بسبب والدتها.. عشرينية على قيد الحياة تُمحى من على وجه الأرض
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
سُدّت في وجه امرأة بريطانية كل السُبُل، ولم يعد أمامها إلا الإعلام للتعبير عن معاناتها، بعدما اكتشفت أنها "غير موجودة في الحياة" من الناحية القانونية، ومحرومة من القيادة والتصويت والسفر تماماً كأنه "تم محوها من على وجه الأرض" على حد قولها.
أخبرت كايتلين والتون (26 عاماً) موقع "مترو" أن حكومة المملكة المتحدة تصنّفها "مهاجرة"، كونها لا تمتلك أي دليل قانوني على أنها ولدت في المملكة المتحدة.
تلقي كايتلين اللوم على والدتها التي أنجبتها في المنزل بمدينة جيتسهيد عام 1997، دون أي مساعدة طبية، ولم تسجّلها في الدوائر الرسمية، لذلك لم تحصل على شهادة ميلاد مطلقاً.
وفيما تلفت أن العلاقات مع والدتها مقطوعة، تشرح أنها لم تكتشف هذه الحقيقة إلا عند بلوغها 19 عاماً بالصدفة، وذلك حين طلبت أوراقها الثبوتية من والدتها لأنها تريد مغادرة المنزل، عندها كانت الصدمة بأنها لا تمتلك ولو أي دليل مكتوب يثبت أنها موجودة رسمياً.
غير موجودة قانونياً
منذ ذلك الحين، تعيش كايتلين مأزقاً عميقاً، خاصة أنها تقود سيارتها دون رخصة، ولا تستطيع مغادرة البلد لأنها لا تمتلك جواز سفر، كما لا يمكنها استخدام حقها بالتصويت أو الطبابة لأنها لا تمتلك رقماً وطنياً
وشرحت أنها عام 2019، حاولت التقدم بطلب للحصول على جواز سفر، لكن مكتب الجوازات أخبرها بأنّها "غير موجودة قانونياً".
واشترط المكتب عليها تقديم أدلة وثائقية رسمية عن ميلادها بالتاريخ والمكان الدقيقين، لتتمكن من الحصول على جواز سفر.
كما اشترط عليها إحضار شخص مؤهل للشهادة أمام مكتب التسجيل، ليدلي بتفاصيل حول والتوقيع على السجل.
حساب مصرفي
انسحب الأمر نفسه على محاولتها للحصول على حساب مصرفي، إلا بعد أن جاءت عمتها وابنة عمها معها وتوسلتا إدارة المصرف لمنحها حساباً ادخارياً. واضطرت القريبتان إلى تزويد كايتلين بكل شيء منذ أن بلغت 18 عاماً، حيث لا تملك وسيلة لكسب أموالها الخاصة.
أما الأسوأ بالنسبة إلى كايتلين أنها بعد فتح قضيتها أمام الدوائر المعنية تم تصنيفها "مهاجرة بريطانية بيضاء"، رغم أنها بريطانية الأصل، وموجودة في البلد منذ ولادتها.
تكشف المراة التي أوشكت على عقدها الثالث أن كل ما تعيشه أثر على صحتها النفسية كثيراً، فهي تشعر بأنّها عالقة في دوامة من الرفض لا نهاية لها، نظراً لأن الشرطة اعتبرت الأمر "مسألة عائلية".
تختم كايتلين مناشدتها عبر الإعلام بأنها فقدت أي تواصل مع والدتها وحتى أخوين آخرين لم يتم تسجيلهما أيضاً، وكل ما تريده هو الاستقلالية والشعور بوجودها، والحصول على أوراق ثبوتية "تثبت وجودها" على كوكب الأرض.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية بريطانيا لا تمتلک
إقرأ أيضاً:
مقطع من الحياة اليومية في غزة
التاريخ يعيد نفسه ولكن بأحداث وأسماء وضحايا آخرين. معاناة البشرية لُخِّصت في ذلك الحين برحلة آلام السيد المسيح كفردٍ ناب عن الأمة، لكنها اليوم رحلة آلام الأمة بأكملها؛ ليست العربية والإسلامية فحسب بل البشرية كلها؛ جسّدها الفلسطيني في غزة بروحه ودم أطفاله وبيته وممتلكاته وكل أحبته، مع اختلاف الزمان والمكان؛ فهو النازح لأكثر من 15 مرة في مساحة لا تزيد عن 365 كيلومترا مربعا وسط حصار دام 17 عاما قبل اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وازدادت آثار هذا الحصار تفاقما بعدها؛ لتصبح حرب إبادةٍ وتطهيرٍ عرقي، حرب نسفٍ وتدميرٍ ممنهجٍ لكل جوانب الحياة؛ حرب تجويعٍ وتعطيشٍ؛ وحرب أوبئةٍ وأمراضٍ؛ وحربا بيولوجية بالمعنى الأشمل للكلمة، حربا ضد الطفولة ومنتجها المرأة؛ لتهدد مستقبل شعب بأكمله، بل لتستأصله من الوجود على يد جلادي العقيدة التلمودية الصهيونية المتأصلة جذورا بالإرهاب؛ والتي ترى في الأطفال خطرا على بقاء كيانهم؛ بل على وجودهم الاستعماري الطارئ الذي اصطنعته أوروبا والولايات المتحدة؛ وتسعى إلى ديمومته على حساب أهل الجغرافيا والتاريخ.
هذه العقيدة المتطرفة الفاشية دأب على تأكيدها غلاة اليمينيين النازيين وعلى رأسهم رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو؛ الذي اقتبس من سِفر صموئيل الأول وأوصى جنوده بأنهم يواجهون "العماليق"؛ لذا عليهم قتل جميع الأطفال والرضع والنساء والرجال حتى البهائم وتدمير كل شيء حتى يفنوا. وسبقه وزير دفاعه المستقيل غالانت بقوله: "إن الفلسطينيين حيوانات بشرية وعلينا قتلهم". أما سموتريتش الفاشي المتطرف القادم من أوكرانيا فقال: "أمام الفلسطينيين إما أن يرحلوا أو يخضعوا لنا أو يموتوا".
لقد بات قتلُ الأطفال بالنسبة لقادة الاحتلال فعلا وهدفا استراتيجيا، كما كان مرشدهم السياسي والروحي الحاخام الأكبر للصهيونية الدينية دروكمان يدعو إلى ذلك؛ إنهم يرون قتل الأطفال ليس قتلا لأحلامهم وآمالهم ولقصص كانوا سيروونها عندما يكبرون، بل هو قتل مستقبل الوطن والحياة القادمة. إن كل هذا من وحي الحياة اليومية في غزة.
لقد اختلف الصهاينة فيما بينهم وانقسمت صفوفهم وتداعت اصطفافاتهم، وغادر الكثير منهم معترك السياسة، واستقال آخرون منهم احتجاجا على بعض السياسات التي لا تنسجم مع أهدافهم وأسلوبهم، واتهم بعضهم بعضا بالخيانة والولاء للأعداء، لكن برغم ذلك اجتمعوا واتفقوا على إراقة دمائنا واقتلاعنا من أرضنا وتهجيرنا قسرا أو طوعا؛ فكان الخلاف والاختلاف علينا من يُمعن أكثر في قتلنا، ومن يعمّق آلامنا أكثر، ومن يُنهي وجودنا أسرع، ومن يدخل تاريخ "إسرائيل" فاتحا وناصرا وحاميا قبل الآخر. إنهم تلامذة النازي جابوتنسكي الذي يرى أنه "بالقوة وحدها سبيلا لإخضاع العرب وإذعانهم". كل ذلك يحدث في غزة يوميا.
واقع الحال مقيم منذ نحو 20 شهرا؛ قصف مسيّرات وطائرات حربية وتوغل دبابات، وقذائف مدفعية تسقط على الرؤوس بعدما لم يتبقَ هناك من مبانٍ، وجنود يتلهّون بإعدامات ميدانية للمدنيين بدمٍ باردٍ؛ مجازر في كل جغرافية القطاع، مع فارق أعداد الضحايا والتاريخ وأداة الجريمة، ونسفٍ وتدميرٍ لما تبقّى من أحياءٍ سكنية تُسكت القلوب من هول انفجاراتها.
المشهد يعج ُّ بالمشافي المدمّرة ومرافق حياةٍ لم يعدْ لها من وجود، وأشلاء وجثث في الطرقات، وعندما يُسمع دوي الانفجارات وتُشاهد أعمدة الدخان يهرع رجال الدفاع المدني إلى هناك لربما يُنقذون -بما أُوتوا من عتادٍ خفيفٍ بسيط- ما يمكن إنقاذه. هنا يصدر أنين وهناك يُسمع صوت استغاثة من تحت الأنقاض فتنطلق سيارات الإسعاف، ولكنها أحيانا تتوقف وسط الطريق بعد نفاد وقودها، فيحملون الجرحى راكضين مسافاتٍ قد تكون أحيانا طويلة، ويتركون الجرحى وقد أعياهم نزاع الموت والحياة في ممرٍ من بقايا مشفى أو مشفى ميداني الذي هو عبارة عن خيمة ممزقة ومتداعية؛ أو خيمتين تفتقدان إلى كل ما يلزم من بيئة التعقيم والسلامة الصحية. وعلى مقربة منها، هناك يُسمع عويل النساء اللواتي ينتحبن على أجساد أبنائهن وأزواجهن، وتتعالى وصاياهن: "سلّم على أخوي"، "سلّم على إخوتك يللي سبقوك"، "الله معك يما أنا مش مطولة؛ رح آجي وراك".
وفي الجانب الآخر من محيط المشفى، يتجمع الرجال للصلاة على ثلةٍ من الشهداء وسط صراخ الأهل والأحبة، وتُسبل الأكّفُ المتضرعة إلى الله بعدما أعياها التعب من الدعاء.
أمام شبح الجوع تتجمع حشود الأطفال والنساء وكبار السن ومعهم أواني الطعام؛ وهي ليست تلك الأواني التي اعتادوا استخدامها في منازلهم قبل الحرب، إنما هي أوعية بلاستيكية أو دلاء أو صفيحة معدنية كانت تحتوي مادة ما، هناك تتعالى الأصوات ليظفروا ببعضٍ من طعام طهته "التكية الخيرية" قبل أن تُخمد نارها بسبب نفاد الوقود.
وهناك في جزء من الشارع المليء بالحفر وبرك المياه الآسنة طفلةٌ تحاول حمل غالون الماء، وهو أثقل من جسمها، لتروي ظمأ ما تبقى من أسرتها، وآخر يبحث في كوم قمامة عن كسرة خبزٍ أو بقايا من طعام، وفي لحظة استلام المساعدات -التي لم يدخل منها إلا القليل القليل- يُفاجئ الجميع برشقات من الرصاص أو قذيفة من دبابة إسرائيلية تفرق الجموع وتقتل العشرات وتصيب العشرات. إنها مصيدة المساعدات، إنها مقتلة الغزيين، ولكن بغطاء إنساني؛ لم تتمكن المنظمات والهيئات الدولية فعل أكثر من ذلك.
وفي المناطق التي زعم جيش الاحتلال أنها أكثر أمانا وطلب من المدنيين التوجه إليها، ما أكثر الخيم المحترقة وما أكثر مؤن المساعدات المتفحمة وما أكثر ما تفحم من عشرات من الجثث. هناك لا أمل في الحياة ولا أمل في الأمن والأمان، هناك تغدو العربات التي تجرها الحمير الوسيلة الأكثر توفرا لحمل أفراد الأسرة مع ما تبقى من حاجاتهم المعيشية من فراش وملابس لتنقلهم إلى وجهة أخرى، ليس للأمان بل لعلها تؤخر موتهم قليلا؛ موتهم الذي يلاحق الجميع بلا استثناء أطفالا ونساء ورجالا وشبانا.
هذا مقطع من حياة يومية يعيشها الغزيون ببعض تفاصيلها وليس كلها. الحصيلة حتى لحظة كتابة هذه السطور: ارتقاء 55 ألف شهيد وما يزيد على 125 ألف جريح، بينهم عشرات الأطفال الذين يموتون أو يُولدون مشوّهين بسبب سوء التغذية. هناك دمار ومسح كامل لكل مدن القطاع، وتراكم مئات الآلاف من أطنان القمامة التي تنذر بانتشار الأوبئة والأمراض، وأكوام أنقاض تغيّر معالم جغرافية المكان لأنها تشكل هضابا وتلالا وأودية، وحفر حفرتها القذائف الثقيلة الأمريكية الصنع.
هناك رائحة الموت والدم في كل مكان، وهناك أيضا فعل مقاوم يأبى الهزيمة ويُصدّر الرعب إلى الجنود المدججين بسلاحهم الفتُّاك وبآلياتهم المصفحة. وعلى منعرج آخر يسود صمتٌ في كل الأماكن؛ قبل البحار وما وراء البحار من الأشقاء والأصدقاء إلى الحلفاء وسط صخب الأعداء؛ صمت مريب يخترقه أحيانا استنكارٌ هنا وتنديدٌ هناك، لكنه لا يحدث إلا موت للعدالة والطفولة والإنسان. وتبقى السماء الشاهد الوحيد؛ والمقطع لم يكتمل بعد.
[email protected]