تحت الحصار.. الجوع يدفع أطفال بيري بشمال دارفور إلى تناول دقيق الذرة جافًا
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
صورة أطفال منطقة بيري أعادت للأذهان حرب 2003 التي شنتها حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، بمعاونة ما يعرف آنذاك بالجنجويد، وما نتج عنها من أحداث مأساوية أوصلته إلى المحكمة الجنائية
لم يكن الأطفال الذين اجتمعوا أمام المرأة المسنة، لتناول دقيق الذرة المطحون بـ”المرحاكة”، – حجران مقعران لطحن الحبوب – سوى مجموعة قليلة من آلاف الأطفال الذين يفتك بهم الجوع والمرض في إقليم دارفور بعد أن اضطروا إلى الفَرَار من منازلهم بسبب حرب 15 أبريل 2023″.
وفي صورة خاصة تحصلت عليها “التغيير”، يلتف الأطفال حول امرأة مسنة تقوم بطحن الذرة بـ”المرحاكة” “وتطعمهم الدقيق الناتج مباشرة -دون طهيه أو مزجه بإدام – لطرد الجوع الذي استقر في بطونهم.
إحكام الحصار
وكانت قوات الدعم السريع والمليشيات المتعاونة معها قد أحكمت حصارا على مناطق دار بيري بمحلية كتم في ولاية شمال دارفور منذ نحو ثلاثة أشهر.
صورة أطفال منطقة بيري أعادت للأذهان حرب 2003 التي شنتها حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، بمعاونة ما يعرف آنذاك بالجنجويد، وما نتج عنها من أحداث مأساوية أوصلته إلى المحكمة الجنائية.
إذ يواجه البشير تهما تتعلق بجرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، بعد اعترافه بقتل أكثر من 300 ألف شخص في إقليم دارفور”.
وكانت قوات الدعم السريع والمليشيا المتعاونة قد أحرقت أكثر من 65 قرية في شمال دارفور وقتلت النساء والأطفال وشردت المواطنين مما اضطرهم للاحتماء بـ(كراكير) الجبال والأشجار خوفًا من “بشط الجنجويد” بحسب عضو لجنة طوارئ أنكا، ناصر محمد موسى عمر لـ”التغيير”.
لجأ سكان دار بيري لهذه الوسيلة البدائية للحفاظ على حياة الأطفال وكبار السن، بعد أن ضرب سوء التغذية أجزاء واسعة من إقليم دارفور بسبب تعثر دخول قوافل الإنسانية لبرنامَج الغذاء العالمي إلى الإقليم منذ بدء الحرب في 15 أبريل 2023″.
وتقول منظمة “أطباء بلا حدود” إنها رصدت في يناير الماضي أن طفلا واحدًا على الأقل في مخيم زمزم بشمال دارفور يموت كل ساعتين، وفي ظل شُح الطعام أو عدم توافر مياه نظيفة أو رعاية صحية، أصبحت الأمراض التي كان من الممكن علاجها من قبل تفتك بالمصابين بها حاليًا”.
واتهمت منظمات حقوقية قوات الدعم السريع بممارسة الاغتصاب الجماعي ضد نساء في منطقة بئر مزّة بولاية شمال دارفور، في 25 نوفمبر الماضي.
اغتصاب النساء
وقالت شبكة حقوق الإنسان والمناصرة من أجل الديمقراطية (هاند) إن المعلومات الأولية تشير إلى أن 21 امرأة من بينهن فتيات قاصرات ونساء مسنات تعرضن للاغتصاب الوحشي تحت تهديد السلاح على يد عناصر من قوات الدعم السريع.
وأكدت “هاند” في بيان أن الحادثة وقعت أثناء توجه الضحايا إلى مزارعهن لحصد المحاصيل، مما يبرز ليس فقط ضعف النازحين ولكن ايضاً المخاوف الأمنية الجسيمة في المنطقة.
استهداف ممنهج
تواصلت (التغيير) مع عدد من مستشاري الدعم السريع للاستفسار عن الحوادث التي تقع في ولاية شمال دارفور التي تتهم فيها قواتهم والمليشيا المتعاونة معها لكنهم لم يتسجيبوا لتساؤلات الصحيفة حتى وقت النشر.
وفي وقت سابق أقدم أطفال بإقليم دارفور للأكل من “مكب النفايات”، بسبب انعدام الغذاء مما تسبب في وفاة عدد منهم حسب الناطق الرسمي باسم النازحين واللاجئين آدم رجال في تصريح سابق لـ(التغيير).
وتفرض قوات الدعم السريع حصارا على مناطق دار بيرى منذ 3 أكتوبر 2024، ومنعت وصول الدواء والغذاء وأوقفت جميع القوافل التجارية التي كانت تغذي المناطق من الطينة وكتم”.
ويقول ناصر، “الدعم السريع أحرقت القرى والمشافي والمدارس والمرافق الخدمية، ونهبت الماشية وجميع ممتلكات المواطنين”.
وتقع مناطق دار بيري في الجزء الشمالي الغربي لولاية شمال دارفور وتبعد حوالي 160 كيلو مترا عن مدينة الفاشر وعن محلية كتم حوالي 65 كيلو مترا”.
ووصف عمر، ما يحدث لسكان تلك المناطق بالاستهداف الممنهج على الرغْم أنها لا توجد بها قوات عسكرية تابعة للجيش السوداني أو القوات المشتركة، أو مواطني دولة 56 وعناصر النظام البائد الذي يدعى الدعم السريع محاربتهم”.
واتهم عضو لجان أنكا، الدعم السريع بالسعي إلى إحداث تغيير ديموغرافي لجلب مواطنين جدد للسكن في تلك المناطق”.
وناشد المنظمات الدولية والمحلية بضرورة الضغط على قوات الدعم السريع والمليشيا المتعاونة معها لفك الحصار عن تلك المنطقة”.
حرق القرى
وحصلت “التغيير” على صور وفيديوهات خاصة تؤكد اقدام قوات الدعم السريع والمليشيا المتحالفة معها على حرق العشرات من القرى، في مشهد يعيد للأذهان عمليات الحرق التي حدثت إبان حرب 2003 “.
من جهتها قالت لجنة طوارئ أبناء أنكا (بمبي – حلف) إن قرى ومناطق أنكا بويا تشهد منذ ثلاثة أشهر هجمات متواصلة تشنها مليشيا الدعم السريع والجماعات الموالية لها”.
وأوضحت في بيان حصلت عليه (التغيير)، أن هذه الاعتداءات تعد واحدة من القضايا المسكوت عنها في سياق الحرب الذي تشنها “المليشيات الجنجويدية” ضد المدنيين”.
وأكدت أن “المليشيات” تواصل تنفيذ عملياتها الوحشية مستهدفة المدنيين العزل باستخدام استراتيجيات عسكرية وبكامل عتادها العسكري في ظل غياب تام لأي وجود عسكري في هذه المناطق”.
وأشارت إلى أن الدعم السريع ارتكب انتهاكات في حق المدنيين، وركز في القتل على النساء والأطفال، فـ”المليشيا” تستهدف السكان المحليين عبر عمليات قتل ممنهجة وبطرق وحشية، تشمل استهداف الأطفال والنساء والشيوخ دون أي اعتبارات إنسانية كما حدث في 2003″.
وقالت إن “المليشيا لم تكتفِ بتنفيذ الجرائم، بل تتفاخر علانية بتوثيق أعمالها الوحشية، مما يظهر مستوى غير مسبوق من التحدي للقوانين الدولية والإنسانية.
مناشدة المجتمع الدولي
وناشدت لجان الطوارئ المجتمع الدولي بالضغط لفرض عقوبات صارمة على “هذه المليشيات” ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم بموجب القانون الدولي”.
وشددت على ضرورة معاملة الحكومة السودانية لكل مناطق السودان بنفس القدر من الأهمية دون تمييز، سواء كانت في شمال كتم، الجزيرة، شندي أو الفاشر.
ولفتت إلى أن مناطق أنكا تحولت إلى مسرحٍ للمجازر والانتهاكات، حيث بات الوضع الإنساني كارثيًا مع تزايد أعداد النازحين وغياب الخدمات الأساسية، واستمرار معاناة الأهالي في ظل تجاهلٍ عالمي وإقليمي لمأساتهم.
وقالت لجنة الطوارئ “إذا استمرت هذه الانتهاكات دون تدخل حاسم، فإن الأوضاع ستتفاقم بشكل أكبر ما يستدعي وقفة جادة من كافة الجهات المعنية لوقف النزيف الإنساني الذي تعانيه المنطقة”.
الوسومالدعم السريع المجاعة بيري شمال دارفور
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السريع المجاعة بيري شمال دارفور
إقرأ أيضاً:
واشنطن تعاقب شبكة تجند مقاتلين كولومبيين للقتال مع الدعم السريع في السودان
فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على شبكة دولية تقول واشنطن إنها لعبت دورا محوريا في تجنيد وتدريب مقاتلين كولومبيين – بينهم أطفال – لصالح قوات الدعم السريع في السودان، في خطوة اعتبرتها وزارة الخزانة الأمريكية استهدافا لمصدر خارجي رئيسي ساهم في إطالة أمد الحرب التي تعصف بالبلاد منذ عام 2023.
وقالت الوزارة إن العقوبات، التي طالت أربعة أفراد وأربعة كيانات، تأتي ضمن جهود "أوفاك" لوقف الإسناد العسكري الخارجي لقوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب فظائع واسعة في مناطق عدة، خصوصا دارفور.
مقاتلون محترفون في خدمة الدعم السريع
وبحسب بيان وزارة الخزانة، فإن الشبكة المستهدفة تتكون أساسا من مواطنين وشركات كولومبية بدأت منذ أيلول/ سبتمبر 2024 استقطاب عسكريين كولومبيين سابقين يتمتعون بخبرات في المدفعية والطائرات المسيرة والعمل الميداني، لنقلهم إلى السودان حيث يعملون كمقاتلين وسائقين ومشغلي مسيرات ومدربين، بمن فيهم أطفال جرى تجنيدهم في مناطق النزاع.
وتقول واشنطن إن هؤلاء شاركوا في معارك رئيسية داخل السودان، منها العملية التي انتهت بسيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر – عاصمة شمال دارفور – في 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي٬ بعد حصار استمر 18 شهرا، والتي تخللتها انتهاكات واسعة بحسب تقارير دولية.
من هم الأشخاص والكيانات الذين طالتهم العقوبات؟
تضم قائمة العقوبات شخصيات أساسية تصفها الولايات المتحدة بأنها "العصب المالي والتنظيمي" للشبكة، أبرزهم:
ألفارو أندريس كويخانو بيسيرا: ضابط سابق يحمل الجنسيتين الكولومبية والإيطالية، مقيم في الإمارات، وتتهمه واشنطن بإدارة عمليات التجنيد والتنسيق اللوجستي لنقل المقاتلين إلى السودان لصالح الدعم السريع.
وكالة التوظيف الوطنية في بوغوتا: شارك كويخانو في تأسيسها، وتقول الولايات المتحدة إنها كانت مركزا لحملات استقطاب القناصة ومشغلي المسيرات والمترجمين.
كلوديا فيفيانا أوليفيروس فوريرو: زوجة كويخانو ومديرة الوكالة، وتتهم بإدارة العقود والتفاصيل التشغيلية المرتبطة بإرسال المجندين.
ماتيو أندريس دوكي بوتيرو: يحمل الجنسيتين الكولومبية والإسبانية، ويدير شركة "ماين غلوبال كورب" في بوغوتا، واتهمته الخزانة بإدارة الأموال المخصّصة لرواتب المقاتلين.
شركة "غلوبال ستافينغ" (تالنت بريدج) في بنما: تقول السلطات الأمريكية إنها استخدمت لإخفاء الدور الفعلي لوكالة التوظيف الوطنية.
مونيكا مونيوث أوكروس وشركة "كوميرسياليزادورا سان بينديتو": متهمتان بإدارة تحويلات مالية تتعلق برواتب المقاتلين والتغطية اللوجستية.
وتشمل العقوبات تجميد أي أصول داخل الولايات المتحدة، ومنع الأمريكيين من التعامل مع الجهات المستهدفة، إضافة إلى حظر دخولهم الأراضي الأمريكية.
أكبر أزمة إنسانية في العالم
اندلعت الحرب في السودان في نيسان/ أبريل 2023 بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وسط خلافات حول دمج القوات شبه العسكرية ومسار الانتقال السياسي.
وسرعان ما تحول النزاع إلى معارك مفتوحة امتدت من الخرطوم إلى دارفور وكردفان ومناطق أخرى. وتشير تقديرات أممية إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح 12 إلى 14 مليون شخص، ما يجعلها واحدة من أخطر أزمات النزوح عالميا.
وتقول الأمم المتحدة إن ما يحدث في السودان يمثل أسوأ أزمة إنسانية في العالم حاليا، مع انهيار البنية التحتية وتعطل أكثر من 70–80% من المرافق الصحية، وانتشار الجوع وسوء التغذية الحاد خصوصا بين الأطفال.
سقوط الفاشر.. نقطة تحول عسكرية
كان سقوط مدينة الفاشر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي٬ الحدث الأبرز في مسار الحرب، إذ تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على آخر معقل رئيسي للجيش في دارفور، بعد حصار استمر 18 شهرا.
وتقول تقارير حقوقية دولية إن المدينة تحولت إلى "مسرح جريمة واسع" عقب دخول قوات الدعم السريع، حيث سجلت عمليات قتل وتهجير وانتهاكات واسعة، وسط مخاوف من ترسيخ واقع تقسيم فعلي بين مناطق الجيش والدعم السريع.
ومنذ ذلك الحين، واصلت قوات الدعم السريع تقدمها نحو ولايات كردفان، بينما يحاول الجيش التمسك بما تبقى من مناطق نفوذه في الوسط والشرق.
وفي سياق متصل، حذر مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك من احتمال تكرار "الفظائع التي ارتكبت في الفاشر" داخل إقليم كردفان، مع تصاعد القتال بين الجيش والدعم السريع.
وقال تورك للصحفيين إن المفوضية الأممية تعاني من نقص حاد في التمويل في وقت تتزايد فيه الانتهاكات والاحتياجات الإنسانية.