لا تفتقر الدراما الأميركية شجاعة تناول الموضوعات الجدلية على كل المستويات سواء في السياسة أو المجتمع، لكنها لا تخلو من توجيه في محاولة لبناء وجدان على المقاس الأميركي.

وقد لعب الإنتاج السينمائي والدرامي الأميركي عبر العقود الماضية دور السفير الثقافي والاجتماعي، أحيانا، لدى شعوب العالم كله بمسلسلات مثل "دالاس" و"فالكون كريست" ونجوم مثل مارلين مونرو ومايكل جاكسون.

حين تتناول هذه الدراما الداخل الأميركي، لا تتورع عن إظهار نماذج فاسدة مقابل الانتصار للمنظومة المؤسسية في النهاية.

وحين يتناول مسلسل مثل "الجنون" (The Madness) أشكالا من الفساد السياسي والإجرام والتمييز العنصري في جهاز الشرطة، فإنه لا يبتعد عن الواقع كثيرا، لكنه يبتعد بتلك النهايات السعيدة البعيدة تماما عن واقع الأمر.

تعبير مؤلم

هناك شيء مؤلم في ملامح الممثل الأميركي كولمان دومينغو، إنه خيط من الذكرى يتسلل بالمشاهد إلى عصور ليست بعيدة، كان أجداده خلالها يرزحون تحت نير العبودية، وفيما تقيدهم الجنازير الحديدية الوحشية تحت لهيب الشمس ويمزق ظهورهم السوط، كان ذلك التعبير يظهر على وجوههم، فهو تعبير عن حالة من البؤس والعجز، ونداء استغاثة قادم من أعماق القلب لمن يملك ذرة رحمة.

إعلان

ذلك الألم الذي استدعى دومينغو ذكرياته في مسلسل "الجنون" (The Madness)، والذي يعرض على شاشة نتفليكس، لم يغب كما قد يتصور الكثيرون، وذلك الاستعباد الذي يرى الكثيرون أنه أصبح جزءا من ماض كريه، لم يغب أيضا.

فالمسلسل القصير الذي أخرجه ستيفن بيلبر يشير إليه بأصابعه العشرة، ويجسده واقعا، ويؤكد أن كل ما تغير هو شكل الاستعباد، لكن القوى التي تسيطر على الثروة والنفوذ، ما زالت في مكانها تراكم ثروات جديدة وتحرص على امتلاك مصائر البشر إلى الأبد.

"الجنون" مسلسل قصير من 8 حلقات، تدور أحداثه حول ناقد إعلامي، يقرر قضاء إجازة في مكان منعزل استعدادا لكتابة رواية، لكنه يشهد هناك جريمة قتل وحشية، وحين يقوم بإبلاغ الشرطة، تنقلب الأمور بشكل مذهل ضده ويتم تلفيق التهمة له بشكل محكم، وتتبرأ منه الشبكة التلفزيونية التي يعمل لصالحها، وتجمد عقدها معه، ويتخلى عنه محاموه في إشارة إلى أنه يجب أن يستسلم، ويقبل الاعتراف.

يقرر الإعلامي مونسي ويليامز أن يناضل لإثبات براءته، دون أن ينجرف إلى المقاومة بالعنف، ولكنه يواجه بطبقات عديدة من التآمر، حتى يكتشف في النهاية أنه لا سقف للمؤامرة، وأن عليه أن يتقبل براءته، وعودته لعمله، مقابل إخفاء الجزء الأكثر خطورة من المؤامرة.

دراما ألف ليلة وليلة

مسلسل "الجنون" يقدم مسارات درامية معقدة ومتشابكة، مما يجعله يشبه دراما حكايات "ألف ليلة وليلة" العربية، حيث تمتد الحكايات بلا نهاية وتتكاثر من بعضها بعضا. شخصية البطل "مونسي ويليامز"، الناقد الإعلامي الناجح ذو الأصول الأفريقية، تظهر مثالية لشخص يجمع بين الحياة السياسية والإعلامية، ويسعى جاهدًا لتحقيق التوازن بينهما، إلى درجة أنه تم تخصيص برنامج جديد له.

ولذا، يقرر أن يعزل نفسه قليلاً للتفكير في الأمر، لكنه في الوقت ذاته زوج وأب محب، دفعته أولوياته للتخلي عن زوجته وابنه. كما أنه كان قد تورط في شبابه مع فتاة من جيله، وأنجب منها ابنة شابة تعيش في عالم مختلف تمامًا عن عالمه، ولا يراها إلا نادرًا.

إعلان

لم يتم بناء شخصية البطل فقط بدقة، لكن شخصيات المسلسل بدءا من الابنة الكبرى للبطل وابنه المراهق وزوجته، ومحاميه، جميعهم يملكون قصصهم الخاصة، ولكل منهم تاريخ سابق على المسلسل، وهو أهم ما يميز العمل، فلا شخصيات مبتورة ولا ملائكة ولا شخصيات عبارة عن أفكار فقط.

تسوق الدراما بطلها إلى حكايات ابنته الكبرى في مجتمعها الأسود الدافئ والبسيط، والذي أصبح عائلتها بعد أن غاب عنها الأب، وحكايات الابن الذي يشكل صداقات مثيرة للجدل بالنسبة لأبيه، لكن أصدقاءه يساندون الأب والابن بشكل مذهل ومحرج للأب الذي طالبه مرارا بالبعد عنهم.

تسوق الدراما أيضا إلى أسرار الضحية الذي ينتمي إلى إحدى جماعات التطرف الأبيض التي تمارس العنف ضد السود، ويلتقي أرملة الضحية التي تملك حكايتها الخاصة مع جماعات التطرف الأبيض، ليكشف مجتمعا خفيا وثقافة يتعمد الإعلام الغربي إخفاءها وسط سيل الأخبار عن الإرهابي المسلم أو المجرم الأسود أو المهاجر اللاتيني غير الشرعي. استطاع صناع العمل أن يحشدوه بالمعرفة المبررة دراميا، ما يجعله من أكثر الأعمال التلفزيونية ثراء وحرفية في المزج بين ثقافة المكان والدراما.

تستدرج الدراما المحكمة والمشوقة المشاهد حتى تتكشف حقائق المؤامرة التي تتجاوز مونسي ويليامز نفسه، باعتباره مجرد وسيلة يستخدمها محترفو الانتخابات الرئاسية في خلق الوقيعة بين العرقين "الأبيض" و"الأسود" بهدف حصد الأصوات، ولا مانع من إهدار بعض الدماء في سبيل ذلك.

مونتاج حذر

تبدو ظاهرة التلاعب بالمونتاج عبر الحكي غير الخطي والتلاعب بالزمن قد وصلت إلى مرحلة المبالغة، فأصبح الأمر بلا معنى، أو زاد العمل المعقد غموضا، لكن مخرج "الجنون" تعامل بمشرط جراح مع كل "فلاش باك"، فكان الأمر أشبه باستدعاء مشهد سابق بهدف توضيح ما يعنيه مشهد حالي، أو ما يمكن أن ينتج عنه في سياق العمل.

إعلان

الاستعانة بالعودة للماضي "الفلاش باك" في العمل جاء لأسباب موضوعية في الإجمال، ذلك أننا أمام رجل أسود يمارس دورا في المساحة العامة المسماة الإعلام، وبالتحديد في منطقة التماس بين العرقين، وهي منطقة ملغومة، لكنه معتدل، بينما مات والده سجينا بعد أن قتل شخصا أبيض مارس عليه أسوأ أنواع العنصرية، ولأن شبح جريمة والده يطارده، فقد كان أكثر حرصا من غيره.

لم يرث مونسي ويليامز ميل والده للانتقام والمقاومة العنيفة، لكن الكثير من قومه يؤيدون ذلك الاتجاه وبينهم ابنته "كيلي" أو الممثلة غابرييل غراهام، ويثبت ويليامز أن النضال السلمي هو الضمان للنجاح في التحرر من ربقة الظلم.

اختار المخرج أن يعود بحذر لماضي البطل القريب، وهو ذلك المتعلق باكتشاف جريمة القتل، لكنه أبى أن يعود للصبا والشباب والأب الذي مات سجينا، وهو ما يشير إلى رغبته في مناقشة فكرة المقاومة بالعنف مقابل النضال السلمي دون استحضار شخوص أو منحهم فرصة للدفاع عن اتجاههم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

مي سليم لـ«الأسبوع»: فضلت الغناء على الدراما.. وردود الفعل على «اتعلقت بيه» أسعدتني

نجمة متميزة، بدأت مشوارها الفني مطربة، ثم اقتحمت عالم التمثيل بعدد من الأدوار المختلفة التى نالت إعجاب الجمهور منها، «الديلر، فرتيجو، الوالدة باشا، مزاج الخير، بدون ذكر أسماء، خلف الله، المداح، لحم غزال، محمد حسين». وغيرها.

«الأسبوع» التقت الفنانة مي سليم فى حوار خاص، تحدثت خلاله عن سر تركيزها فى عالم الغناء خلال الفترة الحالية، والأعمال الغنائية التى تحضر لها، وتجربتها الدرامية «روج أسود»، وتفاصيل شخصية «ريم» التى قدمتها خلال هذا المسلسل، ومشاركتها فى العرض المسرحي «المجانين» بموسم الرياض، وأشياء أخرى خلال هذا الحوار.

- ما الذى شجعك على العودة للغناء مؤخرًا؟

ردود الفعل على أغنيتي الأخيرة المصورة «اتعلقت بيه» أسعدتني كثيرًا، وشجعتني على التركيز في اختيار أغانٍ مختلفة خلال الفترة المقبلة.

- شاهدنا مي سليم خلال أغنيتها الأخيرة «اتعلقت بيه» على طريقة الفيديو كليب.. ما الذى أثار حماسك لتصوير هذه الأغنية بالتحديد؟

سعيدة جدا بتصوير أغنيتي الأخيرة على طريقة الفيديو كليب، خصوصًا أن تصوير الكليبات لم يعد شائعاً كما كان في السابق، بسبب تغير سوق الموسيقى وتوجهاته، ولأن الكثير من الفنانين أصبحوا لا يصورون أغانيهم، لذلك حين تحدثت شركة الإنتاج عن تصوير الأغنية شعرت بأن هذه الفرصة لا يجب إهدارها، خصوصا أن الكليب تم تصويره في تركيا تحت إدارة المخرج الموهوب زياد خوري.

- ماذا عن كواليس التعاون مع زياد خوري؟

شعرت براحة تامة أثناء العمل معه، لأنه فهم طبيعة الأغنية وإحساسها، وتمكن من ترجمة هذا الإحساس بصريا بشكل مختلف وجديد، وبالفعل أظهرني خلال الكليب بصورة لم يسبق أن ظهرت بها من قبل، ولن يكون هذا التعاون هو الأخير بيننا، وأحضر حالياً أغنية جديدة سيتولى خوري إخراجها أيضًا.

- هل تفضل مي سليم طرح أغنياتها بشكل منفرد؟ أم من خلال ألبوم كامل؟

نعم أفضل طرح الأغاني المنفردة بدلاً من الألبومات، نظرا إلى ما يتطلبه إنتاج الألبوم من وقت وجهد طويلين، خصوصاً في ظل تغير شكل الصناعة الفنية وتحول الجمهور إلى التفاعل السريع مع الأغاني المنفردة، التي تحظى باهتمام كبير خلال مراحل التحضير، وتستغرق وقتاً طويلاً في النقاشات والاختيارات.

حدثينا عن كيفية اختيار كلمات الأغاني التى تقدمينها للجمهور؟

تحضير أي عمل غنائي يمر بعدة مراحل، تبدأ أولا بمناقشة الكلمات والألحان والتوزيع الموسيقي، إضافة إلى اختيار الفكرة المناسبة لتصويرها، وهو ما يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين. وخلال الأشهر القليلة الماضية، فضلت التركيز على العودة للغناء بدلاً من المشاركة في دراما رمضان، خصوصاً أن توقيت تصوير الكليب تزامن مع فترة التحضير للموسم الدرامي الرمضاني الأخير، ولو كنت انشغلت بتصوير عمل درامي في رمضان، لاضطررت إلى تأجيل طرح «اتعلقت بيه» مرة أخرى، ولهذا قررت أن أعطي الغناء أولوية في هذه المرحلة، وهو ما انعكس إيجابياً في تفاعل الجمهور مع الأغنية بعد صدورها.

- هل يشغلك خلال الفترة الحالية التركيز فى عالم الغناء؟

أشعر بحماس شديد للعودة بقوة إلى الساحة الغنائية، بعد فترة كنت منشغلة فيها بالتمثيل، وتنقلت خلالها بين عدة أعمال درامية»، وكنت أحاول طوال الوقت تحقيق التوازن بين التمثيل والغناء، وهو ما لم يكن سهلاً دائماً.

- وماذا عن مشاركتك فى مسلسل «روج أسود»؟

هذا المسلسل تم الانتهاء من تصويره منذ فترة، وهو من إخراج محمد عبد الرحمن حماقي، وهو عمل يتناول قضايا الطلاق من خلال ست حكايات مستقلة، مستندة إلى قصص واقعية تم اقتباسها من وقائع حقيقية داخل محاكم الأسرة، وحقق نسب مشاهدة كبيرة بعد عرضه على المحطات الفضائية.

- وكيف كانت التحضيرات لشخصية «ريم» في هذا المسلسل؟

هذه الشخصية مليئة بالتفاصيل والانفعالات وأرهقتني جداً، وهي تحمل الكثير من المشاعر، ما جعلها تشعر بتحدٍ كبير أثناء تجسيدها، وحرصت على تقديم الدور بصدق، واعتبرته من أصعب الأدوار التي قمت بها في مسيرتي الفنية.

- ماذا عن مشاركتك فى العرض المسرحي «المجانين» بموسم الرياض؟

تجربة مسرحية «المجانين»، التي قدمتها ضمن فعاليات «موسم الرياض» في السعودية، هي تجربة مميزة وفريدة من نوعها، لأن الوقوف على خشبة المسرح له طعم مختلف تماماً عن التصوير أو الغناء، ويحتاج إلى استعدادات خاصة.

- كيف استقبلت ردود الفعل من قبل الجمهور فى المملكة العربية السعودية؟

الأجواء هناك كانت رائعة، وسط جمهور متذوق للفن ويتفاعل من القلب، والمملكة أصبحت من أهم الوجهات الفنية في المنطقة، وتوفر فرصاً كبيرة للفنانين للتواصل مع جمهور مختلف ومتنوع.

- ماذا عن أعمالك الغنائية القادمة؟

أعمل حالياً على أغنية جديدة من المقرر طرحها في شهر أكتوبر المقبل، وهي من كلمات مدين وتوزيع يحيى يوسف، ومتحمسة لهذا التعاون، خصوصاً أن الأغنية تمثل نقلة مختلفة في إحساسي الفني، وأحرص دائما على أن تكون كل أغنية أقدمها متميزة عن سابقتها، حتى أحافظ على حالة التجديد الفني التي أسعى إليها.

اقرأ أيضاً«إتعلقت بيه».. مي سليم تطرح أحدث أعمالها الغنائية في عيد الفطر 2025

«تعلقت بيه».. مي سليم تروج لـ أجدد أعمالها الغنائية

مقالات مشابهة

  • ترامب: أحب الرئيس الصيني لكنه عنيد
  • وزير الخارجية: استمرار العمليات العسكرية من الجانب الإسرائيلي سيؤدي للمزيد من إراقة الدماء
  • سيف السيف ينتقد إدارة الاتحاد بعد إهدار 20 مليون يورو على مدربين ثم إقالتهم
  • بعد أزمة بطل العمل.. بدء تصوير «دم على نهد» لـ هند صبري بهذا الموعد | خاص
  • مي سليم لـ«الأسبوع»: فضلت الغناء على الدراما.. وردود الفعل على «اتعلقت بيه» أسعدتني
  • جوكر الدراما العراقية حافظ لعيبي يمسك بالهلال الذهبي
  • مسلسل ليلى: تغيير يوم العرض وقرار مرتقب حول مصيره
  • الذهب يرتفع مع تهديد الرئيس الأميركي بمضاعفة الرسوم الجمركية
  • وزير الشئون النيابية: نظام التأمين الصحي الشامل حلم لدى كل دولة لكنه بدأ يتحول لحقيقة في مصر
  • العمل: غرامة لا تقل عن 800 دينار على صاحب العمل الذي يُضبط لديه عامل سوري لا يحمل تصريحًا