الانتخابات وقلق الموقف من روسيا.. تحولات سياسية تهدد دعم أوكرانيا في أوروبا
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
مع تصاعد الحرب في أوكرانيا، لا تزال الدول الأوروبية الحدودية مع أوكرانيا تمثل الخط الدفاعي الأول في معركة كييف ضد موسكو، ومع ذلك شهدت هذه الدول تحولات غير متوقعة في مواقفها السياسية التي قد تعيد رسم توازنات القوى في المنطقة، حيث بدأ العديد من القادة في تلك البلدان إظهار تقارب مع روسيا، ما يثير تساؤلات حول استمرارية الدعم الغربي لأوكرانيا.
وكان أحدث هذه التحولات كان فوز كالين جورجيسكو، الذي يحظى بإعجاب موسكو، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا في 24 نوفمبر 2024، هذا الفوز أحدث حالة من القلق في أوكرانيا، حيث أن المحكمة الدستورية ألغت الانتخابات قبل يومين من جولة الإعادة.
وإذا فاز جورجيسكو مجددًا في الانتخابات المقبلة، فقد يتشكل تحالف يضم رومانيا، المجر، وسلوفاكيا، ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، قد لا تدين روسيا كما كانت الحال في السابق.
ويعد هذا التوجه خطوة غير مرحب بها بالنسبة لأوكرانيا، التي تعتمد على دعم هذه الدول في مواجهة روسيا.
ومع اقتراب الانتخابات في جمهورية التشيك ومولدوفا في عام 2025، بالإضافة إلى احتمال تغير المواقف في بلغاريا، فإن هذا التوجه قد يوسع دائرة المعارضة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي.
مخاوف من تراجع دعم الجيران
منذ بداية الحرب، كانت دول مثل رومانيا والمجر وسلوفاكيا تشكل حصنًا أساسيًا في دفاع أوكرانيا، حيث كانوا يقدمون الدعم العسكري واللوجستي ويمررون الأسلحة والمساعدات الإنسانية إلى الأراضي الأوكرانية.
ولكن مع تحول السياسة في هذه الدول، بدأ القلق يعم حول قدرة أوكرانيا على الاستمرار في الحصول على المساعدة الضرورية في ظل تزايد الأصوات المعارضة في هذه الدول.
في هذا السياق، يقول فولوديمير دوبوفيك، الخبير الأوكراني في العلاقات الدولية، إن أي تراجع في الدعم الغربي لأوكرانيا قد يعزز المواقف المتساهلة مع روسيا في دول مثل المجر وسلوفاكيا.
ويتخوف دوبوفيك من أن هذا قد يضعف وحدة التحالف المؤيد لأوكرانيا، ويزيد من الضغط على كييف لتقديم تنازلات لموسكو، وهو السيناريو الذي لا تريده أوكرانيا.
الدور المركزي للمجر وسلوفاكيا ورومانيا
من بين هذه الدول، تصدرت المجر تحت قيادة فيكتور أوربان المشهد في تعاطفها مع روسيا.
وأوربان، الذي يعتبر من أبرز المدافعين عن بوتين في أوروبا، أبدى مرارًا دعمه لروسيا من خلال مواقف تعارض عقوبات الاتحاد الأوروبي على موسكو، فضلًا عن سعيه لتعميق التعاون في مجالات الطاقة مع روسيا.
ففي يوليو 2023، سهلت المجر دخول الروس والبيلاروسيين إلى أراضيها دون فحوص أمنية مشددة، ما أثار القلق داخل الاتحاد الأوروبي بشأن أمن المنطقة.
أما في سلوفاكيا، أصبح روبرت فيكو رئيسًا للوزراء في 2023، وهو شخص آخر يشترك مع أوربان في مواقف مناهضة للدعم العسكري لأوكرانيا.
وخلال حملته الانتخابية، تعهد فيكو بعدم إرسال مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، مشيرًا إلى أن هذا الدعم لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع.
وعلى الرغم من أن سلوفاكيا كانت جزءًا أساسيًا في دعم كييف من خلال توفير المعدات العسكرية والإمدادات، فإن موقف فيكو القوي ضد أوكرانيا قد يغير الحسابات السياسية في المستقبل.
رومانيا نقطة التحول في الدفاع الأوروبي عن أوكرانيا
بالنسبة لرومانيا، التي تعتبر جزءًا أساسيًا من الدفاع الأوروبي ضد روسيا، فإن تغييرات في موقفها ستكون لها تبعات كبيرة على الأمن الأوروبي.
فرومانيا، التي تستضيف العديد من قواعد الناتو مثل قاعدة كونستانزا على البحر الأسود، والتي تعد الأكبر في أوروبا، تلعب دورًا محوريًا في نقل الأسلحة والمساعدات لأوكرانيا.
إضافة إلى ذلك، فإن وجود أنظمة دفاع صاروخي باتريوت أمريكية في رومانيا يجعلها موقعًا استراتيجيًا حاسمًا في مواجهة التهديدات الروسية.
وإذا تغيرت مواقف رومانيا في المستقبل القريب، فإن ذلك سيشكل ضربة مروعة للاتحاد الأوروبي والناتو.
وفقًا للمؤرخ أولف برونباور، فإن فقدان دعم رومانيا سيكون له تأثيرات كبيرة على نقل الأسلحة والإمدادات إلى أوكرانيا، وسيقلل من فعالية الجهود العسكرية الغربية في منطقة البحر الأسود.
التداعيات الاقتصادية
على الجانب الاقتصادي، لا تقتصر أهمية رومانيا على دورها العسكري فقط، بل تعد أيضًا مركزًا اقتصاديًا حيويًا لأوكرانيا.
ففي عام 2022، مع فرض روسيا حصارًا على موانئ البحر الأسود الأوكرانية، سعت أوكرانيا لتأمين طرق تصدير بديلة عبر الأراضي الرومانية، ما سمح بمرور صادرات الحبوب والمنتجات الزراعية.
ومن خلال الإعفاءات الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، تمكنت أوكرانيا من الحفاظ على اقتصادها رغم الحصار الروسي.
مستقبل الدعم الغربي لأوكرانيا
إن تحولات مواقف هذه الدول قد تؤدي إلى إضعاف الدفاعات الغربية عن أوكرانيا، إذا استمر هذا الاتجاه، فقد تجد كييف نفسها في موقف صعب، خاصة مع اقتراب الانتخابات في 2025 في دول مثل جمهورية التشيك ومولدوفا، حيث تزداد الأصوات المشككة في الدعم العسكري لأوكرانيا.
وفي النهاية، فإن تحول رومانيا والمجر وسلوفاكيا نحو موقف أكثر تساهلًا مع روسيا سيشكل تهديدًا استراتيجيًا خطيرًا لأوكرانيا وحلفائها في الناتو، وقد يساهم في إعادة تشكيل التحالفات الأوروبية بما يتماشى مع المصالح الروسية، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع كبير في الدعم الغربي لأوكرانيا.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: اقتراب الانتخابات الانتخابات الرئاسية الانتخابات المقبلة الاوروبية الجولة الأولى الحرب في أوكرانيا الحصول على الدعم العسكري الدعم الغربي الدستورية الدول الأوروبية الدفاعات المساعدات المحكمة الدستورية انتخابات المقبلة
إقرأ أيضاً:
كيف سترد روسيا على قرار الاتحاد الأوروبي استخدام أصولها السيادية؟
موسكو – أعلن البنك المركزي الروسي أنه رفع دعوى قضائية على شركة الإيداع البلجيكية "يوروكلير"، التي تحتفظ بمعظم احتياطيات روسيا المجمدة داخل الاتحاد الأوروبي.
وجاء هذا التحرك عقب موافقة الاتحاد الأوروبي على تجميد نحو 210 مليارات يورو (246 مليار دولار) من الأصول السيادية الروسية "طالما دعت الحاجة"، بدلًا من آلية التصويت السابقة التي كانت تفرض تمديد قرار التجميد كل ستة أشهر.
ووصف البنك المركزي الروسي خطط الاتحاد الأوروبي بأنها "غير قانونية"، معتبرا أنها تنتهك مبادئ الحصانة السيادية للأصول، ومؤكدا أنه سيحدد مبلغ التعويض "استنادا إلى قيمة الاحتياطيات نفسها، فضلًا عن الأرباح الفائتة".
كما شدد البنك على أنه "يحتفظ بحقه، دون إشعار مسبق، في تطبيق جميع سبل الانتصاف والضمانات القانونية المتاحة"، في حال دعم أو تنفيذ أي من المبادرات التي اقترحها الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن.
من جانبه، أعرب الممثل الخاص للرئيس الروسي، كيريل ديميترييف، عن ثقته بأن محاولات بروكسل "لسرقة" الأصول الروسية يمكنها أن "تقوض النظام المالي العالمي برمته".
ويُزيل الإجراء الأوروبي الجديد خطر رفض المجر وسلوفاكيا تمديد التجميد في أي وقت، وهو ما كان قد يُجبر الاتحاد الأوروبي على إعادة الأموال إلى روسيا في حال تعثر التوافق السياسي داخل التكتل.
كما يهدف القرار إلى إقناع بلجيكا بدعم خطة الاتحاد الأوروبي لاستخدام الأموال الروسية المجمدة لتقديم قرض لأوكرانيا يصل إلى 165 مليار يورو (193.66 مليار دولار)، لتغطية احتياجاتها خلال عامي 2026 و2027.
أساس قانونيومن وجهة النظر الأوروبية، تُعد هذه الخطوة ضرورية لإرساء أساس قانوني لاستخدام هذه الأموال، أو عائداتها، لصالح أوكرانيا، بدلًا من مصادرتها كاملا. ويؤكد الاتحاد الأوروبي أن القانون يحظر إعادة هذه الأموال إلى البنك المركزي الروسي "إلى حين توقف روسيا عدوانها على أوكرانيا وتعويضها عن الأضرار"، وفقًا لبيانه الرسمي.
إعلانوتشير البيانات إلى أن معظم هذه الأموال مودعة في بلجيكا، إذ يوجد الجزء الأكبر منها، نحو 185 مليار يورو (217.13 مليار دولار)، في مركز إيداع الأوراق المالية التابع لشركة "يوروكلير" في بروكسل، في حين أودِع الجزء المتبقي في بنوك خاصة بدول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي.
وعقب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، جمّد الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع ما يقارب نصف احتياطيات روسيا فيها من الذهب والعملات الأجنبية، وتُقدَّر قيمتها الإجمالية بنحو 300 مليار يورو (352.11 مليار دولار).
ووفقًا للمفوضية الأوروبية، جرى تحويل 18.1 مليار يورو من عائدات هذه الأصول المجمدة إلى كييف في الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2025.
ويرى مراقبون روس أن قرار البنك المركزي الروسي برفع الدعوى القضائية جاء بعد مفاوضات مطولة وغير مثمرة مع الجانب الأوروبي، في خطوة تهدف إلى إعادة القضية إلى مسارها القضائي، تمهيدًا لاتخاذ مزيد من الإجراءات لاحقًا.
ووفقًا للخبير في القانون الدولي فلاديمير مكسيموف، يتعين على الاتحاد الأوروبي الانتقال إلى المرحلة الثانية من عملية مصادرة الأصول، وذلك خلال قمة الاتحاد المقررة يومي 18 و19 من الشهر الحالي، من أجل الموافقة على تخصيص "قرض تعويضات" لكييف بضمان أصول روسية مجمدة.
ويوضح مكسيموف للجزيرة نت، أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي قد يواجهون عقبة أساسية، إذ إن تجميد الأصول على الأمد الطويل لا يعني بالضرورة وجود توافق سياسي وقانوني على منح القرض المقترح لأوكرانيا خلال القمة.
وحسب المتحدث، فإن روسيا ستفقد، مع ذلك، إمكانية الوصول إلى احتياطياتها السيادية في أوروبا لأجل غير مسمى، وهو ما يُعد انتهاكًا صريحًا لمبادئ الحصانة السيادية للأصول.
ويؤكد الخبير أن موسكو ستلجأ إلى جميع السبل القانونية المتاحة للطعن في إجراءات الاتحاد الأوروبي وشركة "يوروكلير" في المحاكم الروسية والدولية، إضافة إلى استخدام القرار الأوروبي كمرجعية قانونية لتبرير الاستيلاء على الأصول الغربية، باعتبارها تعويضًا عن الأضرار.
ويحذر مكسيموف من أن عواقب مصادرة الأموال ستكون سلبية على النظام المالي العالمي ككل، وقد تفتح الباب لإجراءات انتقامية روسية، خاصة في ظل وجود معارضة داخلية داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. فقد أعربت دول مثل المجر وسلوفاكيا وبلجيكا وإيطاليا ومالطا عن مخاوفها من هذه المخاطر، مطالبة بضمانات واضحة لاحترام القانون الدولي.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي أندريه زايتسيف، أن قرار الاتحاد الأوروبي بتجميد الأصول الروسية بشكل دائم ستكون له تداعيات اقتصادية وسياسية لا تقتصر على روسيا وحدها، بل تمتد إلى دول الاتحاد الأوروبي أيضًا.
فبالنسبة لروسيا، سيؤدي القرار إلى فقدان طويل الأمد لإمكانية الوصول إلى الأصول السيادية التي يمكن استخدامها لدعم الاقتصاد وتمويل الميزانية، ما يعني بقاء هذه الأموال مجمدة إلى حين دفع تعويضات لأوكرانيا، وهو ما يزيد الضغوط المالية على موسكو، وفق توصيفه.
إعلانوفي المقابل، سيُرسي القرار الأوروبي سابقة قد تُقوض ثقة دول أخرى في النظام المالي الغربي، ويدفعها إلى البحث عن ولايات قضائية بديلة وأكثر أمانًا لإيداع احتياطياتها السيادية.
أما بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما تلك التي تتركز فيها الأصول الروسية، فيحذر زايتسيف من تعرضها لمخاطر اتخاذ إجراءات انتقامية روسية ضد الأصول والمستثمرين الغربيين داخل روسيا.
ويرجح الخبير أن تتجه موسكو إلى مصادرة أو تجميد أصول شركات وأفراد غربيين يقيمون في روسيا، على غرار ما حدث في مايو/أيار 2024، عندما جرى توقيع مرسوم يسمح باستخدام الأصول الأميركية كتعويض، مع إمكانية تطبيق إجراءات مماثلة على أصول تابعة لدول الاتحاد الأوروبي.
ويختتم زايتسيف بالإشارة إلى أن روسيا ستواصل جهودها الرامية إلى تقليص الاعتماد على الدولار واليورو، والتوسع في التسويات التجارية باستخدام العملات الوطنية مع شركائها، بهدف تقليل الارتباط بالبنية التحتية المالية الغربية والحد من المخاطر المستقبلية.