ترأست رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون الوفد اللبناني الى المؤتمر الوزاري الرابع، حول المرأة والأمن والسلم تحت عنوان: "تعزيز الحماية والاستجابة الشاملة لاحتياجات النساء في مناطق النزاع: النساء يواجهن الحروب"، المنعقد في القاهرة على مدار يومين في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، من تنظيم قطاع الشؤون الاجتماعية في الجامعة بالشراكة مع المكتب الإقليمي للدول العربية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

كما شاركت في وفد لبنان إلى المؤتمر  عضو المكتب التنفيذي في الهيئة المحامية غادة حمدان.

 

وخلال اليوم الأول شاركتعون كمتحدثة رئيسية في الجلسة الحوارية الأولى بعنوان: "معاناة النساء وانتهاكات حقوق الإنسان في ظل الحروب والنزاعات المسلحة وظروف عدم الاستقرار"،  وأبرز ما جاء في مداخلتها: " بعد اختتام الخطة الوطنية الأولى لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والسلام والأمن، كلّفت رئاسة مجلس الوزراء الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بإعداد الخطّة الوطنية الثانية. اعتمدت الهيئة مساراً جديداً في إعداد الخطّة الثانية، بعد أنّ تمّت مواجهة تحدٍ في نشر المعرفة حول هذا القرار في الخطّة الأولى، وفهم أجندة المرأة والسلام والأمن، أهدافها ومخارجها الإيجابية، لتبنّيها على أعلى المستويات في الهيكلية التنفيذية".

 

اضافت: "من هنا بدأ مسار تطوير الخطة من خلال عقد ثلاثة اجتماعات مع المديرات والمدراء العامين ورئيسات ورؤساء الادارات العامة والمجالس والهيئات الرسمية للتعريف بالقرار وأهميّة تطبيق بنوده. كما تابعت الهيئة مسار إعداد الخطّة من خلال تنظيم لقاءات في المحافظات اللبنانية الثماني بالتعاون مع المحافظين لتوصيف الأوضاع القائمة، وعُقِد الاجتماع الأول في محافظة بعلبك-الهرمل وكان التحدّي الأكبر في اندلاع الحرب الشرسة في لبنان واشتدادها خلال الشهرين الماضيين وتمّ الغاء اللقاءات المقرّرة في المحافظات الأخرى."

 

وتابعت: "لقد أدّت الحرب في لبنان الى نزوح كبير، وكانت الاستجابة الأولى من خلال فتح مراكز ايواء غير مجهّزة لاستقبال النازحين والنازحات. وواجه لبنان الهجرة القسرية وقصف المعابر، تدمير قرى بكاملها وخسارة المواطنين/ات بلحظة أحباءهم، بيوتهم، ذكرياتهم، استقرارهم، وحتى أوراقهم الثبوتية. كما شهدت الحرب تدمير البنى التحتية، وحرق الأراضي الزراعية وتشبيع تربتها بمادة الفوسفور مما قد يؤدّي حتمًا إلى تداعيات صحية من تلوث الهواء والمياه بالمواد الكيميائية الضارة. ومن هنا أهميّة دعم وزارة الصحة ووزارة البيئة في إعداد دراسة ميدانية حول هذه التداعيات".

 

واردفت: "كما أنّ للحرب تداعيات حالية ومُستَقبَلية على الاقتصاد الوطني وعلى الصحة النفسية والجسدية للمواطنين/ات. أقفلت المدارس وأضحى التلاميذ والتلميذات في حالة غموض فيما يتعلّق باستئناف عامهم الدراسي. فأوجاع المواطنين/ات اللبنانيين/ات لا توصف، وعيشهم في قلق دائم وخوف شديد مستمرّ لا يفسّر".

 

وقالت: "في ظلّ هذه الظروف، تابعت الهيئة الوطنية مسار إعداد الخطّة وقامت برصد يومي للوضع الراهن الناتج عن الحرب، كما عقدت اجتماعاً مع اللجنة الوطنية التسييرية المؤلّفة من المديرات والمدراء العامين/ات في الوزارات المعنية بتنفيذ القرار 1325 لوضع أولويات الخطّة الوطنية الثانية بحسب المحاور الأربعة للقرار، وهي: تعزيز دور المرأة في القيادة، تعزيز الأطر القانونية لحمايتها من كافة أشكال العنف، نشر ثقافة السلام، والاستجابة للأزمات من منظور النوع الاجتماعي."

 

وتابعت: "اليوم مع وقف إطلاق النار والاعتداءات الحربية، وعلى أمل أن يكون نهائياً، نجد أنفسنا أمام تحديات جديدة في مرحلة التعافي والاستجابة لاحتياجات النساء والفتيات خاصةً مع عودة النازحين/ات الى بلداتهم المنكوبة. ومن هنا ضرورة اعتماد خطّة وطنية شاملة لإعادة الإعمار، لكننا نتساءل هل سوف تشارك النساء اللبنانيات في جهود إعادة الإعمار؟ وهل سوف تؤخذ احتياجات النساء والفتيات بعين الاعتبار؟ كما وأنّنا نتطلّع لمشاركة النساء في تكوين السلطة الجديدة".

 

ورأت انه "من الضروري أيضًا العمل على تمكين النساء اقتصاديًا وتعزيز استقلاليتهنّ المالية، من خلال برامج تدريبية مهنية وتأمين مساعدات مالية وقروض لتمكينهنّ من البدء بمشاريع اقتصادية جديدة. وهذا التدخّل مبني على تجربة سابقة بعد حرب تموز 2006. ذلك إضافة إلى تحدّيات أساسية توجهها النساء في ملكية الأراضي وخطر التعرّض للإستغلال. ومن أهمّ التحدّيات في مرحلة التعافي أيضاً، مكافحة خطاب الكراهية ورفض الشتائم وتعزيز المصالحة، من خلال تطبيق بنود القرار ١٣٢٥ حول تعزيز دور النساء ببناء سلام مستدام ومشاركتهن في عمليات الوساطة، منع نشوب النزاعات وحل النزاعات من دون اللجوء إلى العنف. ففي النهاية علينا دعم الآليات الوطنية من أجل مراقبة وتقييم تطبيق القرار ١٣٢٥ الأممي."

 

وأكّدت أن " النساء والفتيات يدفعن خلال الحروب والنزعات أغلى الأثمان جسدياً ومعنوياً، ومن المهمّ في المرحلة المقبلة، أن يتمّ العمل على دراسة لرصد تداعيات الحرب على النساء والفتيات، كما خلق منصّة لهنّ لمشاركة آرائهنّ وتجاربهنّ إنّ النساء والفتيات، ضحايا الحرب والنازحات من جرّائها، يشعرن بالقلق على الأهل والأحبّاء، القلق على المَصير. لقد خَسِرْن الْمَنازل ومَوارِد الرّزق، ويخشيَن التَّعرُض لحالاتِ عُنفٍ وابتزاز وتحرش جنسي، وهي حالات تزداد مخاطر وقوعها من جَرَّاء الصُّعوبات المعيشية والافتقار إلى شروط توفُّر الْخصوصية في أماكِنِ اللجوء، إن كان في مركز الإيواء أو في المساكن الضيقة التي تكتظُّ بالأسر اللاّجئة. لذا فإن الاحتياجات الأولى للنساء والفتيات في الوضع الراهن هي الحصول على العناية الطبية الضرورية، الحصول على مستلزمات العيش، توفير المأوى والمأكل والمشرب لهنّ ولأُسرهنّ، وتوفّر شروط الإقامة في بيئة آمنة لا يَخشَين فيها وقوع الأعمال الحربية ولا التعرّض لأي مس بكرامتهن الإنسانية والحصول على تَطميناتٍ بالنسبة إلى تمكُّنهنّ من متابعة مساراتِ حياتهنَّ، بعد توقّف الحرب، في الأسرة، في المدرسة وفي العمل."

 

وتابعت: "السؤال يبقى، هل سيكون هناك اعتراف بالدور الذي يجب أن تلعبه المرأة خلال المرحلة القادمة؟ وهل سوف يتمّ الضغط الدولي والطلب بمشاركة أكبر للنساء في مرحلة ما بعد الحرب؟ وقد تكون الخطوة الأولى، من خلال إدراج القرار 1325 وأجندة المرأة والسلام والأمن وتنفيذها، على جدول أعمال كافّة اللجان في جامعة الدول العربية."

 

وأضافت: "لا يمكن تأمين الحماية للنساء والفتيات الّا من خلال الوقاية وبناء ثقافة اللاعنف في أوقات السلم. وتُشدّد أجندة المرأة والسلام والأمن على ضرورة أن يكون العنصر النسائي أساسياً في صنع القرار وفي بناء السلام. ومن أولى الإجراءات التي من شأنها تعزيز الحماية للنساء والفتيات في مواجهة العنف خلال النزاعات، وخاصة في مسألة مناهضة العنف الجنسي، هي تعزيز الأطر القانونية لحماية النساء ورصد حالات العنف. فبعد 15 عامًا من الحرب اللبنانية الأهلية، تمّ تنفيذ مشروع واحد بعنوان Dealing with the past سمح للنساء بمشاركة تجاربهم وتعرّضهم للعنف خلال الحرب، ولكن لم تتمّ معاقبة أي مرتكب، فكيف يمكن أن يكون هناك مصالحة وتعافي؟ إنّ تعزيز الحماية للنساء والفتيات يتحقّق برفع نسبة الوعي لديهنّ أنّ هذا العنف محظور في القانون، وأن لهنّ الحقّ في مُواجهته والتقدم بشكوى ضد مُرتكبيه، والإستعانة بالآليات الأمنية والمدنية والقضائية."

 

وختمت: "لقد قامت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية وشركائها بنشر المعرفة  في مراكز إيواء النَّازحين والنَّازحات، وتعميم أرقام الخطوط الساخنة التي أوجدتْها القوى الأمنية ووزارة التربية والتعليم العالي وبعض المنظمات المدنية، للاتصال والتبليغ عند التعرض لأي شكل من أشكال العنف، ومنها التحرش جنسي والابتزاز الكتروني. وقبل اندلاع الحرب، كانت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية قد قامت باطلاق معايير دور الحماية الآمنة المؤقّتة الخاصّة بحماية النساء والفتيات الناجيات من العنف بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ونظّمت لقاءات مع فرق عمل دور الحماية لنشر المعرفة حول هذه المعايير. ويبقى التحدّي في استمرار وجود هذه المراكز في ظلّ النقص في التمويل. كما قامت الهيئة بحملة واسعة بعد اقرار قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه لنشر المعرفة بهذا القانون الجديد لدى المحامين والمحاميات والجسم القضائي والعاملين والعاملات الاجتماعيات والطلاب والطالبات في الجامعات. كذلك عملت الهيئة الوطنية مع وزارة العمل على تضمين الأنظمة الداخلية للمؤسسات الاقتصادية، سياسة للوقاية والاستجابة ومعاقبة التحرش الجنسي في نطاق العمل. وتعمل حاليًا مع قيادة الجيش اللبناني على تطوير سياسة داخلية للوقاية والإستجابة ومعاقبة أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي ومنها التحرش الجنسي. ونحن اليوم بصدد البدء بمشروع "دعم نفسي اجتماعي" بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، يستهدف النساء والفتيات اللواتي نزحن من بلداتهنّ."

 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: المرأة والسلام والأمن الشؤون الاجتماعیة النساء والفتیات للنساء والفتیات إعداد الخط ة بالتعاون مع النساء فی مع وزارة ة الأولى من خلال

إقرأ أيضاً:

الخطاطات العمانيات... بين تحديات الظل وتهميش العلن!

استطلاع ـ حنين بنت سالم البريدعية -

يُعدّ فن الخط العربي من أعرق الفنون الإسلامية وأكثرها ارتباطًا بالهوية الثقافية العربية، ولكن يظلّ حضور المرأة فيه باهتًا مقارنة بما تستحقه من مساحة واهتمام، والحديث هنا لا يدور حول وجود الخطاطة من عدمه، بل حول مدى بروزها في مشهد تسيطر عليه أسماء الخطاطين والذين يتصدرون المسابقات والمعارض والمحافل الفنية.. وهذا الواقع يدفعنا إلى طرح تساؤلات جوهرية عن العوامل والتحديات التي تقف في طريق حضور الخطاطة وتميزها، رغم ما تملكه الكثير من النساء من موهبة واستعداد.

في هذا الاستطلاع نفتح ملف "الخطاطات العمانيات" بين الحضور والغياب، وبين الموهبة والفرص، لنستعرض من خلال شهادات عدد من الفنانات والخطاطات العمانيات ما يواجهنه من عقبات، سواء كانت اجتماعية أو مؤسسية، وكذلك طموحاتهن الكبيرة التي تنتظر فقط مساحة عادلة لتظهر وتُحتفى بها.

بين مسؤوليات الأسرة، وقلة الدعم المؤسسي، وتهميش الإعلام، تتعدد الروايات وتتشكل صورة واضحة لواقع لا تزال فيه المرأة تخوض معركة الظهور والتأثير، ليس فقط بصفتها هاوية أو متذوقة لهذا الفن العريق، بل كمبدعة تمتلك كل مقومات التميز، في مجال كان وما زال أحد أوجه التعبير الحضاري والجمالي للأمة.

بداية تقول الخطاطة والمزخرفة أنوار الحسنية: إن قضية غياب الخطاطات عن الساحة الفنية في فن الخط العربي تُعد موضوعًا مهمًا ويستحق النقاش، ويطرح عدة تساؤلات حول الأسباب، رغم أن الخطاطات يشاركن بأعمالهن في المسابقات والمناقشات الفنية. وأيضًا يُحتمل أن تلعب العقلية الاجتماعية دورًا في تقليل ظهور النساء، ما يعوقهنّ عن المشاركة بشكل فعال، وقد تعاني الخطاطات من نقص الدعم من الجمعيات أو الجهات المختصة، مما يُثبط عزيمتهن أيضًا؛ فالبيئة المحيطة لها دور، بما في ذلك كما ذكرنا التقاليد والعادات، التي قد تقف عائقًا أمام بروز المرأة في هذا الفن. لذلك يجب العمل على تعزيز دور الخطاطات من خلال نشر الوعي حول إنجازاتهن وأهميتهن في هذا المجال، والعمل على تدريب المبدعات في هذا المجال من خلال تنظيم دورات تدريبية طويلة المدى تستمر لعام على الأقل؛ لتتمكن الخطاطة من استيعاب نقاط الفهم وممارسة الخط باحترافية، ويجب على الجهات المختصة إنشاء منصات خاصة للخطاطات للمشاركة والتعبير عن إبداعهن، ومن خلالها تستطيع المشاركة في المعارض والمسابقات الدولية، كما أؤكد على ضرورة تدخل الجمعيات والجهات الفنية المعنية ولجان التحكيم في المسابقات لدعم المواهب النسائية.

وفي ختام حديثها قالت "الحسنية": إن حضور الخطاطات في فن الخط العربي ضرورة لإثراء هذا الفن العريق وتطويره، فمن المهم أن تُعطى النساء الفرصة للتألق في هذا المجال، مما سيعود بالنفع على المجتمع العماني والفني بأسره.

التأثر بعوامل مجتمعة!

من جانبها قالت الخطاطة عزيزة بنت طالب اليوسفية إن غياب الخطاطات العُمانيات عن المشهد ليس بسبب نقص في الموهبة، بل نتيجة عدة عوامل مجتمعة، أولها ضعف الوعي الثقافي بأهمية الخط العربي، وخاصة في المراحل الدراسية المبكرة، حيث لا يُمنح الخط العربي ما يستحقه من اهتمام داخل المدارس، لا كمادة تعليمية ولا كثقافة فنية تُغرس في الأطفال من الصغر. كما أن قلة المراكز أو المعاهد المتخصصة، سواء الحكومية أو الخاصة، في تعليم الخط العربي تُعد من أبرز التحديات، حيث لا توجد معاهد تمنح درجات علمية متخصصة في هذا المجال، لا هنا في سلطنة عمان ولا في أغلب دول الوطن العربي، وهذا يقلل من فرص التطور الأكاديمي والمهني للمهتمين. كما أن المرأة العُمانية، ومثل الكثير من النساء العربيات، تتحمّل أدوارًا متعددة في حياتها، فهي أم، وزوجة، وموظفة، ومربية، مما يجعل وقتها أكثر انشغالًا مقارنة بالرجال، الذين قد تتاح لهم فرص التفرغ والمشاركة بشكل أكبر. ومن التحديات أيضًا تمركز معظم حلقات العمل والمراكز التدريبية في العاصمة مسقط، مما يصعّب على النساء من المحافظات الأخرى الوصول والمشاركة، خاصة في ظل التزاماتهن العائلية، وهذا يبرز الحاجة إلى توزيع المراكز والدورات التدريبية في مختلف مناطق سلطنة عمان لتحقيق عدالة الفرص.

وتختتم "اليوسفية" حديثها بالقول: لا ننسى أن الاختلاف في الأهداف الشخصية بين الخطاطات قد يلعب دورًا أيضًا؛ فبعضهن يملكن الموهبة ولكن لا يفضلن الظهور أو التنافس في المعارض والفعاليات، ويمارسن الفن بدافع ذاتي فقط، بعكس من يسعين للانتشار والمشاركة العامة. لذلك أتمنى أن يشهد فن الخط العربي في عُمان اهتمامًا أكبر، من خلال تسليط الضوء على المبدعات، وكذلك اكتشاف طاقات جديدة، وتوفير بيئة تعليمية وتدريبية عادلة تُمكّن النساء من إبراز مواهبهن والمشاركة الفاعلة في المشهد الفني محليًا وعربيًا ودوليًا.

الالتزامات الأسرية

وتؤكد الخطاطة نُتيلة الرواحية أن هناك ندرة في بروز أسماء الخطاطات وتقول: رغم تلك الندرة، فالخطاطات لسن بغائبات أو مهمشات بل هنّ موجودات في الساحة الفنية بما يتناسب مع طبيعة وضعهن الاجتماعي في المجتمع؛ ففي نظري، كثرة التزامات المرأة في الحياة الاجتماعية عامة، والأسرية والعائلية خاصة، قد يقلل من بروزها في بعض المجالات، والتي منها مجال الخط العربي. وبالرغم من ذلك، هناك بعض الخطاطات اللواتي برزن في مجال الكتابة بالخط العربي في الماضي والحاضر، إلا أنه ما زال هناك قصور في مجال التأليف والتدريس، ولا شك أن السبب ليس قلة عدد الخطاطات أو عدم منحهن الفرصة؛ فالفرص متاحة للجميع في المجتمع الفني، وعلى الشخص إبراز موهبته الفنية من ذات نفسه، سواء كان ذكرًا أم أنثى، ولا علاقة بتهميش المرأة في هذا المجال.

وتضيف "الرواحية": من وجهة نظري، أن من التحديات التي تواجه الخطاطات بصفة خاصة هي عدم وجود كلية خاصة للفنون تهتم بتدريس فن الخط العربي، ففي تركيا مثلًا، هناك جامعات خاصة للفنون، ومن ضمن تخصصاتها فن الخط العربي، وأتوقع إذا وُجد هذا التخصص فسيكون هناك بروز واضح للمرأة في هذا المجال أكثر مما هو الحال الآن.

العمل في الظل!

في الوقت نفسه، تشير الخطاطة نوال الهنائية إلى أن غياب الخطاطات عن الساحة لا يعني بالضرورة عدم وجودهن أو عدم تمكنهن، بل في الحقيقة هنّ حاضرات، لكن حضورهن غالبًا ما يكون خافتًا، لا يُرى بالوضوح الذي يستحق، فهناك خطاطات مبدعات وعلى مستوى عالٍ من الإتقان والاحتراف، لكن لا يظهرن في المشهد بسبب نقص الدعم، وقلة الفرص، في الوقت الذي يحظى فيه الرجل غالبًا بتسليط الضوء، والدعوات، والمشاركات، لذلك تعمل كثير من النساء في الظل، رغم جودة أعمالهن وتميّزها... صحيح أن عدد الخطاطات أقل من عدد الخطاطين، وهذا أمر يمكن فهمه في ظل ظروف اجتماعية وثقافية مرّت بها المجتمعات، لكن حتى هذا العدد القليل من الخطاطات لا يأخذ حقه الكامل في التمثيل أو الظهور، فالمشكلة لا تكمن فقط في العدد، بل في قلة الاهتمام بهذا الحضور النسائي، وضعف إتاحة الفرص لهن للظهور والتألق، وكثيرًا ما يُسلّط الضوء على أسماء رجالية معروفة، في حين تُغفل أسماء نسائية متمكنة، فقط لأنهن لم يُمنحن المنصة الكافية للظهور.

وتضيف "الهنائية": لا تزال بعض المؤسسات واللجان الفنية، خصوصًا لجان التحكيم، تُدار بعقلية تميل لتفضيل الذكور، أحيانًا دون وعي، مما يجعل تقييم أعمال الخطاطات يخضع لمرشّحات مسبقة لا علاقة لها بجودة العمل... وهذا التحيّز يظهر بوضوح في التمثيل المنخفض للنساء ضمن قوائم الفائزين أو المشاركين في الفعاليات الدولية. في الوقت نفسه، تواجه كثير من النساء تحديات اجتماعية لا تساعدهن على الاندماج الكامل في هذا المجال، ففي بعض البيئات، لا تجد المرأة التشجيع الكافي لممارسة الخط بشكل احترافي، أو تُمنع من السفر والمشاركة في حلقات العمل والمعارض، مما يقلل من فرصها في الظهور والانتشار. وقد تتعرض لضغوط أسرية أو مجتمعية تجعل ممارستها للخط محصورة في إطار الهواية، لا الاحتراف... كما أن الكثير من الخطاطات لا يملكن نفس الوقت أو الدعم الذي يحصل عليه الرجل، ما يؤثر بشكل مباشر على استمرارية مشاركتهن في المحافل الفنية، كما أن أغلب برامج الخط تُدرّس على يد رجال، وغالبًا لا توجد نساء ضمن طاقم التدريب، مما يقلل من وجود قدوات فنية نسائية يُحتذى بها، ويجعل دخول المرأة لهذا المجال أكثر صعوبة.

الفرص محدودة!

أما الخطاطة حليمة المحمودية فقالت: إن العديد من النساء يُقبلن على تعلم الخط العربي، خاصة في السنوات الأخيرة، وتزدهر الدورات التدريبية التي تضم متدربات موهوبات، لكن العدد لا ينعكس على الساحة الإعلامية أو المؤسسية كما هو الحال مع الخطاطين الذكور غالبًا، حيث لا تُمنح الخطاطات نفس الفرص. رغم وجود مبادرات متفرقة لتسليط الضوء على الخطاطات، إلا أن التمثيل في لجان التحكيم للمسابقات الكبرى يغيب فيه العنصر النسائي. المعارض الدولية والخطية الكبرى تستضيف أسماء للخطاطين الذكور بشكل شبه دائم، والنشر والتكريم ينحصر في أسماء تقليدية، رغم وجود خطاطات يستحقن الاحتفاء... لذلك فإن أحد أبرز العوائق التي تواجه النساء في هذا المجال هو استمرار العقلية الذكورية في إدارة بعض مفاصل المشهد الفني والخطي، مشيرة إلى أن المرأة لا تزال تُنظر إليها في بعض السياقات بوصفها "متذوقة" أو "متعلّمة"، لا كمؤسسة أو قائدة في هذا الفن، وهو ما يُضعف حضورها المؤسسي ويحد من تمثيلها الحقيقي.

وسلطت "المحمودية" الضوء على عدة تحديات متراكمة، من بينها القيود الاجتماعية التي قد تمنع الخطاطات من السفر أو المشاركة في الفعاليات العامة، إضافة إلى سيطرة الذكور على أغلب لجان التحكيم، مما يؤدي ـ حتى دون قصد ـ إلى تحيّز في تقييم الأعمال، وقالت: لا توجد جهات كافية تتبنى تمكين الخطاطات أو تهيئة منصات حقيقية لهن. وضربت مثالًا حيًا من تجربتها، حين كانت ضمن مجموعة من الخطاطات تحت مظلة جمعية المرأة العمانية بمسقط، قبل أن يتم الاستغناء عنهن فجأة، ما اعتبرته نموذجًا للتهميش المؤسسي غير المبرر.

ورغم كل ذلك، عبّرت الخطاطة حليمة المحمودية عن تفاؤلها بوجود مؤشرات إيجابية للتغيير، مؤكدة أن الوعي بدأ يتزايد، وأن منصات التواصل فتحت نوافذ جديدة أمام الموهوبات لتقديم أنفسهن. وقالت: الخطاطات لم يغبنَ عن الميدان، لكننا مُغيّبات عنه إعلاميًا ومؤسساتيًا... والحل يبدأ بتغيير العقليات، وتوفير فرص عادلة، وتمكين حقيقي، وإنشاء مدرسة متخصصة تُعنى بالمرأة في مجال الخط العربي.

مقالات مشابهة

  • عراقجي يكشف كواليس الحرب مع إسرائيل و"محاولة اغتياله"
  • قومى المرأة بأسوان: ندوات لتشجيع السيدات والفتيات للمشاركة بإنتخابات مجلسى الشيوخ والنواب
  • ألمانيا وبريطانيا تطالبان بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لغزة
  • الخطاطات العمانيات... بين تحديات الظل وتهميش العلن!
  • واشنطن: اقتربنا من اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة
  • روبيو: نقترب من وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن المحتجزين شرط أساسي
  • روبيو يحدد "الحل البسيط" لإنهاء الحرب في غزة
  • حماس: الاتفاق كان قريبا.. والاحتلال كان يريد السيطرة على 40% من القطاع وعدم الالتزام بوقف الحرب
  • نداء عاجل من الأمم المتحدة لحماية النساء والفتيات من شبح الاختفاء القسري
  • السوداني: اختيار الأول من صفر ليكون يوماً اسلامياً عالمياً لمناهضة العنف ضد المرأة