هل الإيمان بنظرية التطور يعني الإلحاد؟
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
سالي علي
بدايةً، لا يوجد في نظرية التطور أو افتراضاتها ما ينفي وجودِ الخالق أو المدبِّر، على العكس تمامًا، تعتبر نظرية التطور تفسيرًا علميًا للتنوعِ الهائل في الكائنات الحيَّة بناءً على آلياتٍ طبيعية يُمكن دراستها وفهمها بأسلوبٍ تجريبي خاضع للاختبار والتكرار، وهذا النهج العلمي هو ما دفعَ تشارلز داروين إلى تسمية كتابه الشهير "أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي أو بقاء الأعراق المفضلة في أثناء الكفاح من أجل الحياة".
إن النظرية الحديثة للتطور تختلف بعض الشيء عن النسخة الأصلية التي طرحها داروين؛ حيث تقوم على قوانين علمِ الوراثة (Genetics) وعلم البيئة (Ecology). هدفها الأساسي تفسير الظواهر البيولوجية من منظور علمي وتاريخي، وليسَ في ذلك ما يناقضُ وجودَ الخالق تمامًا كما أنّ فهم الظواهر الطبيعية في علم الفيزياء أو الكيمياء لا يتعارضُ مع الإيمان بالخالق.
داروين نفسهُ أعربَ عن دهشته من رفض البعض لنظريته على أساس ديني، قائلًا في إحدى مذكراته: "يمكننا السماح للأقمار، والكواكب، والنجوم، وحتى النظم الكونية بأنّ تكون محكومة بقوانين، لكننا نصّر أنّ أصغر الحشرات خُلقت بفعل خاص وفوري".
حقيقةً تهدف هذه المقالة إلى استعراض مواقف المؤسسات الدينية والعلماء المؤمنين من نظرية التطور، وإظهار الأدلة التي تؤكّد أنّ النظرية ليست متعلقة بالإلحاد أو الكفر بالخالق، هي ببساطة نظرية علمية تسعى إلى تفسير بعضِ الظواهر الطبيعية.
وغالبًا ما يُهاجم أنصار "الخلق المباشر" نظرية التطور بدعوى تعارضها مع النصوص الدينية المتعلقة بخلقِ آدم وحواء، معتبرين أنّها تهدفُ إلى هدم الأديان أو تقويض مصداقية القصص الدينية.
ولكن نظرية التطور لا تتعلق فقط بنشأة الإنسان؛ بل تسعى لتفسير نشأة جميع الكائنات الحية، الإنسان هنا مجرد نوع واحد ضمن هذا السياق. كما تتعارض النظرية مع التفسيرات الحرفية لقصة آدم وحواء، لكنها لا تتعارض مع التفسيرات الرمزية أو المعنوية للقصة.
والخلقيون أنفسهم غالبًا ما يقبلون التفسيرات الرمزية لخلقِ السماوات والأرض في ستّة أيام، لكنهم يصرّون على حرفية قصة خلق الإنسان، رغمَ أنّ ذلك ليس ضروريًا لمواءمة النصوصِ الدينية مع العلم الحديث.
وثمة شواهد على حيادية النظرية، منها:
علماء يؤمنون بنظرية التطور؛ فقد أظهرت دراسة أجريت عام 1997 على ألف عالم مدرجين في قائمة "رجال ونساء العلم الأمريكان" أن 40% منهم يؤمنون بحدوث التطور ولكنهم يعتقدون أن الله أرشد هذه العملية. وفي دراسة أجراها معهد Pew Research عام 2009، ظهر أن 8% من علماء رابطة تقدم العلوم الأمريكية (AAAS) يعتقدون أنّ التطور حدث بتوجيه إلهي، بينما 87% يرونه نتيجة لقوانين الطبيعة وحدها، دونَ أن يعني ذلك أنهم ملاحدة بالضرورة. العلم والدين متكاملان؛ فالرابطة الأمريكية لتقدّم العلوم نشرت مواد علمية تدعو إلى فهم العلاقة بين الدين ونظرية التطور، موضحة أن النظرية لا تناقض الإيمان، بل تسير في إطار فهم أعمق للخلق.لذا وختامًا نصل إلى أن نظرية التطور ليست قضية إيمانية بقدر ما هي نظرية علمية تسعى لتفسير التنوع البيولوجي. قبول النظرية لا يعني رفض وجود الخالق؛ بل يمكن أن يُنظر إليها كوسيلة لفهم قوانين الطبيعة التي وضعها الخالق نفسه، ما يدعو للدهشة هو أن الجدل حولها ينشأ غالبًا بسبب سوء الفهم أو التفسيرات الحرفية للنصوص الدينية، وليس بسبب تعارض حقيقي بين العلم والدين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الضويني: علماء الأزهر حماة السنة وحرّاس العقول من الانحراف والتشدد
قال أ.د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، إننا نشهد اليوم ختما مباركًا لأحد كُتب الحديث الفريدة، وهو شرح علل الترمذي، للحافظ ابن رجب، وهو كتاب عظيم القدر يعرف مكانته المشتغلون بالدراسات الحديثية، نستطيع أن نقول عن هذا الكتاب إنه: نسيج وحده في علوم الحديث.
وأضاف وكيل الأزهر خلال الاحتفالية الكبرى التي عقدتها الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالجامع الأزهر لختم كتاب "شرح علل الترمذي" أنه قد تميزت عبقرية «الماتن» وهو الإمام الترمذي في وضع قواعد لتعليل المرويات وصارت مَعْلمًا هَاديًا للمشتغلين بعلم العلل خصوصا، وعلم الحديث عموما، ثم جاء الشارح ، وهو الحافظ ابن رجب ببراعته المشهودة، ودقته المعهودة، وسلاستِه المعروفة، فكشف عن مخبات هذه القواعد بتحليل عميق، وفهم عالي دقيق، أبان ذلك عن تبحره في قواعد الاصطلاح.
موعد يوم عاشوراء لعام 2025 وما فضل صيامه؟
ما الحكمة من صيام يوم عاشوراء .. وهل صامه النبي؟
وتابع أن الحافظ بن رجب من عظيم فوائده أنه ينقل في شرحه هذا من مصادر فقدناها، فاحتفظ هذا السفر الذي دبجه يراعه بفرائض من بطون تلك المصادر، كما أنه ربط القارئ لتلك القواعد الحديثية، والضوابط النقدية بتطبيقات الأئمة الأوائل النقاد، من أصحاب التعليل للمتن والإسناد ممن عاينوا الأصول، واطلعوا على كثير من المرويات، فجاء شرحًا حافلا ينهل منه شداة الحديث وطلبته، ويُفيد منه علماء الحديث ونقدته.
وأردف الدكتور الضويني، أنه مما يُسعد الخاطر، ويسر الفؤاد أن قام بشرحه بين أروقة الأزهر علم من أعلام الحديث بالأزهر الشريف، فضيلة أ.د/ أحمد معبد عبد الكريم ، عضو هيئة كبار العلماء، وقد استغرق في شرح هذا الكتاب قرابة عامين، لم ينقطع عطاؤه العلمي طلاب الحديث، وقد كتب الله لدرسه القبول التام فأصبح الدرس محط نظر وعناية لدى طلاب الحديث الشريف في كل مكان، وانتفع الطلاب والباحثون بآرائه العلمية، ونقداته الحديثية، واختياراته العلمية التي تدل على سَعَةِ اطلاع، وطول باع، وفهم عميق ومعرفة دقيقة لعلل الأخبار، ورواة الآثار ، مع سلاسة لا تخفى.
وأكد وكيل الأزهر أنه ليس غريبا على أزهرنا الشريف وجود هذا الحراك العلمي، والتنافس المعرفي، إذ نرى أنوار الفهوم تتحدَّرُ مِنْ عُقول عُلمائه، فتضيء الطريق أمام محبي العلم ودارسيه وسُفَرائِهِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، مبينا أن الأزهر لم يغب يوما من الأيام عن أداء دوره العلمي، ولم يتخلف أبدا عن واجبه المعرفي تدريسًا وتعليمًا، وتأليفا وتصنيفا، مع جودة في الطرح، وسلاسة في العرض، ودقة في الإيراد والتقرير، ومبالغة في التهذيب والتحرير، لذلك تميز هذا المعهد المعمور، وشهد لعلمائه القاصي والداني على مر العصور والأزمان.
وأوضح أن عقد مجالس ختم كتب العلم سنة درج عليها العلماء عبر القرون، ونحن إذ نقيم هذا الختم المبارك في الجامع الأزهر الشريف، وفاء وعرفانا وإحياء لما قام به أئمة الحديث وفرسانه من جهود مباركة في هذا الباب، إذ هي عادة علمية كريمة درج عليها العلماء في أزهرنا المبارك.
واختتم الدكتور الضويني أن دور الأزهر الشريف واضح جلي في صناعة العلم، وتكوين الثقافة الإسلامية الصحيحة، ومواجهة الخرافة، وألوان العنف والتطرف، ويأتي هذا المجلس دليلا وشاهدًا على ذلك، كما أن هذا المجلس وغيره بأروقة الأزهر يؤكد بحق أن الأزهر يُولي السنة النبوية عناية فائقة في بابي الرواية والدراية، وأن علماء الأزهر هم أحد بناة صروح العلم بصبرهم وجَلَدِهِم على تعليم العلم ونشره؛ يبتغون بذلك فضلا من الله ورضوانا، فإنهم يحافظون بذلك على العقولِ مِنْ نَزق فكرة متشددة، أو رؤية منحرفة متحللة، ويحافظون بذلك أيضًا على أوطانهم ويسعون في رعايتها وبنائها ورقيها.