كارولينا الشمالية- كل سنة، وفي آخر يوم جمعة من نوفمبر/تشرين الثاني، تتجه أنظار ملايين الأميركيين نحو المحلات التجارية الكبرى التي جعلت من هذا اليوم المعروف بـ"الجمعة السوداء"، أكبر حدث تسوقي في البلاد، بالإعلان عن خصومات كبيرة على جل سلعها ومنتجاتها.

وقد أصبح يوم "الجمعة السوداء"، الذي يأتي مباشرة عقب عطلة عيد الشكر، واحدة من أكثر الأحداث التي ينتظرها الأميركيون بشغف يصل أحيانا إلى درجة الهوس، ويعتبر هذا اليوم إشارة البداية الفعلية لموسم التسوق لعطلات أعياد الميلاد، ويسعى فيه المتسوقون المتحمسون للحصول على أفضل الصفقات على كل شيء من الإلكترونيات والملابس والأدوات المنزلية، لكن حماس التسوق في هذا اليوم بدأ تدريجيا بالخفوت مع تفضيل شريحة كبيرة من المستهلكين التسوق عبر الإنترنت بعيدا عن الازدحام والتدافع.

يعتبر يوم "الجمعة السوداء" إشارة البداية الفعلية لموسم التسوق لعطلات أعياد الميلاد في الولايات المتحدة (الجزيرة) هوس إلى حد التخييم

في جولة ليلية بدأت الساعة الرابعة فجرا وقادتنا إلى بعض المراكز التجارية الكبرى في مدينة "رالي" عاصمة ولاية كارولينا الشمالية؛ لاحظنا تجمعات لعدد غير قليل من المتسوقين أمام المحلات التجارية قبل ساعات من فتح أبوابها، وفي طقس شتوي بارد لم يمنع هؤلاء المتسوقين من حجز أماكنهم في الصفوف الأولى رغبة منهم بالظفر بالبضاعة التي يريدون شراءها قبل أن تنفد من المحل.

وأمام محل تجاري شهير، وجدنا "كاثرين" رفقة مجموعة من صديقاتها في أول الصف جالسات على كراسي وملتحفات ببطانيات تقيهن برد الفجر القارس.

كاثرين ضمن تجمعات المتسوقين أمام المحلات التجارية قبل ساعات من فتح أبوابها في يوم "الجمعة السوداء" (الجزيرة)

وتقول "كاثرين" للجزيرة نت، إنها هنا منذ منتصف الليل، حرصا منها على أن تكون في الصفوف الأولى. وبسؤالنا لها عن سبب هذا التبكير، أجابت بأنها حريصة على أن تظفر بنسخة من كتاب جديد عن مغنيتها المفضلة "تايلور سويفت" وأن هذا الكتاب يباع حصريا في هذا المتجر.

وغير بعيد عنها، تجمع عدد من المتسوقين يتجاذبون أطراف الحديث في انتظار بزوغ شمس يوم الجمعة وما يصاحبه من جري وتدافع بمجرد أن تفتح المحلات أبوابها.

ومن جهته، يقول "ستيف" للجزيرة نت إنه يحرص كل سنة على التخييم باكرا أمام متجر الإلكترونيات المفضل لديه للظفر بأفضل العروض على الألعاب الإلكترونية المعروفة لتقديمها هدايا لأفراد عائلته في أعياد الميلاد. ولا يأبه "ستيف" ببرودة الطقس إذ جلب معه كرسيا وأغطية إلى جانب المشروبات والأطعمة الساخنة.

العديد من الولايات الأميركية تشهد كل عام حالة من "هوس التسوق" في "الجمعة السوداء" (الجزيرة)

وقد أصبحت ظاهرة التخييم أمام المحلات التجارية عادة ثقافية واجتماعية لا غنى عنها. فالمشهد يكون مليئا بمزيج من الحماس والانتظار. وينقسم الناس إلى مجموعات صغيرة تلعب الألعاب، أو تتصفح هواتفها، مشكلين مجتمعات صغيرة، تجمعها التجربة المشتركة للانتظار في الطابور لساعات أو أيام أحيانا.

ويشتد الحماس مع اقتراب وقت فتح المتجر، حيث يشكل الناس طوابير منظمة على أمل الحصول على أفضل الصفقات على الإلكترونيات، أو الألعاب، أو الملابس.

وعن سر هذا الهوس بالتسوق في هذا اليوم بالذات رغم أن المحلات التجارية دأبت في السنوات الأخيرة على إعلان التخفيضات حتى قبل يوم الجمعة تجنبا للازدحام الشديد والتدافع الذي يتسبب أحيانا في إصابات قد تصل إلى الوفاة، إلى جانب ازدهار التسوق الإلكتروني؛ تقول "ماري" للجزيرة نت إن عيش التجربة لا يضاهيه أي شكل آخر من أشكال التسوق بحسب تعبيرها. فهي تحرص أن تنصب خيمتها كل سنة أمام محل تجاري مختلف رغبة منها في لقاء أناس يشاركونها ذات الهوس. وتقول إنها لا تهتم كثيرا إذا لم تتحصل على ما ترغب من البضاعة، فالأهم من ذلك "إحياء تقليد عائلي يعود لسنوات خوالي".

 منافس جديد ومستقبل غامض

وفي السنوات الأخيرة، تطورت "الجمعة السوداء" من يوم تسوق واحد إلى عطلة نهاية أسبوع كاملة من العروض. وتتضمن عطلة نهاية الأسبوع الطويلة الآن يوم السبت للأعمال الصغيرة، وهو يوم مخصص لدعم المتاجر المحلية، ويوم الاثنين الإلكتروني، الذي ظهر كيوم تسوق كبير عبر الإنترنت.

وتقول "كاثرين" إن يوم "الجمعة السوداء" لم يعد كما كان سابقا، كما أن المحلات التجارية لم تعد تقدم التخفيضات الكبيرة التي من شأنها تحفيز عدد أكبر من المتسوقين على الاصطفاف باكرا أمام أبوابها.

تطورت "الجمعة السوداء" في السنوات الأخيرة من يوم تسوق واحد إلى عطلة نهاية أسبوع كاملة من التخفيضات والعروض (الجزيرة)

وفي ذات السياق، يقول "ستيف" للجزيرة نت، إنه بينما يفضل التمسك بطقوس التسوق في "الجمعة السوداء"، فإن أغلب أفراد عائلته من الأجيال الجديدة أصبحوا يفضلون التسوق عبر الإنترنت بعيدا عن الازدحام.

ويضيف: "أبنائي يكرهون التسوق التقليدي، ومن الصعب إقناعهم باصطحابي للتسوق في يوم عادي، فما بالك بقضاء ليلية كاملة في هذا البرد الشديد لشراء بضاعة يجدونها متوفرة على الإنترنت".

وقد تكيفت المتاجر الكبرى مع هذا التحول في ثقافة التسوق لدى الأجيال الجديدة، فأصبحت تقدم صفقات حصرية عبر الإنترنت فقط، مع توفير الشحن المجاني، وتقديم مزيد من المرونة للعملاء للتسوق من المنزل.

وأصبح يوم "الاثنين الإلكتروني"، الذي تم بدء العمل به لأول مرة عام 2005، منافسا جديا ليوم "الجمعة السوداء"، خاصة أنه يأتي بعده مباشرة، حيث تقدم فيه المتاجر عبر الإنترنت خصومات أكبر، خاصة في مجال التكنولوجيا والأدوات والأزياء.

وبالإضافة إلى ذلك، توسعت "الجمعة السوداء" نفسها من حيث التوقيت. فقد كانت تبدأ في الساعة 6 صباحا يوم الجمعة، إلا أن التخفيضات تبدأ الآن في وقت مبكر من مساء الخميس، كما أن بعض المتاجر أصبحت تفتح أبوابها يوم عيد الشكر، وهو ما أثار الكثير من الجدل حول تدخل المتاجر في يوم عيد الشكر، الذي يعد تقليديا للتجمعات العائلية.

أصبح يوم "الاثنين الإلكتروني" الذي تم بدء العمل به لأول مرة عام 2005 منافسا جديا ليوم "لجمعة السوداء" (الجزيرة)

وبينما يضل يوم "الجمعة السوداء" حدثا مهما في ثقافة التسوق الأميركية، قد يبدو مستقبله غامضا مع استمرار تطور اتجاهات البيع بالتجزئة. فالتأثير المتزايد للتجارة الإلكترونية، وزيادة شعبية خيارات "اشتر الآن، ادفع لاحقا"، من شأنه أن يعيد تشكيل مشهد البيع بالتجزئة.

وإجابة عن سؤالنا عن مستقبل "الجمعة السوداء"، تقول "ماري": "صراحة، لست متأكدة كم من السنوات سيصمد يوم "الجمعة السوداء" أمام التغيرات الكبيرة في نمط استهلاك الأميركيين، ومع الارتفاع الكبير للأسعار، خاصة مع إعلان ترامب عزمه فرض ضرائب مرتفعة على السلع القادمة من المكسيك وكندا والصين، لا أعتقد أن المحلات التجارية ستكون قادرة على إقرار التخفيضات الكبيرة المعتادة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المحلات التجاریة الجمعة السوداء عبر الإنترنت للجزیرة نت هذا الیوم فی هذا

إقرأ أيضاً:

الاستثمار بين منصات الصواريخ والأبراج التجارية

 

 

سعيد بن محمد الجحفلي

صناعة المال والاشتغال به زُخرفٌ وغرورٌ، يُنتجان الدَعة والخمول، وصناعة القوة والاعتداد بها ينتج القدرة على ما يُخشى ويُهاب منه، وفي كليهما ما يحرض على توليد أنواع من الصراع الذي يغري بمكاسبه في الأول ويخشى من عواقبه وقوته في الثاني وهذا الذي نعيش أحداثه.

لسنا هنا بصدد استدعاء الأدوار واستحضار ألم فظاعاتها فيما شهدته المنطقة من أحداث لأنها لا تنفع، وتوظيفها يُدمي ويشين، فحياة المسلمين فيها من الفرقة ما يُكرس الضعف ويذهب الهيبة ويولد الأحقاد؛ حيث نرى تحقق هذا عيانًا في منطقتنا التي تتعاظم فيها المصالح السياسية والاقتصادية بين الطامعين في ثرواتها فما نسبته 20% من إجمالي النفط العالمي يُصدّر من الخليج العربي، إضافة إلى رُبع الانتاج العالمي من الغاز المُسال، وهذا يُشير إلى حجم الثروات المالية المُحصَّلة من عائدات النفط والغاز.

ولا نُنكر استثمار دول الخليج مبالغ طائلة من هذه الثروات لرفاه شعوب المنطقة واستقرار بلدانها، فنشطت التجارة وتعالت الأبراج وزادت المجمعات التجارية الضخمة وتوافد الملايين من العمالة الأجنبية للاستفادة من هذه الفُرص وزيادة هذا العدد يشكل خطرًا محدقًا باختلال منظومة القيم الاجتماعية في التركيبة السُكانية لدول المنطقة، وهي إحدى الضرائب المصاحبة لزيادة نسبة أعداد الوافدين مقابل عدد السكان المواطنين، ولا نعرف حجم أضرار هذه الظاهرة مستقبلًا، لكنها ستحدث لا محالة.

وفي الضفة الشرقية من مياه الخليج تعمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية على المبدأ القائل "إذا أردت السلام فاستعد للحرب"، ولتحقيق هذا اقتطعت من عوائدها المالية لبناء ترسانة عسكرية قوية رُغم العقوبات التي تُمارَس عليها لأنها تعرف حجم طموحها في المنطقة وما يحتاجه دورها من قوة لإدارة صراعها مع المنافسين؛ حيث وجد الطرفان في هذا الصراع فرصًا لاستثماره في مختلف المجالات وكأنهما يتبادلان الأدوار بيوم لك ويوم لي. وإيران بأيدولوجيتها الخاصة حلّقت خارج السرب مُنتهجة سياسة التمّكين والردع العسكري؛ حيث بَنَتْ ترسانة عسكرية قوية من الصواريخ البالستية فرط صوتي ومختلف أنواع الأسلحة الهجومية بطيرانها المسير، وأصبحت قوة عسكرية إقليمية مُهابة ويُحسب لها الحساب لأنها اشتغلت لصالح أجندتها بإرادة سياسية قوية والغرب أتاح لها الفرصة لزيادة قوتها وتعزيزها في المنطقة؛ فهناك لُعبة يجب أن يجيد المشترك فيها كيف يستثمر بذكاء ظاهرًا وباطنًا دون توقف، ومن تجسيداته كان تخصيب اليورانيوم مشروعًا وطنيًا في البرنامج النووي لإيران مما زاد التهديدات الأمريكية والإسرائيلية والغربية عليها، مع همسات رافضة للمشروع من قبل دول المنطقة.

ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن إسرائيل هي أكثر الدول تحريضًا على المشروع النووي الإيراني، لخوفها من النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، لأن عقيدة الكيان الصهيوني مبنية على المزيد من التوسع والتفوق وفرض الهيمنة العسكرية ولكنها لم تجرؤ على مواجهة إيران عسكريًا خلال السنوات الماضية، بسبب رفض أمريكا ضرب إيران لأمرٍ معلوم في نفسها، ولكن ما ظهر في صفقات ترامب الأخيرة مع بعض دول الخليج كان أعظم لاستعجال منح الكيان الصهيوني الضوء الأخضر بالهجوم على إيران والتعهد بدعمه بما يلزم عملًا بمبدأ تحقيق السلام "من خلال فرض القوة".

إن الكيان الصهيوني يقدِّر تمامًا قوة الرد الذي سيتعرض له من قبل إيران وحلفائها في المنطقة ولهذا عملت طويلًا على تقوية بالغ أثره مع أول ضربة، فصدمت بالرد الإيراني السريع عليها وأصبحت الحرب ضروسًا بين الطرفين ولا أحد يستطيع أن يتكهن بمآلاتها أو المدة الزمنية التي ستستغرقها مع إعلان باكستان وقوفها الداعم والمساند لإيران لأنها تعلم يقينًا أن الدور سيكون عليها لاحقًا في حال هزيمة إيران.... وإسرائيل كما قلنا هي مشروع غربي صهيوني توسعي لضم المزيد والمزيد من الأراضي العربية فلن تكتفي باحتلال فلسطين فقط، والذي يُوهم نفسه بأن التطبيع مع هذا الكيان النشاز مكسب فقد خسِر الرهان، لأنه جسم مرفوض في بيئة طاردة ومعادية له ونحن الآن نعيش في مرحلة ما يُسمى بـ"الهيمنة المُنظَّمة" من قبل أمريكا وحلفائها الغربيين الذين يبتزون البشرية باسم حقوق الإنسان وهم أول من يتنكرون لحقوق الغير إذا خالفت توجهاتهم؛ بل ويصوتون لاستمرار القتل والدمار بحق " الفيتو " الذي يملكونه... هذا العالم المتوحش لا يرحم الضعيف ولا يحترم الصديق مهما أجزل العطايا والهِبات، لأنه عالم لا يعترف بقانون ولا بحقوق إذا لم تحمها قوة.

وفي خضم هذا الصراع فإن دول الخليج تربطها بإيران علاقات تاريخية ومصالح مشتركة في الاقتصاد والثقافة والجغرافيا، لهذا حرِصت مع زيارة ترامب مؤخرًا لها أن تحصل منه على ضمانات بعدم مهاجمة إيران عسكريًا من قبل أمريكا، لأن المنطقة كلها ستصبح في خطر داهم، فإيران هددت بضرب كل القواعد الأمريكية في منطقة الخليج في حال تعرضها لعدوان أمريكي، لذلك تم رفع سقف العقود التجارية لإرضاء الضيف الأمريكي الذي تزداد شهيته للصفقات المليارية التي يجب أن تتوافق مع شروطه ومواصفاته الخاصة، فتحقق له ما يُريد مع فرحة غامرة وتنافس محموم من قبل الدول الموقعة للصفقات، حيث غابت عن تلك التفاهمات الإبادة الممنهجة في غزة وكأنها لم تكن، لأنَّ مزاج الضيف موجه من قبل اللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل، فلا أحد يجرؤ أن يُعكَّر مزاجه ويُنقِّص عليه فرحته بهذه الصفقات الرائعة حسب وصفه.

هنا تبخر جزء كبير من عائدات استثمار الأبراج والمجمعات التجارية للدول الموقعة على الصفقات أمام ابتزاز من يملك القوة والهيمنة العسكرية.

وفي المقابل، عاندت إيران أمريكا وإسرائيل، فقد استثمرت أموالها في صناعة القوة لحماية مشروعها الذي تخافه دول المنطقة قبل الكيان الصهيوني وكان الخيار لها، إما أن تخضع للمشروع الصهيوني الأمريكي أو أن تخوض نزالًا وجوديا معها، فكان خيارها هو الأخير.

مقالات مشابهة

  • الاستثمار بين منصات الصواريخ والأبراج التجارية
  • "بنك قطر الوطني"يتوقع صمود الصين أمام الصدمات التجارية العالمية
  • الأرصاد: لا تغيّر كبير في الطقس حتى نهاية الأسبوع وحرارة مرتفعة مؤقتًا شمالًا
  • العراق يعلن تضامنه مع إيران أمام مجلس الأمن الدولي
  • نهاية مجنونة.. هاني حتحوت يعلق على فوز الترجي أمام لوس أنجلوس
  • سعر الذهب في نهاية التعاملات المسائية اليوم الجمعة 20 يونيو 2025
  • هزيمة ثانية أمام كرواتيا.. الخضر يواصلون السقوط في مونديال اليد U21 –
  • سعر الدولار اليوم الخميس 19-6-2025 في تعاملات نهاية الأسبوع
  • سعر الذهب اليوم الخميس في تعاملات نهاية الأسبوع.. عيار 21 بكام النهارده؟
  • وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي يبحثون في نهاية الأسبوع العدوان الإسرائيلي على إيران