مصر وعُمان ورحلة اللبان: عبق الماضي يعبُر الحاضر
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
محمد بن عيسى البلوشي
تُشرق اليوم العلاقات العُمانية المصرية بنور جديد؛ إذ حلّت السيدة انتصار السيسي، حرم فخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ضيفة كريمة على سلطنة عُمان، في زيارة تُعيد إلى الذاكرة صفحات مُضيئة من تاريخ مشترك، امتزجت فيه رائحة اللبان العُماني بعبق الحضارة المصرية.
هذه الزيارة تأتي امتدادًا لجسور وُضعت حجارتها منذ أزمنة بعيدة، وتعززها زيارات سامية على أعلى المستويات، كان آخرها زيارة السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان المُعظم- حفظها الله ورعاها- إلى مصر في مايو 2024، وزيارة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى القاهرة في مايو 2023.
هنا، في هذه الأيام المباركة، تتلاقى العيون والقلوب بين بلدين، جمعهما ليس فقط التاريخ؛ بل رائحة اللُبان الذي كان يسافر من موانئ ظفار كأنَّه رسول سلام يحمل في عبقِه قصصًا تُروى ولا تنتهي. هذا اللبان، الذي أبحر من موانئ سمهرم وخور روري، كان يصل إلى مرافئ مصرية عبر البحر الأحمر، ومن هناك كانت الجِمال تحمله في جرار فخارية إلى المعابد العريقة؛ حيث تختلط رائحته بطقوس الفراعنة، شاهدة على حضارة عريقة ووصل متين بين البلدين.
اليوم، وفي ظل هذه الزيارات المضيئة، يبرز حلم جديد: لماذا لا تُحاكى هذه القصة الحضارية العظيمة؟ لماذا لا تعود تلك السفن الخشبية لتسلك الطريق ذاته، وكأنها تسافر عبر الزمن، حاملة اللبان العُماني إلى المتحف المصري الكبير؟ هناك، يمكن لهذه القصة أن تروي للعالم أصالة اللبان ودوره في صنع جسور من المحبة والتعاون بين الحضارتين العُمانية والمصرية.
ليس اللبان وحده ما يمكن أن يعبر الزمن من عُمان إلى مصر. ثمة فرصة سانحة لإحياء هذا التاريخ عبر مشروع ثقافي مشترك، يبدأ من المتحف الكبير ويأخذ الزوار في رحلة تمتزج فيها الروائح بالألوان؛ حيث يمكن عرض منتجات اللبان العُماني، والعطور التي تتخللها روحه، إلى جانب منسوجات ظفارية تنطق بلسان الماضي وتروي كيف شكّلت التجارة هوية ظفار.
زيارة السيدة انتصار السيسي تأتي كتأكيد جديد على الأهمية التي توليها القيادتان الحكيمتان للعلاقات بين البلدين. هي لحظة تتلاقى فيها الأحلام مع الواقع، خاصة في ظل النهضة المتجددة التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- في عُمان، والرؤية المستقبلية لفخامة الرئيس السيسي في مصر.
في هذه اللحظات، يبدو التاريخ وكأنَّه يبتسم؛ اللبان العُماني، الذي لا يزال يفوح عبيره من جبال ظفار، يواصل حكايته، يُحلق برائحته فوق مياه البحر الأحمر ليصل إلى أرض الكنانة. إنها قصة لا تنتهي، قصة عبق يتخطى حدود الجغرافيا ليعبر الأجيال، كأنه شاهد على أنَّ الحضارات العظيمة لا تُبنى فقط بالحجر؛ بل بالعطر، وبالقصص التي تُروى.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
WP: نتنياهو قرر شن حرب على إيران العام الماضي ثم سعى لدعم ترامب
بدء رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي وضع الخطط للحرب ضد إيران قبل وقت طويل من شروع الرئيس دونالد ترامب في بذل الجهود لـ"حل المخاوف" بشأن البرنامج النووي الإيراني من خلال المفاوضات.
وجاء في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أنه "بعد تدمير إسرائيل الدفاعات الجوية الإيرانية في مناوشة صاروخية وشلّت حليفها الرئيسي، حزب الله، في تشرين الأول/ أكتوبر أصدر نتنياهو أمرًا عامًا بالتحضير لضربة"، بحسب ما نقل عن مسؤولين حاليين وسابقين.
وأوضح "بدأ مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية بالتجمع لجمع قوائم بأسماء عشرات العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين الذين يمكن استهدافهم بالاغتيال، بدأ سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير الدفاعات الجوية في لبنان وسوريا والعراق بشكل منهجي لتطهير السماء لشن غارات جوية مستقبلية ضد إيران".
وذكر أنه "في غضون ذلك، كان المسؤولون الإسرائيليون يسلكون مسارًا آخر في استعداداتهم - للتأثير على واشنطن، ولطالما اعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن العمل العسكري بمشاركة الولايات المتحدة لاستهداف البرنامج النووي الإيراني سيكون أكثر فعالية من قيام إسرائيل بمفردها، والسبت انضم ترامب بالفعل إلى الصراع، وأمر القوات الأمريكية، بما في ذلك قاذفات بي 2 الاستراتيجية، بضرب ثلاثة مواقع نووية إيرانية".
وأضاف أنه "طوال فصل الخريف، التقى الإسرائيليون بنظرائهم في إدارة بايدن لمناقشة المعلومات الاستخباراتية التي جمعها كلا البلدين خلال الصيف، والتي أظهرت أن العلماء النوويين الإيرانيين يجتمعون لاستئناف الأبحاث النظرية حول التسليح"، وفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر.
واعتبر محللو الاستخبارات الأمريكية أن القيادة الإيرانية لم تتخذ مثل هذا القرار، وهو تقييم أعادت وكالات التجسس الأمريكية النظر فيه وحافظت عليه طوال فصل الربيع في ظل إدارة ترامب الجديدة وحتى وقت شن "إسرائيل" للضربات، وفقًا لخمسة أشخاص مطلعين على الاستنتاجات.
في محادثات خاصة، قال مسؤولون حكوميون إسرائيليون كبار إنهم قرروا بالفعل بحلول شهر آذار/ مارس، أي قبل أسابيع من لقاء نتنياهو بترامب في المكتب البيضاوي في 7 نيسان/ أبريل، توجيه ضربة لإيران بمشاركة الولايات المتحدة أو بدونها بحلول شهر حزيران/ يونيو على أبعد تقدير، وفقًا لشخصين مطلعين على الأمر.
وأوضحت المصادر أن هذا الموعد يرجع لأن إيران ستكون قد أعادت بناء دفاعاتها الجوية بحلول النصف الثاني من العام.
في نهاية المطاف، عندما شن نتنياهو هجومه المفاجئ على إيران في الساعات الأولى من يوم 13 حزيران/ يونيو، بينما كانت مفاوضات ترامب لا تزال جارية، لم يكن القرار مدفوعًا بمعلومات استخباراتية جديدة تشير إلى اندفاع إيراني نحو امتلاك سلاح نووي أو أي تهديد وشيك لـ"إسرائيل"، بل إن "إسرائيل" انتهزت ما اعتبرته فرصة فريدة لتنفيذ خطط وُضعت بعناية قبل أشهر وسنوات، لإلحاق ضرر جسيم بإيران ولإعاقة البرامج النووية والصاروخية الإيرانية، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين وأمريكيين ومستشارين للحكومتين.
وذكر تقرير الصحيفة أن "امتلاك نتنياهو أدلة كافية على تقدم إيران نحو امتلاك سلاح نووي كان لتبرير الهجوم موضوع نقاش حاد عالميًا، ويثير تساؤلات حول جواز الضربات بموجب القانون الدولي. في الأيام الأخيرة، بدا أن هذه القضية تُثير جدلًا داخل الإدارة الأمريكية، حيث رفض ترامب مرارًا التقييم الذي أصدرته مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد في آذار/ مارس الماضي، والذي يفيد بأن القيادة الإيرانية لم تأمر بتطوير سلاح نووي، وصرح للصحفيين بأنه يعتقد شخصيًا أن إيران قريبة جدًا من امتلاك قنبلة نووية".
وأضاف أن "نتنياهو، الذي جادل لعقود بأن إيران على وشك امتلاك أسلحة نووية، وأنه يجب إيقافها بضربات عسكرية، أقر في مقابلات أجريت معه مؤخرًا بأن إيران لا تزال على بُعد أشهر أو عام من امتلاك سلاح نووي.. وما لا جدال فيه هو أن إيران خصبت كميات كبيرة من اليورانيوم إلى مستوى يتجاوز بكثير ما هو مطلوب للاستخدام المدني، وبنت ترسانة خطيرة من الصواريخ الباليستية".
وقال مسؤول إسرائيلي، تحدث، مثل كثيرين غيره ممن وردت أسماؤهم في التقرير شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة المداولات الداخلية، إن "حسابات إسرائيل لمهاجمة إيران كانت مدفوعة بشعور بالفرصة والضرورة في آن واحد".
وقال المسؤول الإسرائيلي: "صحيح أنه لم يكن هناك وقت أفضل: لم يكن الإسرائيليون أكثر خبرة من أي وقت مضى، ولم تكن إيران ووكلاؤها أضعف من أي وقت مضى. لكن هذا لا يكفينا للعمل. سبب عملنا هو الضرورة وإدراكنا لعدم وجود بديل. ماذا لو انطلقوا [نحو سلاح نووي] ولم نجد سبيلاً لنلاحظ؟ لم يبقَ هناك أي مجال أمان".
وأكد التقرير أن "وكالات الاستخبارات الأمريكية، اكتشفت منذ أواخر العام الماضي، استعدادات إسرائيل لهجوم، وحذّرت صانعي القرار في واشنطن من احتمالية توجيه إسرائيل ضربة في الأشهر الستة الأولى من عام 2025".
وأوضح أن "خطة نتنياهو تأخرت بشكل غير متوقع عندما استُدعي إلى واشنطن للقاء ترامب، وأُبلغ بأن الولايات المتحدة ستدخل في مفاوضات مباشرة مع إيران لحل المشكلة دبلوماسياً. مع ذلك، قال مصدر مطلع على تفكير كبار المسؤولين الإسرائيليين إن ميل رئيس الوزراء القوي للهجوم ظلّ دون تغيير".
وكشف مسؤول إسرائيلي أنه مع بداية فصل الربيع، كان هناك قلق بين المسؤولين الإسرائيليين من أن أي اتفاق محتمل بين مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، وإيران سيسمح لإيران في نهاية المطاف بامتلاك قنبلة نووية. وقال مسؤول إسرائيلي كبير سابق إن الإسرائيليين كانوا يتوقعون التقاعد المقرر للجنرال مايكل كوريللا، قائد القيادة المركزية الأميركية الذي ساعد في وضع خطط الحرب مع "إسرائيل" طوال فصل الربيع.
وفي مقابلةٍ مع "القناة 14" الإسرائيلية، قال نتنياهو إنه "كان قد حدد التوقيت الدقيق للضربة قبل أسبوعين فقط، لكنه اتخذ القرار الصعب بتنفيذ العملية قبل عدة أشهر وبدأ في بلورة الخطة وعنصر المفاجأة فيها في نيسان/ أبريل".
واعتبر أن "الحل كان هو القضاء على الخبراء النوويين، كانت هذه تعليماتي: سنلاحق العلماء، ونقضي عليهم".
في "إسرائيل"، أيدت غالبية المؤسسات الأمنية والأحزاب السياسية قرار نتنياهو بتنفيذ ما اعتبروه ضربةً وقائية. لعقود، كان "مبدأ بيغن"، المسمى باسم رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن، الذي دافع عن قصف "إسرائيل" لمفاعل أوزيراك النووي في العراق عام 1981 واصفًا إياه بأنه "دفاعٌ استباقي عن النفس" ضد عدوٍّ محتمل يُصنّع سلاح دمار شامل.
لكن أقلية منهم شككت في حكمة شن هجوم مفاجئ بينما كان ترامب لا يزال يسعى إلى المسار الدبلوماسي - ويقولون، دون دليل على أن الإيرانيين قد قرروا صنع سلاح نووي.
قال داني سيترينوفيتش، الرئيس السابق لمكتب إيران في إدارة الأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية: "كان ينبغي أن نمنح المسار السياسي فرصة.. الآن، حققنا إنجازات عملية، لكن المخاطر هائلة، لم نقاتل قط دولة مثل إيران، نجد أنفسنا لا نعرف أين [اليورانيوم عالي التخصيب] أو أجهزة الطرد المركزي، لو كان لدينا اتفاق، لكان لدينا على الأقل عدد أقل من المجهولين".
منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع إيران في عام 2018، زادت إيران بشكل حاد مخزونها من اليورانيوم المخصب شبه الصالح للأسلحة، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن وكالات الاستخبارات ناقشت ما إذا كانت إيران قد استأنفت جهودها لبناء سلاح نووي - يُعرف باسم مشروع عماد - والذي أوقفه آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، عام 2003.
في العام الماضي، راجع مسؤولو الاستخبارات الأمريكية، بمن فيهم مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام ج. بيرنز، معلومات استخباراتية جديدة وخلصوا إلى أن العلماء الإيرانيين يعيدون النظر في أبحاث الأسلحة النووية التي كانت معلقة سابقًا، ويستكشفون مسارات قد تسمح لهم بالقفز بسرعة أكبر إلى قنبلة نووية بدائية - إذا اختار خامنئي ذلك، وفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر. ثم توصل المسؤولون الإسرائيليون إلى نفس الإدراك.
لكن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية لم يستنتجوا أن خامنئي قد غيّر موقفه ووافق على القنبلة، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وإسرائيليين سابقين مطلعين على الأمر. وقال مسؤول أمريكي كبير سابق: "كنا نعلم أنهم يستطيعون تسريع جدولهم الزمني إذا قرروا تغيير مسارهم".
وأوضح التقرير "كان الإسرائيليون أكثر قلقًا. وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن "الاختلاف الرئيسي" بين وجهات النظر الأمريكية والإسرائيلية "كان تكتيكيًا وليس جوهريًا، وأضاف المسؤول الإسرائيلي: "لقد رأينا إيران تتقدم في مشروعها.. لم يكن لدى إيران جدول زمني، لكن المسار الذي اختارته كان مقلقًا وخطيرًا للغاية. وكان لدى بعض الخبراء هنا مخاوف بالغة".
وقال جاكوب ناجل، مستشار نتنياهو المخضرم في القضايا النووية الإيرانية والزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن العلماء الإيرانيين يعملون في أوساط أكاديمية، ولم يكن هناك دليل قاطع يُظهر أنهم قد شقوا طريقًا جديدًا في جوانب التسليح المحظورة بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، مثل جهاز تفجير متعدد النقاط يُستخدم لإحداث انفجار نووي.
وأضاف ناجل أنهم كانوا يُجرون أبحاثًا، على ما يبدو، سرًا، حول مواضيع يصعب تبريرها على أنها ذات تطبيقات مدنية فقط. وأضاف أن خامنئي "ربما كان على علم بما يفعلونه"، قائلا إنه في مرحلة ما، سألت إدارة بايدن إيران عن أنشطة العلماء، لكن العلماء واصلوا العمل، مما زاد من شكوك إسرائيل مع بداية الربيع.