لجريدة عمان:
2025-05-21@16:53:12 GMT

مختار الغوث وإعادة الاعتبار للغة العرب

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

يبرز اسم الدكتور مختار الغوث مدافعًا عن اللغة العربية فـي مختلف المحافل، عناوين كتبه تنصب كلها تقريبًا حول قضية اللغة وعلاقتها بالهوية والوعي والتعليم، ويرد اسمه على قائمة طويلة من اللقاءات التلفزيونية وحوارات البودكاست العربي التي يكرسها للموضوع نفسه وللمهمة ذاتها: الدفاع عن اللغة العربية وإعادة الاعتبار لها، ومن الواضح أن أسلوب الرجل وتمكنه من موضوع اهتمامه وتخففه من التعقيد الأكاديمي فـي الطرح، إضافةً إلى فصاحة بيانه، هو ما يجعل من مادته غنيةً وممتعةً وسلسةَ الوصول إلى أذهان ووجدان شريحة واسعة من المتلقين، خاصة من فئة الشباب الذين بدأ اهتمامهم بطرحه يتزايد، ولا سيما وأنه يلامس أزمة كل واحد منهم مع التعليم الجامعي باللغات الأجنبية وحالة الاغتراب اللغوي التي يعيشها أبناء هذا الجيل، وهذا ما يعلل أرقام المشاهدات العالية التي تحظى بها حواراته على موقع يوتيوب.

حبُّ هذا الموريتاني الفصيح للغتِه الفصحى وإيمانه العلمي الواعي بفرادتِها وتشديده على أهميتها الثقافـية والسياسية فـي معترك التنافس الحضاري بين الأمم قادَه ليَتبنى منذ سنوات طويلة قضيةً بات يُنظر إليها اليومَ من قبل كثيرين على أنها قضية كلاسيكية تجاوزها الزمن وطُويت صفحة نقاشها. لكن مختار الغوث لا ينطلق فـي دفاعه عن اللغة العربية من ذلك التشدق السلفـي المعهود الذي يرى بأن العربية هي أفضل اللغات التي تكلم بها الإنسان منذ أن اكتشف الكلام، ولا حتى بناءً على كونها لغة البيان الإلهي فـي الكتاب العزيز، ولا من منطلق أسطوري يتصدى للدفاع عن اللغة العربية بحجة أنها كانت لغة آدم فـي الجنة. فليس هذا ما يشغل الرجل، وليست محاججته ولا حجة هنا لإثبات تفوق اللغة العربية على سائر اللغات؛ وإنما كيف نعيد الاعتبار للغة العربية فـي سياق الحفاظ على الهوية قومها من الذوبان والشتات فـي لغات الآخرين وهوياتهم، وكيف تكون العناية باللغة وتعليم العلوم بها جسرًا لنهضة المتحدثين بها ومنطلقًا للخروج من زمن الانحطاط التاريخي.

أما عن مسألة التفاضل بين اللغات التي تشغل الكثيرين أكثر مما ينبغي فـيجيب الغوث بتأكيد النظرية التي يتفق عليها كثير من اللسانيين فـي هذا الشأن؛ والتي ترى بأن اللغات متكافئة إلا أنها ليست متساوية. ومعنى التكافؤ هنا يُفهم من أن لغة أي قومٍ لا بدَّ وأن تكون قادرة على التعبير عن حاجات المتحدثين الأصليين بها وشؤون حياتهم، وفقًا لثقافتهم وموقعهم من الزمان والمكان طبعًا؛ أي أنها تلبي حاجة التعبير لديهم بلا كلف أو عوز. أما من حيث كون اللغات غير متساوية فذلك لأنها تتباين وفقًا لضيق أو اتساع خبرة الشعب المتحدث بها وتنوّع تجاربه وعمقها. ويضرب الغوث فـي هذا السياق مثالا يقارن بين اللغة الإنجليزية ولغة ما من لغات الشعوب الإفريقية، حيث من الطبيعي أن نفهم بأن لغة شعبٍ محدود التاريخ والتجربة لن تشتمل بأي حال من الأحوال على الألفاظ والمعاني والدلالات المعبرة عن التجربة الإنسانية الأوسع التي تتمتع بها الشعوب الأكثر خبرة.

غير أن رسالة مختار الغوث الأبرز فـي نضاله هذا تتلخص فـي الدعوة لتعلُّم العلوم باللغة العربية؛ لأن استيعابنا للعلوم والمعارف المطروحة فـي مقرراتنا الجامعية المكتوبة باللغة الأجنبية سيظل ناقصًا وعائقًا أمام قدرة العقل العربي على الإبداع فـي مجال علمه وعمله بعد أن تلقَّن أبجدياته بلغة غير لغته الأصلية. فهو يشير مثلًا إلى المشكلة التي يعاني منها الطلبة العرب الدارسون للطب بالإنجليزية وعقدتهم مع المصطلحات الطبية التي يضطرون كل مرة لترجمتها إلى العربية حتى يستوعبون معناها استيعابًا يرسخ فـي الذاكرة، وهي عملية تستهلك - لا شك- جهد الطالب ووقته، فضلًا عن أنها تبقيه على سطح الدرس الذي يتلقاه، نصفَ جاهل ونصف متعلم، دون أن يتمكن من الإلمام الكامل بما تعلَّم وأقل ثقةً بنفسه. مجددًا؛ لأن استقبال المعرفة بلغة جديدة غريبة ليس كاستقبالها بلغة الأم. صحيح أن الطالب قد يتخرج من الجامعة ويمارس مهنته طبيبًا، لكن قدرته على الإبداع، أي تجاوز ما هو أبعد من الممارسة العادية، ستظل محدودة وشاقة جدًا بسبب العائق اللغوي الحائل دون المعرفة المعمقة، فـي حين يمدح الغوث الأطباء السوريين الذين تشير نتائج اختباراتهم فـي الولايات المتحدة إلى تفوقهم فـي مجال الطب؛ معللا امتيازهم هذا لكونهم درسوا الطب بالعربية فـي جامعات دمشق.

هذه عينة من مجمل الآراء التي يؤكد عليها الغوث فـي سائر أحاديثه تقريبًا. ولا يتردد فـي تكرار الفكرة نفسها وضرب الأمثلة نفسها أينما استُضيف. وهو تكرار مطلوب ومحمود، بل وضروري ما دام أن واقع التعليم لم يتغير فـي جامعاتنا العربية الذاهبة أكثر نحو اعتماد اللغة الأجنبية، الإنجليزية أو فرنسية، لغةً حصرية للعلم والاقتصاد وحتى الفنون، مزيحةً اللغة العربية للهامش، بل واحتقارها فـي كثير من الأوجه احتقارًا يصعد غالبًا من احتقار الذات، وكأن لغتنا لم تعد إلا لغةَ تراث وعبادات، أو لغة للأدب العربي.

وعلى سيرة الأدب العربي، المعاصر تحديدا، نثرًا كان أم شعرًا، فالمؤسف فـي الأمر أن إهمال العربية قد بلغ إلى حد إهمالها فـي الكتابة الأدبية المعاصرة وعدم العناية بها عناية تليق بما يفترض أن يمثله الأدب من أجود إنجازات لغته ومفخر إبداعاتها وأعلى تجويداتها اللغوية، وهنا يوجه مختار الغوث نقده المحتشم لما يُنشر اليوم باسم الأدب العربي فـي حين أنه ساحة للركاكة اللغوية التي تنحدر لعاميَّة الشارع أو الفصحى الإعلامية الرديئة فـي أحسن الأحوال، ناهيك عن شيوع الخطأ اللغوي المباشر فـي صفحاته، وهو ما ينمُّ أساسًا عن قصور فـي التأسيس اللغوي للمبدع الأدبي وعدم تمكنه التام من أداته الأولى والأخطر: وهي اللغة التي يكتب بها إبداعه (العيب الذي لا يُبرِّئ كاتب هذه السطور قلمه منه). وفـي هذا السياق فإن رأي أستاذنا اللغوي فـي نجيب محفوظ، الروائي العربي الأشهر والحائز على جائزة نوبل، رأي قد يزعج الكثيرين، قراءً ومؤلفـين على حد سواء، لكن جرأته تبدو ضرورية:

«اللغة التي يكتب بها نجيب محفوظ ليست بصحيحة، فضلًا عن أن تكون لغةً أدبية راقية»!

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عن اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

شاب متعدّد اللغات يحصد الملايين من المعجبين عبر الإنترنت.. ماذا قال عن اللغة العربية؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- "المعذرة، من أين أنت؟ أراهن أنني أستطيع تخمين لغتك".

عندما يتجول يوجي بيليزا في شوارع العاصمة النمساوية فيينا، فإنه لا يرى الحشود فحسب، بل يرى تحديًا وفرصةً للتواصل.

خلال مقابلات عفوية في الشوارع، يُفاجئ الشاب الياباني الأيرلندي متعدّد اللغات المارة بإلقاء التحية عليهم بلغتهم الأم.

يتقن يوجي بيليزا العديد من اللغات، وحصد الشاب الملايين من المعجبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بفضل مهاراته.Credit: @yuji_beleza

بابتسامته العريضة ومهاراته اللغوية السريعة، أصبح بيليزا نجمًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتمتع بأكثر من 2.7 مليون متابع على "إنستغرام"، و3.6 مليون على "تيك توك"، و388 ألف متابع على "يوتيوب".

قال الشاب البالغ من العمر 27 عامًا: "إذا قلتَ بضع عبارات فحسب، فإن ذلك طريقة رائعة لكسر الجليد".

"لا أعرف إلى أين أنتمي" تعلّم يوجي بيليزا وأخته منذ وقتٍ مبكر كيفية الانتقال بين اللغات. Credit: Courtesy Yuji Beleza

اكتشف بيليزا موهبته في اللغات في وقتٍ مبكر من حياته، بفضل نشأته في بيئة متعددة الثقافات.

نشأ الشاب في كيوتو باليابان مع أم أيرلندية تُدرّس اللغة الإنجليزية وتتحدث أربع لغات، وهي الإنجليزية، والأيرلندية، واليابانية، والإسبانية، وأب ياباني يعمل كحارس أمن.

التحق بيليزا بالمدارس الحكومية المحلية في كيوتو، حيث كان طالبًا مجتهدًا، ولعب كرة السلة، وتمتع بأصدقاء.

لكنه لم يشعر قط بأنه مقبول تمامًا، إذ أوضح: "كانوا يشيرون إلي بعبارة أجنبي دائمًا لأنّي كنت الطفل الوحيد في المدرسة من عرق مختلط. شعرتُ وكأنني لا أعرف إلى أين أنتمي".

في السادسة عشرة من عمره، أمضى بيليزا عامًا تكوينيًا في تيبيراري بقلب أيرلندا، للتواصل مع ثقافة والدته.

لكن لم يُنظر إليه كأيرلندي بالكامل أيضًا في الجهة الأخرى من العالم.

انجذب بيليزا نحو مجتمع المهاجرين المحلي، حيث التقى بأشخاصٍ من ليتوانيا وبولندا يتحدثون لغتهم المشتركة، أي الروسية.

وفكّر الشاب آنذاك: "إذا أردتُ تكوين صداقات أكثر، يجب عليّ تعلم الروسية أيضًا. هذا ما حفّزني حقًا".

التواصل من خلال اللغة

ألهمته تجربته في أيرلندا لدراسة اللغة الروسية في الجامعة وقضاء عام في برنامج تبادل طلابي في سانت بطرسبرغ بروسيا.

أثناء تعلم لغات جديدة، يعتمد بيليزا على مجموعة من الاستراتيجيات، مثل مشاهدة مقاطع الفيديو عبر الإنترنت، وتدوين الملاحظات في دفتره، والتدرب مع الأصدقاء، والاستماع إلى المذكرات الصوتية على هاتفه، ودراسة الكتب التقليدية.

بما أنّه كان مهتمًا بتطوير لغته الألمانية بشكلٍ خاص، قرّر الشاب الالتحاق ببرنامج ماجستير في العلوم السياسية في فيينا بالنمسا، حيث يمكنه مواصلة ممارسة اللغة.

عاش بيليزا في المقاطعة العاشرة بفيينا، المعروفة بكثرة المهاجرين، وكان يسمع باستمرار محادثات بالتركية، والصربية، والعربية، والكردية حوله، ما أتاح له فرص عديدة لتنمية مهاراته اللغوية.

وجد بيليزا نفسه عند مفترق طرق عندما تخرج من برنامج الماجستير في عام 2023، وكان طموحه العمل في مجال الشؤون الدولية.

وبينما كان ينتظر ردودًا على طلبات التوظيف، عاد إلى اليابان بحثًا عن فرصة عمل.

لكن مع مرور الأشهر من دون ظهور أي فرص في الأفق، قرر المخاطرة والعودة إلى فيينا.

تحويل المحادثات إلى مهنة صورة لبيليزا (في اليمين) مع سليمان، صديقه التركي الذي قدم له الدعم والمساعدة خلف الكاميرا في بداية رحلته. Credit: Courtesy Yuji Beleza

بدأ بيليزا باستكشاف فكرة إنتاج مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال: "سليمان من تركيا من أعز أصدقائي. وقد شجعني على البدء بنشر مقاطع فيديو لنفسي وأنا أتحدث اللغة التركية".

من ثمّ بدأ المعلقون يشجعونه على التحدث باللغة الكازاخستانية أكثر، وانخرط بيليزا في الأمر.

لذا بدأ الشاب بتصوير مقاطع فيديو باللغة الكازاخستانية. 

وأوضح بيليزا، الذي عُيّن مؤخرًا سفيرًا رسميًا للسياحة الكازاخستانية: "تراكمت الأمور تدريجيًا منذ ذلك الحين"، لافتًا إلى أن "مقاطع الفيديو الكازاخستانية لم تكن برعاية أي جهة، بل كانت نابعة من حب حقيقي وفضول تجاه الثقافة الكازاخستانية".

أكسبته مقاطع الفيديو الطريفة في البداية بعض الكباب المجاني هنا وهناك، لكنه الآن يتعاون مع مجموعة واسعة من الجهات الراعية، من تطبيقات اللغات، إلى شركات الاتصالات، والعناية بالأسنان، ما مكّنه من تحويل حبه للغة إلى مهنة.

كسر الجليد يتحدث بيليزا، الظاهر في الصورة مع طاقم طائرة خلال رحلة جوية، خمس لغات بطلاقة. Credit: Courtesy Yuji Beleza

يتحدث بيليزا الآن خمس لغات بطلاقة (اليابانية، والإنجليزية، والروسية، والألمانية، والتركية)، كما أنّه يستطيع إجراء محادثات بعشر لغات أخرى تقريبًا.

عند مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة به، يتّضح مدى سرعة تعرّفه إلى اللغات واستجابته لها، في غضون ثوانٍ فقط غالبًا.

40 لغة ولا يزال العدّ مستمرًا View this post on Instagram

A post shared by Yuji Beleza (@yuji_beleza)

مقالات مشابهة

  • حاكم الشارقة يتسلم تكريماً خاصاً من اليونسكو بمناسبة إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية وإدراجه في مكتبة اليونسكو
  • حاكم الشارقة يتسلم تكريماً خاصاً من «اليونسكو» بمناسبة إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية وإدراجه في مكتبتها
  • سلطان يتسلم تكريماً خاصاً من اليونسكو بمناسبة إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية
  • «أبوظبي للغة العربية» يعلن القائمة القصيرة لـ «المنح البحثية»
  • مدكور: نخدم اللغة العربية على ما يربو من قرن.. ونحتاج تشريعات لحمايتها
  • مقيم أجنبي يوجه رسالة للمواطنين: من لا يعرف اللغة العربية يجب أن يعتذروا لكم.. فيديو
  • شاب متعدّد اللغات يحصد الملايين من المعجبين عبر الإنترنت.. ماذا قال عن اللغة العربية؟
  • القومية العربية في ميزان الانتماء
  • ثقافة الشيوخ تُقر استراتيجية وطنية لحماية اللغة العربية
  • «أبوظبي للغة العربية» يستقطب 5 قامات ثقافية إلى اللجنة العليا لجائزة «سرد الذهب»