الثانية، وعلى أساس أنه الرئيس التاريخي الذي نجح بإنهاء حربين كبيرتين في أوروبا والشرق الأوسط حال دخوله إلى البيت الأبيض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
أكبر بنوك أميركا يحذّر من انهيار سوق السندات الأميركي تحت ضغط الديون
أطلق جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان تشيس"، تحذيرا صارخا بشأن مصير سوق السندات الأميركي، مشيرا إلى أن هذا السوق "سينهار" تحت وطأة الدين العام المتنامي للولايات المتحدة، وداعيا إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى تغيير المسار المالي للبلاد نحو مسار أكثر استدامة.
وفي كلمته خلال منتدى ريغان الوطني الاقتصادي في كاليفورنيا، قال ديمون: "ستشهدون انهيارا في سوق السندات. أنا أخبركم أن هذا سيحدث، وستصابون بالذعر. أما أنا فلن أذعر. سنكون بخير".
يشار إلى أن "جيه بي مورغان تشيس" يُعد أكبر بنك أميركي من حيث حجم الأصول، إذ تتجاوز 3.9 تريليونات دولار. ويعد من أقوى البنوك على مستوى العالم من حيث التأثير والاستقرار المالي.
قلق متزايد في وول ستريتتصريحات ديمون، الذي يقود أكبر بنك في الولايات المتحدة، تعكس قلقا متزايدا في وول ستريت من حجم العجز المالي الأميركي، خاصة في ظل مراجعة الكونغرس لمشروع الموازنة الجديد الذي يصفه ترامب بأنه "كبير وجميل".
والمشروع، الذي تم تمريره في مجلس النواب الأسبوع الماضي ويخضع حاليا لمراجعة مجلس الشيوخ، يُتوقع أن يرفع العجز الفدرالي بقدر كبير.
حتى قبل مناقشة هذا المشروع، توقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن تتجاوز نسبة الدين الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي المستوى القياسي الذي سجلته البلاد خلال أربعينيات القرن الماضي.
وشهدت السندات الأميركية طويلة الأجل ضغوطا كبيرة نتيجة المخاوف المالية، فقد ارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 30 عاما إلى نحو 5%، مقارنة بما يزيد قليلا على 4% بداية عام 2024. كما قامت وكالة التصنيف الائتماني موديز هذا الشهر بتجريد الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني الممتاز (إيه إيه إيه)، وهو ما يعد تطورا لافتا في النظرة العالمية إلى الاقتصاد الأميركي.
إعلانوأشارت فايننشال تايمز إلى أن سوق سندات الخزانة الأميركي شهد نموا هائلا من نحو 5 تريليونات دولار عام 2008 إلى 29 تريليون دولار اليوم، وسط سياسات خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي، خاصة خلال جائحة كورونا.
تراجع الطلب الأجنبي وتصاعد المخاطر الجيوسياسيةورغم أن هذا السوق يُعد الأعمق والأكثر سيولة عالميا، ويستفيد من مركز الدولار بوصفه عملة احتياطية رئيسة، فإن الطلب عليه تراجع بشكل ملحوظ، لا سيما من قبل المستثمرين الأجانب، الذين قلّصوا مشترياتهم من السندات الأميركية على مدار العقد الماضي. ويُعزى هذا الانسحاب جزئيا إلى سياسات ترامب الجمركية المتشددة، التي أثارت توترات تجارية مع الشركاء الدوليين.
وأضاف ديمون أن تصاعد التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية والديون العالمية يؤشر إلى أن "الصفائح التكتونية للاقتصاد العالمي بدأت تتحرك"، مشيرا إلى أنه لا يعلم إذا ما كانت الأزمة "ستقع خلال 6 أشهر أو 6 سنوات"، لكنه شدد على ضرورة تعديل السياسات واللوائح المالية الحالية لتعزيز قدرة البنوك على التعامل مع صدمات السوق.
وتتوافق تصريحات ديمون مع ملاحظات أدلى بها جون والدرون، رئيس بنك غولدمان ساكس، خلال مؤتمر "بيرنشتاين" في نيويورك، حيث وصف العجز الأميركي بأنه "مثير للقلق"، مضيفا أن "الخطر الأكبر اليوم في الاقتصاد الكلي يتمثل في انعكاسات هذا العجز على سوق السندات"، متوقعا أن "تتواصل موجات الاقتراض، مما سيرفع من تكاليف رأس المال ويُبطئ النمو الاقتصادي".
ووفقا لتقديرات اللجنة المستقلة للميزانية الفدرالية المسؤولة، فإن مشروع موازنة ترامب سيضيف ما لا يقل عن 3.3 تريليونات دولار إلى الدين العام الأميركي بحلول عام 2034. كما حذّرت موديز من أن العجز الفدرالي قد يرتفع من 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 إلى نحو 9% بحلول عام 2035.
ضرائب جديدةوفي ملف الضرائب، قال ديمون إنه يؤيد فرض ضرائب على "الأرباح المُرحّلة"، وهي ميزة ضريبية لطالما استفاد منها كبار مديري صناديق الاستثمار الخاصة. وأضاف: "علينا بالتأكيد فرض ضرائب على الأرباح المرحّلة"، مشيرا إلى أن هذا المطلب كان مدعوما سابقا من الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، وقد تبنّاه ترامب حاليا.
إعلانوعند سؤاله عمّا إذا كان يفكر في الترشح لمنصب سياسي، أجاب ديمون (69 عاما): "سأفعل لو اعتقدت أنني أملك فرصة حقيقية للفوز، لكني لا أعتقد ذلك".