حزب الله أمام التأقلم مع المتغيرات أو دوامة الحرب مجدداً
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
كتب يوسف دياب في" الشرق الاوسط": حمل الخطاب الأخير لأمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، رسائل متعددة إلى الداخل والخارج، توحي بأن مرحلة ما بعد الحرب لم تعد كما قبلها، وبأن إعلانه الانتصار على إسرائيل لا يعني أنه لم يأخذ الدروس والعبر؛ إذ يكفي تأكيده على الانخراط بالعمل السياسي تحت سقف اتفاق الطائف؛ دليلاً على دخوله مرحلة مليئة بالمتغيّرات التي فُرضت عليه وعلى ما يسمّى «محور المقاومة» في المنطقة.
فالانتصار الذي تحدّث عنه قاسم ليس معياراً لإسقاطه على واقع لبنان بعد الحرب ونتائجها، إنما يستدعي الأمر إجراء «كشف حساب» على الأرض، ومقارنة ما بين الخسائر والمكاسب...
يختلف خطاب الحزب بعد هذه الحرب كلياً عن الخطاب الذي قدّمه بعد انتهاء حرب تموز 2006، والذي انطوى على لهجة تصعيدية تجاه كل القوى السياسية، وحتى ضدّ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، حيث اتهمها بأنها تواطأت مع الأميركيين لفرض القرار 1701 وتقييد دوره العسكري.
عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب نزيه متّى، استغرب الازدواجية في خطاب قاسم، حين أعلن قبوله الانخراط بالدولة وفي الوقت نفسه، تمسّكه بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الازدواجية تعني إما أن الحزب لم يقتنع بنتائج هذه الحرب وقد يدخلنا في دوامة جديدة، وإما أنه محرج أمام جمهوره ولا يستطيع الاعتراف بحساباته الخاطئة التي قادت البلد إلى التدمير». وقال متّى: «إذا كان الشيخ نعيم قاسم مؤمناً بحتمية الانخراط في الدولة فعليه أن يخفض سقف خطابه تدريجياً، أما إذا لم يتعظ مما حصل فيعني أننا مقبلون على مرحلة جديدة صعبة للغاية». ورأى أن «الانخراط في مشروع الدولة يستوجب أن يعلن الحزب تسليم سلاحه لهذه الدولة، أما إذا أراد التمسّك بثلاثية (الجيش والشعب والمقاومة)، فيعني أنه لم يتعلّم من تجاربه، وعلينا أن نعرف كيف نواجه هذا الأمر تحت سقف الدولة والدستور».
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
حزب الله والسلاح.. هل ينجو من ضغوط الخارج والداخل؟
لا صوت يعلو حاليا في لبنان فوق صوت "نزع سلاح حزب الله"، وهي مسألة -وإن جاءت بضغوط أميركية إسرائيلية إقليمية- فإنها تلقى قبولا لدى أطراف داخلية، بينما يرفض الحزب التسليم بها.
في الخامس من أغسطس/آب 2025، عقد مجلس الوزراء اللبناني جلسة برئاسة الرئيس جوزيف عون، كان أبرز بنود جدول أعمالها ملف "حصر السلاح"، في إشارة مباشرة إلى سلاح حزب الله. وقد امتدت الجلسة على مدى 5 ساعات، انسحب خلالها وزيرا "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل)، إلا أن ذلك لم يحل دون صدور قرار رسمي يقضي بـ"حصر السلاح" بيد الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، مع تحديد جدول زمني واضح لتنفيذه.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نظام دولي يتداعى وآخر يتشكل.. هل نعيش “ظهور وحوش” ما بين النظامين؟list 2 of 2نفق يمتد لقرن ونصف من الطموح.. هل آن أوان الربط القاري بين المغرب وإسبانيا؟end of listبعد يومين، في السابع من أغسطس/آب، عقدت الحكومة جلسة ثانية أقرّت فيها أهداف "الورقة الأميركية" لضمان ديمومة وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل، دون الخوض في تفاصيل وآليات التنفيذ، بانتظار تقرير الجيش حول الخطة التنفيذية. مرة أخرى انسحب الوزراء الشيعة، واعتبر الثنائي الشيعي القرار "غير ميثاقي".
ونشر مركز الجزيرة للدراسات تحليلا بعنوان "حزب الله والسلاح: انحناء للعاصفة وترميم لمعادلات القوة" للباحث شفيق شقير، تناولت توصيف وظيفة سلاح حزب الله ومآله بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وذلك من خلال الإجابة عن 4 أسئلة أساسية:
ماذا يعني القرار الحكومي اللبناني الأخير بخصوصه؟ ما هو سياقه؟ وماذا يريد حزب الله من معادلة السلاح؟ وكيف يسعى للحفاظ عليها؟ إضافة إلى تداعيات هذه المسألة على المستقبل اللبناني.
الورقة الأميركية وسياق القرار
الورقة التي قدمها المبعوث الأميركي توم براك تهدف إلى ترسيخ اتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مستندة إلى اتفاق الطائف وقرار مجلس الأمن 1701 لعام 2006. وتتضمن التزامات لبنانية بنزع سلاح حزب الله، مقابل خطوات إسرائيلية تشمل الانسحاب من 5 نقاط حدودية، ووقف الانتهاكات البرية والجوية، وترسيم الحدود، ودعم قدرات الجيش اللبناني.
إعلانومع الضغط الأميركي، واشتراط واشنطن صدور قرار رسمي لبناني يتعهد بنزع سلاح حزب الله لاستئناف وساطتها بين بيروت وتل أبيب، أسرعت الحكومة اللبنانية في اتخاذ القرار لتفادي عزلة سياسية ودبلوماسية، مع محاولة الإبقاء على مسار المطالبة بالالتزامات الإسرائيلية عبر القنوات الدبلوماسية.
ويعكس القرار اختيار الدولة اللبنانية التوجه نحو "حصر السلاح" لديها، لكن مع إدراك أن التنفيذ يتطلب الحد الأدنى من التنسيق مع حزب الله، الذي لا يزال الفاعل العسكري الأقوى في البلاد. وقد يفتح فرض القرار بالقوة الباب أمام فوضى أمنية، لذلك جاء الجدول الزمني الممتد حتى نهاية 2025 ليمنح وقتا للتفاهم أو لتأثر المسار بالتطورات الإقليمية.
البعد الإقليميإيران، الداعم الرئيسي لحزب الله، ما زالت تحتفظ بقدرة على التأثير رغم الخسائر التي لحقت بها في حرب 12 يوما الأخيرة. وتسعى طهران إلى ترميم نفوذها الإقليمي بالتوازي مع التفاوض مع واشنطن حول ملفها النووي، وإذا ما أفضت تلك المفاوضات إلى نتائج إيجابية، فقد ينعكس ذلك على موقع حزب الله ودوره في لبنان.
كما تتيح هذه المهلة فرصة إضافية للقوى الإقليمية للتأثير في المشهد السياسي اللبناني، ولا سيما أن بعض الأطراف تتوقع أن تشكل الانتخابات النيابية المقبلة، المقررة في مايو/أيار 2026، محطة مفصلية لإحداث تغيير في توازنات القوى السياسية اللبنانية، وإضعاف نفوذ حزب الله داخل مؤسسات الدولة.
وإذا ما تعزز هذا الاحتمال، فإنه من المرجح أن يتزايد التدخل الخارجي عقب هذا القرار الحكومي، سعيا للتأثير في مسار الانتخابات وفي موقع القوى السياسية ضمن النظام اللبناني. ولا يُستبعد في هذا السياق أن تقدم إسرائيل على استهداف "بيئة" حزب الله في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع.
ماذا يريد حزب الله؟من جهته، رفض حزب الله القرار الحكومي بشكل قاطع، وعبّر عن ذلك بتصعيد سياسي وشعبي محسوب. وأكد الأمين العام للحزب نعيم قاسم أن "المقاومة جزء من دستور الطائف"، وأن السلاح لا يناقش بالتصويت. كما أصدر الحزب بيانا وصف فيه القرار وكأنه "غير موجود"، لكنه في الوقت نفسه أبدى انفتاحا على الحوار، في إشارة لرغبته بتجنب مواجهة مباشرة مع الدولة.
كما يرفض الحزب مناقشة الورقة الأميركية، ويرى أنها تتجاوز اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، الذي -وفق تفسيره- يطال فقط سلاحه جنوب الليطاني، بينما الشمال شأن داخلي. ويؤكد أنه التزم بما طُلب منه في الاتفاق، بينما إسرائيل لم تنسحب من النقاط الخمس، وتواصل الانتهاكات والاغتيالات بالطائرات المسيّرة.
وتقوم إستراتيجية الحزب على كسب الوقت وتأجيل أي استحقاق حاسم، مستفيدا من الهشاشة الإقليمية. فالحرب على غزة مستمرة، والوضع في سوريا غير مستقر، وإيران تعمل على إعادة تموضعها. ويرى الحزب أن تسليم السلاح في الظروف الحالية قد يكون مدخلا لإعادة رسم موازين القوى في المنطقة ضده.
على المدى البعيد، إذا اضطر الحزب لتسليم سلاحه، فإنه يفضل حصر الأمر في السلاح الثقيل والهجومي (الصواريخ الدقيقة، الطائرات المسيّرة النوعية)، مع الاحتفاظ بقدرة ردع محدودة تكفل بقاءه قوة عسكرية كامنة يمكن استدعاؤها إذا تغيرت الظروف.
إعلانخطاب الحزب في هذا الإطار مزدوج:
بعد وطني: يربط السلاح بالدفاع عن لبنان. بعد هوياتي: يراه ضمانة وجودية للطائفة الشيعية. الموقف الإسرائيلي والأميركيإسرائيل ترى اللحظة فرصة إستراتيجية لـ"اقتناص هزيمة" الحزب، معتبرة أن قدراته استنزفت وأن تفوقها التكنولوجي حاسم. هي ترفض أي ضمانات للبنان وتصر على نزع السلاح دون مبدأ "الخطوة مقابل خطوة".
الولايات المتحدة تشارك إسرائيل الهدف البعيد، لكنها أكثر مرونة في الوسائل، وقد تكتفي إذا تعذّر نزع السلاح كليا بحرمان الحزب من القدرة على تهديد إسرائيل، وتقليص نفوذه السياسي والأمني، وحصر دوره في نطاق طائفي.
المأزق اللبنانيلبنان يواجه تحديا ثلاثي الأبعاد:
تحقيق الأمن والسيادة في الجنوب مع نزع سلاح الحزب. ضمان التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار والانسحاب. إيجاد صيغة لاستيعاب الحزب داخليا دون صدام أو خسارة الدعم العربي. السيناريوهات المحتملة1- استمرار الوضع الراهن:
بقاء سلاح الحزب، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس، والانتهاكات، خاصة إذا تعثر الحوار الأميركي الإيراني. ويبدو ذلك مرجحا على المدى القريب.
2- تصعيد إسرائيلي:
فرض الشروط الكاملة على لبنان، خصوصا نزع السلاح، في حال ضعف إيران أو تعرضها لانتكاسة.
3- تسوية وسطية:
تقليص قدرات الحزب (المسيّرات والصواريخ) مقابل ترتيبات أمنية، مع بقاء بعض السلاح داخليا إلى حين تسوية لبنانية شاملة.
وهذا الاحتمال يشبه أزمات لبنان التقليدية، وهو مرجح إذا تعافى حزب الله، واستطاع الصمود في مواجهة الضغوط الخارجية، خاصة إذا دخلت الولايات المتحدة أجواء انتخابات الكونغرس النصفية.
خلاصةحزب الله لا يعترف بالهزيمة رغم تعرضه لانتكاسة، ويؤكد احتفاظه بقدرة ردع تمنع إسرائيل من شن حرب شاملة. ويراهن على صمود حاضنته الشعبية ودعم إيران، ويعمل على ترميم قوته تدريجيا. لكنه لا يستطيع التمسك المطلق بسلاحه في وجه الضغوط دون تعريض البلاد لاضطرابات داخلية.
إسرائيل تسعى لاستغلال اللحظة لتجريده من سلاحه، والولايات المتحدة تعمل على تحجيمه سياسيا وعسكريا.
في حين يحاول لبنان الموازنة بين الضغوط الخارجية والحفاظ على تماسكه الداخلي.
في النهاية، سيبقى ميزان القوة بين الحزب وإسرائيل، وكذلك التفاهمات الإقليمية، العامل الحاسم في رسم مآل سلاح حزب الله، ما بين تنازلات تدريجية، أو تسويات مرحلية، أو استمرار الوضع الراهن تحت ضغط الزمن.