اعتقال ومحاكمة.. هل ضاقت دائرة الحريات على الكتاب بالجزائر؟
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
أثار قرار السلطات الجزائرية اعتقال الكاتب بوعلام صنصال منذ السادس عشر نوفمبر الجاري، بمطار العاصمة الجزائر مخاوف من أن تضيق دائرة الحريات على الكتاب والأدباء في هذا البلد المغاربي.
وتعرف الساحة الثقافية والسياسية في الجزائر جدلا واسعا منذ أن تم الإعلان في يوليو الماضي عن فوز الكاتبة والفنانة التشكيلية إنعام بيوض، في يوليو الماضي، بجائزة "آسيا جبار للرواية" عن رواية "الهوارية"، وصولا لاعتقال الكاتب بوعلام صنصنال، الذي يحمل أيضا الجنسية الفرنسية.
روايات في مرمى النار
وأثارت رواية "الهوراية" نقاشا بين كتاب وأدباء وقراء بعد تعرضها لحملة شديدة على منصات التواصل الاجتماعي، بحجة أنها تضمنت لغة "خادشة للحياء"، و"مخالفة لأعراف المجتمع"، ودفعت الحملة بدار "ميم" التي نشرت الرواية إلى الإعلان عن توقف نشاطها وغلق أبوابها بشكل نهائي على خلفية الحملة التي تعرضت لها.
وتدور أحداث رواية "الهوارية" (اسم يطلق على الفتيات بكثرة في بوهران غرب البلاد)، حول مراهقة تعيش مع عائلتها في حي شعبي محاطة بالفقر والعنف والجنس، خلال فترة التسعينيات التي شهدت صراعا دمويا بين الحكومة والإسلاميين المتشددين،
كما أثار فوز الكاتب الفرنكوفوني كمال داود بجائزة "غونكور" الفرنسية في مطلع نوفمبر الجاري عن رواية "حوريات" حملة واسعة على منصات التواصل، ضد الكاتب والرواية الممنوعة في الجزائر، التي تناولت قصة فتاة خلال التسعينيات تعاني لهيب حرب الإرهاب ضد النساء والسكان عموما.
ورأى البعض أن الجدل أثير على خلفية مواقف كمال داود "الليبرالية المناوئة للإسلاميين والمحافظين في الجزائر"، وارتفعت حدة الحملة ضد الكاتب عقب ظهور سيدة جزائرية على قناة تلفزيونية محلية تتهم الكاتب باستغلال قصتها الشخصية دون إذنها، كما اتهمت زوجته، الطبيبة النفسية، بإفشاء السر المهني.
وتسارعت الأحداث على الجبهة الثقافية والأدبية عقب اعتقال صنصال (75 عاما)، على خلفية تصريحات سابقة ذكر فيها أن جزءا من الغرب الجزائري (تلمسان، وهران ومعسكر)، كان تابعا للمغرب، وهو ما نفته وانتقدته الحكومة بشدة، وباستثناء تعليق لوكالة الأنباء اعترفت فيه بتوقيفه، لم تصدر السلطات الجزائرية أي بيان بشأن مصير صنصال أو التهم الموجهة له.
أما محاميه الفرنسي، فرانسوا زيميراي، فكشف بأن موكله مثل الثلاثاء أمام قسم مكافحة الإرهاب بالنيابة العامة في الجزائر العاصمة، وتم وضعه رهن الحبس الاحتياطي.
وتطرح هذه التطورات تساؤلات بشأن الحريات الأدبية في الجزائر وهوامش الكتابة والخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها.
خطوط واستثناءات
وتعليقا على ذلك يرى الكاتب والروائي عبد القادر حريشان في حديث مع "الحرة" أن ساحة الكتابة في الجزائر غير محاطة بأي ممنوعات"، مستثنيا "الوحدة الوطنية والأمن القومي"، وهي من الخطوط التي "لا بد من احترامها"، وفق المتحدث.
ويشير صاحب رواية "الأعمي" الصادرة بالفرنسية، أن للكاتب في الجزائر "الحرية المطلقة في الكتابة واختيار المواضيع التي يرغب في تناولها"، مضيفا أن حالة بوعلام صنصال وكمال داود "استثنائية"، باعتبار أن الأول "لم يعتقل لإصداراته"، والثاني توبع قضائيا بسبب "تجاوزه لأخلاقيات المهنة، عندما استغل قصة المريضة التي عالجت نفسيا لدى زوجته في نسج روايته".
وكانت السلطات الجزائرية منعت أواخر أكتوبر الماضي، ندوة أدبية بالعاصمة، حول كتاب "الجزائر اليهودية" الذي صدر لهيدية بن ساحلي في فرنسا والجزائر، وأثار القرار سيلا من التساؤلات حول توقيت عرض الكتاب الذي يتزامن ومرور سنة على الحرب في غزة، ورغم أن الكاتبة نفت أي علاقة بالأحداث والتطورات الجارية في الشرق الأوسط، إلا أن الحملة على بن ساحلي لم تتوقف في منصات التواصل الاجتماعي.
"محاكم" شبكات التواصل
ويفسر الإعلامي الجزائري المتخصص في القضايا الأدب والفن، عبد العالي مزغيش تحول الشبكات الاجتماعية إلى أدوات "تستهدف" الأعمال الأدبية في الجزائر، بـ"غلق الجامعات والمدارس العليا مدرجاتها في وجه النشاط الثقافي الذي يثري النقاش ويضمن عرض التجارب الأدبية على الجمهور، وكذا تقلص نشاط الجمعيات الثقافية لغياب فضاءات تحتضنه".
كما أشار مزغيش لـ"الحرة" إلى أن "تراجع الصحافة المحلية عن آداء دورها، ودخول النقاد شبه عطلة وبطالة أدى إلى استحواذ الانطباع الشعبوي والخاص الذي تحركه العاطفة على النقاش"، كما حول منشورات مواقع التواصل الاجتماعي إلى "بديل للدراسات النقدية الرصينة".
وعبر المتحدث عن دهشته لما وصفه بـ "المحاكمات الشعبية ضد الكتابة الأدبية، التي تحول فيها الجميع، دون تخصص وتمحيص؛ إلى مختصين في النقد"، مضيفا أن هذه الظاهرة قد تؤدي مستقبلا إلى "توجس البعض من الكتابة والنشر، وربما أغلق بعض الناشرين الجادين دورهم".
ويقترح مزغيش "دفتر شروط حكومي يلزم الناشرين بطباعة الأعمال الخاضعة للجان قراءة محترمة"، كما دعا النقاد المعروفين "بموضوعيتهم ومكانتهم إلى عدم ترك الفراغ لأشباه النقاد و أشباه الكتاب".
"الدرجة صفر من الحريات"
وعلاقة بواقع الحريات الأدبية في الجزائر يعتقد الكاتب والقاص، عبد العزيز غرمول، أنه يعرف "بعض الغلق والإهمال"، معتبرا أن الجدل الأخير بشأن روايات وإصدارات "كشف عن التضييق على حرية التعبير"، مشيرا إلى أن هذا التضييق تحول إلى جزء من عقيدة القارئ الجزائري الذي لم يعد، في غالبه، يتقبل حرية الإبداع لتأثره وتحوله إلى جزء من منظومة الرقابة".
ويؤكد غرمول لـ "الحرة" أن هذا الوضع "ليس ظرفيا"، في المقابل يرى أنه "لا يمكن التضييق أكثر على ماهو عليه الحال"، مضيفا أن "هذا التضييق وصل إلى الدرجة صفر من الحريات الأساسية، وفي مقدمتها حرية الرأي".
وحسب غرمول فإن النظام "يزداد تشددا من يوم لآخر، وأن هذا الواقع سيستمر لسنوات طويلة"، ورغم ذلك يبدى "تفاؤلا بالحرية الواسعة التي يمارسها الكتاب رغم التضييق"، معتبرا ذلك "انتصارا للحرية"، مشيرا إلى أن "انغلاق السياسيين أثر في المجتمع الذي انغلق بدوره على الرأي الآخر وحاربه، ما دفع بالمبدع إلى هجرة الإبداع والكتابة".
المصدر: الحرة
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی الجزائر
إقرأ أيضاً:
في مرايا الشعر.. جديد هيئة الكتاب للشاعر جمال القصاص
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب إصدارًا جديدًا يحمل عنوان «في مرايا الشعر» للشاعر والناقد جمال القصاص، وهو عمل يقدّم رؤية متفردة لعلاقة الشاعر بالكتابة، وللجدل الداخلي الذي يصاحب فعل الإبداع منذ لحظة تشكّل الفكرة حتى اكتمال النص، يأتي الكتاب بمثابة شهادة شخصية وفكرية تعكس تجربة القصاص الممتدة مع الشعر، وقراءاته النقدية التي راكمها عبر سنوات طويلة من التأمل والمتابعة.
في مقدمة الكتاب، يكشف القصاص عن حالة الانفعال التي تلازمه أثناء الكتابة، تلك التي تجمع بين الفرح والغضب والحيرة، وتضعه أحيانًا في «ورطة» شعرية تكاد تبتلعه، يصف اللحظة الإبداعية وكأنها فخ يتربص بالشاعر، يجعله بين دورين متناقضين: الذئب الذي يقتنص فريسته، والفريسة التي تهرب من مصيرها، هذا التوتر الخلّاق بين اللذة والمأزق يشكّل أساس رؤية القصاص للكتابة، فهو يرى أن النجاة من مأزق نص لا تكون إلا بمأزق جديد يخلقه الشاعر بإرادته ودهشته، تمامًا كطفل يراقب ولادة لحظته الشعرية على الصفحة.
ويؤكد القصاص رفضه للوصفات الجاهزة ونماذج الكتابة المكررة، مفضّلًا أن يترك نافذة النص مفتوحة دائمًا، لاستقبال ومضة أو خاطر أو إشارة لم يبح بها بعد، فالكتابة، في نظره، فعلُ اكتشاف دائم لا يتوقف عند حدّ، وبحث مستمر عن ما لم يُقل، وعن الدهشة التي تختبئ في مفارقة ساخرة أو طرقة درامية أو سؤال مشحون بالوجود وأزماته.
ويذهب القصاص في صفحات كتابه إلى جوهر العلاقة بين الوعي والفكرة الشعرية، معتبرًا أن الوعي وحده لا يصنع شعرًا، وأن الإلهام الحقيقي يحتاج إلى قدرة على نسيان الفكرة بقدر القدرة على التقاطها، فهو يعيش الشعر كطقس داخلي، وكتمرين يومي على الحرية، يكتب من أجل أن يحب نفسه أكثر، ويلتصق بجوهره الإنساني عبر لحظات تضج بالنشوة، حتى لو كانت من مشهد رتيب أو حكاية معادة.
يمتد الكتاب ليضم مجموعة من قراءات القصاص النقدية لتجارب شعرية عربية، وهي نصوص كتبها عبر سنوات بدافع الفرح بالشعر ذاته، وبما يقدمه الشعراء والشاعرات من مغامرات جمالية، يقول إن خبرته كشاعر كانت البوصلة الأولى التي توجه نظرته النقدية، إذ تجمع بين عين القارئ الشغوف وحساسية المبدع الممسوس بالتجربة.
ويرصد الكتاب تحولات الشعر العربي منذ الستينيات، وهي المرحلة التي شهدت ـ بحسب القصاص ـ بدايات التمرد على الأشكال القديمة، ومحاولات التجديد في الإيقاع والرؤية واللغة، وعلى الرغم من هذا الحراك، يرى أن الشعر العربي ظل مرتبطًا لفترة طويلة بإطار البلاغة التقليدية، وبموضوعات سياسية واجتماعية تشكّل مركز النص وتطغى على الشكل الجمالي.
كما يتوقف القصاص عند المأزق النقدي الذي يواجه الشعر العربي المعاصر، والمتمثل في اعتماد كثير من تجارب الحداثة على المنجز الغربي في النظر والتطبيق. وبرغم أهمية هذا المنجز في التاريخ الإنساني، يرى القصاص أنه لم يستطع تجاوز رؤيته العقلانية للشعر، في حين أن الشعر ـ في جوهره ـ ليس نتاجًا عقليًا صرفًا، بل هو ابنة الروح وومضتها المفاجِئة، تلك التي تفلت من قبضة المنطق والأطر الجاهزة.
ويخلص القصاص إلى أن الحداثة الشعرية ليست قالبًا خارجيًا، بل هي قيمة داخلية في الإنسان، تحتاج فقط إلى من يوقظها من أسر العادة وما تراكم حولها من قيود، فالشعر، كما يراه، يمنحنا إحساسًا بالحرية، ويعيد تشكيل علاقتنا بالعالم من جديد، عبر حساسية لا تستسلم للسائد ولا للمألوف.
وفي ختام الكتاب، يقدم القصاص اعترافًا إنسانيًا مؤثرًا، إذ يقول إنه لا يدّعي الصواب في ما يكتب، بل ما زال يبحث عنه في رحلته الطويلة مع الشعر، مؤمنًا بأن الخطأ ليس سوى صواب مؤجل لم يحن أوانه، ويوجه تحية لكل الشعراء الذين أسهموا ـ عبر تجاربهم وأعمالهم ـ في توسيع مساحة الضوء والمحبة في حياته الشعرية.
بهذا الإصدار، تضيف الهيئة العامة للكتاب عملًا مهمًا إلى المكتبة النقدية العربية، يجمع بين حرارة التجربة وعمق التأمل، ويقدّم رؤية شاعر خبر دروب القصيدة ووقف طويلًا أمام مراياها المتعددة.