فلسطين في عيون مناضل ُمطارد
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
أن يكتب مناضل فلسطيني طورد من قبل المحتلين لتسع سنوات، رواية عن هذه السنوات التسع، (الأقانيم الثلاثة، صدرت عام 1998 عن دار نشر كنعان في فلسطين) فهذا مغوٍ ومثير للفضول وللمخيلة، ويأخذنا إلى أدب جديد تكتبه عيون فلسطينية جديدة بسياق مختلف، وسام رفيدي مناضل من مدينة البيرة، في فلسطين، أمضى جزءا كبيرا من حياته في السجون الاحتلالية، كيف تراه يبدو العالم في عيون مناضل وكاتب، اختبأ في بيت لتسع سنوات، وواصل أثناء اختبائه نضاله العنيد؟ كيف سيتحمل هذا الفلسطيني العاشق لبلاده وجود احتلال بشع يدمر حياة شعبه ويمنع تطوره الطبيعي؟ وهنا يسأل سائل ساذج: ألا يكفي وساما هذا النضال؟ لماذا يزج نفسه في أتون الكتابة؟
وأجيب أنا: لأنه يومن بأن فلسطين قضية مقدسة لكنها أيضا توثيق جمالي و فن وأغان ونصوص ومسرح ورقص؟ في كل حركات التحرر يسير الفن جنبا الى جنب مع البندقية، وسؤال آخر ساذج: ألا يستطيع وسام أن يكتفي بالكتابة كوسيلة مقاومة ويعيش حياته الطبيعية؟ أتخيل وساما يبتسم الآن ويجيب: هل تمزح معي؟ أين هي الحياة الطبيعية التي سأكتفي بها؟ هل هناك حياة طبيعية مع الاحتلال؟
تحتاج المعركة إلى الأدب، ليشرح عمقها، ويفهم أبعادها ويحتاج الأدب إلى المعركة لتعطيه معناه، وشرف الوجود، يتدخل الأدب ويقف خلف جبل مراقبا تفاصيل المعركة، فيصورها ويستكشفها ويختبر صلابتها، لا شيء كالأدب والفن، يوضح لنا سر البلاد، ومغزى حاجتنا للحرية، لا شيء كالمسرح مثلا يخلد قيمنا الوطنية ويرسخ ثوابتنا، ويعكس وهج روحنا الوطنية ويحرض على سطوعنا الدائم أمام عالم ذابل وتافه ومنافق.
خلف شخصية كنعان يختبى وسام كمناضل منتم وثوري، تخلى عن حياته الطبيعية، واندفع في أجمل أنكار للذات، وفي أروع استعداد للتضحية، من أجل بلاده، يا له من قناع هذا الكنعان الذي يذكرنا بالبلاد الأصلية بكنعانييها،!.
في سجن النقب الصحراوي كتب وسام أقانيمه الثلاثة، ونسمعه هنا وهو يشكر رفاقا ثلاثة:
(أخيرا وليس آخرا إنني مدين بشكري للرفاق الثلاثة الرائعين (عمر تايه ويوسف العاطي ويوسف عبد العال) في سجن نفحة الذين تجشموا عناء المهمة المملة وهي نسخ الرواية هذه على 54 كبسولة وتنظيم تهريبها عبر 6 سجون حتى وصلتني سالمة).
ثمة أشخاص آخرون إذن تقاسموا بعض بطولة هذه الرواية المدهشة، هم رفاق مخلصون، لم تكن الرواية لترى النور لولا إيمانهم بضرورة الكتابة، حقا مقدسا للفلسطينيين للتعبير عن حياتهم وحقا آخر لهم لتمجيد بطولتهم وتخليد نضالهم.
يوضح الكاتب وسام رفيدي سياق الرواية ودافعها في رسالة إلى حركة الشباب الفلسطيني في أمريكا التي لاحقا قررت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية: (كُتبت «الأقانيم الثلاثة» في سجن النقب (1991-1994، وهي واحدة من فترات الاعتقال العديدة التي تعرض لها الكاتب)، لتوثيق تجربة «كنعان» الذي أوكل إليه تنظيمه، «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، مهمة التخفّي وعدم السماح للاحتلال بتقييد طاقاته الثورية: «لا تستقبل أحدا ولا تزر أحدا»، ذلك في مرحلة انتقالية مهمة من تاريخ الثورة الفلسطينية تطلّبت بناء أدوات نضالية وتنظيمية جديدة ومختلفة، من ضمنها تجربة الاختفاء عن الأنظار: «للنضال فاتورته التي ينبغي دفعها عن طيب خاطر وللحياة السرية اشتراطات ينبغي مراعاتها، وللثورية طريقها في غسل الذات، وها هي تفعلها بقسوة الوحدة).
لم ُيكتب الكثير مما يعتد به عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1989- 1993) كانت الأقانيم الثلاثة أول عمل أدبي فلسطيني يكتبه مناضل منخرط في الحدث الكبير وأحد صناع مشهد الانتفاضة التي هزت العالم آنذاك، ورغم أن هذا الكتاب هو كتاب يصور تجربة حزبية خاضها المناضل وسام، إلا أنها عكست مجمل النار التي اندلعت في وجه العدو وصورت الحركة الموّارة للشعب كله.
لغة الرواية بسيطة وصفية دقيقة، وحادة تشبه مضمونها الثوري فهي موجودة لتعكس النار لا لترقص أمامها، ولا لتختال بملابسها، فهي جادة وليس لديها وقت للدلال ولا تفكر بقارئ يطرب لها ولرنينها.
قدم الرواية المناضل القومي الشهير المرحوم جورج حبش ونقتبس من تقديمه: (الرواية سيرة ذاتية للبطل الإيجابي، الذي يقتحم لجة المجهول، ويقبل التحدي، ولا غرو أن مراحل وتعقيدات نضالنا تتطلب بطلا نخبويا، باهرا وهذا ما كانه وديع وما كانه كنعان).
الكاتب في سطور
وسام رفيدي هو باحث ومحاضر متفرغ في دائرة العلوم الاجتماعية في جامعة بيت لحم- فلسطين، عمل سابقا كمحاضر غير متفرغ في جامعة بيرزيت لعلم الاجتماع والدراسات الثقافية. حاصل على شهادتي ماجستير من جامعة بيرزيت، الأولى في علم الاجتماع عن رسالته، التحولات على مكانة المرأة في الرواية الفلسطينية المعاصرة، ما قبل وبعد أوسلو، والثانية في الدراسات العربية المعاصرة.
يحاضر منذ سنوات في مساقات عدة منها النظرية الاجتماعية، والحركات الاجتماعية، والإعلام والاتصال، والسكان، والعائلة، كما يساهم حاليا مع زملائه في الدائرة تطوير مساقات إضافية في التاريخ الاجتماعي الفلسطيني وعلم اجتماع الدين. للباحث رواية منشورة (الأقانيم الثلاثة) بطبعتين في رام الله ودمشق، وكتاب صدر عن الفارابي حول المرأة والرواية الفلسطينية بين زمنين: أوسلو والمقاومة، وكتاب ثاني صدر في رام الله حول صناعة الكتاب في فلسطين قُدِم لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب، كما أن له العديد من الدراسات المنشورة في مجلات وكتب، منها دراسات في الهوية الفلسطينية بعد أوسلو، القومية المتخيلة والعنف في النص التوراتي، والخطاب الفكري للمنظمات.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى
أذكر أنني في آخر مقال كتبته عن حادي ركبنا، قائد قافلة خيرنا القاصدة أبداً إن شاء الله، خادم الحرمين الشريفين، سيّدي الوالد المكرم، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قلت إن الإنسان ليحتار حقَّاً عن أي سلمان يكتب؟!: القائد البطل الفذ؟ الإداري العبقري؟ الإنسان المتوكل على ربِّه الواثق في نصره وعونه؟ إلى أن وصلت إلى: المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى.
الحقيقة تذكرت مقالي هذا الذي تم نشره مؤخراً، عندما كنت أطالع تقرير رؤيتنا (2030) الطموحة الذكية، للعام المنصرم (2024) التي هندسها أخي العزيز الغالي، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد القوي بالله الأمين، فإذا بوسائل التواصل الاجتماعي، تتناقل خبراً مفاده تبرع سموه الكريم بمبلغ مليار ريال من حسابه الخاص، دعماً لتمليك الإسكان للمحتاجين.
فوضعت التقرير جانباً، واحترت للمرة الثانية في وصف هذا الرجل الذي جاء يمشي على خطى سلمان، مثلما احترت من قبل في وصف قائدنا سلمان، حتى ليكاد يهلك نفسه بسبب انكبابه على العمل ومواصلته ليل نهار، والتفكير الدائم من أجل رفعة الوطن وراحة المواطن. وصدقاً لم أجد وصفاً يعبِّر عمَّا يعتمل في النَّفْس من مشاعر تجاه هذه الأعمال العظيمة، التي ينجزها لنا مع بزوغ كل فجر جديد، التي لا يستطيع تحقيقها إلا القادة العظماء أمثاله، وقليل ما هم. كما يخذل الإنسانَ اللسانُ في التعبير عمَّا يشعر به من شكر وتقدير وعرفان وامتنان.
فبدا لي أن أقترح على الجهات الحكومية المعنية في هذه الدولة المباركة، استحداث وسام بمسمى (وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى) يكون سموه الكريم أول إنسان يناله، تعبيراً عن شكرنا وتقديرنا وعرفاننا وامتناننا لحسن صنيع ولي عهد بلادنا القوي بالله الأمين، وإن كان مهما عملنا أو قلنا في حقِّ هذا الرجل الكبير فينا اليوم، لن نستطيع أن نوفيه ما يستحق، غير أنه يبقى على كل حال جهد المقل كما يقولون.
ومن ثَمَّ يصبح منح هذا الوسام تقليداً رائعاً لكل سعودية وكل سعودي ممن يقدمون خدمة استثنائية عظيمة لرفعة الوطن وراحة المواطن. وصحيح، يصعب على أي واحد منَّا، إن لم يكن يستحيل، أن يُقَدِّم منفرداً لهذا الوطن العزيز الغالي الذي ليس مثله في الدنيا وطن، الذي يستحق أرواحنا ودماءنا، ما تقدمه القيادة الرشيدة؛ غير أنه على كل حال، استحداث مثل هذا الوسام الاستثنائي، يجعلنا جميعاً نتسابق في خدمة بلادنا وراحة شعبنا، لنحظى بمثل هذا الشَّرف العظيم، ولعمري أي شرف أعظم من أن ينال الإنسان (وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف) في خدمة بلاد الحرمين الشريفين؟!.
ختاماً: أتمنى صادقاً من كل قلبي، أن نشاهد قريباً جداً سمو ولي عهد بلادنا القوي بالله الأمين، وهو يتقلَّد هذا الوسام، الذي هو أحقُّ به اليوم من أي واحد بيننا.
فاللَّهم أحفظ قادتنا، ومتعهم بالصحة والعافية، وبارك لنا في عمرهم ورزقهم وذريتهم، واجزهم عنَّا كل خير.